صحيفة المثقف

سامي عبد العال: الإلحاد.. والتألُّه

سامي عبد العالقد يكون أبرز ما في الإلحادِ هو روح الرفض لـ (أشكال التفكير اللاهوتي) وليس التوجُس حصرياً من فكرة الايمان. والتقاليد الشكلية من تلك الزاوية (حتى بالنسبة للمؤمنين) هي أكثر الأشياء ضجيجاً وصخباً في الأديان. لأنَّ الإلحاد (يبتكر بصيغ مختلفةٍ) تعبيراً عما يطرحه من آراءٍ ومواقفٍ على أسنة الشكِ، وكأنَّه يلهثُ وراء أشباحٍ دونما توقفٍ. وهذا ما يجعل الإلحاد منزلقاً إلى (المواقَّع الخطأ عادةً) حين يهدف إلى تأكيد شيء مناقض للاعتقاد. تماماً مثله مثل الإيمان حين ينحرف مع الزمن إلى الشكل لا إلى الجوهر من الدين. فقد يكون الملحد رافضاً للدين على نحو يكون الرفض مُسلَّمةً، بينما الهدف هو التمرد على سلطة نمط التدين الغالب. وذلك يجعل الالحاد شكلاً بالتبعية في حدودِ المظاهر التي تعبر عن التمرد والإنكار والرغبةِ في المخالفةِ.

أغلب الملحدين يقعون في تلك (الدائرة الحُرة بالفعل) والتي يوسعونّها حول أنفسهم نتيجة تغيرات العصر وخروج الإنسان عن الطوُق. فتأرجح الأفكار الخاصة بالإلحاد يرمي نحو (قوة إنسانيةٍ ما) هي الهدم لأسوار المُحرمات حين تصبح رُؤى للحياة ومساراً للتاريخ. أي أنَّ المواقف الرافضة للدين تُوضّح طبائع التدين في المجتمعات، وكيف تشكلُّ هذه الطبائع أفعالاً قاهرةً (لكونِّها تُحمّل الدين ما لا يُحتمل). وبخاصة عندما تغدو المُحرمات قُيوداً مختلطةً بالآفاق الاجتماعية والسياسية لحركة الثقافة، وحين تمارسُ أدوارها على صعيد الوعي كبدائل لممارسة الحياة الحُرة (أو هكذا يُفترض) بقوة الأفكار المهيمنة على المجتمعات.

والغريب أنَّ تمكُّن الهوس بالمحرمات من رقاب الأفراد يعودُ بنتائج سلبيةٍ على الدين نفسه ويسير عكسَ ما يريد المتدينون (الحقيقيون) فعله. كما أنَّ ملاحقة الإلحاد بسوُط التخويف الميتافيزيقي والسخرية الدينية والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور في الدنيا والأخرة أمرٌ ليس من صميم الدين في شيءٍ. ولذلك حرص الإسلام على القول بحرية الاعتقاد (المطلقة!!) مهما تكن حتى ولو أنكرت هذه الحرية وجودَ الله نفسه (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). والفاء في الحالين تفيد السرعة والحسم وما يترتب عليهما من نتائج، أي أنَّ الله يؤكد على أنَّ دخول الإيمان مرتبط مباشرة بالمشيئة الفردية دون سواها وكذلك الكفر مرهون بمجرد الرفض في التو واللحظة. ولقد حرص الإسلام أيضاً على التأكيد: " أنَّ الأصل في الأشياء والأعمال هو التحليل لا التحريم". والحلال والحرام لا يُؤخذان كل هذه المساحة من الانشغال دون العمل والإنتاج والإبداع لعالم الإنسان.

السؤال إذن: ما معنى أن يبدع الإنسان طرائق مختلفة لتفكيره (معتقداً) أنه يخرج عن كل اعتقادٍ سائد؟ وماذا لو اخترق كلَّ سقفٍ ممكن ولو كان هذا السقف إلهاً هو خالق الأكوان؟ وماذا لو جاءت النتائج (فوق هذا وذاك) معارضةً للسلطة المتشكلة عبر أدمغة الناس؟!

تلك الأسئلة بدورها هي مبعث القلق والريبة إزاء (كلمة إلحاد) لو حاولنا مناقشة القضية بشكل منفتحٍ. لأنَّ الإله بحكم تواريه الميتافيزيقي والوجودي (يستحيل) للبشر (استحالة كاملة) التمكن من الوصول إليه ولا إنكاره بالمقابل. فالحقائق الميتافيزيقية التي يؤمن بها المتدينون ولا يستطيعون إثباتها على نحوٍ ملموس تُساوي (= رياضياً) عملية إنكارها (الإلحاد) دون إمكانيةٍ دحضها أو إلغائها على نحوٍ ملموسٍ أيضاً. المعادلة بين الطرفين من تلك الجهة هي (معادلة صفرية) إيماناً وإلحاداً بالتمام. بكلمات واضحة، فإنَّ الإلحاد موقف يستحيل البرهنة على ما يقولُه تجاه الإله (لأنَّ الإنكار موقف إيماني وجدلي ولو كان معكوساً) والإيمان موقف يستحيل البرهنة على ما يقولُه تجاه الإله (لأنَّ الاعتقاد موقف غير إيماني يدخل سياق المعرفة والفكر). ولذلك ظهرت التجارب الروحية في جوانب كل الأديان تقريباً كبدائل ثرية للموقفين وحققت ما عجزا عنه من العلو الميتافيزيقي الحُر.

إذن المفارقة هي: أنَّ الإلحاد يوجد بالنسبة إلى دين معين بينما يتصور صاحبه أنْ ذلك موقف أصيل إزاء الأديان قاطبة، إذ يقال ملحد إزاء الاسلام أو اليهودية أو المسيحية أو غيرها (فجميع الأديان لديها ملحدوها)، في حين أنه يعمم ذلك دون إثبات. وحتى لو صح موقف الملحد إزاء فكرة الاديان كلها من حيث المبدأ، فهذا غير حقيقي (أو بالأحرى غير دقيق)، لكون الإنسان لا يستطيع الرفض كموقف وجودي رافض وكفى، وإلاَّ لأصبح إلهاً (وبالتالي تصبح الخطورة أكبر جداً مما يعتقد الملحد: أي أنه دخل حيز التألُّه). لأن الإنسان من موقع التأله فقط يستطيع الرفض كرفض وجودي كلي ليس أقل. إن نبرة الإطلاق غير موجوده أصلاً لدى البشر مهما يكونوا قد زعموا القدرة عليها في يوم من الأيام.

لكن اللافت للنظر أن جميع أشكال الإيمان المألوفة قد رسخت أنظمة الحياة وأراحت الناس مؤونة التفكير الحُر وهدَّأت آلام الشكوك ورفعت المسئولية الميتافيزيقية عما يؤمنون. فأكثر ما يتهرب منه فاعلو الثقافة العربية هو تحمل المسئولية عن الحرية. وفي جوانب ليست بالقليلة، كان الخوفُ من الحرية (كعملٍّ يرتبط بتبعات الاعتقاد) شأناً حاضراً على الدوام. إذن.. لماذا سيفكر الناس ثانيةً بطريقة مغايرةٍ لتوثيق معتقداتهم أو على الأقل الإيمان بكل ثقة؟ وإذا كان الموضوعُ كذلك هو نوع من الفهم المغاير، فما بالنا ننتفض بعصبية وتشنج حين يأتي شاكٌ في فكرة الإيمان؟! هنا لن يقف الإلحاد بوضوح فقط في مواجهة (المعتقد الديني)، بل سيصطدم كذلك بما حوله من اقتصاديات المصالح والمنافع والعلاقات والأبنية السلطوية.

ضمن معجم اللغة العربية ثمة (معنى صامت) في عمق الالحاد هو: أنَّه الميل عن القصد المعروف لدى الناس. وعندما يُقال: لّحَدَ فلانٌ إلي شخص آخر بلسانه أي مال وانحرف عن جادة النطق الصحيح. وقيل: إنَّ أصل الالحاد هو الميل والعدول عن الشيء. والمعنى الصامت في هذه الحالة (باعتباره ميلاً عن القصد) يمكن أنْ يعرّفنا كل الكلام المسكوت عنه. فنحن نعي أن القصد بمعناه الواسع عادة ما يكون له فاعل في حياة الناس (أي أن له قاصداً ولو كان مجهولاً). وطالما لم يتم ذكر ماهية القاصد الذي هو وراء القصد حصرياً، فإنه يدل على معنى الفاعل العام كما قلت. والفاعل العام هو السلطة الغالبة التي تصرَّف أحوال المجتمع وأحداثه (سلطة أهل الحل والعقد على غرار التعبير القديم). إن القصد من ثمَّ هو الهدف المفهوم ضمنياً عبر اعتقادات الناس سواء أكان غاية ومصالح للسياسة أم للعلاقات الاقتصادية أم للحركة الاجتماعية وطقوسها. بحيث يدخل ذلك الهدف كمرجعيةٍ في القوانين والأنظمة السياسية والاجتماعية. إذن يمكننا التساؤل مجدداً: أيُّ قصد في المجتمعات هذا الجاري فعلاً بخلاف التكوين الميتافيزيقي لمعاني الإيمان؟!.

الإجابة خطيرة بالفعل: أنَّ الالحاد موقف يريد التحرر من القصد العام الذي يوظف الإيمان والخادم لسواه في الحياة المشتركة وهو كذلك القصد الذي يستعمل الدينَ لأغراضٍ غير حرةٍ بالمرة ولا تتسق مع منطلقات الدين نفسه. والقصد هنا قد يكون وضعاً إنسانياً، وقد يأتي حقيقة ميتافيزيقية، وربما يعدُّ غاية وأصلاً في الحياة المشتركة كما يُشار. ولكن في العادة لا تأتي هذه (المقصودات) عارية من لحمها الاجتماعي والثقافي بالمرة. ففي تاريخ الثقافة العربية الاسلامية كان معنى القصد حكراً على الحكام والفقهاء ورجال الدين وأصحاب الصولجان. لدرجة أنَّ تفسيرات النصوص المقدسة (القرآن والأحاديث وحتى كتب الأديان الأخرى) تحولّت إلى سوق رمزي أدي خدمات للأنظمة الحاكمة. وكم سمعنا عبارة (مقاصد الشريعة) التي هي تتعانق اجتماعياً مع قصد المُشرّع الإنساني على مستوى القوانين والسياسات والأنظمة الحاكمة.

وبالطبع قد تعتبر فكرة القصد من وراء الاعتقاد هي تأويل لغايات الحياة والأفعال في المجال العام (السياسي والاجتماعي تحديداً). ومن ثم ليس بإمكان أحدٍ التحدث عن ماذا يقصد بشكل عام حتى على مستوى سلوكياته الجزئية، لأنَّ سلوكياته قد لا تعني أحداً غيره بالضرورة ولا يمتلك ردود الأفعال عليها خارج ذاته. إذ أن الحكام والفقهاء في المجتمعات العربية الاسلامية يفكرون له، يقصدون قبل أنْ يقصد طالما خرجت أفعاله عن محيطه الضيق. كما أنه كمُسلم يردد في ثواني اليوم والليلة وفي عباداته عدداً لا يحصى من مرات القصد إلى الله. في الوقت نفسه الذي يرتكب فيه جميع أصناف الأعمال والمعاصي اللا أخلاقية.

وضمن هذا الإطار، تظل تتواتر عبارة (والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل) عقب انجاز الأعمال والمشروعات والعبارات، حيث نراها في الصحف والخطب والمنشورات العامة. علماً بأن هذا (الهدف وراء) المقصود مزدحم بمآرب أخرى تضر بالمجتمع والناس وتضر بالدين نفسه. ليست (دلالة الإله بين الناس) هنا سوى مقولة بلاغيةٍ لتمرير المقاصد الاجتماعية بحسب الأنظمة المهيمنة على الشعوب. والعبارات الدينية لا تخلو من خطاب طاغٍ على الواقع (ومغطياً أزمة اليقين) وراء الأفعال، وما إذا كانت تلك العبارات ناجعة في ثقافةٍ مأزومة أم لا!!

يبدو إذن أنَّ مفهوم التألُّه بمثابة الخيط الناظم لتلك الحركة الاجتماعية السياسية التي تعضد بعضها البعض في تاريخ المسلمين. وليس بمستطاع الإلحاد بمعناه الاجتماعي والسياسي أن يزيح ذلك التراكم الثقافي، لكن مواقفه الرافضة تنال كماً وفيراً من التهميش والتعجب. ولعلَّ المصطلحات الرائجة مثل: الكفر، الهرطقة، الخروج على ثوابت الأمة، ازدراء الاديان، تهديد الهوية، زعزعة الاستقرار الاجتماعي، إنكار المعتقدات، التعدي على المقدسات، الإضرار بكيان المجتمع، تهديد الوحدة الوطنية، انكار الدستور والشرائع، هدم القيم... أقول لعلَّ هذه الكلمات جميعها بمثابة رماح يسلطها المجتمع تجاه الملحدين الرافضين للمعتقدات (شكلاً وقد انسحب على الجوهر). سهام تخرج تلقائياً ضد فيروسات (كما يصورنهم) تنخر بناء الثقافة الشائعة. لكنها في الحقيقة تمثل كلمات تعبر عن هوس التمسك بالشائع، والدفاع عن المألوف والتصورات الحاكمة حتى الرمق الأخير.

التألُّه في المجتمعات الإنسانية ليس فقط تصوراً دينياً ولن يكون. وصحيح هو يعود إلى أصل ميتافيزيقي اعطته الأديان مساحةً كبيرة من التأسيس، ولكن في الكتب المقدسة للأديان السماوية يُشار فقط إلى الإله التوحيدي بوصفه صاحب (التألُّه الحقيقي). ويأتي في تضاعيف هذه الكتب المقدسة نسب الكلام إليه بصيغة الغائب- الحاضر. وكان إخبارها عن صفاته وأفعاله الحقيقية المنزهة بخلاف صفات البشر الفانين. لكن ظلت هذه العملية التاريخية مفتوحة بحسب (سلطة القصد) تحت ادعاءات بشرية كثيرة. سواء إذا كان هناك من يتألّه باسم الدين كرجال الدين والكُّهان والعرافين أم يحتكر نصوصاً دينية خالعاً على ذاته نوعاً من القداسة المقلوبة (أي اصطناع حالة أشبه بالدين والتأله الأرضي).

هكذا كان الله عليماً وينسب إليه مطلق العلم والمعرفة، لكن جاء حكام المسلمين (كما يزعمون) ليعلموا القاصي والداني، الباطن والظاهر. وهكذا كان الله حكيماً ثم جرى وصف الحكام أنفسهم بالعظماء ومصدر الخيرات. وهكذا كان الله قديراً ولكن جاء الحُكام أسياد الشعوب وكبرائهم الملهمين. وهكذا كان الله راعياً ومصرّفاً لأمور الكون والحياة بينما جاء الحكام مسؤولين عن رعاياهم وتحويلهم إلى عبيد. وهكذا كان الله منتقماً وجباراً ولكن ظل حكام المسلمين ينتقموا ويمثلوا بضحاياهم وشعوبهم بأشكال مختلفةٍ.

من تلك الزاوية ليس الإلحاد انحرافاً عن القصد كما يزعم حراس الأيديولوجيات الدينية. ولئن كان كذلك، فعن ماذا يمثل انحرافاً عندئذ؟ هل هو انحراف عن عقائد راسخة؟ بالطبع هو انحراف عن عقائد اجتماعية راسخة، إذن ليست العقائد الراسخة معياراً ليقينها ولا لاستمراريتها بحكم أنها موضوع للاعتقاد!! وعليه لا يعتبر الإلحاد ضرباً من التيه في غياهب المجهول كما يحذر هؤلاء المؤدلجون. لكنه عبارة عن سؤال مصيري يضع فكرة الإله في أفق البشر وبدائله على المحك. قدرة إنسانية متجددة بحثاً عن الحقيقة، تنقيباً عن المعرفة، عن اختبار الأسس التي يهيمن عليها المتألهون الأرضيون. الإلحاد تجربة غامرة في أحضان اللا أساس تدعو إلى الشفقة تجاه الحيرة الإنسانية. فهذه المعاني للإله التي تسند إليها العوالم والحقائق والموجودات والأفعال البشرية... فجأة يعتبرها الملحد المتمرد كأنها لم يكن!!

ليس أمر الإلحاد نفياً معرفياً، لكنه خوض غمار الشك داخل الحياة، إعادة تأسيس اللا أساس من جذوره القصوى. وبالتالي فهو قدرة تنضح من معين سحيق بعمر العصيان الآدمي للرب (عصيان الأمر الذي اغتصبته الجماعات البشرية ولاهوتها السياسي). وأي دين يتحرش (مجرد التحرش فقط) بتلك الأفكار والظواهر الإلحادية بهكذا معنى سيكون ديناً ذابلاً لدى أصحابه ومهدداً باستمرار كأن المؤمنين غير واثقين من إيمانهم. وما لم يلتصق هذا الدين بإرادة متبصرة لدى أصحابه، لن تكون خطوط سيره إلاَّ التماثل الأعمى. إن اختصار الطاقات العقلية المتنوعة في الاحتذاء الجمعي لبعضنا البعض هو الوجه الناعم للقتل البطيء.

ليس ثمة فعل فاضح (على كافة مستوياته الإنسانية) أكثر من عملية (النسخ الاعتقادي) المشوِّه للعقول. إن" أحبار" الدين، رجاله وفقهاءه ودهاقنته وكهانه لا ينقطعون عن الظهور في هوامش الديانات ومتونها بهذه العملية. وتلك المكانة شهدت تنويعات بصور متتابعة طوال آلاف، بل عشرات الآلاف من السنين. لا وظيفة لهم سوى قولبة الأدمغة على مقاس الفكر الديني السائد. وهو ما يحدد أركان المعتقد وجوانبه بمعناها المعرفي والميتافيزيقي، رافضاً أي اعتبار للجوانب المفقودة وممارساً الاخضاع لكل نظر مفتوح. الدين (ايديولوجياً وطقوسياً ورسمياً) قائم على قانون الجاذبية بامتياز اعتقادي. بل إن مشكلة الأديان لدى البشر (لأنَّ هناك ملحداً يهودياً كما أن هناك ملحداً مسيحياً وكذا اسلامياً) كونها لا تستطيع العيش إلاَّ في ظل "قوانين جاذبية" تربط حلقاتُّها القاصية والدانية. ثم تتشكل القوانين الجاذبة التي تؤكدها في المجال الاجتماعي الثقافي ولكن سرعان ما تُستبدل بشرياً ويتوهم أصحابها أنها أصول إلهية. خطورة الإلحاد أنه يقطع تلك السلسلة بالتمرد على الظاهر منها في قوالب اجتماعية. فالإنسان لا يكف عن طلبها (على الأقل) عن طريق بصمة النزوع نحو تأليه ذاته.

ولكن مع عدم الاخلال بعلميّة موضوع الجاذبية وخلفياتها، هل هي مصادفة أن يكتشف اسحاق نيوتن قانون الجاذبية (وهو دارس اللاهوت وكان مسيحياً متديناً وكان دراساً متعمقاً للخيمياء والعهد القديم لدرجة الحفظ والاستظهار)؟ وماذا هنالك حين ترتبت على قانون الجاذبية من مفاهيم الفعل ورد الفعل، السكون والحركة، المركز والهامش، مجال الجاذبية؟! كان جراء فيزياء نيوتن أن ظهرت اتجاهات معرفية ولاهوتية لتأسيس فيزياء نفسية واجتماعية بجوارها. فيزياء تحاول ترسيخ المفاهيم المادية نفسها على نطاق إنساني عام يخص الفكر والاعتقاد. وها هي المجتمعات الإنسانية في شرقنا العربي الإسلامي تطبق تلك النظرية في مجال المعتقدات حذو الحرف بالحرف، ويصبح الخارج عنها ملحداً لا محالة، وهو بدوره يغذي داخله نزوع التمرد عن المألوف (اللاجاذبية).

 

د. سامي عبد العال

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم