صحيفة المثقف

منى زيتون: القصص القرآني بين العرض المنطقي والعرض السيكولوجي

منى زيتونفي أغلب مقالاتي الاجتماعية الأخيرة لاحظ بعض الأصدقاء والصديقات أنني صرت أكثر من سرد حالات صادفتني للفت النظر إلى المشكلة التي أتحدث عنها بدلًا من الإكثار من الشرح النظري كما كانت عادتي السابقة في كتاباتي.

وللحق فإن هذا التحول في طريقة سردي في المقالات الاجتماعية جاء كمكتسب من خبراتي الواقعية في مجال الاستشارات الاجتماعية؛ إذ اكتشفت أن البشر يتعلمون ويعتبرون مما جرى لغيرهم بأضعاف ما يمكن أن يتعلموه من خلال الوعظ والإرشاد والنصح المباشر، حتى أنني أصبحت أشعر في الآونة الأخيرة أنني فقط أنقل خبرات الحالة (1) إلى الحالة (2) وأنقل خبراتهما معًا إلى الحالة (3) وهكذا مع أي حالات أراها متشابهة، ودون الكشف عن هوية أصحابها أو صاحباتها. وكذا يمكن أن يُقال عندما أرى شخصًا يسلك على نحو يمكن أن يسبب له الضرر، فتكون بعض القصص لمن سلكوا على النحو ذاته وما آل إليه حالهم نتيجة لذلك المسلك كفيلة بتغيير سلوكياته ولو جزئيًا، فالقص هو اتباع الأثر. وصدق ربنا سبحانه وتعالى إذ يقول في كتابه: ﴿فَاقَصَصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 176].

ولا أريد أن أبخس نفسي حقها لأن أيًا من تلك الحالات لم يكن لدى أصحابها وعي حقيقي بالمشكلة ولا دليل يرشدهم إلى كيفية الخلوص منها وحلها لولا أنني أزلت الغيم من أمام عيونهم وأنرت لهم السبيل، ولكن لا شك لدي أن القصص قد زادت من إصلاح القلوب والسلوك.

وأحسن القصص وأبلغ القصص ولا شك هو القصص القرآني ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾ [آل عمران: 62]. ولما كنت كثيرة التأمل في القصص القرآني ودائمة الانبهار بكل قصة أسمعها تُتلى وكأني أسمعها للمرة الأولى، فقد أحببت أن أشارككم بعض تأملاتي التي خطرت لي حول بعضها.

بدايةً فإن القصص القرآني هي تلك القصص التي حكى لنا فيها الحق سبحانه في القرآن الكريم من أحوال الأمم السابقة وأحوال وحوادث أنبيائهم معهم، إضافة لحوادث وأخبار أخرى عن بعض الملوك كذي القرنين وطالوت وجالوت وأبرهة، وبعض الحكماء والصالحين كلقمان وعُزير وأهل الكهف، وبعض الظالمين كأبي لهب وزوجته، وغيرها من الشخصيات كقارون وبعض الصحابة وبعض المنافقين، ولم يخل القرآن من قصص النساء كالسيدة مريم والسيدة عائشة وامرأة فرعون، بل حتى الحيوانات كان لها تواجد واضح في تلك القصص. ولم يكن أبدًا الغرض من قص القصص في القرآن هو التأريخ أو التفصيل في كل ما ليس منه عبرة وفائدة، وإنما قُصَّت بغرض الاعتبار واكتساب الحكمة من تلك الأحوال والحوادث التي رُويت. ولا أريد أن أسرف في الحديث عما لا يخفى على مسلم، وليس هو موضوع مقالنا، فموضوع المقال هو ترتيب العرض.

ولم يكد أن يكون إمام من أئمة المسلمين لم يتحدث عن طريقة عرض القصص في القرآن الكريم، فسورة يوسف هي المثال الأوضح الذي يُضرب لسرد حوادث القصة متكاملة مرتبة متتابعة من أولها إلى آخرها، وهو ما يُعرف في العلوم التربوية بالعرض المنطقي، بينما أغلب القصص القرآنية تُقص حوادثها مجزأة موزعة على سور مختلفة بحسب ما يقتضيه السياق في كل منها، وقد يكون هناك تكرار جزئي ولكن في كل سياق يبدو مكررًا تكون هناك إضافة تظهر من دلالات الألفاظ، وقد تروى تلك الأجزاء الموزعة مفصلة أو مختصرة وفقًا لما يقتضي الحال والعبرة المستخلصة منها. وذكر كل جزء من إحدى القصص في السياق الذي يناسبه هو عرض نفسي (سيكولوجي) واضح.

ولكن وجدت لدي إضافة -أعتقد أنها غير مسبوقة- حول طريقة عرض القصص القرآنية المتكاملة؛ وهي أنه رغم أن المتعارف عليه أن الترتيب المتبع في عرض الحوادث المتكاملة للقصة الواحدة التي تُروى في سورة واحدة ولا يتكرر ذكرها في أي سورة أخرى قد يبدو ترتيبًا منطقيًا يتفق وترتيب وقوع الحوادث، لكني أدعي أنه في بعض تلك المواضع القليلة التي ذُكرت فيها الحوادث متكاملة متتابعة لم يغب الترتيب السيكولوجي عن القصة؛ حيث لا يلتزم السياق بسرد الحوادث في ترتيب منطقي تمامًا، وإنما تُسرد القصة بالترتيب الذي يكون أكثر لفتًا للمتلقي، وربما لأهداف أخرى بلاغية فوق ذلك.

ولنأخذ في هذا المقال مثالين على استخدام العرض السيكولوجي جنبًا إلى جنب مع العرض المنطقي في القصص المتكاملة؛ من قصص الكليم في سورة البقرة وقصص الكريم في سورة يوسف.

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ‏

في سورة البقرة نجد قصة قصيرة متكاملة الحوادث، دارت بين سيدنا موسى عليه السلام ونفر من بني إسرائيل عن تبليغ موسى لهم بالأمر الإلهي بذبح بقرة! وليس لهذه القصة علاقة من قريب أو بعيد بأي قصة أخرى مما رواه الحق سبحانه عن خبر موسى وبني إسرائيل.

يقول تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)﴾.

وعلى كثرة قصص سيدنا موسى المتفرقات في القرآن الكريم إلا أنني أعتقد أن قصة البقرة هذه وقصته مع الرجل الصالح في سورة الكهف هي أمثلة على سرد القصص متتابعة الحوادث المتكاملة، والتي لتكاملها لم يتكرر ذكرها في أي موضع آخر من القرآن لأنها استوفت حقها ورُويت من أولها لآخرها بوضوح، وليس حالها كحال باقي القصص التي تُذكر نُدفات منها في مواضع متفرقة لأن استخلاص العبرة اقتضى ذلك.

وفي عرض قصة البقرة بحوادثها المتكاملة لم تُعرض عرضًا منطقيًا على قصرها، وكان العرض السيكولوجي واضحًا تمامًا فيها منذ ‏بدايتها.‏

يبدأ سرد القصة في القرآن بذكر الأمر الإلهي بذبح البقرة، وتلاه الحوار الذي دار بين الكليم وبين هذا النفر من بني إسرائيل عن الاشتراطات المطلوبة في البقرة، ولكن الحقيقة أن هذه لم تكن بداية القصة، فبداية القصة أن رجلًا من بني إسرائيل قد قُتل –وقيل كان قاتله وارثه- واختلفوا فيمن قتله، وذهبوا إلى موسى عليه السلام ليعرفهم من القاتل، وعندها جاء الأمر الإلهي للكليم بأن يأمرهم بذبح البقرة، ولا تكشف لنا الآيات عن الكيفية التي تلقى بها موسى هذا الأمر عن الله تعالى، ثم إنهم حاوروا سيدنا موسى وأكثروا عليه الجدل حول البقرة وصفتها حتى اتضحت لهم صفتها واشتروها وذبحوها، ثم بعد أن استجابوا بذبح البقرة، طُلب منهم أن يضربوا القتيل ببعض عظامها، فأظهر الله تعالى القاتل بأن نطق القتيل ودل على قاتله، فلم يُورث قاتل بعده، فأراهم الله تعالى كيف يحيي الموتى بأم رءوسهم.

وهنا نجد أن بداية القصة لو رُويت وفقًا للترتيب المنطقي ستكون ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ ولكن لم يكن هذا هو اختيار الحق سبحانه وتعالى، فتأخر ذكر القتل والقتيل لأن البدء بالأمر بذبح البقرة أشد لفتًا لانتباه السامع والقارئ، وليعطف على ذكر قتل النفس ﴿فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا﴾، كما أن اختيار الفاء للعطف في هذا الموضع دليل على أن هذا الحوار عن البقرة الذي ظنناه قد استغرق وقتًا طويلًا بين موسى وبني إسرائيل في حقيقته لم يستغرق أكثر من ساعات، وغالبًا لم يكن القتيل قد دُفن.

وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا

ونأتي إلى ذكر القصة الأشهر التي تستخدم كأوضح مثال على الترتيب المنطقي المتتابع المتكامل لبعض قصص القرآن الكريم، وهي قصة الكريم يوسف عليه السلام في السورة المعنونة باسمه.

وسورة يوسف هي سورة مكية، وقليلون من يعرفون أنها آخر سورة نزلت بمكة قبل الهجرة إلى المدينة، فكانت العزاء ‏والأمل لسيدنا محمد قبل هجرته؛ إذ تحمل رسالة أراد ‏الله سبحانه وتعالى أن يوصلها إليه؛ فالسورة تحكي عن سيرة صبي صغير تآمر عليه أقرب الناس إليه فأبعدوه عن بلده وأهله. تحكي عن تقلب ‏أحواله ما بين الشدة والرخاء في مهجره الذي دُفع إليه، ولكنها لا تنسى أن تحكي كيف كانت العاقبة في ‏النهاية خيرًا، وكيف رفع الله قدره فوق من ظلموه. فلم تكن فقط إخبارًا للرسول بأنه سيُرغم على الهجرة، بل كانت وعدًا من الله له بأنه منصور في ‏النهاية؛ لذا ليس غريبًا أن تكون أول كلمة قالها سيدنا محمد لأهل مكة يوم الفتح: "ما أقول لكم إلا ما قال ‏أخي يوسف لإخوته.. اذهبوا فأنتم الطلقاء"‏.

ولعل من أجمل ما في السورة أنه بعد اكتمال سرد حوادث القصة بدعوة سيدنا يوسف عليه السلام، جاء تعليق الله ‏تعالى على حوادثها، وهو الآيات الختامية المشحونة بالأمل لرسولنا الحبيب والذي كان قد استيأس من قومه وبلغ به ‏اليأس غايته.‏

وتتفرد هذه ‏القصة بين قصص القرآن بأنها قصة طويلة ذات حوادث كثيرة رُويت مفصلة، وبالرغم من ذلك فقد نزلت كاملة متكاملة متتابعة في ترتيب منطقي واضح لأجزائها، وهناك قصص أخرى رويت متكاملة ولذا نراها أيضًا لا تتكرر كقصص سورة الكهف، وقصة لقمان، وقصة أهل سبأ، ولكنها قصص قصيرة ذات حوادث قليلة، رُويت مختصرة، بينما سورة يوسف وتكامل سرد حوادثها الكثيرة المتتابعة المرتبة منطقيًا، والتي بدأت بالرؤيا وانتهت بتحققها، تعد استثناء لشحن طاقة رسولنا الكريم عندما ضاقت عليه الدنيا بعد وفاة زوجته وعمه الحبيبين، ومع ذلك لاحظت فيها ترتيبًا سيكولوجيًا في الحادثة الفرعية التي تتضمن حواره عليه السلام مع صاحبيه في السجن.

يقول تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ۚ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)﴾.

فحوار الكريم مع صاحبي السجن هو حدث من حوادث القصة الكبيرة، وذُكر في ترتيبه المنطقي في القصة، ولكن كان الحوار ذاته مرتبًا ترتيبًا سيكولوجيًا.

يبدأ الحوار بأن صاحبيه في السجن روا عليه رؤياهما وطلبا منه تأويلهما، وكان الترتيب المنطقي يقتضي أن يؤول لهما الرؤيتين، ولكنه قبل أن يفعل أخذ يدعوهما إلى الإيمان بالله تعالى، ويدلل لهما على نبوته بأنه سيخبرهما بما سيأتيهما من طعام في السجن من قبل أن يأتيهما، ثم فسر لهما رؤيتيهما، والذي كان فيه أن أحدهما ناجٍ والآخر هالك، وقد يقول قائل بأن دعوته لهما إلى الإيمان كان لأنه علم بأن أحدهما سيهلك، وأراده أن يموت على الإيمان، فلم يتعجل إخبارهما بالتفسير حتى دعاهما أولًا، ولكني أرى أيضًا أن ذلك الترتيب كان سيكولوجيًا ليطلب يوسف بعد التأويل ممن ظن نجاته وفقًا لتأويل رؤياه أن يذكره عند الملك، ليعطف عليها الحق سبحانه مباشرة رؤيا الملك.

وربما كانت لنا عودة مع خواطر عن قصص قرآنية أخرى في مقال آخر.

 

د/ منى زيتون

الثلاثاء 8 يونيو 2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم