صحيفة المثقف

إميلي س. دافيز: الصداقة والفن ومنعطف النشاط السياسي

2519 Emilyترجمة: صالح الرزوق

لم تكن هذه الشراكة مستقرة في قصص الحب بين الجنسين، لكنها أخذت شكلها من العلاقات القوية بين نساء مختلفات. فالرجال النبلاء غالبا غائبون وفي النهاية مكتوب عليهم الموت، لتبقى النساء مع الماضي  بمحاولة لاكتشاف معنى منه ولبناء جينيالوجيا مقاومة تخدمهن في الوقت الحاضر. وأبكر أشكال هذه العلاقات علاقة الصداقة في منعطف القرن العشرين بين آنا وليلى، وربما هي الأقل تطويرا وإنضاجا في الرواية. التقت المرأتان حينما اختطف أقارب ليلى آنا، وذاك بهدف الاستفادة من فدية بريطانية في إطلاق سراح زوج ليلى من السجن. وعندما اكتشفوا أنهم اختطفوا امرأة ترتدي ملابس الرجال، دب الخلاف بينهم وأودعوا آنا في بيت أخ ليلى. وتحت هذه الظروف الاستثنائية، وبينما هم جميعا بانتظار عودة شريف لاتخاذ قرار بخصوص هذه المشكلة المخجلة والمنذرة بالانفجار، ارتبطت عرى الصداقة فورا بين ليلى وآنا، وتبادلتا الرأي باللغة الفرنسية، وهي الشيء المشترك الوحيد بينهما. وتعرفت ليلى مباشرة على نفسها في آنا التي كانت تحاول أن تتعرف على مصر، فليلى ذاتها كانت إنسانة مغتربة ومقهورة في فرنسا:

“من المؤسف أن تغادرنا آنا في الغد. يمكنها أن تتخيل أشياء كثيرة لتقوما بها معا. وأشياء أكثر تقودها للتعرف عليها، هذه المرأة قدمت من أوروبا بعد عبور البحر المتوسط لتبلغ مصر، ومن يمكنه أن يحدد إذا كان الأمس كما شعرت قد ضللها، وأنها لم تصل لحقيقة مؤكدة. فهمت ليلى ماذا تقصد، هل ما تعرفه عن فرنسا قربها من الصداقة مع جوليت كليمنصو؟”.  (149-150).

إشارة ليلى للمخبرة الفرنسية تدل على جينيالوجيا تقاطع ثقافات بين نساء امتدت الصداقة بينهن وشملت الغريبات وهو ما وصل لخط السرد المعاصر. وإذا كانت صداقة ليلى وآنا بأكثرها تعود بنا للخلف لتغطي العاطفة المأساوية بين شريف وآنا، إن صداقة أمل وإيزابيل عملت على إزاحة حكاية حب إيزابيل وعمر من موضعها. ونحن، القراء، نعلم أن إيزابيل عاشقة لأخ أمل، ولكنه بصعوبة هو يحضر في الرواية، ونفترض أنه مات عند حلول نهايتها. وعوضا عن ذلك إن علاقة أمل مع إيزابيل هي التي احتلت صدارة الأحداث، ولم يكن هناك معنى لعودة إيزابيل، اليتيمة مثل آنا، إلى الولايات المتحدة بعد موت عمر. وحينما كانت التفاصيل الكولونيالية لحب عمر وآنا  مندمجة بإطار عمل الحب (بين جنسين) ولا يمكن فصلها عنه، فإن العائلة غير التقليدية المكونة من أمل وإيزابيل، وإيزابيل وابن عمر المولود حديثا، شريف، أصبحت نموذجا للبقاء الشخصي والسياسي وتجاوز فشل الحب في نهاية الرواية.  لقد فقدت إيزابيل عمر في الاضطرابات السياسية. وعادت أمل لمصر بعد “عشرين عاما عجيبا” عاشتها في بريطانيا مع زوج بريطاني وأولاد بريطانيين جدلا. وهي تحن لابنها لحد الجنون ومهتمة بوصول ابن شريف وانضمامه لعائلتها.

وتكرر عائلة أمل الجديدة وتعيد تمكين معنى المطرزات التي حاكتها آنا قبيل مائة عام للاحتفال بالاتحاد العابر للقوميات والذي دخلت فيه. وبعد زواجها، تنتهي آنا من حياكة مطرزات من ثلاث لوحات للإلهة إيزيس، وزوجها / أخيها أوزيريس، وابنهما حوروس، مع إضافة آية قرآنية على عرض الأجزاء الثلاثة هي “يخرج الحي من الميت”. ودمج الأيقونات الفرعونية مع النص الإسلامي بتركيب يتعارض مع تقاليدها المسيحية يكون عمل آنا الفني تعقيبا على تعقيدات مصر الحديثة، بلد زوجها، والتي تأخذ اتجاها وطنيا وليدا.  وبعد وفاة شريف، يقوم أحد العاملين على خدمة العائلة بتقسيم المطرزات، ويقدم لوحة أوزيريس لآنا ولوحة إيزيس لوالد أمل. أما الثالثة التي تصور الابن حورس فكانت مفقودة منذ سنوات، ثم تظهر بطريقة سحرية في حقيبة إيزابيل بعد موت ابنها. هذا الثالوث - المطرزات لنواة العائلة يصور الثالوث المعاصر: أمل وإيزابيل والطفل شريف. وبالمثل حينما تسافر أمل وإيزابيل عائدتين إلى القاهرة من طواسي (*قرية في المنيا) تتوقفان في الطريق لتبريد محرك السيارة. ولتظليل الطفل من الشمس، تستعملان علما قديما لدى العائلة هو علم الوحدة، رمز تحالف المسيحيين مع المسلمين بوجه البريطانيين والذي حملته النساء في مظاهرات الشوارع في بدايات القرن العشرين. وتقول أمل عن هذا المشهد:”دخلت في السيارة ووجدت العلم فغرسنا ثلاثة أوتاد بالأرض ونشرنا العلم عليها، ووضعنا الطفل على بساط. وجلست أمه على طرف وأنا على الطرف الآخر وفوق رأسه علم الوحدة الوطنية بلونيه الأخضر والأبيض”(ص481).

هنا، كما هو حال مطرزات آنا، تجد رمزا وطنيا يعاد التعريف به من خلال عائلة غير نمطية عابرة للقوميات. ولكن لماذا تسيطر عائلة غير تقليدية، نجمت عن صداقة أمل وإيزابيل، على خط السرد المعاصر في الرواية؟. وماذا جعل سويف تقصر غرامها والعاطفة الرومنسية الوحيدة المتطورة على الماضي؟. أعترف أن روايتها أولا وأخيرا قصة حب مع الماضي. ولنفهم التفاصيل الغرامية في الرواية، علينا أن  ننظر للعلاقة المعقودة بين أمل وآنا باعتبار أنها أهم علاقة في كل العمل. ومنذ البداية يبدو أن تعريف أمل من خلال آنا نقطة مركزية في إحياء أمل سياسيا ولا سيما أنه سمح لها بالتفكير بالاحتمالات السياسية للفن الرازح تحت الظروف القهرية وكوسيلة لفهم التحالف على أنه ليس بأبعاد مكانية فقط وإنما له أبعاد زمانية أيضا.

في أول صفحة من الرواية تصف أمل ردة فعلها القوية لحكاية آنا:

“على طول مائة عام كان صوت المرأة يخاطبها - بوضوح شديد حتى أنها لم تكن تصدق أنه ليس بوسعها التقاط القلم والرد... كانت تقرأ وتسمح لكلمات آنا أن تغمرها، تكشف بدماثة الأحلام والآمال والأحزان التي مرت بها، ثم صنفتها ووضعتها جانبا” (ص4).

كانت حكاية آنا تقدم لأمل جينيالوجيا سياسية، لقد سقطت بالغرام مع أبطال وطنيين مثل جدها شريف من خلال وصف آنا. وأن تتماهى مع كفاحهم لتستمر بعلاقتها مع صراعهم السياسي في أوقات يائسة تعكس صورة الحاضر. إن كتابة حكاية آنا تجذب وتغمر أمل لدرجة تفقد بها الإحساس أين هي من المكان والزمان.

“رفعت عيني عن مفكرة أمل، وللحظة، أدهشني أن أرى نفسي في غرفة نومي... كنت مستغرقة تماما.. وقلبي يدق مثل قلب آنا، وشفتاي ترغبان بقبلة من حبيبها. حررت نفسي من ذلك و.. عدت بمشاعري للحاضر. من سواي اطلع على هذه المفكرة؟. ومتى قرأها، وهل انتابه الشعور أنها توجه خطابها له شخصيا؟. كنت أشعر أن آنا تخاطبني - تكتب مذكراتها من أجلي - ورأيت نفسي مجبرة على أن أحاورها ذهنيا. في الليل، وفي أحلامي، جلست معها وتبادلنا الكلام كصديقتين وأختين”. (ص306).

ومع أن سويف على ما يبدو مهتمة أساسا في روايتها بمتابعة الاحتمالات السياسية الكامنة بقصة الحب، فهي أقل عناية بها هنا بالمقارنة مع المسرة المتأتية بشكل عام من النوع. وبالتأكيد ليس صدفة أنها اختارت لهذا المشهد غرفة نوم أمل، كما لو أنها تهدف أن تستأثر بانتباه قرائها لقبلة البطلة.

ووصف استغراق أمل بمفكرة آنا يعكس بالضبط التجربة المثالية في قراءة الرومانس: الشخص يفقد نفسه في الماضي باعتبار أنه منفذ نجاة من الحاضر. ثم في نهاية الفقرة يبدو أن أمل أكثر اهتماما بالتواصل مع آنا نفسها وليس مع عاشق آنا المذكر. لماذا كانت أمل مستغرقة جدا بحياة هذه المرأة البيضاء المنتمية لبواكير القرن العشرين؟. هل كانت قصة آنا تقدم لها فرصة لتتعلم الدرس الذي يقدمه لنا الماضي من أجل الحاضر؟. أم أنها تشجع رغبتها للانسحاب من الحاضر كله كما قرر جدها شريف على نحو يدعو للسخرية يوم مقتله؟. بعد نقاش سياسي مؤلم مع مثقفي القاهرة الآخرين في أتيليه الفندق  تشتاق أمل للعودة إلى مشروعها عن آنا:

“ذلك هو جمال الماضي، وهو مركون على الطاولة هناك: المجلات، والصور، وشمعدان زجاجي، وعدة كتب عن التاريخ. اتركيها وعودي إليها فهي بانتظارك - كما هي لا تتبدل... ثم احكي الحكاية التي لا يمكن للناس الذين عاشوها إلا  أن ينتبهوا لها على دفعات”. (ص234).

والتفتت أمل للتاريخ تحت تأثير التيار السياسي الحالي. ولكن إذا كان يبدو أصلا أنها تفقد نفسها في الماضي، فقد وجدت في النهاية طريقة للعودة إلى السياسة بترجمة ماضي آنا ليحل محل حاضرها هي.

وبطريقة تشبه دور شهرزاد معاصرة تختبر أمل سياستها بواسطة قدراتها الفنية على ترجمة التجارب والخبرات من ثقافة لثقافة وعبور الأزمنة. وتطابقها الأساسي مع آنا يكون له معنى بهذا السياق فقط، لأن آنا هي الفنانة الحقيقية الثانية في الرواية، امرأة جاءت لمصر لأنها تأثرت بلوحة لإيزابيل والتي تسأل أمل “إذا كان بمقدور الناس من أمكنة متباعدة أن يتكاتبوا، لم لا يمكنهما التكاتب عبر فترات متباعدة” (ص468). وتعود أمل إلى آنا وكأنها معيار للترجمة بين الشرق والغرب في لحظة أزمة سياسية عميقة تضرب الشرق الأوسط.

تبدل فهم آنا للفن يخيم بظله على أزمة أمل الفنية شخصيا. بعد الانتقال لمصر تتحول آنا من الرسم للحياكة في نفس الوقت الذي تبدأ به في ترجمة خطابات زوجها لصالح الصحافة البريطانية، وهذا تحول يؤشر على تبدل تفكيرها عن السياسة والفن معا. وفي رسالة توجهها لصديق تصف آنا ميولها الجديدة للحياكة على حساب الرسم والكتابة بقولها:

لقد غلبتني تماما. وانتبهت حينما استغرقتني أنني لا أزال جزءا من كل شيء يحيط بي. هذا ليس مثل القراءة أو الكتابة، بهما تنقطع الصلة مع كل شيء ولا يكون بوسعك أن تسمعي إذا ما وجهوا الكلام لك - حقا ترفعين بصرك وتصيبك الدهشة حينما تكتشفين أين أنت، لقد نقلتك الصفحة إلى ما تتكلم عنه. ولكن إذا انشغلت بالمغزل أكون جزءا من الأشياء ويبدو كأن الأصوات والروائح والناس يأتون ويذهبون بطريقة لها علاقة بالحياكة. ويمكنني رؤيتك تقولين بذهنك “آه! آنا أصبحت ميتافيزيقية” ولكنني عملية... لاحقا يحين وقت متعة الاستفادة من نتيجة ما عملت يداي - آه، وأنا أعتقد أن انهماكي بالمغزل في الريف قد أحضر معه بعض البهجة لقلب بارودي بيه”. (ص385).

ومع أن كتابات آنا عمومية وتصل لصحف أساسية في بريطانيا وأوروبا، فهي تعزلها عن عائلتها الأساسية وعن السياق المصري الثقافي ولكن الحياكة لا تفعل ذلك. واهتمام آنا بالحياكة يخدم تبرير فكرتها عن الفن وأنه من ناحية الشكل يبدو جميلا ومن الناحية الاجتماعية نشيطا - وكما ذكرت سابقا المطرزات لا تسمح لها فقط بالاحتفاظ بمشاعر تعاطف مع محيطها، ولكن يمكن الاستفادة منها أيضا. كما أنها على نحو له معنى تقدم أول إشارة تدل أن زوج أمها حي، مع أنه اختفى تماما منذ اشتراكه بثورة عرابي الفاشلة ضد الجيش الذي تتحكم به بريطانيا منذ عقود خلت. ومع أنه غير منفي مثل عرابي، لكنه جوهريا نفى نفسه من أمته وعائلته بعد المحنة السياسية التي مر بها. ولذلك إن حياكة آنا تستكمل هذه الشخصية السياسية وتعيد ارتباطها بما حولها من مجتمع لا يقدر الدور المحتمل للفن (ولا سيما الأشكال المؤنثنة feminized تاريخيا)  مع أن هذه الفنون تدعم قدرات المتورطين بالكفاح السياسي المجهد والذي يستنزف الطاقات.

وأمل، كمترجمة للروايات، هي كاتبة بالمعنى الذي تقول عنه آنا إنه: استغراق في واجبها الوحيد لدرجة أنها تفقد الاتصال بالعالم الخارجي. ولحد ما تقارن هذا العمل الخاص، وهو الكتابة، بالأداء العلني الذي يقوم به أخوها وهو عزف الموسيقا.. فقد أدى حفلات في فلسطين وبين أنقاض بناء فجرته القذائف في سراييفو. وتقول أمل عن ذلك:

”بالنسبة لها كانت مختلفة. فهي بلا حياة عامة. وركزت على الأولاد، وترجمة الروايات  - أو أنها قدمت أفضل ما لديها في الترجمة. من الشاق أن تترجم من لغة إلى غيرها، ومن ثقافة إلى غيرها، تقريبا هذا مستحيل” (ص515).

ثم إنها ترفض هذا الواجب الصعب، بالرغم من تعبها ويأسها. وتعود أمل للنشاط وتترجم كفاح آنا، وتخبرنا أنها “عزمت رأيها. وعندما انتهت قصة آنا أغلقت شقتها وانتقلت إلى طواسي. ليس للأبد، ولكن لفترة قصيرة. ولو لديها أي مسؤوليات حاليا، فهي من أجل أرضها والشعب الذي يعيش عليها”(ص297).

تغضب أمل بسبب سجن قرويين أبرياء في طواسي بتهمة الإرهاب، وهي أفعال إذلال وظلم يعيد للذهن ما فعله البريطانيون في دنشواي، لكن في هذه المرة الفاعل هو حكومتها الفاسدة.  وهكذا تسأل أمل:”هذا البلد لمن؟”. وتندمج بشعبها من الفلاحين، وتقسم أن تحمي الشعب في قريتها من ظلم إضافي بالكتابة عن حياة كل منهم. غير أنها تعي أنها بمفردها غير قادرة على وقف زحف الفساد واليأس الذي يقود الشباب للعنف، وتقرر أنه “بوسعها أن تتعلم من الأرض وتروي حكاياتها” (ص298). وتحصل على الإلهام من شخصيات من ماضيها، وتصبح علاقة أمل مع الكتابة متقدمة وتتحول مع تطور أحداث الرواية من الانهمام الشخصي إلى التبشير السياسي. وبعد أن تلتزم بترجمة حكايات الفلاحين، ترفض اليأس السياسي الذي أبدته في حواراتها السابقة مع النخبة الثقافية المصرية المحرومة من حق التصويت. وقد باغتت الفكرة أحد المثقفين وأنه قد يحق له أن يلعب دورا في التعبير عن اهتمامات الشعب. وقال عن ذلك:”نحن باقة من المثقفين نجلس في الأتيليه أو غريلون ونتبادل الكلام. وحينما نكتب لا يفهمنا أحد. نحن دون أي صلة مع الناس. والناس لا يعلمون أننا موجودون” (ص224).

واستعادة هذه العلاقات المزيفة بين المثقف المحلي ومن هو أدنى منه تدفع أمل لاستيعاب دور هويتها الفنية والاتجاه بكلامها نحو الجمهور الجديد.

تقول منى فياض: إن استعادة التاريخ المحلي من خلال سرد شفوي نسائي يلعب دورا أداتيا جوهريا في إعادة قراءة التاريخ كما قدمته الكتابة العربية النسوية. وقرار أمل في نهاية الرواية بالانتقال للريف وكتابة حكايات  القرويين الشفوية تتبع النمط الذي تابعته فياض. ومع أنني أشتبه أن سبيفاك لديها شكوكها عن بساطة عبور أمل لحدود طبقتها والتماهي مع الفلاحين، غير أن فكرتها أن المثقف يجب “أن يتعلم كيف يصغي” لمن هم أدنى منه يتجاوب مع دور أمل الجديد كمدونة لقصص قروييها. ولكنني لا أعفي الرواية من اتجاهاتها الأرستقراطية، وهو ما يقلل من رؤية الرواية السياسية أحيانا (ويشجع على نقاش أطول مما قدمته هنا)، غير أنني لا أستطيع أن لا أنتبه لضرورة تحري محاولة سويف في تصور تحالف بأبعاد أكثر مرونة وجغرافيا وزمان وإستاطيقا غير مستقرة. 

وبإخلاص أمل للحكايات الشفوية وكذلك لعلاقتها مع إيزابيل، تستجيب عمليا لمناشدة جدها التي كتب عنها شريف في آخر مقالة له قائلا:”أملنا الوحيد الآن - وهو أمل صغير - يوجد في توحيد الوجدان الشعبي العام لمخلوقات هذا العالم والذين يمكن أن يفهموا شيئا من هذا الكلام. من الصعب أن ترى الأساليب التي يمكن لهذه الوحدة أن تتحقق. ولكن دعما لهم كتبت هذه الكلمات”(ص481).

وتعمل أمل على بناء وحدة الوجدان هذه من خلال فنها وعائلتها الجديدة. وبما أنها قررت أن الفن هو أداتها الجديدة لتحقيق تبدل اجتماعي،  ليس من المستغرب أن شبكتها الداعمة لالتزامها السياسي المستجد هو عمليا مستعمرة فنانين. تعمل أمل بالترجمة ورواية الحكايات، وتبدو إيزابيل طامحة لتكون صانعة أفلام وكذلك مصممة شبكة خاصة، تقدم مأوى لعمر ليتمكن الناس في كافة أرجاء العالم من رؤية ليس موسيقاه فقط ولكن أيضا كتابته وليرتبطوا بمواقع سياسية جديدة أخرى (ص481).

تجدد أمل التزامها بالإمكانيات السياسية للفن التي تسمح لنا بفهم دورها الأساسي مع آنا على أنها امرأة أخرى تعيش بين عوالم متعددة، تنتجها تقاليد مضاعفة، وأحيانا معاكسة ولها قيمة سياسية وجمالية. ومن ضمنها أفكار عن الاستعمار والروح الوطنية والرومانس.

وحينما تقرأ أمل بعدسة شخصياتها الأوروبية مثل آنا كارنينا ودوروثيا بروك، تقارب آنا النهضة الفنية المصرية والحركة الوطنية من خلال تلقيها تدريبات غربية على الرسم والكتابة التهذيبية. وبهذا المعنى يمكننا رؤية “خريطة الحب” وكأنها تأملات ذات هجينة عن تعقيدات الهوية المحددة، مع رسم جينيالوجيا ثقافية عابرة للحدود والأنواع حتى لو أن بطلتها تحاول أن تجد موقعها في السياسة المحلية وأنها ذات عابرة للقوميات. وقصة الحب توفر لسويف فرصة لتحيي بطلة مصرية جديدة من سخافات استشراقية، وحب أمل مع الماضي من خلال شخصية آنا يدلها على معنى متجدد للالتزام السياسي العابر للقوميات المحلية  ولو أنه يزيد من مضاعفات إشكالية الفكرة القائلة: لا أحد يمكنه أن يعرف أحدا على وجه اليقين. 

***

....................

الترجمة من كتاب Rethinking the Romance Genre للكاتبة إميلي س. دافيز Emily S. Davis. وهي أستاذة جامعية في ديلوير. الولايات المتحدة الأمريكية.

 

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم