صحيفة المثقف

محمود محمد علي: لماذا تصر إثيوبيا بأن الاتفاقات القانونية الخاصة بسد النهضة ضعيفة؟

محمود محمد عليأعلن القائد العام للقوات الجوية الإثيوبية أن القوات تعزز وحداتها وتقوم بحراسة دقيقة لسد النهضة، ومن جاني أكد مستشار وزير المياه والري الإثيوبي أن بناء سد النهضة يشارف علي نهايته، حيث بلغت الأعمال الكلية نحو 80 %، وبحسب المسؤول الإثيوبي فإنه سيكون محميا ذاتيا كونه يخزن نحو 18 مليار متر مكعب من المياه .

رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" قال أن بلاده ستبني أكثر من 100 سد صغير ومتوسط في السنة المالية الجديدة في مناطق مختلفة من البلاد.

تصريحات " آبي أحمد" أثارت غضب القاهرة إذ ردت الخارجية المصرية بقوة عليه واعتبرت أن إعلانه يكشف مجدداً عن سوء نية إثيوبيا وتعاملها مع نهر النيل .

كما صرح وزير الخارجية المصري السابق " نبيل فهمي" عبر برنامج تلفزيوني أن مجريات الأمور تشير إلي أن الصدام قد يكون حتمياً .. إذن ما هو الأفق التي توفره الجهود الدبلوماسية الراهنة ؟.. ولماذا تخشي أديس أبابا من تدويل الأزمة؟.. وهل يستطيع الاتحاد الإفريقي أن يتوصل إلي تسوية تضمن أن حصتي مصر والسودان من مياه النيل؟

وهنا نقول:  إثيوبيا ما تزال تتمسك برفض التوصل لاتفاق ملزم بشأن مل سد النهضة .. ومصر والسودان ما يزالان يتمسكان بالأمل للوصول إلي حل سياسي بوساطة الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة الأمريكية أمر ممكن .

الجهود علي هذا السبيل لم تنقطع وبرغم التحذير المصري علي لسان وزير الري "محمد عبد العاطي"  بقوله أن مل السد دون التوصل لاتفاق عادل مع دول المصب فعل مرفوض، إلا أنه أكد الحرص علي استمرار مصر في المفاوضات للتوصل لاتفاق عادل وملزم .

وزيرة الخارجية السودانية " مريم الصادق المهدي" حذرت علي الغرار نفسه من تعنت إثيوبيا ما قد يجر المنطقة إلي مزالق لا تحمد عواقبها، لأنها أكدت أن السودان يسعي لحل الخلافات بشأن السد في الملء عبر وساطة الاتحاد الإفريقي.

عضو الوفد الإثيوبي في مفاوضات سد النهضة اعترف بأن إثيوبيا تمر بمرحلة عصيبة في المفاوضات، لكنه قال أيضا بأنه لا توجد قوة يمكنها تغيير مواقف أديس أبابا .

والسؤال هنا : بماذا نفسر التعنت الإثيوبي نحو عدم الالتزام بموقف قانوني تجاه الملء الثاني لسد النهضة؟

في الحقيقة المشكل بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من  جهة أخري، حيث إن ما أفهمه أن الصراع ليس بسبب  سد النهضة ؛ فسد النهضة ما  هو إلا جزئية صغيرة في المشكل الحقيقي، ولذلك فإن المشكل الحقيقي هو مفهوم إثيوبيا لملكية مياه نهر النيل، فإثيوبيا تعتبر أن هذه المياه ملك خالص لها وهذا ما أفهمه من النية في دعوة آبي أحمد نحو بناء 100 سد، وهذه مشكلة حقيقية، وهذا يعني أنه حتي ولو تم التوصل لإتفاق ملزم بشأن سد النهضة ، سيبقي هناك مشكل، وذلك لكون أن المشكل الحقيقي يتمثل في إثيوبيا تعتبر هذه المياه ملك لها، ومن ثم فإنها تضرب بعرض الحائط الاتفاقيات الدولية التي تعتبر أن نهر النيل هو نهر دولي، ويجب إقامة المشاريع بشكل منصف وعادل، وبدون الإضرار بالدول الأخرى .

والذي يدفعني لهذا القول هو المواقف الغامضة التي تلجأ إليها إثيوبيا .. فماذا يعني أن تُقيم إثيوبيا 100 سد إن كان صغير أو كبير!.. هو لا نعرف إن إن كان علي النيل الأزرق تحديداً، أم علي أنهار أخرى ! .. لكن 100 سد بلا شك سينال النيل الأزرق جزء كبير منها، لكن في النهاية ما نفهمه من ذلك ماذا يعني بناء السد؟!

إن بناء السد أن تأتي عند مجري نهر وتقيم جدار في المنتصف لتقول : ما بعد أنا سأتحكم فيه سواء من كمية المياه التي تخرج، ومتي تخرج، وأحدد الشروط التي ستخرج بها .. أي أن أتصرف مع هذه المياه علي أنها ملكي ..

ولكن كما قلت هو أن نهر النيل هو نهر دولي من المفترض أن يخضع لاتفاقيات دولية تحدد طريقة الاستفادة .. هذا هو الفعل، وكنا قد سمعنا كلمات أنه بعد الملء الأول للسد أن  نهر النيل قد تحول إلي بحيرة وعاد إلي إثيوبيا، ومن هنا نفهم كيف تكون فكرة الملكية التي تدشنها إثيوبيا بين الفينة والفينة .

وبالمناسبة أن مصر تعرف أن هذه هي حقيقة المشكلة، ومن ثم فإنها عندما تطالب إثيوبيا بإيجاد حل لاتفاق قانوني وملزم بطريقة الملء وتشغيل السد، هي عملياً تقول : لا نريد أن نخسر في حصة المياه التي تصل إلينا .

إذن المشكلة الحقيقية هي حصص المياه .. إثيوبيا لا تعترف بما تقوله مصر من أن حصتها في المياه تصل إلي 55.5 مليار متر مكعب، والسودان لها 18.5 مليار متر مكعب كحصة من المياه، وتريد أن تقول لها إثيوبيا :" هذا النيل هو ملكي .. وأنا سأتصرف فيه كما أشاء ".. ومن هنا نفهم أن المشكلة ستستمر، حتي وإن وجُد حل لسد النهضة .

والسؤال المطروح هنا في هذا المقال : أي خيارات قانونية متبقية أو متاحة لكل من مصر والسودان ؟

إذا كان أصل المشكلة هو الاتفاق علي الحصص، ففي النهاية بأنه حقيقة ما تراه إثيوبيا هو أن موقف مصر والسودان القانوني موقف ضعيف .. لماذا؟!

فإذا نظرنا للاتفاقيات التي تحدد حصص مصر والسودان من مياه أنهار النيل، ونبدأ باتفاقية عام 1929م وهذه الاتفاقية كما يزعم الإثيوبيون وقُعت بين مصر من جهة وبريطانيا من جهة أخري، وبريطانيا وقعتا نيابة عن تنزانيا، وكينيا، وأوغندا.. أين إثيوبيا ؟ .. غير موجودة، وهنا تقول إثيوبيا بأنها لم تكن جزء من هذه الاتفاقية، ومن ثم فإنها تري أنها غير ملزمة بهذه الاتفاقية، وهذه الاتفاقية هي التي حددت حصة مصر بـ 48 مليار متر مكعب من المياه، وللسودان 4 مليارات  متر مكعب من المياه ..

ثم زادت حصة مصر بعد ذلك إلي 55.5  مليار متر مكعب من المياه، وللسودان 18.5 مليارات  متر مكعب من المياه، وقد  تم ذلك في الاتفاقية التي وٌُقعت بين مصر والسودان عام 1959م، وهنا تقول إثيوبيا بأنها لم تكن جزء من هذه الاتفاقية، ومن ثم فإنها تري أنها غير ملزمة بهذه الاتفاقية لكونها تري أنها لم تكن طرف، ومن ثم فهي تري أنها غير ملزمة .

بيد أن الاتفاقية الوحيدة التي وقعت عليها إثيوبيا كانت اتفاقية 1902م، وهذه الاتفاقية كان إمبراطور إثيوبيا قد وقعها مع بريطانيا، (وهي كما تزعم إثيوبيا) لا تتحدث عن الحصص كما تقول إثيوبيا، وإنما يلتزم فيها الإمبراطور بعدم القيام أو السماح للقيام بأي مشاريع علي نهر النيل الأزرق تعيق وصول المياه إلي مصر والسودان، إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية والسودانية .

وفي عام 2015 م تقول إثيوبيا بإن مصر والسودان ذهبتا إلي إثيوبيا ووقعتا علي إعلان المبادئ، وفيه موافقة من مصر والسودان علي إنشاء سد النهضة .. إذن إثيوبيا أصلا ترفض الاعتراف باتفاقية 1902 علي أساس أنها كما تزعم اتفاقية من العهد الاستعماري .

علاوة علي أن إثيوبيا يمكن أن تقول لمصر والسودان حسنا، أنتم وافقتم في عام 2015 علي مبدأ إنشاء سد النهضة، ومن ثم فإم موقف مصر والسودان ضعيف .. ويبقي أن مصر والسودان يمكن أن تلجأن إلي اتفاقية المجاري المائية الدولية التي وٌُقعت عام 1997م وهي تحدد ما هو النهر الدولي مثل نهر النيل الذي يربط عدة دول وتشترط أن القيام بأي عمل علي هذه الأنهار لا بد أن يكون بشكل منصف وعادل ولا يضر بالدول المطلة علي هذا النهر ..

لكن أن تلجأ مصر والسودان إلي هذه الاتفاقية فإن هذا له معنيان في نظر إثيوبيا : المعني الأول وهو في غاية الأهمية أن مصر والسودان يقولان حسنا ..

نحن نوافق أن ننسي الحصص القديمة ونريد أن نتفق علي حصص جديدة .. فهل ستوافق مصر والسودان ؟... ومع ذلك أشك !..

والأهم أن إثيوبيا التي تريد أن يظهر من هذا السلوك، هو أن يصبح هذا النهر ملكا لها، قد لا توافق علي الإطلاق علي أن تجلس لتمنح مصر والسودان هذه الحصص إلا بشروط معينة، وقد سمعنا بهذه الأفكار التي تحدثت عن البيع الزائد والفائض من مياه نهر النيل إلي دول أخري .. إذن هذا مشكوك فيه ..

حدث الخلاف بعد ذلك من خلال دعوة مصر والسودان إلي اللجوء إلي التحكيم الدولي .. وهذا في حد ذاته يمثل مشكلة وذلك لأن التحكيم الدولي في نظر إثيوبيا ينص علي أنه لا بد أن يكون هناك مبدأ الموافقة من طرف إثيوبيا علي أن تلجأ إلي التحكيم الدولي .. فهل إثيوبيا الآن توافق الآن علي هذا المبدأ ؟

لا ... حتي شروط الوساطة فلإثيوبيا تفرض شروط معينة في الوساطة، حيث لا يمكن أن يُفرض علي إثيوبيا بأن تذهب إلي التحكيم الدولي إلا في حالة واحدة أن يكون سبق ووقعت إثيوبيا اتفاقية قديمة بين مصر والسودان أنه في حال الخلاف نلجأ إلي التحكيم الدولي، ولكن في ظل إعلان اتفاق المبادئ 2015  لم يتم ذكر اللجوء إلي التحكيم الدولي مطلقا ولكن تم اللجوء إلي فكرة الوساطة فقط، ولم يذكر مبدأ التحكيم الدولي في نص إعلان المبادئ، وبالتالي لم يبقي من الناحية القانونية الكثير لكن تبقي هناك خيارات أخري عسكرية وهذا هو الحل الوحيد لمصر والسودان .

 

أ. د. محمود محمد علي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم