صحيفة المثقف

علاء اللامي: مسؤولية الزعامات الكردية عن الكارثة التي حلت بالعراق والعراقيين

علاء اللاميلا تقل مسؤولية زعامات الاقطاع السياسي الكردية عن الكارثة التي حلَّت بالعراق والعراقيين بعد الاحتلال الأميركي سنة 2003 عن مسؤولية حلفائهم في الزعامات الطائفية الشيعية والسنية إن لم تكن قد فاقتها في بعض المراحل والمواضع بسبب خبرة هذه الزعامات العريقة في التعامل مع أعداء العراق ماضيا وحاضرا!

* وفي المقابل، لا يوجد منصف وعاقل يمكن أن ينكر أحداث القمع والاضطهاد التي تعرض لها الكرد كغيرهم، وربما أكثر من غيرهم من سكان العراق طوال العهود السابقة وخصوصا في عهد البعث الصدامي حيث بلغت الأمور درجة حرب التصفية العرقية واستعمال الأسلحة الكيمياوية؛ ولكن استعمال هذه الذاكرة الحزينة والدامية بهدف تبرير الخيانات الوطنية التي ارتكبتها القيادات الكردية، وخاصة تحالفها مع دول مجاورة معادية كإيران الشاه، ثم مع الاحتلال الأميركي والكيان الصهيوني أمر مسيء لضحايا القمع الحكومي من الكرد قبل غيره، وهو متاجرة لا أخلاقية بمآسيهم وبشعارات الكفاح التحريري التي يرفعونها، وهذا ما تضح لاحقا مع قيام حكم المحاصصة الطائفية والعرقية في دولة المكونات التي جاء بها الاحتلال حيث أصبحت غنيمة الحكم وعائدات النفط المهرب من الإقليم غنيمة باردة من حصة العائلتين المتسلطتين على محافظات الإقليم الثلاث فقط، وحُرِم المواطن العامل والموظف الكردي حتى من حقوقه وفي مقدمتها راتبه الذي صار يجمد تارة لعد أشهر أو يقطع لأشهر تارة أخرى. واكتشفت جماهير الإقليم زيف شعارات التحرير القومي والديموقراطية الأميركية التي كانت تصب المال المنهوب من النفط العراقي في حسابات مصرفية سرية للعائلتين الإقطاعيتين المتسلطتين على الإقليم فخرجت في تظاهرات غاضبة واسعة.

* لقد دأبت قيادات الاقطاع السياسي الكردية على الاستقواء بالأجنبي - وتحديدا الغربي والأميركي وحتى الصهيوني - ضد العراق، واختارت الانفصال الفعلي عن الدولة العراقية بعد سنة 1991 وأخضعت المحافظات الثلاث ذات الأغلبية السكانية الكردية لحماية الطيران الأميركي والغربي بموافقة صدام حسين ورغم أنفه. وحين بدأت حرب احتلال العراق سنة 2003 أصبحت مليشيات هذه الزعامات الكردية في خدمة قوات الاحتلال وصار عناصرها أدلاء ومرشدين وقوات إسناد فعلية لها.

* وفي المناسبة أسجل الآتي معنا لأي لَبس: إن نقدي وفضحي لأخطاء وخطايا الزعامات الكردية الإقطاعية المستمر لا يعني أبداً التخلي عن ثوابتي كإنسان أممي يؤمن عميقا، ودون أدنى مساومة، بحق الأمم ومنها الأمة الكردية في الدول المقسِّمة فيها اليوم في حقها بتقرير مصيرها وإقامة دولتها القومية. وقلت "حق الأمة الكردية" ولا أقول حق مليشيات وأحزاب وزعامات التي تنطق باسمها نظريا، والمعادية لها عمليا والعميلة لأعداء الشعوب الإمبرياليين والصهاينة، فمَن يتحالف مع أعداء الشعوب يكون بالضرورة والمآل عدوا لشعبه.

* حين بدأ الاحتلال الأميركي بتشكيل نظام الحكم الطائفي المحلي كانت الزعامات الكردية يده اليمنى في التخطيط والتنفيذ، وقد حصلت هذه الزعامات جراء ذلك على أكثر مما أرادت بأساليب مختلفة غير مشروعة ولا علاقة لها بالأخلاق أو الوطنية أو حتى بمصلحة الكرد العراقيين والشعارات التحريرية التي دأبت على رفعها والمتاجرة بها تلك القيادات لعقود طويلة.

* وبمرور الوقت تحولت الزعامات الكردية الى حالة لا تختلف عن حالة عصابات متغلبة تحتل بلدا آخر هو العراق، مستفيدة أبشع استفادة من رضوخ وهوان وسذاجة وجشع الزعامات السياسية الشيعية عديمة الخبرة والضمير والوطنية؛ قيادات تزعم أنها تمثل الغالبية السكانية طائفيا ولكنها تفكر بعقلية الأقلية المصابة بالدونية (حتى أنها طالبت بإقامة إقليم شيعي خالص بها في الجنوب والوسط على لسان حزب آل الحكيم)، وعقدت مع الزعامات الكردية صفقات معيبة حقا وحصلت من دولة الاحتلال الأميركية على عطايا وجوائز حاسمة وكبيرة:

فقد رُفعت حصة محافظات الإقليم الثلاث في حكومة إياد علاوي وبتواطؤ معه ومع الساسة الشيعة من 12 بالمائة إلى 17 بالمائة حتى عهد حكومة العبادي، وجُعلت سيادة وإرادة الإقليم أعلى من سيادة وإرادة الدولة العراقية، واعتبار يدها هي العليا في حالات الخلاف بين سلطات الإقليم ودولة العراق، إضافة الى دَسْتَرة فيتو المحافظات الثلاث على كل استفتاء لتعديل الدستور وبموجبه يرفض أي التعديل إذا رفضه الناخبون في محافظاتها تلك...إلخ.

بل وقد بلغت العقلية المليشياوية المتغلبة للزعامات الكردية درجة رفضت فيها تسليح الجيش العراقي، وعارضت علنا شراء طائرات حربية لسلاح الجو العراقي، ونجحت في تأخيرها طويلا وتقليلها وربطها بشروط استعمال صعبة كثيرة، متذرعة بالخوف من القمع الحكومي فكيف يمكن التعايش مع زعامات كهذه على المدى البعيد وهي تريد تجريد العراق من السلاح وجعله ضعيفا ممزقا فاقدا للسيادة إلى الأبد؟

* وفي مغامرة البارزاني الانفصالية قطعت هذه الزعامات شوطا بعيدا في التنسيق وطلب العون من الكيان الصهيوني الذي كان "الدولة" الوحيدة في العالم الذي دعمها في تلك المغامرة، فهل يمكن لإنسان سوي ومبدئي أن يقبل بمغامرة كهذه لا يساندها إلا الكيان الصهيوني دون ان يكون قد خان العراق والشعب الكردي نفسه؟

لقد بلغ الأمر بالكثير من العراقيين العرب المستائين من هذا الإذلال والهوان الوطني أنهم صرحوا علنا بأنهم مع "انفصال العراق نفسه عن الإقليم" للتخلص من الهيمنة والابتزاز وفقدان السيادة التي كانت هذه القيادات الإقطاعية الكردية العميلة للغرب والصهيونية أداتها التنفيذية، ورغم خطورة وخطأ هذه الفكرة ولكنها تعكس بشكل دقيق حالة الرفض لواقع الحال المزري الذي بلغه العراق دولة ومجتمعا.

* إن كل هذه الغنائم والمنهوبات التي اقتنصتها الزعامات الكردية في غفلة من الزمن وبتواطؤ من الزعامات الطائفية الأخرى كادت تتبخر مع اندلاع انتفاضة تشرين 2019 واهتزاز نظام المحاصصة التابع بشدة، فيومها خرج علينا أحد قادة حزب البارزاني ليقول وهو يكاد يبكي وينتحب "لقد ضاعت كل إنجازات الشعب الكردي التي كافح من أجلها طوال عقود"، وهو يقصد طبعا "كل السرقات والغنائم الباردة" التي حصلت عليها زعاماتهم الإقطاعية وكادت تتلاشى بعد أن زلزلت الانتفاضة الأرض تلك النظام الفاسد في بغداد، ولكنها عادت واطمأنت بعد إغراق الانتفاضة بالدماء والمؤامرات الانتخابية وغيرها.

* اليوم، تعيش هذه الزعامات حالة من التعادي والتشرذم، والكرد في الإقليم يعانون الأمرين منها، وقد بدأت تتشكل وتتسع معارضة واسعة لها تتهمها اللصوصية والفساد وتطالب بمحاسبتها، وهذه الزعامات الكردية كالزعامات الطائفية في العراق العربي لا عاصم لها من السقوط والرحيل سوى الدعم والحماية الأجنبية الأميركية والإيرانية، وهذه الحماية إن توفرت اليوم فهي لن تتوفر غدا وسيكون يوم سقوطها زوالها أقرب مما يتصور قادتها. لقد ربحت الزعامات الإقطاعية الكردية الحاضر وغنائمه المادية ورسخت تحالفها بل "عبوديتها" مع أصدقائها الأميركيين والصهاينة ولكنها خسرت أصدقاءها التقدميين العراقيين وغير العراقيين وخسرت أجزاء تتسع باستمرار من شعبها نفسه.

* باختصار: لقد ربحت الزعامات البارزانية الطالبانية الحاضر وغنائمه وخسرت المستقبل، وسيأتي اليوم تُجبر فيه على أن تقيئ كل الغنائم والمنهوبات التي سَطَتْ عليها من قوت وخيرات العراقيين عربا وكردا وتركمانا وغيرهم!

 

علاء اللامي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم