صحيفة المثقف

يسري عبد الغني: كلمة عن الفضاء التاريخي العربي.. جذوره وعوالمه

يسري عبد الغنينؤكد هنا على أن هناك العديد من المصادر الأساسية للإبداع الفني في الرواية التاريخية، وعليه فلا يمكن للمرء أن يتصور كم يمتلك العرب بالذات على امتداد أجيالهم عبر التاريخ، وعلى امتداد قسمات بيئاتهم المتنوعة في جغرافيتهم من فضاء تاريخي غني جدًا بالتجارب والمعلومات والقصص والشخوص والبطولات والصور والألوان والملاحم والحوارات والأقوال والأمثال والشواهد والنصوص والمأثورات، التي يمكن للروائي أن يعيد إنتاجها أدبيًا وفنيا في منتج هائل وكبير ومتنوع من الروايات التاريخية الرائعة التي لم يقتصر توظيفها عربيا حسب، بل بإمكانها أن توظف عالميا أيضا

وهنا يمكننا نحن العرب أن نفيد بها أجيالنا العربية القادمة أولاً، ونفيد بها العالم كله ويمكننا أيضًا ليس في تربية أجيالنا الصاعدة في القرن الحادي والعشرين الذي نعيشه وزرع الثقة بإعادة إنتاج المعرفة التاريخية فنيا عند تلك الأجيال حسب، بل توظيف ذلك كله في بناء المجتمع العربي بإغناء ثقافته، وتقويم سلوكياته، وتصحيح اعوجاجا ته، وتعزيز ملكاته، وتقوية أدبياته ولغته وأساليب كتابات أبنائه كما يمكننا أيضًا ليس في تقديم أي شيء للعالم الذي يسمع بما كان للعرب في الماضي من أدوار وتاريخ ومأثور فحسب، بل توظيف ذلك كله في تقديم صورة تقترب من الحقيقة عن العرب، بدل الصور المشوهة والمأزومة والمتشنجة والعدائية ضدهم والتي تكتب وتصور وتنتج وتبث ضدهم منذ وقت طويل !

إن الرواية التاريخية: اشتمال لما يحكى في يوم متجدد عن مشاهد صورة الماضي ووقائعه وأحداثه وحركة شخوصه، وسمات معانيه، وتوصيف تشيؤاته الخ في داخل إطار من الزمن، وعلى أرضية معينة من المكان.

والرواية الأصل عند العرب القدماء: رواية شفاهية، غدت في عصر التدوين محررة ومكتوبة فالمصطلح له جذر قديم في ثقافتنا عندنا نحن العرب الذين اهتموا عصورا عديدة بـ " المرويات "، وتفوقوا فيها لوحدهم متميزين على غيرهم من الأمم، خصوصا وان تفوقهم كان شفاهيًا على امتداد تاريخ طويل كانت " الرواية " تكتسب مع توالي الزمن من المضامين المتعددة التي خدمت عصر التدوين والتكوين معا في حقول ومعارف وعلوم شتى وتعد الرواية خزينا متسعا من المعلومات والأفكار والمنصوصات والمأثورات الخ وتتضح قدرة العرب على الروي التاريخي، نظرا لاعتمادهم على ركيزتين أساسيتين اثنتين:

1 - الذاكرة القوية الفردية والجماعية العربية في احتواء قدر هائل من ثراء التاريخ

2 - ثراء تاريخ العرب بالمرويات والنصوص والأساطير والملاحم والبطولات وكنوز المخصوصات من المضامين التي لم تضطلع بها بقية الشعوب كالسلالات والأنساب والقصص.... الخ

هنا، يمكننا القول بأن الروي كان سمة أساسية عند العرب إلى جانب الشعر الذي يعد عنوانهم ورمز ثقافتهم 00 فإذا المسرح سمة للإغريق، والمصارعة سمة للرومان، والخزف سمة للصين، والحكمة سمة للهنود، والنقوش سمة بيزنطة، والسحر سمة الأفارقة 00 فان الشعر والروي سمة للعرب

معنى ذلك، أن " الروي " جوهر التاريخ وصفحته التسجيلية عند العرب الذي لم يكن يحتل قالب زمني محدد لحفظ شعر العرب حسب، لكنه كما يؤكد على ذلك المستشرق البريطاني المعروف السير هاملتون كب أنه: يحتوي مجموعة سرديات لحوادث ووقائع ومأثورات اعتمدت على المرويات فحفظت تلك " المرويات " أصولنا وأنسابنا ومواصفاتنا ومنصوصاتنا ومأثوراتنا وإشعارنا نحن العرب

وكان " الروي " من أهم ما اعتمد عليه المسلمون في ما بعد لتسجيل التواريخ وتدوين الحادث التاريخي والحديث النبوي وغيرهما كثير ..

نريد القول بأن " الروي" مهما كانت طبيعته مؤصل عند العرب، وقد أجادوا فيه إجادتهم للسرد منذ القدم في الشعر والنثر على حد سواء -كما أردت القول-، بأن هناك اليوم تصنيف من نوع آخر لـ " الروي " عند العرب المحدثين:

أولهما: رواية تاريخية يختص معناها بروي المعلومات التاريخية ضمن حزمة العلوم التاريخية . ثانيهما: رواية تاريخية يختص فنها الأدبي بالقص التاريخي ضمن حزمة الفنون الأدبية ويرتقي فن الرواية التاريخية إلى درجة عليا من الصنعة الفنية، والحبكة بالغة التعقيد، والأسلوب المزدوج والصعب في تجانسه بين لغة تاريخ الحدث ولغة تاريخ الرواية.

 

بقلم:د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم