صحيفة المثقف

محمود محمد علي: قراءة نقدية في كتاب إشكاليّات التّعليم الإلكترونيّ وتحدّياته (1)

محمود محمد عليفي ضوء جائحة كورونا للأستاذ الدكتور علي وطفه

1- تقديم: يعدّ كتاب الدكتور علي أسعد وطفه من الأعمال النادرة التي تناولت (إشكاليّات التّعليم الإلكترونيّ وتحدّياته في ضوء جائحة كورونا - قراءة سوسيولوجيّة في جدليات التّفاعل والتّأثير) " ويحرز هذا الكتاب قصب السبق في ميدان، وهو علاوة على ذلك متميز في موضوعه، جديد في أسلوبه ومنهجيه، ويعد إضافة معرفية نوعية في منهجه ومضامينه الفلسفية .

وعندما وقعت على كتاب المفكر السوري العتيد الدكتور علي أسعد وطفه (إشكاليّات التّعليم الإلكترونيّ وتحدّياته في ضوء جائحة كورونا )، والذي صدر أخيراً عن مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية 2021م، امتلكني إحساس عميق وشامل بالسعادة وغمرتني حالة من النشوة الفكرية لاقتناعي الفائق بأنّ الكتاب يحمل في طيّاته رؤية نقديّة جديدة لإشكاليات التّعليم الإلكترونيّ وتحدّياته في ضوء جائحة كورونا، بحثا في جدليّات التّفاعل والتّأثير بين مختلف عوامل هذه القضيّة ومتغيّراتها، ويستقصي مختلف الجوانب الإشكالية التي تتعلق بالتربية والتعليم الإلكتروني في زمن الكورونا (1).

وليس ثمة غرابة أو مغامرة في أن يخوض المؤلف الدكتور وطفه خوضا نقديا إبداعيا في قضايا المدرسة والعولمة والثقافة، لما عرف عنه من حصافة فكرية ونزعة نقدية وروح ثورية جعلته من أكثر المفكرين العرب في مجال علم الاجتماع التّربوي قدرة على تناول القضايا الفكريّة التربويّة المعاصرة تناولا فذا وأصيلا بحكم خبرته الطويلة وأصالته العلمية وانتسابه إلى المدرسة الفرنسية النقديّة لعلم الاجتماع النّقدي الجديد بزعامة المفكر النّقدي الكبير بيير بورديو الذي أسّس فضاء فكريّا متجددا وحداثيّا للعلاقة بين التّربية والحياة السّياسة الرأسماليّة (2).

2- الكتاب ودوافعه:

يلامس المؤلف في كتابه (إشكاليّات التّعليم الإلكترونيّ وتحدّياته في ضوء جائحة كورونا) أكثر قضايا التربية والتعليم حساسية وجوهرية في ظل جائحة كورونا (كوفيد-19)، حيث دفعت تلك الجائحة المؤسّسات التعليمية في مختلف دول العالم إلى تطوير بدائل مناسبة ومبتكرة للتعامل مع الواقع الذي فرضته الجائحة، وأهمّها الانتقال إلى التعلّم عن بعد، وتدريب أعضاء هيئة التّدريس على استخدام برامج التّعليم وموادّه وأدواته عبر الإنترنت، إضافة إلى تدريب الطلبة على التّعامل مع تلك البرامج وكيفيّة استخدامها. وتهدف هذه الدّراسة إلى إطلاع المسؤولين عن التّعليم والباحثين وصنّاع القرار على الآثار التي خلّفتها الجائحة على العمليّة التعليميّة، والسياسات والبرامج وتدابير الطوارئ التعليمية التي تسهم في الحدّ من تداعياتها على تلك العملية، وكيفيّة الاستفادة من التّعليم الإلكتروني باعتباره بديلا مناسبا في ضوء انتشار الجائحة وحداثيّا للعلاقة بين التّربية والحياة السّياسة الرأسماليّة (3).

ويعد كتاب (إشكاليّات التّعليم الإلكترونيّ وتحدّياته في ضوء جائحة كورونا) عصارة تفكير الدكتور علي وطفه في الفلسفة والثقافة التربية والعلوم والمعرفة الكونية، ولذلك لم أهدر الفرصة وحاولت أن أغتنمها لقراءة هذا الكتاب الرائع، وذلك لما فيه من خير للإنسانية في الاستفادة من بعضها بعضا. فكانت هذه القراءة التي نتناولها في قسمين كبيرين: مدار القسم الأول على التقديم المادي للكتاب، والقسم الثاني على أهم القضايا التي بسطها الكتاب للدرس والتأمل والحوار.

وبذلك يمكن قراءة أهداف الدكتور علي وطفه في هدفين أساسيين، أو جعلهما في دافعين:

الدافع الأول: نظري معرفي يقوم على تناول مختلف مظاهر التّفاعل بين الأزمة التي أحدثها فيروس كورونا المستجدّ المسبّب لمرض (كوفيد-19) والتعليم الإلكترونيّ عن بعد في مختلف مستويات المراحل التعليمية. وتسعى إلى تقديم صورة متكاملة للتفاعلات القائمة بين تلك الجائحة والتحديات التي فرضتها على التعليم، وإلى تقديم تصوّر شموليّ لتأثيرها في العملية التعليمية ولا سيما إغلاق المدارس والمؤسسات الأكاديمية في مختلف أنحاء العالم، وتتطرّق إلى مناقشة مختلف الإشكاليات والتحديات الاجتماعية والسّيكولوجية والتربوية التي تواجه المؤسّسات التعليمية في تعاملها مع هذه الأزمة (4).

وليس ثمة غرابة أو مغامرة في أن يخوض المؤلف الدكتور وطفة خوضا نقديا إبداعيا في قضايا المدرسة والعولمة والثقافة، لما عرف عنه من حصافة فكرية ونزعة نقدية وروح ثورية جعلته من أكثر المفكرين العرب في مجال علم الاجتماع التربوي قدرة على تناول القضايا الفكرية التربوية المعاصرة تناولا فذا وأصيلا بحكم خبرته الطويلة وأصالته العلمية وانتسابه إلى المدرسة الفرنسية النقدية لعلم الاجتماع النقدي الجديد بزعامة المفكر النقدي الكبير بيير بورديو الذي أسس فضاء فكريا متجددا وحداثيا للعلاقة بين التربية والحياة السياسة الرأسمالية (5) .

ولأكثر من سبب فقد جعل الدكتور علي وطفه مضمون الكتاب وفحواه ومادته في الاستدلال  على الهدف الأول، أي علي الجانب النظري المعرفي، مستغلا كلّ فرصة للتعليق بالسلب  على أصحاب الدافع الثاني، بين نقد أو نقض.

من هنا، كانت مهمّة الدكتور علي وطفه في مقدمة كتابه أن يعرّف القارئ بمقصوده بإشكاليّات التّعليم الإلكترونيّ وتحدّياته في ضوء جائحة كورونا"، وأن يبيّن أنّ الجائحة الحالية تمثّل ظاهرة عالمية كوكبية، وترتسم مفصلا تاريخيا لمرحلة جديدة في تاريخ الفكر الإنساني، ويتجلّى تأثيرُها الصّارخ في مختلف الاتّجاهات العلمية والمعرفية؛ في مجال الفن والتاريخ، كما في مجال الأدب والفلسفة وعلم الاجتماع والاقتصاد والتربية.. وهكذا، فالكارثة اليوم لا تتمثل جوهريّا في الأعداد الهائلة للمصابين بالجائحة بل في مضاعفاتها الهائلة في مختلف مجالات الحياة (6).

والواقع أنّه إذا كان صحيحاً القول بأنّ للفيلسوف حدثاً واحداً يتكرر كل عدة سنوات كما قال الفيلسوف الفرنسي المعاصر " هنري برجسون"؛ فإنّه صحيح أيضاً القول بأنّ للمفكر المتميز خطابًا واحداً يتكرر دائماً عبر مستويات عديدة تعكس كلها رؤية واضحة ومتفردة، كتلك التي نجدها متضمّنة في جميع أعمال الدكتور "علي وطفه": كتاباً كانت، أم ترجمة.

ومن هنا، يقع كتاب (إشكاليّات التّعليم الإلكترونيّ وتحدّياته في ضوء جائحة كورونا) الذي نحن بصدده الآن ضمن الدّوال الرئيسية على معالم هذا الخطاب الذي يمثل بحق اتجاهاً معرفياً جديداً في حقل الثقافة العربية المعاصرة. اتجاها احتل مكانته في قلب هذه الثقافة عن جدارة واستحقاق بصرف النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف مع ما يمثله من قيمة معرفية ومنهجية في دراسة علوم التراث ونصوصه، وهي قيمة ولا ريب عظيمة ولو كره الشائنون..

3- المؤلّف وحضوره العلمي:

أما المؤلف فهو الدكتور الأستاذ الدكتور " علي أسعد  وطفه"، أستاذ علم الاجتماع التربوي بكلية التربية –جامعة الكويت، وهو أيضاً باحث وأكاديمي سوري، يشغل منصب أستاذ علم الاجتماع التربوي، ورئيس تحرير مجلة نقد وتنوير الصادرة عن مركز نقد وتنوير للدراسات الإنسانية، عضو اتحاد الكتاب العرب، عضو رابطة الكتاب السوريين، عضو اتحاد كتاب سورية الأحرار، عضو الشبكة العالمية للتربية على حقوق الإنسان، عضو المجلس العربي للعلوم الاجتماعية في بيروت، عضو الهيئة الاستشارية لمجلة متنوري بجامعة قسطنطينة في الجزائر، عضو الهيئة الاستشارية لمجلة دراسات الصادرة عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات العربية المتحدة. حائز على جائزة حميد بن راشد للعلوم الاجتماعية سنة 2014، وعلى جائزة البحث المتميز لجامعة الكويت في مجال الآداب والعلوم الإنسانية سنة 2009، وعلى شهادة تقدير من صاحب السمو سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة سنة 2001. له العديد من المؤلفات، من بينها: "العنف والعدوانية في التحليل النفسي"، و"الجمود والتجديد في العقلية العربية"، و"بنية السلطة وإشكالية التسلط التربوي في الوطن العربي"، و"التنشئة الاجتماعية في دولة الكويت"، و"المدخل إلى التربية"، و"الشباب والمرأة"، و"الشباب قيم واتجاهات ومواقف"، و"التربية وحقوق الإنسان". وله مجموعة من الترجمات، من بينها: "إميل دوركهايم: التربية والمجتمع"، و"بيير بورني: فلسفة الحب". وله مجموعة من الأبحاث العلمية المحكمة، من بينها: "التحديات الإعلامية في الوطن العربي: مواقف الشباب من تلفاز الشرق الأوسط، دراسة سوسيولوجية إعلامية في جنوب سورية"، و"الاغتراب والأنسنة في مفهوم الفردانية: المغامرة الفكرية الفردانية في الثقافة الغربية.. وللحديث بقية..

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

.....................

1- د. علي أسعد وطفه: إشكاليّات التّعليم الإلكترونيّ وتحدّياته في ضوء جائحة كورونا قراءة سوسيولوجيّة في جدليات التّفاعل والتّأثير، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية 2021م، ص 15.

2- د. صابر جيدوري: قراءة في كتاب رأسمالية المدرسة في عالم متغير للدكتور علي وطفه، مركز نقد وتنوير، 11 ديسمبر 2020م.

3- المرجع نفسه..

4- المصدر نفسه، ص ص 24-25.

5- المصدر نفسه، ص 24.

6- المصدر نفسه، ص 19.

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم