صحيفة المثقف

صلاح حزام: هل تستطيع الدولة على المدى المنظور اصلاح الخراب؟

صلاح حزامحجم الخراب المادي والنفسي الذي اصاب العراقيين منذ العام ٢٠٠٣، أضافة لما قبلها من سنوات اسماها أحد الكتّاب المحترمين (سنوات الحريق)، أصبح جسيماً ومتجذّراً الى الحد الذي يجعل علاجه مستحيلاً على المدى المنظور حتى لو توفّرت الارادة.

من يستطيع إخراج سكّان العشوائيات والحواسم؟ استحوذوا على رقع واسعة كانت قواعد عسكرية ومطارات ومعسكرات الخ ... وشيدوا بيوتهم بكل اطمئنان !!!

من يستطيع إقناع الاخوان الفاسدين شركاء الوطن، ان الفساد حرام وان الله لايقبل وان مرتكب جريمة الفساد في النار؟ سيقول لك انه مال مجهول المالك ويمكن ان يذكّى مثل ما يذكّى الصيد، وانه سأل مؤذن الجامع القريب وافتى بجواز ذلك . وأنه يؤثر الاكتفاء بهذه الفتوى الشريفة لأن المراجع الكبار يميلون الى تعقيد الاشياء البسيطة ويقطعون رزق الناس بالتحريم المبالغ فيه !!!

من يستطيع منع كل موظفي الدولة من ممارسة الواسطة؟ سيقال لك ان الله اوصى بسابع جار، ورُبَّ أخٍ لك لم تلده أمك !! إنه لايستطيع رد الاصدقاء.

التقيتُ صدفة بشخص يزوّر وثائق رسمية للجالية العراقية في أحدى الدول، سألته لماذا تفعل ذلك؟

أجابني : في سبيل الله، لأني أسهّل أمر ناس محتاجين !!

قلت له : هل تأخذ شيء مقابل ذلك؟

قال: انهم يتركون لي هدايا في البيت دون موافقتي (يعني حيلة شرعية)!!!

هدايا وليست رشوة !!

نيتشة يقول : الرحمة خيانة، واعتقد انه يقصد هذا النوع من الرحمة حتى لو كانت بدون مقابل لانها تُفسِد النظام العام وتخرّب المعايير والقواعد.

من يُجبِر الناس على إنهاء تجاوزهم على الطريق وعلى الارصفة (بعض الناس وسّع بيته على حساب الرصيف ومنع الناس من استخدام الرصيف).

من يستطيع هدم عشرات ومئات آلاف المحلات التجارية التي تم بنائها في شوارع كانت غير تجارية وجعلوها بالقوة تجارية ونشأت فيها أسواق ومصالح لأعداد كبيرة من الناس؟

من يستطيع إقناع او إرغام الباعة الذين احتلّوا الارصفة وجعلوا السير متعذّر عليها؟ انهم اعداد كبيرة ويستطيعون تنظيم مظاهرة هائلة ضد الحكومة!!

كيف تعالج أية حكومة، ذهاب هيبة الاجهزة الحكومة والاعتداء عليها والاستهانة بها الى الحد الذي جعل أحد شيوح العشائر يُعلن ان طائرات الجيش العراقي لايحق لها التحليق فوق أرض القبيلة وانه ورجاله قادرين على اسقاطها؟ هل سمعتم بهكذا استهتار؟ الا يستحق هذا الجاهل الاحمق أشدَّ العقوبات تأديباً له ولأمثاله؟ لكن الحكومة إن عاقبته فسوف يخرج الآلاف من الجهلة ضد الحكومة.

سمعت من جدّي حكاية تُشيد ببطولة وعظمة أحد الشيوخ السابقين، حيث قال عنه: حتى الحكومة كانت تخاف من ذلك الشيخ !! والظاهر ان هذا الشيخ الجديد اراد ان يُصبِح بطلاً قومياً تخاف منه قوات الجيش الحكومي!!

أضافة الى الصعوبات التنفيذية الناتجة عن ضخامة أعداد المُخالفين، فأن النظام الديمقراطي سوف يجعل المتنافسين السياسيين يستغلون ذلك لإحراج الحكومة واسقاطها وتحريض المتضررين من سياسة الحكومة الاصلاحية حتى لو كان الثمن مصلحة الوطن .

وماذا عن الخراب النفسي؟ كيف يمكن للحكومة ومؤسسات المجتمع المدني ان تصلح النفوس والعقول؟

هل يكون ذلك هن طريق التعليم، وكم يستغرق؟ وهل جعل الانخراط في التعليم الابتدائي الزامي؟ بمعنى هل تستطيع الدولة إلزام الآباء بتسجيل ابنائهم في المدارس؟ وهل ان عناوينهم معروفة ومسيطر عليها؟ وماذا لو كان الطفل يعمل لاعالة اسرته ولايستطيع الذهاب للمدرسة !! هل هنالك مدارس تكفي الجميع؟؟

وماذا عن المناهج؟ من يعدّها ويغيّرها لتتلائم مع التغيير المنشود؟

وماذا عن الكبار المتعلمين، حاملي الشهادات السليمة والمزورة على حدٍّ سواء،والذين يمارسون الفساد والرشوة والتزوير وإهدار المال العام، كيف يتم تعليمهم واصلاح نفوسهم؟؟

المهمة شاقة جداً إن لم تكن مستحيلة..

 

د. صلاح حزام

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم