صحيفة المثقف

حمودي الكناني: دردشة هادئة

حمودي الكنانيسلام كاظم فرج احد الكتاب المتمرسين والنقاد خارج دائرة الضوء، هو لا يحب هذه الدائرة ان تسلط ضوءها عليه لأنه يؤمن تماما أن هناك كذبة كبيرة جدا يمارسها البعض والبعض الاخر يغطيها وما تبقى هم من الذين يقلدون مشي البطة. سلام كاظم فرج آثر على نفسه أن يلزم الهدوء بدلا من الكلام والهدوء بدلا من الحركة وأن يخاطب بصوت خفيض بدلا من الصراخ، حبب الى نفسه الاعتكاف في غرفة الاستقبال لا يبرحها الا لقضاء حاجاته الضرورية، أما حاسوبه فمركون في ركن الغرفة على منضدة انيقة وبجانبه كتاب واحيانا مجموعة من الكتب، يغرق كثيرا في تأملاته ومتابعة سير الاحداث والشروع في تفكيكها وتأويل ما تشابه منها وما اشكل، المحكم لديه قليل جدا ان لم نقل نادر لكن المتشابه عنده لا حصر له. اشتاق له احيانا واتمنى رؤيته وأوجه له الدعوة أن يشرفني بزيارة لكنه يعتذر وحجته أن صحته لا تسمح وأن الظرف غير مناسب، هي اعذار لكنني احترمها واقدرها. قبل ايام اتصلت به عبر (الصرصور) التسمية المحببة لدينا لأول جيل من اجهزة النقال نوكيا من منطلق ان للقديم حلاوة، رن الهاتف طويلا وتكرر الرنين والهاتف ينهي المكالمة بعبارة حاول مرة ثانية او فيما بعد، لكن ما هي الا دقائق رن عندي هذا الصرصور معلنا ان فرج يتصل:

* ألوووو  ...... اهلا ابا هشام كيف الحال .

* السلام عليكم، آسف جدا كنت بعيدا عن الهاتف غارقا في تأملاتي وتهجداتي الخاصة ولما نظرتُ لهاتفي وجدته يبلغني بمكالمة فائتة، شأنها شأن كل ايام عمرنا الماضية والمتبقية فهي جميعا فائتة وها أنا أتصل مجدداً، كيف الحال وما هي اخبارك واخبار باقي اخواننا واحبابنا، الخباز، سلام البناي، طارق الكناني، علي لفتة والآخرين؟

* كلنا بخير، نسأل عنك وفي شوق لرؤيتك، عسى أن تكون قد أنجزت لنا دليلا يرشدنا كيف تكون انتهازيا في زمن يتسابق فيه الاخرون لركوب الموجة .

* ههههههههههههه فكرتُ طويلا في الامر ولكني وجدته يكلف كثيرا وانت تعلم ما سببه تغيير صرف العملة من فروقات في ارتفاع الاسعار ومنها اسعار الطباعة . ومع ذلك فأنا عاكف على اتمامه وما عليك الا الترويج له من اجل ان يجد له زبائن ومشترين كثر .

* وما هي المشكلة الكبرى التي تشغلك غير هذا؟

* اللطيفة.. أن مشكلتنا اننا دائما ثنائيون.. اما في الجنة او النار.. في الثمانينيات ثنائية صدام والسيد الخميني..وفي الستينيات والسبعينيات اما اشتراكي او رأسمالي.. وفي الخمسينيات نوري سعيد وعبد الناصر... والان اما رغد او المالكي ومن على شاكلتهم... اللصوص والفاشلون جعلوا من عهد صدام عهدا ذهبيا في حين انه لم يكن سوى قاتل لخصومه ولرفاقه... هناك في الكون بدائل كثيرة لكن الثنائية تجعل من ابليس والله في سلة واحدة... والعتب مو عليهم.. على اللي خلقهم.. اقصد اميركا.... هههههه.. ...

* وهل ما زلت تبتسم وترمق السماء بعين متسائلة، يمكن اكو طائفة اسمها (الثنوية) فالأمر ليس غريبا اذن  الورطة كبيرة التي نحن فيها لا نعرف كيف تتجه البوصلة.

* نعم هناك طائفة اسمها المانوية تؤمن بوجود: إلاهين.. إله النور وإله الظلام.. بالنسبة لي انا من طائفة حمودي الكناني الذي علمني ان أبتسم مهما كانت الامور... مازلت ابحث في السماء.. السماء التي قال عنها ماركس انها لا تنجد العمال وقت الضيق.. وقالت عنها نوال السعداوي... انها صامتة...لكني أؤمن ايضا بمقولة سبينوزا الله موجود...لكن موسى لاعلاقة له بالله.. ولا عيسى... بوصلتي تقول ان الله موجود وهو خالق كل جمال.. ومن اجله صبر علي وصبر الحسين... الله يستحق ان نحبه لأنه أهل لذلك.. لا ان نخشاه او نتزلف اليه... الملحدون السذج شأنهم شأن المؤمنين السذج.. لايغوصون بعيدا في أصل الأشياء... الله هو البساطة والتعقيد في نفس الوقت.. هو الأول والآخر.. طالما أردد والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.. كم هي عظيمة الجملة الاخيرة.. وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.. هنا بداية تحول الحيوان الى انسان.. تواصوا.. يعني انهم أمة وليسوا افرادا.. تواصوا يعني انهم بصدد تكوين دولة عظيمة اسمها دولة الانسان.. وليس دولة الله.. الله لا يحتاج دولة او حزب.. الانسان من يحتاج كل ذلك.. الانسان هو المحور والبوصلة كما يقول مكسيم غوركي الروائي المعروف... انا أؤمن بإله حمودي الكناني وسلام كاظم لا إله من يدعون أنهم مؤمنون...تعلمت من عدنان الظاهر ان اكون مسنا ومتفائلا في ذات الوقت.. كانت رسالتك تحية الفجر قرأتها عند وقت الصلاة واكتب الان جوابها هذا بعد قدحين من الشاي السريلانكي العظيم

* هههههه.. هذا جزاء من يتورط مع الشعوب المتخلفة.. هذا اليوم انا حزين جدا... حامد فاضل احد أهم الكتاب العراقيين مات البارحة... ولم تسأل عنه وزارة ثقافة ولا اتحاد ادباء... حامد فاضل الانسان الطيب والكاتب الكبير آلمني جدا رحيله...

*وانا ايضا تألمت وحزنت عليه كثيرا يا صاحبي، اتفقنا ان نبتسم فما عادت ملامة تنفع ولا عذر يشفع روح الشيطان تلبست القوم وما عادوا ينظرون الا مصالحهم وهي دائرة اهتمامهم. لنا الله يا صاحبي العزيز . ذكرني رحيل الكاتب الكبير حامد فاضل برحيل اصدقائنا خزعل المفرجي، زاحم جهاد مطر، دكتور سعد الصالحي والمترجم احمد فاضل، رحلوا عن هذه الدنيا وتركوا حروفهم تئن من وطأة المعاناة التي عاشها ويعيشها صاغة الكلمة وبناة الافكار .

* لولاك ماكنت لأتحدث عن حامد فاضل أحد أهم كتاب الرواية العراقية.. آلمني رحيله كأنني فقدت آخر أحلامي...عتبنا كبير على وزارة الثقافة وعلى اتحاد الادباء والكتاب.. سألته قبل شهر من رحيله هل تذكرتك وزارة الثقافة وإن بباقة ورد قال لي : يكفي انك تتذكرني... على اية حال لنبقى مبتسمين لكي لا يقال عنا... إنهزما وهما في عز الانتصار.. المفارقة اننا لم ننهزم في عز الدكتاتورية... وها نحن نوشك على..... يالله.. ولا يهمك... شقشقة وتعبر.. الى لقاء قريب ....

 

حمودي الكناني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم