صحيفة المثقف

صلاح حزام: مع تقدم العُمر وازدياد الادراك، تتغير تعاريف الأشياء

صلاح حزامتقَدُّم العمر لايعني نفس الشيء لجميع الناس.. بالنسبة للبعض،يكون مجرد تراجع في الأداء الصحي والضعف والعجز وتغيّر الشكل نحو الأسوأ (واحياناً نحو الأفضل)!!

بالنسبة للبعض الآخر، قد يترافق كل ذلك مع تغيّر في الوعي والإدراك واعادة تعريف الكثير من المفاهيم.

الناس ليسوا سواء، منهم من يستعمل عقله بكثافة ومنهم من يستخدم عضلاته وقوته مع حد ادنى من استخدام العقل والمنطق..

لدى البعض تتطور القدرات العقلية مع العمر (لذلك لا يخضع العلماء والاساتذة في العديد من الدول الى سن تقاعدية، لان العقل لايشيخ مع الاستعمال بل ينمو ويتطور، في حين اننا نتعامل مع العالم وعامل البناء بنفس الاسلوب)..

الآن ماذا يعني ازدياد ادراك الانسان؟

اول مايعنيه ذلك هو اعادة النظر الى الكثير من الأمور واعادة تعريفها.

معنى السعادة ومعنى النجاح ومعنى التطور ومعنى الايمان ومعنى القوة ومعنى السيطرة ومعنى الالتزام ومعنى الاحترام ومعنى تماسك العائلة ومعنى الصداقة ومعنى المسؤولية ومعنى الوقت ومعنى الفراغ الخ...

هل السعادة هي المال ام الشهادة ام الوظيفة ام العائلة؟ بعض الناس يمتلك كل تلك العناصر لكنه لايعرف السعادة، والبعض سعيد جداً بدونها!!

ماهي حدود السلطة على الابناء البالغين؟ هل الأبوة هي امتلاك؟ نقوم بتربية الابناء تربية سليمة وتعليمهم وترسيخ ما نعتقد انه صحيح في اذهانهم، ولكنهم بعد البلوغ قد يكتشفوا أموراً تناسبهم ولاتناسبنا !!

ألم يقل الأمام علي انهم خُلِقوا لزمانٍ غير زماننا؟ لماذا الشعور بالفشل والغضب وسوء الحظ لانهم اختاروا طريقهم الخاص؟ هل يترتب على ذلك نوع من الذنب امام الله؟ هل ورد مايشير الى التبعية والسيطرة الأبدية للأب والأم على ابنائهم؟ ألم يقل الله لاتزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى؟ وقال : كلُّ نفسٍ بما كسَبَت رهينة؟

احترام الابناء لآبائهم وامهاتهم والعناية بهم لايعني السيطرة والخضوع العبودي ..

المال الكثير ينقلب في كثير من الاحيان (في الغالب) الى لعنة ونقمة على صاحبه عندما تتحول حياته الى مجرد ادارة ومتابعة الاموال والحقوق والصفقات والخسائر الخ...

اعرف شخصاً ثرياً جداً (يملك مئات ملايين الدولارات) قابلني صدفة وانا اتمشى على ساحل البحر حافي القدمين واضع قبعة واسعة على رأسي ونظارات شمسية واضع سماعات في اذني لاستمع الى الموسيقى وانا امشي بهدوء على حافة الماء المختلط بالرمال .. اصابته الدهشة واوشك ان يقول لي : كيف تتجرأ على ذلك الفعل غير اللائق؟

سألني ؛ ماهي المتعة في ذلك وماذا عن رأي الناس فيما تفعل؟

قلت له: انا اضع القبعة والنظارات وسماعات الأذن لأني لا أريد ان ارى او اسمع أحد !! اريد ان أخلو مع نفسي لأن الإخرون هم الجحيم (كما قال سارتر)...

جلسنا بعدها واعترف انه أخذ بهذه الممارسة ووجدها لذيذة بشكل لايوصف . واشتكى لي من انه لاينام من كثرة القلق على مصالحه وكثرة الاتصالات التجارية المزعجة !!

قلت له: لو اعطيتني كل ثروتك فلن اقبلها لأني لا احتاج اليها وسوف تُدمِّر حياتي ...

حتى شريك الحياة، انه ليس ملكك بل شريك حر وله خصوصياته . قد يكون من المفيد اعادة اكتشافه بشكل افضل وقضاء اوقات معه لم تسمح بها مشاغل الحياة الاولى ..

الأمر ينسحب على الاخوان والاخوات الذين اصبحت لهم حياتهم المستقلة وهمومهم التي لاينبغي لك ان تتدخل فيها وتَحمُّل مسؤولياتها..

لابأس ان يلجأ اليك الابناء والاخوان طلباً للعون او النصيحة، ولكن دون اكراه وبرغبتهم الخالصة، بعد ان تُثبِت انك أهلٌ لذلك..

 

د. صلاح حزام

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم