صحيفة المثقف

صلاح حزام: هل يجب ان تكون هناك سياسة سعرية مع اقتصاد السوق؟

صلاح حزامطالما ارتبطت السياسة السعرية في اذهان الكثيرين بالنظام الاشتراكي المُخَطَط، لكن التطبيقات لا تقول بذلك.

في النظام الاشتراكي المخطط مركزياً، تكون مؤسسات الدولة هي التي تُنتِج وتستورد وبالتالي هي التي تضع الاسعار . ذلك السلوك حتمي بحكم ان المدراء لايستطيعون التسعير حسب تقديرهم لأن ذلك يجعل الرقابة المالية غير ممكنة ويفتح ابواب الفساد والتلاعب. كذلك فأن التخطيط المالي يصبح مستحيلاً لأن الايرادات المتوقعة تُصبِح غير معروفة من قبل المركز لأن اسعار البيع غير محددة مسبقاً..

وهكذا تُصبح سياسة التسعير المركزي امراً حتمياً.وليس ذلك يعود فقط لغرض التخطيط المالي وتخطيط الايرادات بل لممارسة نوع من التوجيه عن طريق اداة السعر لأستهلاك الناس ودفعهم نحو نمط الاستهلاك الذي تريده الدولة.. حيث تدخل اعتبارات مثل العوامل الصحية والاخلاقية والاجتماعية في عملية تحديد اسعار السلع والخدمات من أجل تشجيع او تحديد وكبح استهلاكها. كذلك فأن شحة بعض المواد او كونها كمالية ( وفق تقديرات السلطات في الغالب، بالطبع). يضعون تسعيرة للكهرباء مثلاً تدفع نحو التقنين والاقتصاد في استخدام الكهرباء.

في نظام السوق لايقولون عنها سياسة سعرية بشكل مباشر ، لكن تطبيقات سياسات الدولة المختلفة لاسيما السياسة المالية تؤكد وجودها.

فانواع الضرائب والمكس وضريبة القيمة المضافة توضع بهدف التدخل غير المباشر لمنع او تقنين الاستهلاك.

لقد تم رفع اسعار السجائر في بريطانيا بشكل كبير جداً لدوافع صحية ولجعل التدخين عملية مكلفة جداً .وجعلوا ايرادات الضريبة الأضافية على السجائر

تذهب للقطاع الصحي الذي يتحمل تكلفة معالجة ضحايا التدخين.

وقد اخبرني احد الاصدقاء المقيمين في بريطانيا ، ان ايرادات تلك الضريبة الاضافية تبلغ عشرين مليار جنيه استرليني.

العديد من الدول تمنح المنتجات الخاصة بالاطفال معاملة ضريبية خاصة .كذلك تُمنح انواع معينة من الادوية معاملة خاصة وكذلك مستلزمات المعوقين وكبار السن . رفعوا الضريبة على الوقود (البنزين والديزل ) للحد من استخدام السيارات الخاصة مع وجود نقل عام كفوء.

الكثير منها تطبِّق نظام التعريفة التصاعدية او المزدوجة على استهلاك الكهرباء لعقلنة استهلاك الكهرباء.

مؤخراً وفي عهد الرئيس الامريكي ترامب أستخدمت سياسة فرض الضرائب على المستوردات من دول مختلفة ولمختلف المواد بهدف تقليص الطلب عليها داخلياً ودفع الناس لشراء المُنتَج المحلي ، حيث ان فرض الضرائب يجعل الاسعار ترتفع عملياً..وذلك يقلّص الطلب..

لاتوجد دولة رأسمالية واحدة تتفرج اجهزتها على قوى السوق الحرة وهي تتصرف بالحياة الاقتصادية والاجتماعية كما تشاء.

الآن نعود للوضع في العراق، حيث ان هوية النظام الاقتصادي التي يراد لها ان تكون آلية السوق الحرة الرأسمالية، لم تتبلور بعد ولم تكتمل بنيتها المؤسسية والقانونية والثقافية.

ثقافة الدولة الراعية لازالت موجودة بقوة والاصوات التي تنادي بإحياء القطاع الاشتراكي لازالت عالية مع ان ذلك القطاع قد تحوّل في معظمه الى خردة سواء بسبب الاهمال او السرقة او التقادم الفني والفيزيائي.

الثقافة السائدة لم تزل غير قادرة على قبول فكرة السوق الحرة ووجود أثرياء وتمايز طبقي حاد . لازال الحنين قائماً للشعارات الرومانسية الاشتراكية التي تدعو للمساواة بين الناس.

الدعوات الى ضرورة وجود دولة قوية ومُسيطرة في ميدان السياسة والأمن، تنسحب ضمنياً على الاقتصاد ويريد الكثيرون وجود هيمنة حكومية اقتصادية تحمي الفقراء..

المشكلة ان الدولة الضعيفة في الامن والسياسة لاتستطيع فرض تشريعات او اجراءات تنظيمية في مجال الاقتصاد يحترمها الناس.. الناس لاتدفع فواتير الكهرباء مثلاً !! ولافواتير الماء !!

ولاتستطيع فرض ضريبة للحد من الكحول والتدخين لان التهريب والغش يحول دون ذلك..

الحلقة مفرغة تماماً..

اخبرني احد الاصدقاء من الاساتذة العارفين بالأمور خلال زيارتي للعراق، ان التجار الفاسدين يستوردون الكحول والسجائر لكنهم يسجلونها كحليب اطفال لكي لاتخضع للضريبة (بالتواطؤ مع المنافذ الحدودية)!! وبذلك لا أحد يعرف على وجه اليقين ماذا يستورد العراق بالضبط.

 

د. صلاح حزام

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم