صحيفة المثقف

عقيل هاشم: ديوان "الهامش يتقدم" الشاعر محمد علي الخفاجي

عقيل هاشم"حمولات لغوية مشحونة بالغضب والرقة معا"

الى ذلك البستاني.......

الذي عاش تحت ظلال النخيل ........

ابي

إنَّ النص الذي يفتحُ عوالـمَه أمام وجه القارئ كي يلجها ويُسائِلَ من خلالها ذاته يستحق أن يكون نصا جدير بالقراءة . فالنص الذي يبحث في ركام القضايا المصيرية - ذات رؤية، وتُقنع القارئَ بالمشاركة في سرده نثرا/شعرا، وسواء اتفقنا أم اختلفنا، لأن هذا ليس هو الرهان، بل الرهان في أن يجعلك النص وعبر خطابه الصريح أو المضمر – يفكر وينتج رؤية محددة اتجاه تلك القضايا، ولا يكتمل الفعل الإبداعي إلا إذا زامن الفعل القرائي ورافقه، فهو إعادة حياة جديدة للنص عند كل قراءة، ولأن النص كائنٌ مُراوغ ومتحرك يتميز بالعبور والاختراق، لهذا فإنه في مغامرتي للقراءة هذه إنما هو عمل يفضي بالضرورة إلى تنويعات متعددة من القراءة ..

لم يعد للرشيد جوار

يسرن بشارعه في المساء

ويهرعن في الطرقات

لم يعد للرشيد سوى شارع مهمل

والمحلات خاوية

وهي محروسة بالتبسمل والصلوات

هاهنا كل شيء موات..

يضم الديوان بين دفتيه تسع قصائد هي:

1- البساتين داري ودار ابي. 2- صاعود النخل... ابي. 3- التي حجبت بظلها الاخريات {الأم}.4- رثاء في الذاكرة .5- ايها الوراق {الى الراحل: جليل القيسي}6- نزهة الخوف....نزهة الحرب .7- اعترافات شاطيء العلقمي .8- يمضي الانسان ويمضي معه الوقت .9- في اربعينية كزار حنتوش .

أن قارئ ديوان « الهامش يتقدم» للشاعر محمد علي الخفاجي يدرك حجم الصورة المؤلمة للأمكنة بوصفها فضاءْ معرفيا والتي يتعمدها الشاعر في نصوصه، لتصبح امتداداته نحو ممكنات جمالية يوسع حدودها من أجل الإقامة في شعرية مفتوحة تعمل على هدم كل التصورات الجاهزة للكتابة الشعرية، حيث يجد القارئ نفسه مواجهاً بعدد من الأسئلة التي عليه أن يعثر لها عن إجابات مقنعة، وبخاصة منها القصيدة الشعرية المنفتحة. غير أننا لا نستطيع غض الطرف، أو تجاهل كون الكتابة الشعرية في هذا العمل توظف المكون السردي وتجعل منه مرآة مخاتلة ترى نفسها فيها وفق شعرية الأثر المفتوح.وذلك باستخدام اللغة الشعرية الواصفة، والميل نحو المجاز، حيث تشكيل الصورة الشعرية بكل ألوانها.

حتى أننا نستطيع أن نقول إن الجزء من الوصف السردي يمهد للجزء الذي يتعلق بالوصف الشعري. ويتجلى أيضاً في الاعتماد على عنصر الحكاية. أي أن القصيدة تحكي، أو أنها تنقل إلينا بعض الخصائص التي تميز شيئاً، أو موضوعاً ما. ومن الخصائص التي تلفت الانتباه، استمرار الحكي من قصيدة إلى أخرى، أي أن القصيدة تكون جزءاً من قصيدة غيرها. وتمنح شعرية الاثر من استجلاب تقنية الوصف الذي يتيح لضمير المتكلم بإنشاء المجازات..

يسير السموال في شارع السموال

تحت صمت السكون الذي لم يعد ذهبا

فتتجلى ركاما من الرغبات

شارع باسمه والسموال ليس له فيه دار

ولاحجر ثابت اوجدار

ربما بعد صبر قليل

ممكنا يصبح المستحيل

ماذا يفعل شاعر، حين تحاصره أهوال الحرب والخراب والفساد ويحولها إلى مرثية في نصوصه، فكل الامكنة تشوهت وتفتت، وأصابت القلب والروح بالعطب والذهول، ولم يبق سوى صرخة مكلومة، يكتبها الشاعر على جدار الزمن. في ظل كل هذا يصبح الوجود عبثياً، ولا تفلح السخرية منه، بل تتعايش معه اضطراراً، في ظل وعي مجهد وممزق، أصبح لا يعرف سوى صورة هذا الفضاء المأساوي، ويمكن أن تصبح القصيدة مأوى وبيتاً للذات، وأن يجعل الشاعر من نصوصه نصاً أوليّا هو داخل نص كلّي، وهناك قصائد كثيرة في هذا المجال أي إنّ هناك وجود نصوص متراكبة داخل النص الأساس ويمكن أنْ يقوم كلٌّ بوظيفته بانفراد وكذلك ممكن إن تكون وظيفته متصلة بباقي الوظائف، وكما هناك علاقة بين النص الذي هو النص الأجمالي في السياق الشعري بتنوع أنماطه، التي يمكنها جميعا أمتلاك تلك الميزة وقارئه .

خان مرجان يطفئ انواره باكرا والمناضد شاغرة

والمقام العراقي منشده خائف

يتخفى خلف ستائره

ويصيح امان..امان...امان

ثم يهمس في سره

كاذب انت اين الامان

في هذا الديوان وعبر لغة مشحونة بالغضب والرقة في آن وبنبرة حادة وحالمة في نفس الوقت عكست بجلاء ما يضطرم في صدر الشاعر من بينها التساؤل والأحتجاج، وذلك القلق الوجودي والحيرة وذلك الغضب الذي يتفجر كل مرة بهيئة قصائد لا تهادن، وفي ذات الوقت الذي تلعن فيه القصيدة الظروف التعيسه وتنعى الامكنة وخرابها، هنا نراى الشاعر يحتفي بما يمكن أن يكون منقذاَ لهذا العالم من الخراب.

في العموم هذا ديوان وضِعَ بقصد المساءلة وقول ما يعتمل في النفوس من هواجس ومخاوف، ونيابة عن الكثيرين يقول الشاعر هذه المخاوف فالشعر هنا لا يهادن ولا يمالي ولا يعنيه أن يكون جميلا وحالما بقدر ما يعنيه أن يخلخل الثوابت ويحرك السواكن، شعر كالذي نتحدث عنه من أهدافه نقل العدوى إلى المتلقي ليصير هو الآخر ثائراً غاضباً حانقاً راغبا في التغيير للأفضل .

هاهي الساعة الرابعة

البناية فارغة...والشوارع تصفر

هو ماعاد منتظرا

الى ان تدق له ساعة فينام

فهتا قبل وقت الغروب

يحل الظلام

ام يكون له منزل كي يخبئ اسراره

او ملابس تستر عورته من احد

فهنا ...لااحد

الشوارع فارغة كلها..

75.jpg

هذه إطلالة سريعة على الديوان سيما وأن الشاعر الذي لم يكن لديه ما يخفيه على ما يبدو كان نزيها في عرض همومه ومشاغله وأياً كان فإن قصائد الديوان وبعد مرور كل هذا الزمن مثلت مرحلة من مراحل الشاعر وعكست بوضوح قناعاته ورؤيته للحياة والواقع الذي لم يتغير كثيرا لناحية أنهُ سيء على الدوام أو يراوح ما بين السيء وشديد السوء وها هي الحرب وبعد أن برزت حقائق جديدة لا تزيد الشاعر إلا حنقا وغضبا، وكعادته الشاعر لا بد من أن يتبنى موقفا من الذي يحدث ولهذا نراه بعد أن سقطت الأقنعة وبانت النوايا، وإلى أن تنتهي هذه الكوابيس سيظل الشاعر يدحض بشعره كل هذا العبث وكل هذا الخراب حيث الموت هنا واقعي أكثر من أي وقت مضى .

ولاننسى اخيرا فقد كانت للشاعر مغامرة التجريب في الأوبرا عندما كتب «سنمار». إلى جانب المسرح، أصدر الراحل العديد من المجاميع الشعريّة منها: «شباب وسراب» (1964)، و«مهراً لعينيها» (1965)، و«لو ينطق النابالم» (1967)، و«لم يأت أمس سأقابله الليلة» (1975)، «يحدث بالقرب منا» (2001)، «البقاء في البياض أبداً» (2005)، و«الهامش يتقدّم» (2009).

 

قراءة عقيل هاشم

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم