صحيفة المثقف

مريم لطفي: الجنوح السلوكي عند الاطفال والمراهقين

"لاشئ يؤثر على مستقبل الانسان قدر احداث الطفولة والخبرات النفسية للاطفال"

يعرف الجنوح لغة بانه الميل عن جادة الصواب، ويعرف اصطلاحا على انه مجموعة من الجنح يرتكبها الفرد ويعاقب عليها قانونا.

ويعرف في علم النفس على انه تغلب الدوافع الغريزية والرغبات على التقاليد والقيم الاجتماعية، فهو التمرد السلوكي على المنظومة الاخلاقية في المجتمع.

وبصورة عامة فالجنوح: هو كل السلوكيات المخالفة للاطر الاخلاقية والقانونية وتشمل كل انواع الجرائم كالسطو والسرقة والاعتداء والاغتصاب والتهديد وصولاالى القتل.

وتعتبر مشكلة الجنوح السلوكي من اخطر المشاكل التي تهدد الاسرة والمجتمع على حد سواء، وتزداد هذه المشكلة وتتفاقم بسبب التطور السريع للحياة واتخاذها انعاطفات اخرى، فاسرة اليوم تختلف جذريا عن اسرة الامس التي كانت تلازمها الحميمية وتخضع لسلطة الوالدين الملتزمين اصلا اللذان يحرصان ايما حرص على نقل صفاتهم الوراثية وسلوكياتهم القويمة واخلاقاياتهم وفضائلهم للابناء عن طريق التربية والاكتساب، بعكس اسرة اليوم التي شغلها النت عن القيام بواجباتها الصحيحة تجاه الابناء الذين وجدوا ضالتهم في الوجه الاخر للنت الذي زين لهم افعالهم الغير سوية وقدم لهم الاعذار والتبريرات للقيام باي فعل!

فالموضوع اذن من البداية هو البيت الملاذ الامن الذي يفترض ان يكون فيه ولو الحد الادنى من الطمانينة والسكينة، فالعواطف الانسانية السليمة كالحب والتسامح وتبادل الثقة والتربية الصحيحة للابناء التي تتسم بالمطاطية والشفافية ووضع الحدود هي الاساس القويم الذي يستند عليه الانسان بقية حياته، ونحن عندما نتحدث عن الطفل فلابد اننا نتحدث عن مستقبل الطفل وصولا الى المراهقة والشباب وهي برايي امتداد طبيعي لشخصية الطفل، رغم ان المراهقة هي المرحلة التي تكثر فيها الصراعات النفسية والعناد واتخاذ قرارات ارتجالية لاثبات الذات وتتسم بتغييرات بايولوجية تؤثر في نفسية المراهق التي تؤثر بدورها على سلوكه وقد يفشل دراسيا وعاطفيا وهي المرحلة التي يتارجح فيها المراهق بين خيطين رفيعين فان لم يفلح بالاختيار الصحيح انزلق في الهاوية، فالاصل هي البذرة وكل ما يطرا بعد ذلك هو تحصيل حاصل، مع بعض النسبية، فان اقدام الطفل على سرقة المال من الوالدين او سرقة مقتنيات اخاه الاصغر او صديقه وغض الطرف عن ذلك سيخلق بلاشك ارضا خصبة لموضوع السرقة تكبر وتتطور معه، وللوقوف على اسباب جنوح الاطفال والمراهقين:

- التفكك الاسري :وهو اس المشاكل وانفصال الوالدين او غياب احدهما او موته حيث ينشا الطفل مشتتا، محروما عاطفيا تتشرذم عنده العلاقات الحميمة التي تؤثر تاثيرا مباشرا في سلوكه.

- الفارق الاجتماعي والاقتصادي بين الوالدين المنفصلين، حيث ان انعدام التكافؤ بينهما يخلق هوة كبيرة عند الطفل، فمثلا ان احد الوالدين اغنى من الاخر ومستواه الاجتماعي اعلى ففي الفترة التي يزور الطفل فيها احد والديه يجد فرقا شاسعا سواء في المعاملة او في الحياة عموما، فيعمد احد الاباء الى سد احتياج الابن كنوع من التعويض او كنوع من التنكيل بالاخر، هذه المعاملة تؤدي الى التشرذم الذاتي للطفل او المراهق وتشتت تفكيره لان المستوى مختلف وتعدد الانماط هذا بالتاكيد سيخلق حالة تمرد عند الطفل الذي يميل الى الحلقة الاقوى رافضا وبشدة الحلقة الاضعف.

- اضطراب الهوية وتعدد الانتماءات وهو ان يعيش الطفل تارة في بيته وتارة في بيت جده او عمه او خاله او اي قريب لسبب او لاخر مكتسبا عادات تختلف عن عادات اهله، فتعدد الولاءات هذا يخلق حالة من المقارنة بين كل بيت دخله مقارنة مع بيته وحياته.

- استخدام العنف ضد الطفل وبالطبع فان الوالدين اللذان يستخدمان العنف يكونا قد خلقا حالة من التمرد والثار داخل الطفل دون ان يشعرا بذلك هذا الشعور الذي يكبر وتشتد حدته عند المراهقة حيث الحد الفاصل الذي فيه يكون المراهق قاب قوسين اوادنى، فرغبة الانتقام والثار لذاته تكبر معه ويبقى يتحين الوقت المناسب لاعلان ساعة الصفر!

- العامل الاقتصادي الذي يتمثل بالفوارق الطبقية بين المراهق واقرانه في المدرسة او المحلة، هذا الفارق الذي يشعر المراهق بالحرمان ومسائلة نفسه لما لايكون لي بيت فاره! اوغرفة خاصة! اوسيارة! او ..او..

- عدم المساواة بين الاخوة واستئثار احد الابناء بالحب يؤدي الى زرع الحقد ثم التمرد ثم الانتقام.

- عدم التفرغ لتربية الابناء بسبب العمل اضافة الى وجود عدد من الابناء في البيت الواحد مما يجعل مهمة التربية امرا صعبا.

- غياب الوازع الديني الذي يعزز الوازع الاخلاقي ويكون حصنا حصينا وخط الدفاع الاول للشخصية ضد اي تصدع خارجي.

- اصدقاء السوء الذين لهم اليد الطولى بالانحرافات الفكرية التي تؤدي الى الانحرافات السلوكية، فالسلوك الاجرامي هو نتاج البيئة الاجرامية حيث يكتسب بالتعلم ويجد ضالته التي تزين له انحرافه.

- الوجه الاخر للنت وترك الحبل على الغارب للطفل او المراهق ليدخل على اي موقع يريده ويصادق من يشاء، في ظل غياب الرقابة وانشغال الاهل اما بالعمل او بالاستخدام المفرط للنت.

- تقبل شخصية المراهق لعوامل الاغراء والاغواء لسد النقص الذي يعاني منه، فيقع فريسة سهلة لرفقاء السوء الذين يكونون حلقة وصل بين المبتدئ ومحترف الجريمة.

- تعاطي المراهق للكحول والحبوب المخدرة التي تذهب العقل وتجعل منه اداة بيد الشيطان للقيام بالافعال السلوكية الشاذة التي تولد عنده ازدواجية وحالة من الاكتئاب تؤدي الى خلق طقوس خاصة عنده يعنونها تحت اي بند!

ان جنوح المراهق يبدا منذ الطفولة، ففي البيت الواحد تختلف كل شخصية عن الاخرى فيوجد الطفل الهادئ والمطيع، والمسالم، والعصبي، والانطوائي، والمتمرد، والمشاكس وعلينا ان نفهم شخصية كل طفل ونتعامل معها على هذا الاساس، وكما ذكرنا فان انفصال الوالدين مع عدم التكافؤ يخلق بيئة مناسبة للمراهق للقيام بافعال سلوكية شاذة كالسرقة او الاعتداء او التنمر على الاخرين، ويتراوح الجنوح السلوكي بين التخريب والجريمة فهناك مراهق يستمتع بتخريب الممتلكات العامة والخاصة بهدف المتعة المرضية وسد نقص ما لاظهار جانب القوة كتخريب السيارات المتوقفة مثلا وتحطيم زجاج النوافذ، وقد يبدا المراهق اولا باهله او اقربائه فيبدا بسرقة الاشياء الصغيرة ثم يكبر عنده هذا السلوك فيسرق مثلا مبلغا من المال من والديه او يسرق سيارة والده او اخوه ويبرر ذلك العمل باي تبريروبان سرقة الاهل لاتعتبر سرقة! ثم يتعدى ذلك لسرقة سيارة من الشارع مع اشخاص اخرين بتخطيط مسبق ومع سبق الاصرار والترصد مع استخدام العنف ليصل الامر الى حد الجريمة ، وقد انتشرت للاسف الشديد في الاونة الاخيرة ظواهر ماانزل الله بها من سلطان من عمليات سرقة وسطو واعتداء والحوادث كثيرة جدا في هذا المجال تعددت بين سرقة الاهل والتجاوز والاعتداء عليهم و الانخراط في سلك الجريمة والتعاون مع المجرمين للسرقة او الاختطاف والمساومة وقد وصل الحال الى القتل!

ويؤكد اريكسون في تفسيره للجنوح على انه اخفاق الشاب في تنمية هوية شخصية، بسبب خبرات الطفولة السيئة والظروف الاجتماعية الحاضرة، ممايؤدي الى الشعور بازمة الهوية او تميع الدور، والذي يظهر على شكل عجز عن اختيار عمل او مهنة او مواصلة تعليم، ويعاني كثير من المراهقين من صراع، فهم يشعرون بالقصور والغربة واحيانا يبحثون عن هوية سلبية، هوية مضادة للهوية التي خطط لها الوالدان او جماعة الاقران مما يفسر بعض السلوك الجانح.

وككل امر في الحياة فالوقاية خير من العلاج ولتفادي جنوح المراهقين على المستوى الخاص والعام علينا مراعاة الاتي:

- احتضان الطفل او المراهق من قبل اسرته وتنشئته تنشئة اجتماعية سليمة في جو صحي بعيدا عن المشاحنات والخلافات.

- زرع الثقة في نفس الطفل/المراهق للتعبير عن رايه ومنح الثقة هذا يكون تحت رقابة غير مباشرة ومحاولة ايجاد طريق سليم يبنى على الاحترام المتبادل، واشعاره بالامان عن طريقة مصاحبته للادلاء بكل مايختلجه حتى وان اخطا وعلاج الاخطاء برحابة صدر دون تعنيف.

- التعاون بين المدرسة واولياء الامور والمراقبة المستمرة من قبل المدرسة لسلوك الطفل/المراهق، وتوعيته تربويا واجتماعيا وتاهيله ليكون انسانا صالحا وعضوا نافعا بالمجتمع.

- رقابة المواقع التي يدخل اليها والبرامج التي يشاهدها ووضع ضوابطا لذلك .

- تعزيز وتطوير الهوايات كالرياضة والرسم والزراعة لقتل وقت الفراغ اذ ان الفراغ يعتبر العدو الاول للمراهق.

تقوية الوازع الديني بطريقة محببة بحيث تجعل المراهق يقتنع بواجباته وفروضه ولاتفرض عليه قسرا وذلك مدعاة لتقوية الجانب الاخلاقي.

- اشعاره بالعاطفة لان ذلك يترك فيه بالغ الاثر ويغنيه عن الشعور بالاكتئاب والظلم.

- استخدام الايحاء لايصال فكرة ما وليس الطرق المباشرة اذا اخذنا بالحسبان ان استيعاب المراهق والفترة التي يحسن الاصغاء فيها لاتتعدى العشر دقائق .

- مكافئته على اي عمل جيد يقوم به واشعاره بانه مصدر ثقة وانه انسان ناضج يمكن الاعتماد عليه.

واخيرا اقول:

ان المراهق هو مشروع انسان ناجح وعضو نافع بالمجتمع اذا ماتوفرت الظروف الملائمة له، فالتنشئة الصحيحة تبدا من البيت وتتحول الى ثقافة مجتمعية تنتقل من جيل لاخر.

 

مريم لطفي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم