صحيفة المثقف

أحمد عزت سليم: الحب بلا حدود

احمد عزت سليميرى أفلاطون فى محاورتيه "المأدبة" و"فايدروس" أن طبيعة الحب تظهر فى "المأدبة" على أنه: "إله عظيم تمتد قدرته إلى كل مكان، ويطوى تحت جناحية كل شىء وهو ذو سلطان شامل متعدد الجوانب تسمو غاياته فى السماء والأرض وسلطانه فوق كل سلطان، وقوته فوق كل قوة، وهو منبع كل سعادة ومصدر كل خير، وهو الذى ييسر لنا أن نحيا مع غيرنا فى ود وانسجام ومع الآلهة كذلك " ويرى أفلاطون أن غاية الحب عنده هى حب الجمال الذى يعنى عنده الخير الحقيقى، وأن هذا الجمال له درجات تبدا بتأمل الفرد الجمال الإنسانى فى شخص ثم يدرك أن الجمال المادى فى شخص متصل بالجمال المادى فى آخر ثم يرى أن الجمال الذى يتجلى فى جميع الأجسام، إنما هو جمال واحد بعينيه، فيحب الجمال عامة، وفى المرحلة الثانية يقدر جمال الروح أكثر من تقديره جمال الجسد، فلو أنه وجد نفسا نبيلة فاضلة فى جسم لاحظ له من جمال يرضى بحبها والإخلاص لها فيأتى بالأفكار التى من شأنها تهذيب النشأة وهو فى هذه المرحلة يتأمل الجمال الذى يتبدى فى الأعمال والنظم المختلفة ويتضح ضآلة المادى إذا قورن بالجمال الروحى . وأكد أرسطو أن الحب عشق وإنجذاب للمحرك الأول، والذى يجذب كل الموجودات كلها للمحرك الأول الذى لا يتحرك إلا عن طريق المعشوق والمعقول والمفضول وهم شىء واحد، وما هو حسن نشتهيه ونشتاقه لأننا نعقله وليس لأننا نعقله لا نشتهيه وابتداء العشق إنما هو ما يعقله من العلة الأولى، ويرى اين سينا فى رسالته فى العشق بعنوان " سريان قوة العشق فى كل الموجودات " :ـــ " أن لكل واحد من الموجودات المدبرة شوقا طبيعيا وعشقا غزيريا ويلزم ضرورة أن يكون العشق فى هذه الأشياء سببا لوجودها "، ونفس هذا الموقف تجده لدى القديس توما الأكوينى، فالحب هنا فاعلية تنزع نحو المبدأ الأول وهو خير كلى روحى واستخدم له أفلاطون أسم " الإيروس " الذى يدل على إله الحب ـ وأطلق ارسطو عليه لفظ " الجذب " وهو ظاهرة فزيائية طبيعية تقرب الأجسام من بعضها البعض وتطلق على النزوع الداخلى ماديا كان او روحيا .

  وكما رأى بعض المفكرين والمتصوفة والفلاسفة أن الحب هو الفناء فى الجمال الأزلى (الإلهى)، وبما يعنى بقاء الخلق بالحق أو الغرق فى بحور النور أو الاحتراق بنور الشرق نحو مطالعة الجمال الأزلى ففى شرح " تائية " ابن الفارض أن المحبة ميل إلى جمال فانجذاب المحب إلى جمال المحبوب ليس إلا لجمال فيه، والجمال الحقيقى فى صفة أزلية لله تعالى مشاهدة فى ذاته أزلا شاهدة عليه، وهذا الإنجذاب هو الحب الأخص أن ظهر من مشاهد الروح جمال الذات فى عالم الجبروت والخاص أن ظهر من مطالعة القلب جمال الصفات فى عالم الملكوت، والعام أن ظهر من ملاحظة النفس جمال الإفعال فى عالم الغيب، والحب الإلهى يستلزم طرفين محبا ومحبوبا، ويرى الشيرازى فى كتابه " ياسمين الأحبة ": أن الخير الأسمى الذى تشرئب نحوه كائنات هذا العالم يظهر للجميع فى عبارات المحب والمحبوب، ففى حب المحب والمحبوب نفس القوة التى تجذب الإنسان إلى الحقيقة الإلهية، الحقيقة العليا، إن حب الجمال ينتج من تأمل الوجود السرمدى، بعين الله ذاته وما ثمة سوى حب واحد ونحن نتعلم فى كتاب الحب البشرى كيف تقرأ حب الله "، ويقول السرى السقطى :ــ " لا تصلح المحبة بين إثنين حتى يقول الواحد منهما للأخر يا أنا "، والحب عند المتصوفة من إستخدام " القرآن الكريم " للفظ كما فى قوله :ــ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ "، ومن أشهر أمثلة الحب الصوفى ذلك الحب المنزه الذى تمثله رابعة العدوية فى أقوالها: ما عبدته خوفا من ناره، ولا حبا لجنته فأكون كالأجير السوء إن خاف عمل بل عبدته حبا له وشوقا إليه، وشعرا قالت:

" أحبك حبين، حب الهوى وحبا لأنك أهل لذاكا

فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمن سواك

وأما الذي أنت أهل له فكشفك لي الحجب حتى أراكا

فلا الحمد في ذا ولا ذاك له ولكن لك الحمد في ذا وذاك "

 ويبين تساؤل الفيلسوف فيورباخ: "من ذا الذي لم يجرب قوة الحب أو على الأقل لم يسمع بها ؟ من الأقوى: أهو الحب أو الإنسان الفردي؟ هل الإنسان هو الذي يستحوذ على الحب؟ أم الحب هو الذي يستحوذ على الإنسان؟ فعندما يجبر الحب الإنسان على أن يتذوق الموت بسعادة من أجل محبوبته، أليست هذه القوى المميتة للحب هي القوى الفردية للإنسان أم هي قوة الحب؟... ويصبح الحب عامل جذب قوى بين مختلف البشر وبلا حدود، ومنه يصل الفرد إلى حالات التكامل والفيض الروحي والنفسى والعاطفي وحتى الإرتباط الفكرى مع الآخر ووصولا إلى من فاعليات قوة التداخل المتنوع والمركب إلى قوة الانصهار بين المحبين .

 

أحمد عزت سليم

عضو إتحاد كتاب مصر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم