صحيفة المثقف

سلام جمعة المالكي: الموضوعية والاقصاء في مواضيع البحث العلمي

سلام جمعة المالكيان كان لبلد او امّة ان يكون لههما حظ في تقدم او ديمومة حياة محترمة فان ذلك منوط قطعا بتوافر النخبة من العلماء والادباء والمفكرين، وهذا يكاد من المسلّمات عند ذوي الحجى. وحين اجالة النظر  لتعيين اولئك، لا مندوحة عن التوجه صوب الجامعات ومراكز البحث كأولوية، لا تغني بالتأكيد عن المفاصل الاخرى، فالمفترض بتلك الجامعات والمراكز انها ساحات رحبة لصناعة وتنمية ورعاية الكفاءات والطاقات الوطنية خاصة ناهيك عن الوافدة، بما يفترض تواجده من حرية وانطلاق ومنافسة شريفة. هاكم اميركا واوربا وشرق آسيا أمثلةٌ حيّة ٌعلى الادوار التي تلعبها تلك الكيانات الحساسة...لكننا هنا نكرر كلمتي "مفترض" و"يُفترض"...تحسبا للتطرق لحال تلك المؤسسات في العراق..حيث أعترف ان ما يقارب ثلاثين عاما في العمل ضمن مؤسسات أكاديمية مختلفة لم تسعفني في فهم آلية أو آليات عملها في المجالات البحثية (الدراسات العليا من ضمنها)، ان كانت توجد آليات أصلا.

كيف يتم اختيار مواضيع وعناوين مشاريع الرسائل والاطاريح وعلى أية أسس؟ ما الضوابط الحاكمة ومن يملك سلطة وضعها او تعديلها؟ هل تلك الاسس والضوابط  موّحدةٌ على مستوى البلد، ان وجدت؟

لو أشحنا النظر مؤقتا عن التخصصات العلمية والكلام فيها كثيرٌ، كبيرٌ، خطير ضمن هذا المضمار وتوجهنا نحو الدراسات الانسانية وهي المعروفة بسعة الفضاء لاختيار عناوين ومواضيع تلك البحوث والدراسات، سيكون على رأس قوائمها عنوان "دراسة في فكر/تجربة...."، حيث يتم التطرق لشخصية ذات تأثير او أثر في مجتمعها ضمن فترة زمنية معينة قديمة او معاصرة باسلوب علمي أكاديمي، وهذا ليس بدعا من العدم حيث تكاد هذه الموضوعة ثابتة في كل المؤسسات الاكاديمية العالمية.هنا يأتي التساؤل الاصل في هذه الحوارية: من يسمح او يمنع تناول هذا الشخص او ذاك؟ هل يكون السماح او المنع على وفق اسس علمية، منطقية أم شخصية او مناطقية او فئوية؟ هل جزئية كون الشخص قيد البحث حيّا تقف حائلا دون ذلك؟ والاهم من ذلك، من وضع مثل تلك الضوابط، ان وجدت، اكرر؟

طرق سمعي منع احدى مؤسسات التعليم العالي في المنطقة الوسطى دراسة فكر وتجربة مفكرٍ عراقي ما زال على قيد الحياة، أطال الله تعالى بقاءه، رغم طرح الموضوع اكثرمن مرّة، بحجّة لا أفهمها حقا...عدم وضوح تجربته أو أكتمالها!!!! فمن ذا يتكرّم بشرح معنى ذلك؟ لن أدخل في الترويج لرجل عانى بسبب أفكاره ما عانى في معتقلات البعث المجرم، ثم اكتملت تلك المعاناة بتهجيره من مرابع الصبا في بغداد الى حيث وجد ملجأ في محافظة اخرى تحت سطوة عصابات الارهاب التي تحكمت وما زالت تتحكم في الشارع بعد معاناة عذابات الخطف، لكن رجلا كهذا تمكن من  إصدار أكثر من ستين كتابا، نال كثير منها الاستحسان والقبول الكبيرين جدا، وأعيدت طباعتها مرات عديدة في الخارج بالذات، وطبع من بعضها عشرات آلاف النسخ، وترجم بعضها إلى اللغات الأخرى؛:كيف يحكم من حكم بعدم نضج مشروعه؟؟ أو عدم اتّضاح تجربته! اللهم الاّ  في حسابات لوغارتمية مندرجة ضمن نظرية العشوائية!! المصيبة الاكبر، حين يٌعلم ان أصحاب تلك القرارات منهم من لم ينجح في حياته بتأليف أكثر من كتاب واحد، هو كتاب الأطروحة التي منحته درجة الدكتوراه في غفلة من الزمن، وحتى تلك ما زالت مخطوطة في احدى الرفوف! هل يتوجب انتظار الرحيل المكتوب على بني البشر كي يكون المفكر او الاديب مقبولا للبحث؟ وهل اكتمال التجربة او ضوحها مرتبطان بفراق الروح  للجسد؟ لا أظن، حيث توجد العديد من الدراسات والاطاريح والرسائل عن شخوص عاشت بين ظهراني مجتمعها، عالميا ومحليا. هل اذّكر مجالس الكليات والجامعات بعشرات الدراسات والاطاريح في فكر "قائد العوجة" والتي نالت اعلى درجات التقييم من الجامعات العراقية ذاتها،رغم تفاهة كاتبيها ومحتوياتها؟؟ أم نسينا دراسات أهمية "بول البعير" أجلّكم الله تعالى؟.... أفعدم وجود سلطة بيد الشخص المعني او تمترسه بعصبة ذات عنوان سلطوي او كون الشخص بعنوان فئوي او اتجاه فكري معين هي الضوابط الحاكمة، وان كانت غير معلنة؟

أليس من الاولى لمؤسسة أكاديمية ان تكون السبّاقة في عرض المسألة على طاولة التشريح ليتبين بعدها النضوج والوضوح من عدمه؟ أم ان جامعاتنا تسير بأسلوب كرة الكريستال او "التخت رمل"؟؟

ان الطرح أعلاه صرخة مكتومة للتنويه والتنبيه عن الهوّة السحيقة من العشوائية وانعدام السياقات او لنقل عدم وضوحها والشخصنة، التي أتمنى أن لا تكون على أسس فئوية مقيتة أو مبنية على تحاسد وشعور بالنقص، والتي ما توجهت اليها مؤسسات التعليم العالي في بقعة من الارض الّا أوردت أهلها موارد الهلاك.

 

أ.د. سلام جمعه باش المالكي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم