صحيفة المثقف

يسري عبد الغني: لا ضرر ولا ضرار!

يسري عبد الغنينحن لا ننكر فضل أهل الاستشراق على تاريخ العلوم العقلية الإسلامية، مهما كان اختلافنا مع بعضهم في بعض المنطلقات الفكرية .. إن لأهل الاستشراق الباع الأجل في الكشف عن تاريخ العلوم عند المسلمين، وهو فضل رائع وعظيم، يعيه ويدركه جيداً كل من له اضطلاع، ولو قليل في مجال الدراسات الإسلامية، أو في تاريخ العلوم الطبيعية .

لقد تناول أهل الاستشراق التراث العلمي الإسلامي بالتحقيق والتمحيص والدرس، والمقارنة بينه وبين أصوله اليونانية والهندية، وتأثيره على الغرب في العصور الوسيطة، وأوائل العصر الحديث .

وعليه فلا ضرر ولا ضرار أن نقوم بدراسات وأبحاث تحاول أن تعرض لأطراف مما قاموا به، ولا بأس أن تكون هذه الدراسات مسهبة ومعمقة، أو تكون سريعة عاجلة غير مستقصية أو مستفيضة، وهذا النوع الأخير ممكن أن يكون في شكل مقالات تنشر في الصحف السيارة، أو في المجلات العامة، أما النوع الأول الذي ينطلق من الإسهاب والتفصيل فيحتاج إلى مجلدات ومجلدات، ويكفي أن يعلم القارئ أن مجرد السرد الببليوجرافي لجهود أهل الاستشراق في دراسة العلوم الإسلامية، يمكن أن يستغرق بمفرده أكثر من ألفي صفحة أو ما يزيد على أقل تقدير .

فلا غضاضة بالمرة من أن نعترف بجهد الآخر، والآخر هنا قدم خدمة جليلة لتراثنا العلمي، فما المانع من أن نشكره ونقدره، ونحاول أن نطور ونعمق ونجود ما قام به، ونبدأ من حيث انتهى، ومهما اختلفنا معه، فإن الود لا يفسد للعلم والفكر الإنساني قضية .

ويرى كاتب هذه السطور أن أوضح وسيلة أو طريقة لتناول موضوع جهود أهل الاستشراق في خدمة العلوم العقلية الإسلامية، هو أن نتناوله : علماً علماً، وبالطبع قد لا يتمكن أي باحث من ذكر أو الحديث المفصل عن كل العلوم، إذن فلا ضرر إذا قام بذكر بعض ما قام به هؤلاء المستشرقون في دراسة تاريخ العلم العربي، وبحثه وتحقيق نصوصه .

فليس عيباً على الإطلاق أن نسعى لعلم الآخر أو فكره، نفحصه، ندرسه، نتأمله، ننقده، ثم نأخذ منه ما ينفعنا، وما يصلح لنا، وما يتفق مع ثوابتنا  .

لقد كتبت العديد من الدراسات والابحاث والاوراق العلمية تناولت  فيها تاريخ الاستشراق بوجه عام و المدرسة الألمانية بالذات  لأنها  أكثر المدارس اعتدالا والتزاما من ناحية ألمنهج العلمي والبحثي يليها بالطبع المدرسة الروسية التي اقدرها واحترم روادها الذين خدموا تراثنا العربي خدمات نبيلة  –كان الكثير من هذه الكتابات   في أول  التسعينات من القرن الماضي ومترجمة إلى الألمانية وطبعت على 3 كتب في ألمانيا ورومانيا  المجر  وكرمت عليها أكثر من مرة  في أكثر من محفل علمي وأكاديمي ورغم اعتراضي على أسلوب بعض المستشرقين، الذين لم يفهموا طبيعة عادتنا وتقاليدنا فخرجت منهم بعض الشطحات لم أجد أي رد فعل سلبي على طرحي .

لا يصح أن يتحدث أحد عن الاستشراق دون أن يذكر العالم الجليل أستاذنا الدكتور / عبد الرحمن بدوي (رحمه الله)، وأستاذنا الدكتور / محمود حمدي زقزوق (رحمه المولى)، فهما الينبوع الثري الذي علمنا الاستشراق وتاريخه وفنونه تعليمًا حقيقيًا خاليًا من التعصب أو الشوائب، كما علمنا كل منهما أصول البحث العلمي بكل قواعده وأصوله .

- لقد أكدت من قبل على أن هناك العديد من المستشرقين قد قدموا فهمًا مغلوطًا للإسلام والتاريخ العربي الإسلامي بوجه عام، ولكن إذا ناقشتهم أو تحاورت معهم بالمنطق والحجة والعلم صدقني أنهم سوف يقتنعون بما تقول طالما كان فكرك منطقيًا مستندًا إلى الأدلة التاريخية والبراهين الموثقة ..

- التعامل مع علماء الاستشراق أو المعاهد العلمية المتخصصة في الدراسات العربية الإسلامية يكون على مستوى أنك طالب علم تركز على أن تتعلم المنهج العلمي في البحث عبر قواعده وأصوله، ولا تصدق من يقولون أننا جادلناهم وأفحمناهم، بكل أسف من رد على المستشرقين رد باللغة العربية ولم يرد بلغتهم، وحتى الذين حاولوا الرد بلغات أجنبية أؤكد لك أن هذه الردود لم تصل حتى يومنا هذا ..

- نحن نفتقد القدرة على الحوار مع الآخر، لأننا لا نمتلك آليات هذا الحوار بشكل جيد، وعلينا أن نضع في الاعتبار الدور الذي قام به أهل الاستشراق في خدمة تراثنا العربي الإسلامي ...

***

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم