صحيفة المثقف

محمود محمد علي: فريدة النقاش وموقفها البطولي في الدفاع عن قضايا المرأة (1)

محمود محمد عليتعد فريدة النقاش أحد السيدات المصريات اللاتي لمعن في عالم الكتابة والسياسة، فهي كاتبة صحفية ومعارضة يسارية مصرية، وأول امرأة تصبح رئيسة تحرير لجريدة الأهالي التي تصدر عن الحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي المعارض في مصر، وعملت في عدة مؤسسات إعلامية ؛ مثل جريدتي: "الأخبار" و"الجمهورية"، ووكالة أنباء الشرق الأوسط، ورأست تحرير مجلة "أدب ونقد" كما أنها عضو مؤسس لحزب التجمع وعضو في عدة جمعيات مدنية وأهلية لحقوق الإنسان، وحقوق المرأة (1).

علاوة علي أنها تمتلك تاريخاً من النضال، وجسارة الكلمة، والدفاع عن حرية الرأي والتعبير، ورفض كل ما يمس الإنسان وهويته، فهي تنتمي إلي عائلة أدبية لها دورها البارز في الحياة الثقافية المصرية، فشقيقها الأكبر الناقد الراحل "رجاء النقاش"، أحد أبرز الأصوات النقدية في العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، وشقيقها أيضا القاص والمترجم الراحل "وحيد النقاش"، إضافة إلي الكاتب المسرحي "فكري النقاش"، والمخرج السينمائي "عطاء النقاش"، الذي هاجر إلي الولايات المتحدة الأمريكية منذ سبعينيات القرن الماضي، وظل فيها حتي وفاته، أما شقيقتها الصغرى فهي الكاتبة الصحفية "أمينة النقاش"- رئيس تحرير جريدة الأهالي سابقاً (2).

وقد ولدت "فريدة النقاش" في الأول من شهر مارس عام 1940 في بيت من بيوت مدينة "أجا" في محافظة الدقهلية شمال القاهرة.. حصلت على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة العام 1962، وكان أهم ما يميز بيتهم على تواضعه الشديد، مكتبة ضخمة تجمع مقتنيات والدها مدرس اللغة العربية الذي كان يكتب الشعر هاوياً .. الأم كانت أمية لكنها كانت مأخوذة بالمناخ الثقافي في البيت، وكان أهم ما تريده أن يتعلم أبناؤها تنفيسا عن غضبها المكتوم لحرمانها من التعليم بفعل عادات ذلك الزمان، وكان الأب ينظم ندوة أسبوعية يحضرها شيخ القرية ومثقفوها لمناقشة إنتاجهم الشعري، وكانوا جميعاً من أنصار حزب الوفد .. كان أخوها "رجاء" أول من عاونها على اكتشاف عالم المعرفة، والكتب الحديثة التي لم تكن موجودة في مكتبة والدها، وزاد تعلقها بالكتاب، وأصبح لا يفارقها وظلت في حالة قراءة دائمة .. وفى الجامعة تعرفت على أستاذها الكبير محمد عودة الذي له اثر واضح في حياتها، وأندالك تعرفت على زوجها وشريك حياتها حسين عبد الرازق الذي كان يعمل صحفيا في أخبار اليوم (3).

قال عنها الأستاذ "حلمي سالم" – الصحفي المصري الشهير :" صحبة "فريدة النقاش" لأيام قليلة متعة بالغة، فما بالك لو صحبتها لمدة عشرين عاما .. كان هذا هو حظي الجميل، فمن منتصف عام 1997، أرسلت إليها ورقة أسألها إمكانية أن أعمل في " أدب ونقد" – وكانت مديرة التحرير آنئذ – إذا كان ذلك متاحاً . وبعد أيام قليلة وصلتني استجابتها المرحبة، وصرت منذ تلك اللحظة واحداً من أسرة " أدب ونقد" .. كنا في النصف الأول من السبعينيات (من القرن الماضي) أثناء حركتنا الطلابية الشهيرة، نعرف اسم " فريدة النقاش"، كواحدة من المثقفات التقدميات المناضلات، في قلب الحركة الوطنية الديمقراطية المصرية المعاصرة . وكنا نعرف أنها واحدة من كبار المؤيدين في الحركة الثقافية للحركة الطلابية الشابة . وكنا نقرأ عندها الفكري والأدبي الملتزم والمتفتح في آن، ونعجب لنصاعة رؤيتها وصلابة موقفها معاً . وكان بعضنا قد تعاون لماماً مع " أدب ونقد" و" الأهالي" من خلالها هي و" حسين عبد الرازق" و" صلاح عيسي" و" أمينة النقاش"، أي عصابة الأربعة، المباركة، التي منحت الأهالي مرحلتها المتوهجة . لكن العمل معها مباشرة، سيرة أخري . فقد وجدت إلي جانب الرؤية الناصعة والصلابة الرفيعة – وجداناً حاراً، وقلباً فطناً، وسريرة نقية، ليزداد عجبك : كيف يجتمع الالتزام الحازم والراديكالية العميقة مع نقاء السريرة وطراوة القلب (4).

كذلك قال عنها د. أسامة الغزالي حرب في مقال نشره بجريدة الأهرام :" لقد عرفت "فريدة" وزوجها الراحل حسين عبد الرازق مبكرا للغاية في عام 1972 عندما ذهبنا، عبد القادر شهيب وأنا، لكى نبدأ حياتنا في الكتابة الصحفية بقسم الأبحاث في جريدة الجمهورية، فكانت منذ عرفناها، وكما ظلت دائما، شخصية رائعة.. ناصعة في نقائها، مخلصة في أفكارها، راقية فى سلوكها. وكما رأيتها ولمستها منها، هى أن تحب الفقراء والضعفاء وتنحاز إليهم، وهى ان تنبذ الظلم الاجتماعي، والاستبداد السياسي والتخلف الثقافي. هي التنوير الذى يفتح العقول، ويزيل التعصب والتشدد المقيت. وفريدة النقاش لم تعبر عن هذه الأفكار، ولم تقل تلك الكلمات، كمجرد أحاديث عامة أو كتابات صحفية (5).

وقيل عنها قد رافقتها الأوجاع لفترة طويلة في حياتها ولكن أسوء يوم كما تقول : عندما زار السادات القدس، في ذلك اليوم شاركت زملاءها في التجمع ارتداء السواد ورفع علم فلسطين على الأكتاف، وبسبب موقفها هذا عرفت الاعتقال للمرة الأولى في حياتها 1979، وأرسلت دراستين عن دور كامب ديفيد في كسر النظام الإقليمي العربي إلى مجلة دراسات عربية اللبنانية، وتم القبض على حامل المقال في المطار وتم القبض عليها واستجوابها لمدة 3 أيام، وفى نفس العام حبست لاتهامها في المشاركة في تأسيس الحزب الشيوعي المصري ، وتم حبسهما هي وزوجها حسين عبد الرازق تاركين ابنتهما رشا 14 سنة وابنهما جاسر 10 سنوات بمفردهما، وعندما طلب محاميها الإفراج عنها لرعاية الأبناء تم الإفراج عن زوجها وبقيت هي 11 شهرا (6).

وقد سجلت "فريدة النقاش" تجربة المعتقل المرير في كتابين : " السجن دمعتان ووردة" و" يوميات المدن المفتوحة"، فالكاتبة التي امتلكت التمرد ويقين الحلم، امتلكت جسارة المواجهة، ورغم كثرة همومها الخاصة في فترة السجن، ومنها تركها ابنيها "رشا وجاسر" اللذين لم يتجاوزا سن الطفولة وقتها، فقد وجدت نفسها أمام خيارين، كلاهما صعب وقاس، الأول موقفها الوطني والثقافي والسياسي الرافض لكل سياسات التطبيع والاستلاب، والثاني موقفها كأم تعشق أطفالها (7).

وتشير فريدة النقاش إلي أنها تعلمت طوال حياتها في مهنة الكتابة قيمتين أساسيتين : الصدق وإتقان المعارف الجديدة في ميدان تخصصها، ومواكبتها، وهذا ما وفر لها علي حسب تعبيرها :" الاحتفاظ بالمسافة بين السياسة المباشرة التي انغمست فيها تماماً وعبرت كتابة عن مواقفي وبين الأدب والنقد، وأدين بذلك لأستاذي الناقد الراحل د. علي الراعي، وأظن أن هاتين القيمتين قد انعكستا في مجلة " أدب ونقد" التي ترأست تحريرها منذ عام 1987 وحتي عام 2007 وهي تفتح الباب للمغامرات الابداعية مهما كان تمردها، طالما حلمت لأدب ونقد بالدور الذي لعبته في ثقافتنا " الرسالة" لأحمد حسن الزيات، و"الكاتب المصري" لطه حسين، و" الطريق، والآداب، والثقافة الوطنية " علي استلهام الحياة الشعبية كمنبع ثري للخلق الفني والإطلال علي نقاط النور فيها علي حد تعبير بهاء طاهر، حيث تضامن البشر يعصمهم من الانهيار (8) .

وقد كتبت "فريدة النقاش" في نهاية الستينيات دراسة تنتقد صورة المرأة في أدب إحسان عبد القدوس الذي غضب منها وقال لأحد زملائه أن احد أخر كتب المقال لينتقم منه ووضع عليه اسمها . وسعت في دراساتها لأدب المرأة إلى اكتشاف الفروق بين كتابات المرأة وكتابات الرجال ومعرفة قدرات الكاتبات على التعامل مع الاضطهاد المزدوج الواقع على جنسهن في المجتمع الطبقي . وترى أن الكاتبة العربية رغم ما حققته من إنجازات في مجال الإبداع أنها ما زالت مشدودة إلى المجال الخاص هو عالم البيت والأسرة والأطفال بسبب تاريخ من القهر الذي نسجه المجتمع حول المرأة وجسدها حيث لا يولد الإنسان امرأة وإنما يصير امرأة (9) .. وللحديث بقية..

 

أ.د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

....................

1- شيماء محسن: فريدة النقاش.. سيدة النضال، كدلة رزاليوسف، 02:01 م - الإثنين 14 يوليو 2014.

2-عيد عبد الحليم : فى المواجهة : فريدة النقاش كتابة المواجهة وجسارة النقد، أدب ونقد، حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، العدد 364، 2017، ص 5.

3- شيماء محسن: المرجع نفسه.

4- حلمي سالم : صحبة فريدة النقاش،، أدب ونقد، حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، المجلد 23، العدد 257، 2007، ص 5.

5-د. أسامة الغزالى حرب : فريدة النقاش، مقال منشور بجريدة الأهرام المصرية.

6- شيماء محسن: المرجع نفسه.

7- عيد عبد الحليم : المرجع نفسه، ص 6.

8-المرجع نفسه، والصفحة نفسها.

9- شيماء محسن: المرجع نفسه.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم