صحيفة المثقف

جمال العتّابي: يحضيري بَطل النوح شالتْ هدية....

جمال العتابيفي مدونة الكاتبة الصديقة فاطمة المحسن، مقالتان نادرتان عن سعاد حسني، وأسمهان، محمّلتان بدفق من الضياء وعذوبة اللغة، وصولاً إلى القيم الإنسانية والجمالية في عطاء الراحلتين، شكراً لك فاطمة، لأنكِ أيقظتِ حكايا مقيمة بي، حان وقتها لتصحو.

ومع ان حالة التأثر - لا التقليد - قائمة بمضمونها الإيجابي، وجدت في الومضتين ما يعيد لذاكرتي موهبة عراقية في هذا العالم الصغير، حكاية، هنا، وأغنيات هناك، محلقة بأجنحة من سني اللهب، وأخرى منسوجة من ريش الفؤاد، تتحرك مع أنفاس الزمن.

حضيري أبو عزيز، القادم من ريف الشطرة إلى العاصمة، يحمل بين جانحيه موهبة مغني، موهبة فريدة منذ صباه، صوت جنوبي ممتلئ عذوبة، يمتد عبر العصور، تتردد أصداؤه متخطياً  الأبعاد، تميّز عن زملائه أداءً ولحناً، عمدَ منذ البداية أن يختطّ لنفسه لوناً مختلفاً، مستجيباً لمعطيات أبعد من عصره، المتأمل في سماع (عمي يبياع الورد، حمام لتون، حُمَيْد)، سيكتشف ان موسيقى هذه الأغاني، ترتقي إلى مستوى أوبرالي في اللحن والتوزيع، من أين لك يا حضيري تلك المسارات العذبة الشجية التي تأتينا مع إنهمار التداعيات؟؟

أبا عزيز، أنت كمن يصلي صلاة الإستسقاء، يستمطر ماءً لتوقظ الأزهار من رقدتها، في صوت ينساب مثل الماء، (عمي يبياع الورد گلي الورد بيش)، العمر مازال ندياً، و(هدية) شالت، لكن إلى أين؟ ليس سوى خِلّك داخل حسن يشاركك النواح، يبعث فيك السلوى، في حوارية من أعذب أغاني الكون! (يحضيري بطل النوح شالت هديه)، لا تتوسل بالحمام، إهجع شويه،

تتوسل بالحمام، ان يكفّ عن الأنين (حمام لَتون)، على روس المباني، لعل زفير الحمام يردّ هدية إليك، لا تلعن أهلك الذين ضيعوك (هلي يظلام مارحم عدكم، أوي هلي ماجابوا ولفي إلي، تره الفرگه صلت گلبي صلي)، يلزمك وقت يا حضيري لتجمع أحزانك، تودعها في عيادات الأطباء، مثقلاً بالحزن، تتوسل بالطبيب (عاين يدكتور الجرح كم جرح مجروح).

أنت كمن يتهجى الشهادة لتلمّ شظايا الروح، يا حضيري، تبحث عن (حميد)، المحلّق في السماء، أو الغائر في باطن الأرض، وأعماق البحر، تريد أن تنتشله فتغرق في (مصايب الله)، ولا يهدأ توعدك له ( آنه لك وانت لي، شيخلصك من إيدي).خطيه...

أنت تغني للورد يا أبا عزيز تعشقه( بالك تدوس على الورد وتسوي خِلّه، حرام تدوس!)، انها حديقة الألوان التي تزدهر، فالورد يضيء العالم، لكن الورد في أغنية أخرى لا يتقدم بمعناه الجمالي، تلملم إختلاجات صوتك في خشية على صاحب البستان وحارسه، (خلي الورد بالأغصان مو لازم تگطعونه، يزعل تره ابو البستان والحارس يحبسونه!)، ألم يئنُ الورد ويتعذب؟ قبل زعل ابو البستان؟؟ كنت شحيحاً على الورد هنا يا حضيري، لماذا ؟

وحين تطوف، ويعاودك الحنين للحبيب، تتوسل إليه تبحث عن ملاذ من عطش، لتغني كإستغاثة : (لاجل المحبة البينك وما بيني، رسمك أريده)، أقصى ما تتمناه تختصره بالصورة(رسمك)... تتدفق لوعة وشوقاً وإبتهالاً من أجلها، ولاغيرها!! مستسلما للتشعب والإنشطار، لا خيار لديك سواها،  وجه الحبيب في الصورة، وحدهُ نبضة حية في وجودك، حين تحجبك المحرمات والتقاليد من لقائه.

لقاء إذاعي خارج النص

إلتقى الإذاعي إبراهيم الزبيدي، المغني حضيري أبو عزيز عام 1970، في برنامج من إعداده هو (بين دجلة والفرات)، وبدأ الحوار عن البدايات الأولى، وأجمل أغاني حضيري، فسأله الزبيدي :

ما أحب أغانيك أبو عزيز؟ فأجاب:

* أغنية هلي

وما الأغنية التي إشتهرت بها؟ .

* ( والله إنشهرت) بأغنية هلي.

طيب أبو عزيز، ماذا تحب أن يسمع الجمهور من أغانيك؟

* أجاب بعفوية متناهية وإستكانة: هم هلي!!

وأجمل ما في اللقاء الخاتمة، التي رويتها حينذاك للكاتب الراحل شمران الياسري (أبو گاطع)، وصاغ منها حكاية رائعة، وبليغة في عموده الصحفي (بصراحة).

سأله الزبيدي: مارأيك يا ابو عزيز بقانون تقاعد الفنانين، وكانت الحكومة قد شرعته، عام 1969، لمنح الفنانين راتباً تقاعدياً مقطوعاً قدره (60) ديناراً، فأجاب ابو عزيز بإسترخاء :

والله آنه أشكر البكر، والحزب والمتصرف (المحافظ)، ومدير الإذاعة، لكن عندي سالفة لازم أذكرها:

خلي تعرف الحكومة، تره آنه علّمت داخل حسن على الغِنه!!

 

جمال العتّابي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم