صحيفة المثقف

صلاح حزام: حول مقاهي القاهرة الملكية

صلاح حزامخلال زيارتي الوحيدة لمدينة القاهرة عام ٢٠٠٠ ، فوجئت بوجود المقاهي القديمة الراقية التي كنا نقرأ عنها في الروايات المصرية مثل روايات احسان عبد القدوس ونجيب محفوظ والسباعي وغيرهم . انها مقاهي "جروپي" ومقهى "الامريكاني"..

كانت بحالة رائعة وتحتفظ باناقتها ونمط الخدمة الكلاسيكي الراقي وحتى الكراسي والطاولات كانت تنتمي الى عهد الخمسينيات والاربعينيات مع انها في حالة ممتازة ، لكن طرازها باقٍ .

كانت تعود للحقبة الملكية في مصر وكان يرتادها الباشوات والوجهاء ومنهم الشاعر احمد شوقي الذي كان يتناول فطوره في مقهى جروپي بصحبة محمد عبد الوهاب الذي كان يمرُّ عليه شوقي بعربته ليصطحبه معه .

لم يُقدِم النظام الثوري المصري الذي جاء عام ١٩٥٢ على هدم هذه المقاهي او تغيير اسمائها باعتبارها من مخلفات النظام الملكي السابق ، بل تركها كما هي كجزء من التاريخ المصري والذاكرة الشعبية والثقافية.

ذلك يقودني الى التفكير بما حصل لدينا، قبل وبعد الاحتلال، قبل الاحتلال دأب النظام على ازالة العديد من الرموز والنُصب والجداريات من ضمنها نُصب الجندي المجهول (وأقام بدلاً عنه نُصباً مليئاً بالبذخ الريفي).

ازالوا تمثال الجنرال مود والملك فيصل الاول وتلاعبوا بجدارية فائق حسن ..

وحتى مدينة بابل الأثرية لم تسلم من التخريب والتلاعب بحيث أخرجتها منظمة اليونسكو من قائمة التراث العالمي بعد ان أُعيد بناء وترميم اشياء جديدة فيها وتم دفن احجار تحمل اسم الحاكم في أُسس المدينة.

بعد الاحتلال ، قام السياسيون الجُدد بازالة العديد من النُصُب والتماثيل والجداريات لاسباب مختلفة..

كان يتم العبث بذاكرة المجتمع بشكل منهجي ومستمر !!

هذا اضافة للفظاعات التي ارتكبها تنظيم داعش في المناطق التي سيطر عليها. يبدو ان داعش كان يعمل وفق نفس العقلية الثورية الاشتراكية التحررية في فترة ماقبل الاحتلال والعقلية الليبرالية الديمقراطية المتحضرة المزعومة في مرحلة ماقبل الاحتلال !! نفس السلوك تجاه الآثار والتراث !!

سؤالي: أي طاعون أصاب العراق وأي فايروس كورونا متحور يستهدف التراث والذاكرة؟

الماضي هو ماضي قد انقضى واصبح ذكرى .. ستالين والبلاشفة عموما لم يحطموا إرث القياصرة ، والآن لديهم اعظم متاحف لذلك الإرث .

كمال اتاتورك لم يحطم إرث السلاطين العثمانيين الذين أطاح بحكمهم .واصبحت قصورهم متاحفاً تدر الملايين وتروي للأجيال تاريخ حقبة تاريخية في عمر تركيا..

الثورة الايرانية حافظت على إرث الشاه وقصوره اصبحت متاحفاً !!ويقال ان قنينة الويسكي التي كان يشرب منها الشاه لازالت على مكتبه!!

 

د. صلاح حزام

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم