صحيفة المثقف

البعد الصوفي في ديوان: هل أتاك حديث أندلس؟ للدكتورة سعاد الناصر

لطيفة حمانويقصد بالتصوف تلك التجربة الروحانية الوجدانية التي يعيشها السالك المسافر إلى ملكوت الحضرة الإلهية والذات الربانية من أجل اللقاء بها وصالًا وعشقًا، ويمكن تعريفه كذلك بأنه "تحلية وتخلية وتجلل وهو محبة الله والفناء فيه والاتحاد به كشفًا وتجليًّا من أجل الانتشاء بالأنوار الربانية والتمتع بالحضرة القدسية". وعموما فإن الشعر الصوفي هو الشعر الذي تجتمع فيه الاحاسيس الانسانية وتتبلور في إحساس واحد بعيدا عن المحسوسات، والذي يتخذ فيه الشاعر الذات الإلهية موضوعا يتغنى به، ويعبر عن شوقه للقائه والأنس به وذكره في كل وقت وحين مستغنيا بهذا الوصل عن سائر الخلائق.

لقد أنشدت الشواعر المغربيات مثل أمينة المريني، لطيفة المسكيني، فاطمة الميموني وسعاد الناصر شعرا يحمل نفحات صوفية يستلهم تعابير المعرفة الباطنية ويستحضر مقتبسات المتصوفة والوعّاظ أو ينحو منحاهم في التخييل والتجريد واستعمال الرموز وتلوين النصوص الشعرية بنفحات الدين والعرفان الباطني.

تعد التجربة الشعرية للدكتورة سعاد الناصر تجربة غنية ومتفردة فقد استقت ينابيعها الشعرية من مرجعيات مختلفة أهمها المرجعية الإسلامية التي تشبعت بها منذ نعومة أظفارها، وكذا انفتاح الأديبة سعاد الناصر على العلوم الإنسانية من خلال عملها الأكاديمي أستاذة للتعليم العالي بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان   المغربية ،كما أن تجربة الأمومة أضفت على الشاعرة ألوانا من الرقة والطيبة جعلها تنتج أعمالا أدبية متميزة وترتقي في معراج التصوف توقا لعالم نقي تطغى فيه السكينة والصفاء الروحي هو ما سنسعى إلى إبرازه من خلال بعض قصائد هذا الديوان.

في ديوان هل أتاك حديث أندلس نجد مجموعة من القصائد ضمنتها الشاعرة سعاد الناصر مجموعة من الإشراقات الصوفية. ففي قصيدة تجلي نجد الشاعرة تبتدئ القصيدة بضمير المتكلم لتخبر القارئ أنها بوح تجلى في غمام، ووميض تناثر في خيال حيث يتلاقح السؤال، والسؤال دلالة على حب المعرفة وما المعرفة هنا إلا تطلع لمعرفة سر الوجود، ومن بعد تأمل من الشاعرة لسر الوجود نجدها تترك روحها تفضي إلى فيض، وتكتم الأسرار لتكشفها في عمق السجود، ففي السجود يكون العبد أقرب إلى الله سبحانه وتعالى تقول الشاعرة:

إذا ما المساء أضواني بوصل

تركت الروح تفضي إلى فيض

ألا من يكتم الأسرار عني

فإني كشفتها في عمق السجود

في قصيدة ريحانة الترحال نجد الشاعرة تناجي ربها بصدق وتخاطبه بعشق وتخبره أنها جاءته مثقلة بحزن اليوم والأمس لتضيء أنواره ظلمة يأسها وترتوي بعطر مقامات التجلي.

تقول الشاعرة:

جئتك مثقلة بحزني

وثمالة أمسي

ارتحلت في أصداء صوتك

يحتويني سنا برقك في ظلمة اليأس

حيث أصاب مني يرويني

يعطر مقامات التجلي

عندما ننتقل إلى قراءة قصيدة فناء نجد لسان الشاعرة يلهج بالشكر لله، وتذكر أنه سبحانه وتعالى يدثرها بأهذاب كونه من قر الغياب، ويبعدها عن هدير الانخطاف، ولا يتأتى هذا ولا يتأتى هذا المقام إلا لمن غاص في الوصل العميق. فالفناء عند المتصوفة عالم من التلاقي يكسر حاجز الممكن وهو حالة وجدانية لا تصلها إلا الخاصة الخالصة وشاعرتنا ممن تأتى لها هذا الوصل وانسابت في فتنة الوجد إلى أن تلاشت فيه. تقول الشاعرة:

تومض اللحظة عني

تهمس عنف البوح الأنيق

انسبت في فتنة وجدك

ثم فيك تلاشيت

في قصيدة مقام الصبر تحمل الشاعرة الفنار المتعب بالألم وتتوسل مقام الصبر، ومفهوم "المقام "من المفاهيم المركزية في الفكر الصوفي نجد الشاعرة ترتقي إليه بعدما تشظت روحها إلى ذرات فتهز إليها بجذع الصبر عساه يسقط أقمارا تنير عتمة حزنها وتمد إليه يدها بالدعاء ليخرجها وحده من حلقة الضعف والانهيار. تقول الشاعرة سعاد الناصر:

وأمد لربي دعاء الرجاء وأوجه قلبي لسجدات تعصمني من لفحات البعد والظمأ الفوار

فنسيم العشق يثلجني من لظى كل الذنوب

يبعثني من بين حزن ويقين متسربلة بالضياء

وأعانق قصيدتي

تستمر الشاعرة سعاد الناصر عبر قصائد ديوان هل أتاك حديث أندلس؟ في معانقة العالم العلوي والترفع عن العالم المادي قصد بلوغ الطمأنينة التي لا يصلها الإنسان إلا بذكر الله وخير الذكر مناجاة الرحمن والشوق للقائه وهذا ما نجد الشاعرة سعاد الناصر تعبر عنه في قصيدة مناجاة حيث تقول:

وفيوض من لوعة وحنين غمر

واشتياق واعتلاج

ورحيل يجن به هذا العمر

إن الخمر في الفكر الصوفي يعتبر" رمزا للحب الإلهي الأزلي" كما نجد عند ابن الفارض، فالخمر عند المتصوفة خمر معنوية ترجع الروح إلى محبوبها وهي تعبر عن تجربة تتخطى حدود الزما ن والمكان للانتشاء بلذة القرب والمعرفة.

في قصيدة خمرة الوصل نجد الشاعرة تبتغي الوصل هروبا من دموع الحزن التي تتساقط في ذاتها تأثرا بجرحها العميق فنجده تقول:

ملء هذا الحزن

جئت أسعى إليك

جئتك ظلا يتلبسه عطش السكر

يفرش أفق أمومة لك

أنسج مئزرا قدسي الألوان

في قصيدة أسرار الجوى تبث الشاعرة أشواقها، وتبوح بأسرارها في ليلة مقدسة هي ليلة القدر ، ولا يخفى على كل مسلم ما تعنيه ليلة القدر، فهي تعادل ألف شهر من العبادة لهذا يجتهد النساك والمتعبدون لاغتنامها وشاعرتنا ناسكة متعبدة في محرابها، تغتنم نفحات هذه الليلة المباركة تقربا لله تعالى. فنجدها تقول:

ليلة البوح تعانق ليلة القدر

والشوق يجتاز شوكه في ألق كأنه غرة الفجر

وانكشفت أسرار هذا الجوى

في ملكوت لا تفتح أسراره

إلا لمن استصحب وقدة الصبر

لقد كان هدف التجربة الصوفية الإسلامية هي الفناء في ذات الله، وتطهير النفس الإنسانية من كل المظاهر المادية التي تشغلها عن التعلق بالله. وقد عبرت الدكتورة سعاد الناصر عن الاتجاه الصوفي في ديوان هل أتاك حديث أندلس؟ أحسن تعبير، وضمنت قصائدها المعاني التي يتبناها المتصوفة مثل المقام، الخمر، الفناء، الوصل، المعرفة ،التجلي .... فنجدها تحاكي النموذج الشعري العربي الحديث من حيث الشكل والمضمون مستعملة الرمز والتناص القرآني والتكثيف اللغوي الأمر الذي جعل أشعارها نهرا عذبا ينساب بجمالية وإحساس عميق وهوما جعل الشاعرة سعاد الناصر صوتا أدبيا متفردا داخل المشهد الثقافي المغربي والعربي.

 

بقلم: لطيفة حمانو

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم