صحيفة المثقف

ضياء نافع: اليابانيون يحبون تشيخوف

ضياء نافعقال صاحبي محتجّا – وما شأننا، نحن العراقيين، اذا كان اليابانيون يحبون تشيخوف او لا يحبوه؟ ابتسمت أنا محاولا تهدئة الموقف المتوتر، وقلت له، هذا عنوان مقالة كتبها ياباني في دورية يابانية اسمها (اليابان اليوم)، وتصدر بعدة لغات، وقد اطلعت عليها بالروسية، بعد ان أثارني العنوان، ووجدت في نهاية تلك المقالة قصيدة هايكو يابانية طريفة لشاعر ياباني معاصر تقول:

...ليلا

قرأت تشيخوف

وأصبحت أخرسا.

وبعد ان قرأت أنا المقالة، سألت نفسي، هل يصبح العراقي أخرسا ايضا عندما يقرأ تشيخوف؟ وأردت ان اكتب عن ذلك، ولكنك، يا صاحبي، اصبحت عصبيّا رأسا بعد ان اطلعت على عنوان المقالة ليس الا، وأصدرت حكمك الصارم بصيغة ذلك السؤال الواضح المعالم حول علاقتنا، نحن العراقيين، بحب اليابانيين لتشيخوف او لا حبهم له، بعد ان تذكّرت، على ما يبدو، قصة الحلاق الثرثار، التي درسناها  ضمن مادة (القراءة) في المدرسة الابتدائية، وكيف لعن الزبون المسكين في نهاية القصة (الصين واليابانيين والناس اجمعين!) . اعتذر صاحبي مبتسما، وقال انه فهم من العنوان، ان الكلام سيدور حول اليابان ليس الا، فقلت له، انني قد تعوّدت على ردود الفعل السريعة والغاضبة هذه من المحيطين بي، وانني احاول دائما ان استوعب وبطريقة هادئة تماما هؤلاء الذين (لا يعجبهم العجب ولا الصيام  في رجب!) . ضحكنا معا، وكرر صاحبي اعتذاره، وسألني، وما الذي أردت ان تقوله حول العراقي عندما يقرأ تشيخوف ؟ قلت له، اردت اولا ان أذكر، ان الصورة الفنية المدهشة الجمال في الهايكو الياباني تؤكّد، ان تشيخوف قد استطاع ان يعبّر في نتاجاته عن احاسيس القارئ الياباني لدرجة، ان هذا القارئ لا يريد ان يضيف اي شئ آخر، وانه (يصبح اخرسا)، لان تشيخوف قال ما يريد هو (اي القارئ الياباني) ان يقوله، وبالتالي اصبح اخرسا . لم يستوعب صاحبي هذه الفكرة الغريبة بالنسبة له، وقال، ان تشيخوف تكلم عن مشاكل الانسان الروسي في فترة معينة من مسيرة المجتمع الروسي، فما علاقة ذلك بالمجتمع الياباني ؟ قلت له، نعم، هذا صحيح، تشيخوف تكلم عن المجتمع الروسي طبعا، ولكن كلامه يتفهمه كل انسان بغض النظر عن مجتمعه، اذ ليس الموظف الروسي يعطس فقط،بل والموظف الياباني والعربي والصيني والاوروبي ...الخ يعطس ايضا، ولهذا، فان الموظفين كافة وفي كل انحاء العالم يتعاطفون مع ذلك الموظف الروسي المسحوق، الذي كتب عنه تشيخوف، وهذا يتطابق مع معظم قصصه ومسرحياته، اي يتناغم مع روحية النتاجات الابداعية له  بشكل عام، وقد كتب ايليا ايرنبورغ حول مسرحية تشيخوف (النورس) مرّة قائلا ما يأتي – (...أما مسرحياته، فانها لا تتجانس مع المفهوم الشرطي للعروض المسرحية، ولكنها لا زالت تعرض في مسارح العالم، في موسكو ولندن وطوكيو وباريس واستوكهولم ونيويورك ...الخ، وتكلم الناس معي في كل مكان زرته عن (نورس) تشيخوف . لقد طاف هذا النورس كل بحار الدنيا) . قال صاحبي، ولكن مسرحية النورس لم تكن واسعة الانتشار في العراق حسب علمي، قلت له – نعم، مسرحياته ذات الفصل الواحد كانت ( وما زالت) تعرض على المسارح العراقية،  ولكن مسرحياته الكبيرة، مثل بستان الكرز مثلا، لم تكن واسعة الانتشار، لأن عرضها صعب ويتطلب امكانيات تقنية عالية و كبيرة جدا بالنسبة للمسرح العراقي ومستواه المتواضع، ولكن مع ذلك، فاني شاهدت شخصيا عروضا عراقية لمسرحية الخال فانيا، والاخوات الثلاث، وقلت لصاحبي، اننا كتبنا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد (وقبل أكثر من عشرين سنة) اطروحة ماجستير وباشرافي العلمي عنوانها – مسرح تشيخوف في العراق، وأشرنا فيها الى كل هذه الوقائع والحقائق، وحتى قدمّنا نسخة منها في حينه هدية الى جامعة موسكو، وعبّروا عن اعجابهم بها . صمت صاحبي قليلا، ثم كرّر اعتذاره من جديد لانه تسرّع بالكلام في بداية الامر، فقلت له، ان مقالة (اليابانيون يحبون تشيخوف) في الدورية اليابانية طريفة جدا، وتتناول تاريخ تشيخوف في اليابان، وكيف ترجم المترجمون هناك نتاجات تشيخوف الى اللغة اليابانية، وما هو رد فعل النقد الادبي تجاه ذلك، وما هي النتاجات البارزة لتشيخوف، التي تقبّلها القارئ الياباني، ولماذا أحبها هذا القارئ ...الى آخر تلك الملاحظات الذكية والحاذقة حول ابداع تشيخوف في اليابان، وان كل هذه النقاط تستحق ان يطّلع عليها القارئ العربي، فهي ممتعة اولا، ومفيدة ثانيا للالمام بموقع تشيخوف في اطار الادب العالمي، ولهذا كله، فان تلك المقالة تستحق الترجمة الى العربية، وتستحق ان نتكلم عنها كي يتعرّف القارئ العربي عليها، من اجل اغناء معلومات هذا القارئ حول تشيخوف، وحول الادب الروسي عموما، حتى لو لم نتحدث عن علاقة ذلك بنا، وان احتجاجك في بداية الامر حول عدم اهمية الموضوع لم يكن موقفا سليما ...  

 

أ.د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم