صحيفة المثقف

عادل خلف عبدالعزيز: القيم الخلقية بين الثابت والمتغير

عادل خلف عبدالعزيزأهدي هذا المقال للأستاذ ماجد الغرباوي المفكر العربي القدير

عنوان المقال يبدو لافتا لأول وهلة لمن ينظره ويشاهده، فيقول ما الجديد، فالاخلاق بين النسبية والاطلاق، فهناك بعض الأصوات علت ولاتزال تعلو قائلة بنسبية القيم الخلقية، وانها متغيرة تتغير بتغير الزمان والمكان وتغير طبائع وسيكولوجيات البشر. وهناك علي الجانب الموازي والمقابل اصوات ترتفع مدوية أن القيم الأخلاقية مطلقة مهما تغيرت الأزمنة والأمكنة والشخوص، أما الذي يتغير فهو المظهر السلوكي أو الإطار الخارجي أي البرواز، لكن الجواهر تظل ثابتة لاتتغير.

ورغم أنه من الممكن أن تهمش وتتناسي لكن هي كالجواهر المصقولة التي لا تصدأ وانما قد يغطيها التراب وبمجرد ما ازحنا عنها هذا الغبار عادت سيرتها الأولي.

وأسس أصحاب هذا الرأي موقفهم علي أساس التفرقة بين الجوهر والعرض، الأولي والثانوي، ، المظهر والمبدأ، بل ووضعوا خصائص للمبادئ الأخلاقية منها أنها ثابتة لاتتغير بتغير الزمان والمكان، وانها واضحة بذاتها، وانها لاتقبل شكا ولا جدلا. وهذا رأي يحترم ويعتد به وهو رأي يخالف لفكرة النسبية، نسبية القيم الخلقية التي تبنتها السوفسطائية، وان الإنسان مقياس كل شيئ، مقياس الخير والشر، ومن ثم فليس ثمة حقيقة مطلقة ومنها القيم الأخلاقية.

لكننا لنا رأي في هذا الموضوع قد يتفق معي فيه البعض وقد يختلف البعض الآخر والاتفاق والاختلاف ظاهرة محمودة في الفكر الإنساني بل تكسب الفكر حيوية ومرونة وديناميكة، فقد انتهي عصر ديكاتورية الأفكار والانفراد بالرأي الأحادي الجانب.

تحديات كثيرة علي كافة الأصعدة والمستويات، تواجه إنسان العصر، ازمات كثيرة نتعرض لها علي المستوي القيمي الأخلاقي، علي المستوي العلمي، علي المستوي السياسي، علي المستوي الإقتصادي علي المستوي الديني، وسنقوم بتحليل كل مستوي علي حده.

تتعالي بعض الأصوات التي تصب وابلا من اللعنات علي الزمان وعلي عصرنا وانه عصر انسحاق قيمي، عصر مادي، عصر بات فيه الإنسان مغتربا عن ذاته فاقدا لهويته بحيث أصبح كترس في آلة، يدور معها حيث دارت، اصبح كمن هو في دائرة متحدة المركز يلف ويلف إلي أن يعود كما كان، او أن يفني عمره سدي دون أن بحقق ذاته ولايصل إلي غاية مرامه.

يا سادة لاتلوموا الزمن ولا تلوموا العصر. نعيب زماننا والعيب فينا. وما لزماننا عيب سوانا.

إذا كان ثمة عتاب ولوم فلابد أن نوجهه لأنفسنا أولاً: ماذا تريد ؟، ما هو هدفك في الحياة ؟، ما هي غايتك، ما هي وسيلتك، هل ستقف مكتوف الأيدي وتبكي علي ما فاتك أما ستحاول أن تتقدم . وهذا بالنسبة للإنسان بحيث يصدق عليه ذلك.

أما بالنسبة للتحديات ومنها التحدي القيمي : هل سنحيي قيمنا التي عفى عليها الزمن ؟ هل سنحيي قيم الحق والخير والجمال، ؟ هل سنساهم ولوحتي بالكلمة لإحياء قيمة العدل؟ هل سنقف مع المظلوم ضد من ظلمه؟ لقد رأينا نصرة للحق في الحرب الأخيرة علي غزة وعلت الأصوات مدوية: أوقفوا آلة الحرب الفتاكة التي لاتبقي ولاتذر، علت أصوات الشعوب ومدت بعض الحكومات يد العون بالمساعدات ومنها مصرنا الحبيبة التي مابخلت يوما ولم تبخل أبدا عن نصرة قضيتنا العادلة، وهناك من تخاذل ونتمني أن يعودوا إلي عروبتهم وإلي أحياء قيمهم ولا ينقادوا انقيادا أعمى خلف شهواتهم فكل هذه الأمور أعراض زائلة ولم ولن يبقي الي العدل الذي قامت عليه السموات والأرض، الذي أمر به الله تعالي من فوق سبع سموات محرما الظلم علي نفسه وجعله بيننا محرما. هل سنحيي قيمة الشجاعة ونترك السلبية واللامبالاة؟، الشجاعة بكل صورها هي شجاعة الكلمة، شجاعة الأقلام الثابتة المتزنة، لا الأقلام التي تمسكها أيد مرتعشة تخجل الأقلام منها ولو نطقت لقالت اتركني يا من تكتب بي فأنت لاتستحق المداد الذي بداخلي، شجاعة الرأي الحر الجرئ الذي لايخش في الحق لومة لائم. شجاعة الموقف فحياتنا مواقف نعيشها وإما أن نخرج منها مرفوعي الرأس وبعد حين الكل يمشي خلف جنازتنا ويحملنا علي الأعناق ويترحم علينا، او تصب علينا اللعنات من كل حدب وصوب.

هل سنعلي من قيمة الايثار ونؤثر الآخر علينا، نجود بما في أيدينا للآخرين حتي وان كان بنا خصاصة. هل سنعلي من قيم الإخاء والتسامح والمساواة.

جميعنا أخوة في الإنسانية هل لأن فلان علي غير ديني امقته ولا اتعامل معه !؟ إن ديننا يرفض ذلك، هل لأن فلان لايسير علي هواي فأقف ضده واتحزب ضده.!؟

يا سادة نحن نعيش في عصر حداثي، قرية صغيرة، المكون الرئيس فيه هو الإنسان، نتعامل مع الإنسان بما هو كذلك نتعامل بفكر وروية، يا سادة الفكر الحر المستنير لاوطن له ولادين.

الكل مواطن من الدرجة الأولي متساوون في الحقوق والواجبات ليس ثمة عنصرية بغيضة تعاملوا مع الإنسان بما تحب أن يعاملك به هذا الإنسان، لافرق بين غني وفقير، ولا بين اسود وأبيض . ولا بين صاحب جاه وسلطان وانسان آخر بسيط، فالكل لآدم وآدم من تراب والكل مصيره الي التراب والكل سيدفن ويترك كل هذه الأمور خلف ظهره.

فيا أيها السادة إن قيمنا جميلة ولابد أن نزيح من عليها التراب ونعيد صقلها من جديد، وهذا ليس صعب المنال لكن بالثقة في أخلاقنا وفي قيمنا وان هذه القيم إذا ما احييناها بداخلنا وعلمناها لأولادنا فسنعود سيرتنا الاولي.

وخلاصة الرأي عندي أن قيمنا الخلقية ليست نسبية تتغير وانما هي مطلقة وشواهدي من استقرائي للتاريخ كثيرة ساكتفي بشاهد واحد: الم يتحدث كونفوشيوس حكيم الصين عن الواجب الأخلاقي وأن الإنسان لا يقوم بفعل أخلاقي من أجل مصلحة ما وانما الواجب يحتم عليه فعل ذلك وثمة شاهد آخر: ألم يتحدث كانط عن السلام العالمي القائم علي العدل، سلام يقوم علي المعنى الحقيقي لكلمة السلام لا الاستسلام، أليست هذه قيمة لابد أن نزيح التراب من عليها. إذا ماحدث ذلك بربي سنعود سيرتنا الاولي وسنعود خير أمة أخرجت للناس.

وسنشرف بلقب إنسان وسيتشرف بنا هذا اللقب .

اشكركم

 

بقلم أ د عادل خلف عبدالعزيز

رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة حلوان

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم