صحيفة المثقف

بكر السباتين: احتدام الصراع السعودي الإماراتي في "أوبيك" إلى أين!

بكر السباتينإجراءات متبادلة بين الطرفين.. هل توجد أصابع إسرائيلية خفية! ما علاقة اتفاقية جدة في تداعيات الأزمة! وأسئلة أخرى.

لم تكن الخلافات الإماراتية مع السعودية وليدة اليوم، وتحديداً بعد فشل المحادثات بين الدول المصدرة للنفط.. " بشأن تمديد اتفاق خفض الإنتاج، مما أدّى إلى اتخاذ الأخيرة عدة إجراءات اقتصادية تنذر بالقطيعة بين الحليفين العربيين بل أن لهذا الخلاف جذور تاريخية كما سأطلعكم عليها في السياق.. ولكن الخلاف الأخير تحت مظلة "أوبيك بلاس" كان -فقط-- قد أخرج مارد الخلاف بين الرياض وأبو ظبي من القمقم ووضع علاقة الطرفين على المحك من جديد، وجاءت طبيعة الإجراءات المتبادلة بين الطرفين لتعيد الذاكرة إلى تداعيات ما بعد اتفاق جدة 1974 الذي ما لبثت الإمارات تذكر بأنه كان مجحفاً وغير عادل.

اليوم، فأن الموقف الإماراتي جاء وكأنه موجه للسعودية مع أنه خلاف سيبدو لولهة بأنه موضوعي وموجه نحو إجماع "أوبيك بلاس" ولكن كون قيادة تلك المنظمة الاقتصادية سعودية فإن الأنظار توجهات نحو تسميته بالخلاف الإماراتي السعودي وتوارى بقية الأعضاء خلف هذا المسمى، وبخاصة أن الرياض تصدرت المشهد من باب الصلاحيات الممنوحة لها وكونها وضعت قرار تمديد خفض الإنتاج حتى نهاية العام في إطار صفقة مع روسيا- العضو الزائد في المجموعة- وأنها تحرص على مصالح كل الدول المنتجة.

وتنص الخطة المطروحة على زيادة إنتاج النفط بمقدار 400 ألف برميل يومياً اعتباراً من أغسطس وحتى ديسمبر، بحيث تصل كمية النفط الإضافية المطروحة في السوق بحلول نهاية السنة إلى مليوني برميل في اليوم.

وتدفع السعودية وروسيا باتجاه اعتماد هذا الاتفاق حتى ديسمبر عام 2022. لكن الإمارات تقول إن الوقت مبكر للموافقة على التمديد حتى نهاية العام المقبل، وترغب في أن تتم إعادة مناقشة مستويات الإنتاج بحلول نهاية الاتفاق الحالي في أبريل 2022.. ومن هنا نشب الخلاف.

وتعقدت مناقشات الأسبوع الماضي بسبب اعتراض الإمارات التي تشكل عائدات النفط نحو 30 بالمئة من ناتجها الإجمالي المحلي، في اللحظة الأخيرة على الصفقة الروسية السعودية خلال اجتماع دول "أوبك زائد" الـ23.

ومنذ مايو الماضي، أعاد تحالف "أوبيك بلاس" ضخ الذهب الأسود بداية انتشار فيروس كورونا، ما ساهم في رفع الأسعار التي باتت تدور حول عتبة ال75 دولاراً للبرميل الواح في أعقاب انهيارها قبل أكثر من عام.

ولكن الإمارات ظلت تصر على رفع خط الإنتاج الأساسي بمقدار 0,6 مليون برميل يومياً إلى 3,8 ملايين برميل، باعتبار أن النسبة الحالية المحددة (3,17 ملايين) التي أقرت في أكتوبر 2018 لا تعكس طاقتها الإنتاجية الكاملة، مع حاجتها الملحة بسبب إجراءات التصدي لكرورونا التي أثرت سلبياً على الاقتصاد الإماراتي. فيمااعتبر السعوديون ذلك بمثابة الكارثة الاقتصادية التي قد تؤدي أيضاً إلى تفكيك منظمة "أوبيك بلاس" مع أن ظروف الإمارات الاقتصادية تعاني منها دول العالم وخاصة الأعضاء منها في "أوبيك بلاس" فلا يجب أن تتخذ كذريعة.

وجاء على لسان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بأن المقترح السعودي الروسي بشأن تمديد الاتفاق حظي بقبول الجميع، ما عدا دولة الإمارات التي اقترحت تأجيل اتخاذ المجموعة قراراً بشأن تمديد الاتفاق، وطلبت "مراجعة نقط الأساس المرجعية التي تحسب تخفيضات "أوبك بلاس" على أساسها"..مؤكدة تعرضها للظلم وتعهدت بالدفاع عن حقوقها.. الأمر الذي ساعد على إماطة اللثام عن عمق الخلاف السعودي الإماراتي في العديد من الملفات حيث رشحت معالمها على السطح، ومنحت خصوم الطرفين الفرصة لبذر توقعاتهم في حرث الأزمة المتصاعدة.. وربط الأزمة بمخرجات مؤتمر جدة عام 1974 الذي تراه الإمارات غير عادل.

ويبدو أن الموقف الإماراتي شكل صفعة قاسية للسعودية، حيث جاء في تصريحات وزير الطاقة السعودي بأنه حضر اجتماعات "أوبيك بلاس" منذ 34 عاماً، ولم يشهد طلباً كطلب الإمارات. منوهاً إلى إنه لا يمكن لأي دولة اتخاذ مستوى إنتاجها النفطي في "شهر" مرجعية، فالسعودية -وفق تصريحاته الأخيرة- تريد "موازنة الأمور عبر زيادة متدرجة للإنتاج حفاظاً على استقرار السوق بافتراض أن الاقتصاد لن يتدهور بشكل أكبر بسبب جائحة كورونا، وأن جميع أعضاء أوبيك بلاس" يتوقون إلى إنهاء الزيادات في سبتمبر المقبل". إلا أن أوبك وحلفائها أخفقوا في التوصل لاتفاق بخصوص سياسة إنتاج النفط في اجتماعين عقدا الخميس والجمعة، جراء اعتراض الإمارات على بعض جوانب الاتفاق.. ومن المزمع غداً الخميس عقد الاجتماع الفاصل بشأن الموقف الإماراتي الخلافي وسط تضامن مجموعة العشرين مع السعودية نيابة عن دول أوبك بالاس". حيث يسجل للسعودية أنها حولت  خمسة أسابيع من التدهور في أسواق النفط إلى "توافق بتخفيض غير مسبوق بالإنتاج" كما جاء على لسان الوزير السعودي الذي لفت إلى أن "إيجاد الحلول تم تركه في يد السعودية وروسيا وتم التوافق على حلول مشتركة".. مؤكداً على أن"اتفاق "أبريل 2020" بشأن خفض الإنتاج ما كان ليتم لولا تدخل المملكة وحرصها على أن تكون اللاعب الأساسي لإيجاد الحلول، وبأن الاتفاقية تشمل نصاً واضحاً بشأن التمديد ولا تحوي شيئا عن زيادة الإنتاج.

ويستشف من تصريحات الوزير السعودي بأن بلاده التي لولا جهودها التطوعية المبذولة لما وصلت أسواق النفط إلى الاستقرار الحالي؛ "تبتغي من الإمارات القليل من التنازل والعقلانية مما قد  يجعل اجتماع يوم غد الخميس ناجحاً".

ولكن ما قاله وزير الطاقة الإماراتي عقب فشل اجتماع "أوبيك بالاس" يوحي بتفاقم الموقف بين الحليفين الجارين، إذ شدد من جهته على أن مطلب بلاده هو العدالة والانصاف..  حيث طالب"بتشكيل لجنة من جهات مستقلة تنظر في التظلم الذي تقدمت به دولة الإمارات، توخياً للعدالة".

 وبما أن هذا سيأخذ وقتاً، لذلك اقترحت الإمارات "فصل قراري التمديد وزيادة الإنتاج".. حيث تعهد الوزير الإماراتي بأن تقدم الإمارات كل المستندات التي تثبت مظلوميتها إزاء "تمديد الاتفاقية تحت نفس بنود الاتفاقية السابقة"؛ بذريعة أن السوق العالمية بحاجة لزيادة الإنتاج، وأن الإمارات تؤيد هذه الزيادة بين شهري أغسطس وديسمبر المقبلين، دون أي شروط.

وعلى رأي المحللة لدى شركة "أر بي سي" الأمريكية حليمة كروفت، أن "احتمال غياب اتفاق، بل حتى خروج الإمارات من أوبك، ازداد بشكل كبير"، إذ يبدو من الصعب على التحالف أن يقبل بطلب الإمارات من غير أن يفتح الباب للفوضى، ما يسترعي تدخلاً أمريكياً لمنع سيناريو الانهيار .

ويتساءل مراقبون حول السر الحقيقي الذي يقف وراء عرقلة الإمارات اتفاق "أوبك بلاس مقابل واحد"، ورغبتها في زيادة الإنتاج..

فهل يتمثل فقط بانعكاسات أزمة كورونا على الإمارات التي أثرت سلبياً على اقتصادها!

 أم أن هذا الارتفاع جاء بعد توقف محادثات إيران التي تخضع صادراتها النفطية لرقابة دولية شديدة بسبب العقوبات الأمريكية؛ وحرمان إيران التي وافقت على المقترح السعودي الروسي من عائدات النفط مع تصاعد الطلب العالمي الصيفي القوي على الذهب الأسود! مما قد ينبئ بتأخير استئناف إمدادات إيران العضو في "أوبك زائد".

وعليه فمن هو الطرف الإقليمي "المحتمل!"، الذي يقف وراء القرار الإماراتي غير  حليف الإمارات الأشد خصومة لإيران، المتمثل بالكيان الإسرائيلي الذي يسعى جاهداً إلى ضرب الاقتصاد الإيراني وإفشال العودة إلى الاتفاق النووي بشتى الذرائع والسبل! وهو الطرف ذاته الذي سيقف إلى جانب الإمارات لو استفحلت الأزمة بين الرياض وأبو ظبي عرفاناً منه لجميل الإمارات التي فتحت له أبواب التطبيع على مصراعيه، وتدرك السعودية ذلك تماماً وخاصة أنها اختارت استراتيجياً في عهد بايدن الطرف القطري التركي على حساب الإمارات.

 إن دخول دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى الجانب الإماراتي في المنافسة الاقتصادية المحتدمة بن الرياض وابو ظبي في قطاعات التكنولوجيا والنقل وغيرها دعت الأخيرة إلى تجنيس خمسة آلاف إسرائيلي في غضون ثلاثة أشهر.. وكأنه تسريع في وتيرة التطبيع لتحصين الموقف الإماراتي وبخاصة لتأزم الموقف بين البلدين الخليجيين بعد عودة العلاقات بين السعودية وقطر إلى مجاريها منذ يناير الماضي.

من هنا يمكن فهم أهم قرارين اتخذتهما السعودية إزاء الإمارات ما يعيدنا إلى مخرجات مؤتمر جدة التاريخي، وهم:

أولاً:- تعليق السعودية الرحلات الجوية إلى ثلاث دول، من بينها دولة الإمارات، ويأتي ذلك كما هو معلن، بقصد الوقاية من السلالة الجديدة من فيروس كورونا بحسب وزارة الداخلية السعودية.. بينما المستهدف الحقيقي هو الاقتصاد الإماراتي -وفق محللين- وتحديداً قطاعي السياحة والنقل في الإمارات. هذا إذا علمنا بإن إمارة دبي لوحدها تعتبر من وجهات الاستجمام الرئيسة للمواطنين السعوديين على مدار العام ويزداد زخمهم في المناسبات وأهمها عيد الأضحة الذي شارف على الحلول.

ومن ناحية أمنية فإن قرار السعودية أعلاه سَيُخْضِعْ كلَّ الإماراتيين للرقابة الشديدة بما فيهم المجنسين من أصول إسرائيلية.. وهي حسابات أمنية لا تغفل عنها السعودية على المدى البعيد.

ثانياً:- قرار تعديل الرياض قواعد الاستيراد من الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لتستبعد السلع المنتجة بالمناطق الحرة أو التي تستخدم مكونات إسرائيلية، من الامتيازات الجمركية التفضيلية.

وهو قرار جاء قبل استفحال أزمة "أوبيك بلاس" بين العضوين الإماراتي والسعودي. فيما لا يمكن إغفاله في ظل نبش ما تراكم من ملفات ظلت عالقة بين الطرفين.

وحسب مراقبين، فإن هذه الخطوة تمثل تحديا للإمارات التي تتنافس معها السعودية في جذب المستثمرين والأعمال، وسط تباين مصالح البلدين على نحو متزايد في أمور أخرى مثل علاقتهما بكل من دولة الاحتلال الإسرائيلي وتركيا.

وهذا يقودنا للحديث عن سابقة مشابهة حدثت بين الطرفين حينما وقع الشيخ زايد اتفاقية حدودية مع السعودية عام 1974م، عُرفت باتفاقية جدة، رسمت على أساسها الحدود بين الإمارات والسعودية، وتم تبادل الأراضي بين الطرفين، والغير منصف بالنسبة للإمارات هو أن حقل شيبة دخل ضمن الأراضي السعودية.. وظل الحال كذلك إلى أن جاء ولي عهد الإمارات محمد بن زايد ليعلن بإن الاتفاقية غير عادلة.

وزاد من تفاقم الأزمة عام 1999م تدشين حقل للنفط في شيبة التي يقع جزء منها في الأرض الإماراتية، دون أن تشرك الإمارات في تقاسم عائدات النفط من هذا الحقل الذي حرمها منه اتفاق 1974.

وبعد وفاة الشيخ زايد أثار بن زايد هذه الإتفاقية بين البلدين خلال أول زيارة للرياض في ديسمبر 2004م ولم يصل إلى نتيجة.

ولكن في العام 2006م أصدرت الإمارات في كتابها السنوي خرائط جديدة يظهر فيها خور العديد تابعاً للمياه الإقليمية الإماراتية خلافاً لاتقاقية جدة.

وفي خطوة شبيهة بما يحدث اليوم بين البلدين، جاء الرد السعودي على أزمة خرائط "العديد خور" في العام 2009م بمنع دخول المواطنين الإماراتيين إلى أراضيها باستخدام بطاقات الهوية كما كان معمول به آنذاك.

 لا بل ازداد الموقف تفاقماً  في يونيو 2009 حينما أوقفت السعودية آلاف الشاحنات عند المعبر الحدودي بينها وبين دولة الإمارات كنتيجة من التوترات وأوضحت ذلك على أنه جزء من تعزيز الرقابة على دخول السيارات من الإمارات إلى أراضيها.. مثلما هي ذريعة القرار الذي صدر مؤخراً بوقف الرحلات الجوية مع الأخيرة وإخفاء الأسباب الحقيقة للقرار.

وقد أوشكت العلاقة بين الطرفين أن تقطع في العام 2010 عندما أطلق زورقان تابعان للإمارات النار على زورق سعودي في "خور العيديد" واحتجز اثنان من أفراد الحرس الحدود السعودي، وحتى الآن الحدود البحرية بين البلدين غير متفق عليها. فما أشبه البارحة باليوم.

وفي المحصلة فإن تداخل الصراعات القُطْيِرَّيةِ والإقليمية في الشرق الأوسط بكل تحالفاته حاضرة بقوة في أزمة "أوبيك بلاس" فالسياسة هي الشيطان الذي يكمن في التفاصيل والذهب الأسود فتيل سريع الاشتعال، ولكن الخلافات التي تبيت بدون حلول ستخيم بظلها ذات يوم.. فهل هذا ما يحدث فعلياً بين الجارين الخليجين. وهل ثمة من له مصلحة في إيقاظها.(سلامة فهمكم).

 

بقلم بكر السباتين

7 يونيو 2021

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم