صحيفة المثقف

محمود محمد علي: قراءة في كتاب فلسفة هيوم الأخلاقية (5)

محمود محمد عليللأستاذ الدكتور محمد محمد مدين

نعود وننهي حديثنا لقراءة في كتاب فلسفة هيوم الأخلاقية للأستاذ الدكتور محمد محمد مدين، وهنا ننتقل إلي الفقرة الثانية عشر، وفيها يقول المؤلف:" في أن كيفيات القيمة ليست مستقلة عن الذات" (62)، وفي شرح هذه الفقرة، يقول المؤلف بأن " إذا كان "هيوم" يعيب علي فلاسفة الأخلاق تصورهم للوجود المستقل للكيفيات الأخلاقية والقيمية عن الذات فإنه يعيب بالمثل علي المناطقة تمييزهم بين التصور والحكم والاستدلال، ويري أن الصواب هو رد هذه الأفعال الثلاثة إلي الفعل الأول، فهي ليست شيئاً سوي أنها "طرق معينة" للإدراك، أعني " إدراك الموضوعات" .. ولكن بالرغم من أن الإدراك المباشر يؤدي بنا إلي أن نشعر بأننا لسنا علي خطأ، وذلك بالنظر إلي المحتوي الموضوعي للوعي، فإننا، مع ذلك نقع دوماً في خطأ . وهذه هي الفجوة الحقيقية التي أشار إليها هيوم عندما كان يتحدث عن التمييز بين " الكائنية والينبغية" . ومن ثم فإن مهمة البحث عن معيار موضوعي للأحكام الأخلاقية هي " التحدي " الذي تصدي له هيوم في الكتابين الثاني والثالث من رسالته، مما أدي في النهاية إلي استبعاد كل الأنساق الأخلاقية التي يصفها بأنها أنساق رديئة وفاسدة (63) .

إن هيوم كما يري المؤلف ينتقد هنا النظريات الأخلاقية التي تحاول التوحيد بين " الأخلاقية" و" السلوك العقلي"، فقد لاحظ هيوم وذلك قبل فقرة " الكائنية- الينبغية مباشرة " أنه لا شئ أكثر شيوعاً في الفلسفة، بل وفي الحياة اليومية الجارية أيضاً، أكثر من الحديث عن صراع العاطفة والعقل، وضرورة أن نعطي الأفضلية في هذا الصراع للعقل، وأن نؤكد علي أن الناس يصبحون فقط فضلاء بقدر توافقهم مع أوامر العقل ونواهيه، وأن التوحيد بين الرذيلة والفضيلة من جهة والسلوك العقلي من جهة أخري سيؤدي وبوضوح إلي اسبتعاد مشكلة " الكائنية/ الينبغية " وذلك لأن عملية الاستنباط التي ننتقل فيها من " ما هو كائن" إلي " ما ينبغي أن يكون " سوف تتضمن "عملية" عقلية برهانية ؛ أعني " عملية عقلية يمكن التدليل عليها" وبناءً علي هذه الوجهة من النظر كما يري المؤلف فإنه ينبغي علي المرء أن يؤدي ما يقضي به العقل ؛ أعني ما هو متضمن عقلياً في الظروف الفعلية، وأن يؤدي ما يخلص إليه العقل " بعد النظر في الظروف الفعلية" (64).

13- وفيما يخص الفقرة الثالثة عشر، فنجد المؤلف " محمد مدين يقول:" في أن هدف نظرية القيمة اكتشاف المبادئ التي تتأسس عليها أحكام القيمة" (65)، وفي هذه الفقرة يشرح الخلاف بين "هيوم" وغيره من الفلاسفة في هذا السؤال: هل نستهدف من بحثنا الاخلاقي تقديم تعريفات للتصورات الأخلاقية في حدود العقل والحكم التأملي المجرد أم نستهدف تقديم تعريفات لهذه التصورات في حدود العواطف الإنسانية والعادة والحاجة العملية؟

وهنا يؤكد المؤلف بأن هيوم يشير مراراً إلي أن الأخلاق تهتم أساساً وعلي نحو كلي بالعاطفة، وأن العقل أو الحكم لا يلعب باعتباره كذلك دوراً حيوياً في المشكلات الأخلاقية، وقد أشار "هيوم" كما يقول المؤلف لهذه المقولة عندما كان اهتمامه موجهاً لبيان " أسبقية العاطفة" ودورها المحوري في النظرية الأخلاقية، وقصور العقل ودوره غير المحوري في السلوك (66).

14- ونتقل للفقرة الرابعة عشر، فنجد المؤلف " محمد مدين يقول:" في قصور التفسيرات الذاتية لنظرية هيوم في القيمة" (67)، وفي تفسير هذه الفقرة يقول " محمد مدين": " وتعد محاولة "شارلي برود" C.D.Broad لتفسير موقف هيوم الأخلاقي مثالاً واضحاً لفهم عبارات هيوم فهما حرفيا وبدون أية محاولة من جانبه لتأويلها وتفسيرها، فقد رد " برود" موقف " هيوم" إلي صورة من صور " الذاتية الخالصة"، وإن مدعمة بتأييد اجتماعي، وبرغم هذا يعترف "برود " بأن " هيوم" قد استهدف في حقيقة الأمر أن يكون، في موقفه الأخلاقي، موضوعياً وأن يقدم " الأساس" أو "القاعدة" للخطاب الأخلاقي الصحيح، ولذلك فإن " هيوم" يسلم بأن عبارة " س خير" ينبغي أن يكون معناها أكثر من مجرد قولي " أنا أستحسن من هنا والآن" فإذا كانت عبارة " أنا استحسن س هنا والآن" تعبر عن حكم خلقي فردي، فإن عبارة " س خير " ينبغي، إذا ما كانت صادقة، أن تعني أن " معظم" الناس يستحسنون بالفعل س أو يمكنهم استحسانه (68) .

ولكن هذه النظرة إلي موقف هيوم الأخلاقي كما يري المؤلف نظرة جزئية وذات بعد واحد، ومع ذلك فقد يكون هناك بعض التبرير لموقف " برود" من " هيوم" وذلك لأن هيوم نفسه هو الذي أوحي لمفسريه بهذا الموقف، وذلك في عبارته الشهيرة والتي أخذها النقاد علي نحو حرفي ونعني العبارة التي يقول فيها هيوم بأن "الأخلاق تتأسس علي مشاعرنا وعواطفنا وتعتمد عليها "، وهي العبارة التي اعتبرها المؤلف تعبر عن الموقف النهائي لهيوم (69) .

والحق كما يقول المؤلف بأن المهمة الأساسية التي واجهت هيوم وتواجه كل فيلسوف يبحث في النظرية الأخلاقية، هي محاولة إيجاد معيار موضوعي للتقييم الأخلاقي والدفاع عن هذا المعيار . ومن ثم فإننا في فهم نظرية "هيوم" كما يقول المؤلف عند العبارة الشهيرة التي أشار إليها فسنجد كيف أنه من المعقول أن تقابل دعوة "هيوم" إلي إيجاد معيار موضوعي بقليل من الاهتمام والتحمس من جانب كثير من النقاد وأن يرتد بها هؤلاء إلي موقف ذاتي خالص كما فعل " جورج مور" و" برود" وغيرهما، وذلك لأن دعوي الموضوعية من جانب "هيوم" سوف تتعارض في جوانب كثيرة هامة مع تأكيداته الأولي في الكتاب الأول من الرسالة وهي التأكيدات التي تتعلق بدور العقل في السلوك الإنساني والعلاقة بين التمل والإدراك المباشر (70).

15- وفيما يخص الفقرة الخامسة عشر، فنجد المؤلف " محمد مدين يقول:" في التآزر بين العقل والعاطفة في حكم القيمة " (71)، وفي توضيح هذه الفقرة يقول المؤلف:" ويترتب علي تحليل " هيوم" للتقويم الخلقي نقطتان هامتان في نظر المؤلف: الأولي: الأولي: أنه كان التقييم الأخلاقي لا يتأسس فقط علي العاطفة أو الوجدان، فإن بإمكاننا أن نحسم اختلافتنا ونزعاتنا الأخلاقية . وهذا يعني كما يقول المؤلف أن بإمكاننا تطوير معايير أخلاقية موضوعية .. والثانية: أن العقل يقوم علي التقييم الأخلاقي بدور ضروري فليس العقل مجرد خادم للعواطف، وإنما هو ضروري لهذه العواطف الخلقية بنفس القدر الذي تكون فيه هذه العواطف ضرورية للفعل ذاته (72) .

16-وإذا ما انتقلنا إلي الفقرة السادسة عشر، فنجد المؤلف " محمد مدين " يقول:" في أن العقل شرط ضروري لحكم القيم الكلي والعام والمحايد " (73)، وفي توضيح هذه الفقرة يقول " محمد مدين":" .. فمن خلال العقل أو التأمل يتأسس التمييز بين العاطفة الأخلاقية ومجرد اللذة، ومن ثم وفي هذا السياق فإن العاطفة، وليس العقل، هي الخاملة والقاصرة . فالتمييزات الأخلاقية هنا يتم إدراكها بالعقل و" هيوم" لا يجري هنا كما يري المؤلف استثناء من موقفه الأصلي الذي يقرر فيه العقل أو (التأمل) وحده لا يستطيع، بحال، إدراك الرذيلة والفضيلة أو يزودنا بدافع للسلوك الخلقي . والأخرى .. والأحرى هنا كما يقول المؤلف أن نقول مع "هيوم" بأن العقل شرط ضرروي للتقييم الخلقي، فليس هناك تقييم يمكننا وصفه بأنه تقييم أخلاقي، إلا إذا كان هذا التقييم ناتجاً من وجهة نظر كلية وعامة، أعني وجهة نظر نزيهة ومحايدة، ولا يمكننا بحال تحقيق هذه الوجهة من النظر إلا من خلال الـتأمل والعقل (74) .

ومن ثم فلا علاقة للمعايير الأخلاقية أو شأن بعدد الأفراد الذين يسعدون، أو يشقون بشئ ما من الأشياء في نظر المؤلف، وإنما تتعلق هذه المعايير الأخلاقية بالأسلوب، أو بالنهج، أو بالشروط التي يتم بها إدراك سعادتنا، أو شقائنا وبؤسنا . وذلك يقول المؤلف بأن العاطفة والعقل يزوداننا معاً، حيث لا يكفي الواحد منهما فقط ؛ بشروط التقييم الأخلاقي، فلا يمكن بحال للعاطفة وحدها إن تحملنا وراء خبرتنا المباشرة، وبالرغم من أن العاطفة الجمعية كما يقول المؤلف نقلاً عن "هيوم" بأن العاطفة الجمعية أو عاطفة الأغلبية يمكنها أن تزودنا بمعيار كلي وعام، فإنها لا تستطيع، علي أي نحو من الانحاء، أن تزودنا بمعيار أخلاقي (75).

17- وعن الفقرة السابعة عشر، فنجد المؤلف " محمد مدين " يقول:"في أن النموذج البيولوجي الدينامي، وليس النموذج الميكانيكي الآلي، هو الذي يمكن تطبيقه علي طبيعة هيوم القيمية" (76)، وفي شرح وتفسير هذه الفقرة يقول المؤلف:" إن الصوبة الأساسية في محاولة إظهار قصور التفسير السابق لموقف " هيوم" لا توجد فقط في حقيقة أن " هيوم" نفسه قد دعم، وذلك في بعض المواضع في رسالته، هذا التفسير، ولكن الصعوبة هنا مردها إلي أن " هيوم" لم يكن، وذلك في بعض الأحيان، يواجه المشكلات الفلسفية التي تواجهه مباشرة، وإنما كان يواجهها علي نحو غير مباشرة، فعندما كانت مبادئ فلسفته العامة تخفق في المواجهة الناجحة للمشكلة التي يكون بصدد إيجاد حل لها، كان "هيوم" يقوم، ليس علي نحو مباشر، وإنما علي نحو غير مباشر، بتعديل هذه المبادئ العامة ومراجعتها . فقد راينا كما يقول المؤلف، علي سبيل المثال، كيف أن " هيوم" في الكتاب الثالث من رسالته، قد ناقض وبوضوح موقفه الأصلي المتعلق بالنفس الإنسانية، وهو الموقف الذي كان قد عبر عنه في الكتاب الأول، فقد تحول هيوم من النظر إلي النفس باعتبارها حزمة من الجزئيات المنفصل كل منها عن الآخر والمتميز كل منها علي الآخر علي نحو مطلق إلي النظر إلي هذه النفس باعتبارها كل أو وحدة لدينا لها دوماً انطباعاً جلياً، وقد حدث هذا التحول من جانب هيوم بدون تعقيب منه، أو محاولة إعادة بناء موقفه الأصلي (77) .

18- وفيما يخص الفقرة الثامنة عشر، فنجد المؤلف " محمد مدين " يقول:" في ضرورة العلاقة بين الوقعة والقيمة، وبين القيمة والإلزام، وبين الكائنية والينبغية" (78)، وفي تفسير هذه الفقرة يقول " محمد مدين":" ومن ثم فإن الزماتنا الأخلاقية تتعادل مع فضائلنا الخلقية وتتناسب معها، وبعبارة أخري يمكننا أن نقول إن لدي هيوم علاقة ضرورية بين القيمة والإلزام، أعني بين الخيرية والوجوب . فإن تحديد قيمنا الخلقية يعادل منهجياً، تحديد إلزاماتنا الأخلاقية، وبالمثل فإن تحديد الواقعة، أو الحكم التجريبي يعد ضرورياً وشرطاً لازماً بالنسبة إلي الإلزام الخلقي بقدر ضرروته للاستحسان الخلقي، فإن أي تغيير في الطبع والمزاج وظروف النوع الإنساني يمكن أن يؤدي بدوره إلي تغيير جذري في واجباتنا وإلزاماتنا (79).

وعلي ذلك تكون العلاقة بين الكائنية والينبغية في نظر محمد مدين علاقة حميمة كتلك العلاقة الموجودة بين العاطفة والإرادة . وبعيارة أخري كما يقول المؤلف، يمكننا أن نقول أن الينبغية الأخلاقية تتأكد ويتم تعزيزها بالعاطفة بعد أن تكون موضوعاً للنظر والتأمل، أعني أنها تتأكد ويتم تعزيزها بعاطفة الاستحسان الخلقي (80) .

19- وإذا ما انتقلنا إلي الفقرة التاسعة عشر، فنجد المؤلف " محمد مدين " يقول:" في أن دافع العدالة يوجد في العقل العملي وليس في العواطف الطبيعية" (81)، ويفسر المؤلف هذه الفقرة قائلا:" ويجيب هيوم علي هذه الفقرة بقوله كما يذكر المؤلف بأن الكثير من فضائلنا واهتماماتنا الاجتماعية مستمدة من المبادئ الطبيعية للطبيعة الإنسانية، وإن كان ذلك علي نحو غير مباشر، فالعدالة علي سبيل المثال نجد دافعها المباشر والصريح في العقل العملي وليس في العواطف الطبيعية (82) .

ثم يؤكد المؤلف فيقول:" إن تحليل هيوم لمفهوم العدالة ليس تحليلا موضوعيا بالمعني الذي يقدمه، علي سبيل المثال، جورج مور لهذا المفهوم في البرنكيبيا، فلم يكن هيوم معنياً بأن يقدم للعدالة تعريفاً واضحاً وصحيحاً، فالعدالة فيما يتصور " هيوم" تصور اجتماعي دينامي، متغير، ومتطور، ومن ثم لا يمكن، بحال أن يخضع لهذا النوع من التعريف، أو التحليل الشئ كالذي نجده في البرنكيبيا، أو في الكتاب الأول من الرسالة، وذلك لأن التغيرات في المزاج والتقلبات في الأحوال والظروف التي تحيط بالنوع البشري يمكنها أن تؤدي إلي تغير جذري فيما هو ملقي علي عاتقنا من الواجبات والإلتزامات ؛ فواجباتنا والتزاماتنا ليست ثابتة، وإنما هي متغيرة بتغير الظروف والأحوال (83).

20- وأخيراً نجد الفقرة العشرين، حيث نجد المؤلف " محمد مدين " يقول:"في أن حكمة الرسالة في التأكيد علي أن تمييزات القيمة وقائع وأن التحليل لا يستهدف اللغة الأخلاقية، وإنما وقائع الخبرة الخلقية، وأن مشكلة نظرية القيمة منهجية (84)، وفي تفسير هذه الفقرة نجد المؤلف يقول:" إنها لحقيقة واضحة كما يؤكد " هيوم"، أن ظروفنا تتغير وتتحول وتنقلب، وأنه ينبغي علينا، من ثم القيام دوماً بتقويم قيمنا ومؤسساتنا، وأن نقوم باستمرار بإعادة تقييم هذه القيم من حين إلي حين .. وأنه إذا كان ثمة معايير أخلاقية، فإنها إبداع بشري، فالبشر هم الذين يبدعونها ويخلقونها، وأنه إذا كان هناك معني للتاريخ، فإن البشر هم الذين يخلعون علي التاريخ هذا المعني .. وبرغم أن هذا يعني أن القيم ليست مطلقة، وليست نهائية، فلا يترتب عليه افتقار هذه القيم إلي الاستقلال والموضوعية، فالأخلاق مستقلة، وهذه هي النتيجة اللازمة عن التحليل المنطقي، ولكنه ليس التحليل الذي ينتهي إلي تعريفات لفظية مركبة، وإنما هو التحليل الذي ينتهي بنا إلي وقائع الخبرة الأخلاقية فالتمييزات الأخلاقية وقائع، ومن ثم فإن التعرف علي هذه الوقائع والقيام بعملية تحليل لما هو ما يميز نظرية القيمة والنظرية الأخلاقية عن غيرها من الدراسات من بعض مظاهر الفاعلية الإنسانية موضوعاً لها ؛ بالإضافة إلي أن المشكلة الأساسية التي تواجه نظرية القيمة ليست هي المشكلة الخاصة بالعلاقة بين القيم النهائية والقيم النسبية، وإنما هي بالأحري مشكلة منهجية، فهي مشكلة تتعلق بتحديد المنهج الذي يمكنه أن يزودنا، بنجاح بنتائج موضوعية (85).

الخاتمة:

في هذه الخاتمة أود أن أتساءل: هل نجح المؤلف " محمد مدين" في تحقيق هذا الهدف الذي نذر كتابه له؟

وهنا يمكن القول بأن "محمد مدين" كشف لنا من خلال هذا الكتاب الذي قمنا بتحليله أنه يعد بحق واحداً من المفكرين المصرين الذين نجحوا في تطبيق المنهج التحليلي علي الأخلاق، ففي هذا الكتاب الذي بين أيدينا حاول " محمد مدين" إعــادة النظــر فــي الدور الذي يقوم به العقل في نظرية القيمة والأخلاق عند هيـوم.

كذلك وجدنا خلال مسيرتنا في هذا الكتاب الذي بين أيدينا وجود تطـابق بـين وجهـة نظر "محمد مدين" وما ذهـب إليه رسل فـي 1946 بأن " هيوم" كان يعتبر نفسه، فى المقام الأول، "فيلسوف أخلاق" وكـان تقديره لنفسـه كفيلسوف أخــلاق يفــوق تقديره لنفسه باعتباره "فيلسوف نظري". ويعترف "هيوم" بأن كتاب "بحث فى مبادئ الأخلاق" هو أفضل أعماله على الإطلاق؛ إلا أن رسل يأسف، على حد تعبير مدين، على أنه ليس هناك من الفلاسفة المحدثين من يشاطره هذا الرأي، ولكنه يرى أن هيـوم نفسه يتحمل جانباً من المسئولية، وليس ذلك لعيب في كتاباته الأخلاقيـة أو قصور فيها كما يذكر تلميذنا المبدع " د. السيد عبد الفتاح جاب الله"، وإنما لأن هيوم لم يفصح في هـذا الكتاب صراحة عـن "ماهية" التحليل الذى أدى به إلى الإدراك السـديد للمشكلات التي لم يكن أحد من الفلاسفة السابقين عليه واعياً بها (86).

وفي النهاية لا أملك إلا أن أقول بأن كتاب " فلسفة هيوم الأخلاقية"، كشف لي بأنني إزاء نموذج نادر يصعب أن يتكرر، لمثقف واسع الثقافة، وكذلك لمفكر حر نزيه لا يقيم وزناً ولا يحسب حساباً إلا للحقيقة العلمية وحدها، وفوق ذلك وأهم من ذلك بالنسبة لنا، أنه كان يقدم مادته العلمية فى أسلوب بالغ الجاذبية والتشويق تجعلها أشبه ما تكون بالعمل الفني الممتع دون أن تفقد مع ذلك شيئا من دقتها الأكاديمية، ولهذا لم يكن الدكتور ماهر عبد المحسن حين قال بأنه:" يظل "محمد مدين" صاحب كاريزما ذات مسحة إنجليزية خاصة، في الحياة وفي التأليف، وروح مصرية متفجرة بالعواطف الإنسانية الجياشة.. فمن أراد أن يقرأ مدين فعليه بالكتابين الأول والثاني – إذا استخدمنا مصطلحات الدراسة – المعنيين بعلم الأخلاق، وليس الكتاب الأول المعني بالتعريف النظري العقلي الصارم. فالدخول إلى عالم مدين يكون من خلال التركيب أكثر من التفكيك، أي من خلال وضع نصوصه تحت أكثر من ضوء من أجل الخروج من البنية المفاهيمية المغلقة التي تبدو – للوهلة الأولى – مهيمنة على النص ومانعة من الخروج منها .

فتحية خالصة لأستاذي "محمد مدين" الذي كان وما يزال رمزاً من رموز المعرفة الموسوعية الفريدة، وواحداً من أصحاب الرؤية الفكرية والثقافية الشاملة.. بارك الله فى "محمد مدين"، وأفاد تلاميذه وقراءه بعلمه ووطنيته، بفكره وموضوعيته، بنقائه وطبيعته.

 

أ.د محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – بجامعة أسيوط.

................

62- محمد محمد مدين المصدر نفسه، ص 111.

63- المصدر نفسه، ص 112.

64- المصدر نفسه، ص 113

65- المصدر نفسه، ص 123.

66- المصدر نفسه، ص 124.

67- المصدر نفسه، ص 133

68- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

69- المصدر نفسه، ص 135.

70- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

71- المصدر نفسه، ص 145

72- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

73- المصدر نفسه، ص 151.

74- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

75- المصدر نفسه، ص 152.

76- المصدر نفسه، ص 161،

77- المصدر نفسه، ص 162.

78- المصدر نفسه، ص 173

79- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

80- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

81- المصدر نفسه، ص 179.

82- المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

83- المصدر نفسه، ص 182

84- المصدر نفسه، ص 187.

85- أنظر السيد عبد الفتاح جاب الله: المرجع نفسه، ص 762-783

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم