صحيفة المثقف

علجية عيش: هل أخطأ ابن خلدون في مقدمته الشهيرة؟ وهل رواياته باطلة؟

علجية عيشنقاد يطعنون في جهوده ويلصقون به اتهامات غير مقبولة

يبقى البحث عن النسخة الأصلية لمقدته ومكان وجودها

كثيرة هي الإنتقادات التي وجهت للمؤرخ عبد الرحمان ابن خلدون في مقدمته الشهيرة ذكرها أحد النقاد وهو الدكتور خالد كبير علال من جامعة الجزائر في كتاب له بعنوان: "أخطاء ابن خلدون في كتابه المقدمة" صدر عن دار الإمام مالك، معتمدا في ذلك على آراء مجموعة من النقاد الذين هاجموا ابن خلدون وقالوا ان ابن خلدون قد أخطأ في كتابته للتاريخ وآخرون قالوا أنه لم يكن مطلعا على الأخبار ربو الأحداث التاريخية، فنقدهم لإبن خلدون كان من أجل النقد أو الطعن إن صح القول في مسيرته، كما أن المطلع على أفكار ابن خلدون ونقله للأحداث التاريخية يقف على أن المقدمة الموجودة في سوق الكتب ليست هي النسخة الأصلية، بل هناك من أعاد طبعها وقام بشرحها او بتعديلها، والحقيقة أن مقدمة ابن خلدون تحتاج إلى قراءة متأنية وتحليل للوقوف على جوانبها الخفية ولماذا تعرضت للنقد، وهذا يتطلب البحث على النسخة الأصلية ومكان وجودها؟

هذا ما وقفنا عليه من خلال كتاب الدكتور خالد كبير علال من جامعة الجزائر والذي حمل عنوان: "أخطاء المؤرخ ابن خلدون في كتابه المقدمة" صدرت طبعته الأولى في 2005 عن دار الإمام مالك، الكتاب عبارة عن صراع أفكار بين أهل العلم من الحفاظ والمؤرخين والمتكلمين والنقاد، تمثلت في انتقادات ناقلي الأخبار التاريخية ومعارضيهم، وقد ركز صاجب المتاب على أخطاء ابن خلدون عندما قدم نماذج من الأخطاء في المقدمة وأكد قائلا: نحن نركز على أخطائه ومجازفاته دون صوابه وروائعه، لأننا خصصنا كتابنا هذا لأخطائه، لقد نقل صاحب الكتاب في الفصل الأول الذي تناول فيه أخطاء ابن خلدون في منهج النقد التاريخي ما تداوله النقاد من أفكار ابن خلدون وهذا يعيد القارئ إلى أول نقطة تطرق إليها في كتابه، عندما قارن ابن خلدون بين الخبر الشرعي والخبر البشري، وقال الكاتب أن مقارنة ابن خلدون غير صحيحة من حيث الأصل لأن الفوارق الموجودة بينهما هي فوارق جزئية، ويبقى علينا هنا ان نتساءل إن كان الخبر الشرعي هو ما جاء من أحاديث الرسول؟ أو القرآن؟ أم الإثنان معا؟، أم أنه ينحصر في باقي الكتب السماوية (الإنجيل، التوراة والزبور) أي العقائد؟، خاصة وأن هذه الأخيرة تعرضت هي الأخرى للنقد والتحريف.

الملاحظ أن مقدمة ابن خلدون تناولها كثير من الباحثين كلٌّ من زاويته الخاصة وهذا يدعوا إلى البحث عن النسخة الأصلية، في ظل غياب المصادر القديمة التي هي منعدمة في المكتبات العربية، يقول الدكتور خالد كبير علال أن ابن خلدون نقد طائفة من الروايات طبق عليها منهجه النقدي الذي عرضه في مقدمته، وإن وفق في ذلك إلا أن نقاد آخرين سبقوه إليها لم يشر هو إليهم (على حد قول صاحب الكتاب) وهذا يُعَدُّ إشارة إلى أن ابن خلدون نسب إليه روايات مؤرخين آخرين، وهذا يستلزم البحث والتدقيق للوقوف على الحقيقة، كما قال أن ابن خلدون بالغ كثيرا في الدعوة إلى الإعتماد على قانون المطابقة بين الروايات التاريخية والثابت من التاريخ والواقع الطبيعي فدعا إلى استخدامه كقانون طبيعي وأهمل الإسناد في النقد التاريخي، ويضيف بالقول أن ابن خلدون غاب عنه أن قانون المطابقة محدود ولا يصلح لتحقيق كثير من الأخبار التاريخية، فليس كل رواية ممكنة الحدوث بالضرورة أنها حدثت في الواقع، فقد تكون مكذوبة ومزوّرة، كما يرى أن كل روايات ابن خلدون مبالغ فيها وبالتالي فإن قانونه لا يوصل إلى التمييز بين الحق والباطل، وزعمه هذا فيه قدح بعلماء الحديث المحققين وإغفال لجهودهم الكبيرة.

كانت هذه أمثلة للعلماء النقاد الذين أدرجوا روايات حديثة وتاريخية في ممارستهم للنقد التاريخي، إسنادا ومتنا للرد على ابن خلدون في زعمه من أن المحدثين والمؤرخين المسلمين أهملوا النقد التاريخي واهتموا بنقد أسانيد الأحاديث على حساب متونها، ولنأخذ على سبيل المثال قصة الخليفة العباس المعتضد الذي طلب من بوران بنت الحسن بن سهل أن تسلم له دار الخلافة التي ورثتها عن أبيها فتنازلت له عنها وسلمتها له، لكن الخطيب البغدادي أنكر الخبر وقال أنه غير صحيح لأن بوران لم تعش إلى وقت الخليفة المعتضد، كون هذا الأخير تولى الخلافة سنة 279 هجرية وبوران توفيت سنة 271 هـ، ومحتمل أن تكون قد سلمتها للخليفة المعتمد وليس الخليفة المعتضد، فمعظم الروايات وصلت دون نقد او تمحيص لها، فما يرويه ابن كثير أن ما يرويه الناس من خرافات تحتاج إلى دراسات انتروبولوجية، خاصة وأن هذه الخرافات لا علاقة لها بمقدمة ابن خلدون، لأن مثل هذه الخرافات تأباها العقول.

2635 اخطاء ابن خلدون

رؤية ابن خلدون للسُنّة النبوية

الغريب أن خصوم ابن خلدون انتقدوا حتى مؤيديه ومن بينهم الباحث فاروق النبهان كما جاء في الصفحة 12، ويتضح أن الدكتور خالد كبير علال لا ينتقد ابن خلدون وحده بل حتى مؤيديه، وهذا يوحي بأن جميعهم (في نظره هو) أخطأوا في نقل الروايات التاريخية، وأن خصوم ابن خلدون أنبياء معصومون من الخطأ، خاصة في المسائل التي تتعلق بالسنة النبوية، حيث يرى ابن خلدون أنها تكليف إنشائي وليست أخبارا عن واقعة تاريخية، وهذه الرؤية الخلدونية في نظر هؤلاء النقاد غير صحيحة لأن الإنشاء هو نفسه خبر وحادثة تاريخية، في حين يرى البعض أن الحادثة التاريخية ليست إنشاء، لأنها تقع دائما بين طرفين متنازعيين، أما الإنشاء فهي أحيانا تكون في شكل أوامر وتوصيات كما نراه في أحاديث الرسول، وفي الصفحة 16 ينقل الكاتب ما دار بين المؤرخين من نقد وطعن في ما نقلوه من روايات، على غرار نقد ابن تيمية للمسعودي بأن تاريخه فيه أكاذيب كثيرة لا يحصيها إلا الله تعالى، كما ينتقد الكاتب الإمام الطبري عندما قال أن تاريخه مليئ بالأكاذيب والروايات الباطلة، لأنه رواها كما وصلته من "الكذابين" ولنتأمل هذه العبارة، من هم الكذابون الذين يتحدث عنهم صاحب الكتاب الذي قال عنهم بأنهم نالوا الإمامة المعتبرة في رواية التاريخ الإسلامي وتدوينه عن طريق الأكاذيب.

لا شك أنه يتكلم عن الشيعة بمختلف فرقها، الملاحظ أن الدكتور خالد كبير علال تراجع عن موقفه عندما استثني الطبري بأن يكون ضمن جماعة الكذابين بعدما قال أن تاريخه مليئ بالأكاذيب، لينتقل إلى نقد الشافعي والذهبي لروايات الواقدي حيث قال الإثنان عن الواقدي بأنه لا يعي ما يقول، وهذا يدعو إلى التشكيك في الحالة الصحية التي كان عليها الواقدي في تلك الفترة، الحقيقة أن الدكتور خالد كبير علال أراد أن يفتح النار على الشيعة ورُوّاتهم وعلمائهم تحت غطاء مقدمة ابن خلدون الشهيرة، حيث انتقدهم دون أن يستثني المعتدلين والوسطيين منهم، وكأنه يريد أن ينعت ابن خلدون بأنه شيعي او مُوَالٍ للشيعة قبل ان ينحرف عن العلويين كما جاء على لسان الدكتور خالد كبير علال، الذي كما يبدوا وقف إلى جانب المؤرخين من أهل السنة، حيث أراد أن يؤكد للقارئ أن في المؤرخين المتأخرين طائفة من كبار المحققين كانوا قمة في الذكاء والإجتهاد والتحرر والتحقيق والنقد والجرأة في الحق والزهد في الدنيا وعلى رأسهم ابن قيم الجوزية وابن تيمية والذهبي وابن كثير وهؤلاء كلهم ماتوا قبل ان يكتب ابن خلدون مقدمته وكانت لهم تحقيقات سبقوا بها ابن خلدون في مجال نقد الأخبار.

الملاحظ كذلك أن هناك أخبار لا تهم القارئ ولا حتى الباحث، لأنها لا تخدم البحث العلمي، فمثلا نجده في الصفحة 20 يتحدث عن المؤرخ ابن حزم الأندلسي (دون أن يذكر بأنه ظاهِرِيُّ المذهب)، عندما انتقد اليهود في رواياتهم للخرافات والأساطير وقالوا أن لحية فرعون يبلغ طولها 700 ذراع وأن طائرا باض وهو في السماء فوقعت البيضة على 13 مدينة فهدمتها كلها، فمثل هذه الروايات نقلت سياسة اليهود في تأليف الخرافات من أجل تضليل المسلمين، وهذه أخبار لا معنى لها ولا فائدة، ويبدو أن صاحب الكتاب لم يكن منصفا لإبن خلدون، فبينما نجده في الكتاب يتحدث عمن انتقدوا ابن الجوزي مقدما تبريرات من باب الدفاع عنه، مثلما نقرأ في الصفحة 21 عندما ذكر في الفقرة ما قبل الأخيرة عما قاله النقاد ومنهم ابن حجر العسقلاني بأن ابن الجوزي أخطأ فيما رواه عن مقتل المتكلم ثمامة بن الأشرس المعتزل، لكن صاحب الكتاب أراد أن يبعد هذه الشبهة على ابن الجوزي، وقال أن الخطأ الذي وقع فيه ابن الجوزي كان من باب السهو والغفلة والنسيان، وأن ابن الجوزي كان يتمتع بنزعة نقدية تمحيصية مثلما قال في ابن تيمية (في الصفحة 26) أن بعض ما قاله ابن تيمية صدر عنه غفلة وسهوا ونسيانا، لكن هذا الكلام لم يقله في ابن خلدون.

نفس الكلام قاله الدكتور خالد كبير علال عن المؤرخ الحافظ ابن كثير الذي قال أن قصة مقتل الحسين كذب، وأخبار مقتله باطلة لأن الشيعة الرافضة هم الذين وضعوها ولا يصح منها شيئ، كذلك الشان بالنسبة لقصة نهر النيل وكيف نبع ماءه من مكان مرتفع، في بعض الصفحات يعرض الدكتور خالد كبيرعلال روايات تؤرخ للصراع الذي دار بين الحكام قبل سقوط الخلافة الإسلامية مع تقديم أمثلة تطبيقية لنقد الأسانيد والمتون وقال أن الإهتمام بهما في غاية الأهمية، خاصة وأن طائفة من الحفاظ والنقاد والمؤرخين قد مارست النقد والتحقيق وطبقته على الروايات الحديثية والتاريخية، وقد قدم الكاتب في ذلك أزيد من 11 شهادة (من الصفحة 31 إلى الصفحة 61) عن روايات نقدها المؤرخون ومنهم الخطيب البغدادي، وكل رواية لها شهود، بعضها يتعلق بأهل البيت كالحديث عن قبور مكذوبة زوّرها الناس بدمشق، كقبر زوجة الرسول أم سلمة بنت أبي أمية، وقبر الصحابي أبي بن كعب وهي قبور غير موجودة في دمشق لأنهم لم يقدموا إليها، كذلك قبر الحسين بن علي بن ابي طالب والذي قيل أنه وجد بالقاهرة، وهذا عند ابن تيمية كذب وبهتان لأن الحسين قتل بكربلاء.

الملاحظ أن صاحب الكتاب لم يوضح جيدا موقف ابن كثير من موقف ابن تيمية في قضية مقتل الحسين وإن كانت السماء قد أمطرت حقا دمًا، لأن ابن كثير قال أن قصة مقتل الحسين كذب، في الوقت الذي أكد ابن تيمية أن مقتله كان بكربلاء، وهذا مايؤكد على وجود تناقض في روايات ابن كثير وابن تيمية، فلماذا إذن ينتقد الكاتب هنا ابن خلدون دون سواه؟ كذلك بالنسبة لغزوة السلسلة وهذه الأخيرة (السلسلة) الكلام فيها له شأن آخر، ثم قصة الإسراء والمعراج، وغيرها من الشهادات وعددها 11 شهادة، طبعا لا يسع المجال لذكرها في هذه الورقة كون كل شهادة تضم عدة روايات، وكل رواية لها شهود رواها مؤرخون ولم يذكر الكاتب أن ابن خلدون تطرق إليها ماعدا الثمان روايات التي تكلم عنها في الفصل الثاني.

ثمان روايات نقدها ابن خلدون

أما في الفصل الثاني ينتقد الدكتور أحمد كبير علال ثماني روايات نقدها ابن خلدون، كالحديث عن عدد جيش إسرائيل في زمن التيه وعدد أجيال جد بني إسرائيل يعقوب وموسى عليهما السلام الذي تحدث عنها المسعودي، إلا أنه في هذا الفصل يقف إلى جانب ابن خلدون حيث قال أن نقده صحيحا وفي محله وغاية في القوة، احتكم فيه إلى الإحصاء وعلم الأنسان ابن خلدون مطلع على هذا العلم)، وقال نقاد آخرون أن ابن خلدون له ذهن وقّاد وجاء بمحكمة منطقية وهذا بفضل اطلاعه الواسع فكان استخدامه للعامل الديمغرافي إلمامة وضّاءة في تاريخ الفكر الإنساني، من بين الروايات التي تحدث عنها ابن خلدون وانتقدها قصة مدينة إرم ذات العماد، وقال انها غير موجودة وأكد ذلك ابن كثير حينما قال أنها من خرافات الإسرائيليين، وقد اسهب الكاتب في تحليل قصة المدينة التي ورد ذكرها في سورة الفجر وخص لها خمس صفحات كاملة (من ص 66 إلى ص 70)، والشيئ نفسه بالنسبة لقصة بناء مدينة الإسكندرية ومدينة النحاس بصحراء سجلماسة حيث انتقد ابن خلدون المؤرخ المسعودي، واعتبرها ابن خلدون من خرافات القُصَّاصِ وغيرها من الروايات.

في الفصل الثالث قدم الدكتور أحمد كبير علال نماذج من الأخطاءالتي وردت في مقدمة ابن خلدون، ففي الأحاديث النبوية قال أن ابن خلدون لم يميز بين الأحاديث الصحيحة والأحاديث الضعيفة وقد اعتمد الكاتب على الأحاديث التي صححها الألباني دون تدقيق ولا تمحيص، وهذه مسألة تحتاج إلى إعادة نظر إذا قلنا أن عامة الناس وحتى بعض الفقهاء يعتبرون محمد ناصر الدين الألباني مصحح الأحاديث النبوية، بما فيها أحاديث الإمام مسلم وأبي هريرة والترمذي والبخاري، وهم من الأئمة الرواة المشهود لهم بالصدق والأمانة وأحاديثهم صحيحة، فكيف للألباني أن يُصَحِّحَهَا؟، بعدما أصبح العوام مقلدين متمذهبين لإمام من هؤلاء الأئمة الأربعة، وهذا لذهاب الإجتهاد وتشعب العلوم، هذا الكلام من وجهة نظر أحمد كبير علال خطأ وفيه مغالطات ومجازفات، أما أن يكون التمذهب قد اقتصر- كما يرى ابن خلدون- على طائفة معينة تمثلت في أهل العلم والسياسيين وليس عامة الناس، بسبب التعصب للأئمة وتشجيع الخلفاء والملوك المستبدين على التقليد كوسيلة لتجهيل المجتمعات شيئ فيه مغالطات ايضا، يبقى القول أن ابن خلدون كما جاء في الكتاب كان فعلا مخطئا ولا نقول سلبيا كما جاء في الكتاب في موقفه من العرب وسقوط الدول .

مقدمة ابن خلدون بين نقد أحمد كبير علال وشرح الإسكندراني

للتحقيق عدنا إلى نسخة من مقدمة ابن خلدون ضبطها وشرحها وقدمها الدكتور محمد الإسكندراني في كتابه بعنوان: "مقدمة ابن خلدون" صدرت طبعته في 2008 عن دار الكتاب العربي بيروت لبنان وفي فصله السادس والعشرون صفحة 148 "في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان اسرع إليها بالخراب" وقال شارح المقدمة أن السبب في ذلك أنهم أمة وحشية، اي متوحشة ويقصد في ذلك العرب وليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد، إنما همّهم ما يأخذونه من أموال الناس نهبا أو غرامة...الخ صفحة 149، وهم أكثر بداوة من سائر الأمم وأبعدهم عن سياسة الملك (صفحة 150)، ودون الدخول في التفاصيل، حسب الكاتب أحمد كبير علال فابن خلدون كانت أحكامه قاسية وغريبة في حق العرب لأنه أطلق على اسم العرب على العرب كلهم بدوا وحضرا معا، بحكم أن مصطلح العرب يشملهم جميعا، وأنهم لا يصلحون للملك بسبب توحشهم، مثلما جاء في الصفحات ( 91، 92، 93 و94 ) وقد قاد هذا المصطلح الناس إلى التيه لاسيما قضية التعمير وسقوط الدول.

و من باب الإنصاف قد لا يقف القارئ مع موقف ابن خلدون، عندما وصف العرب بالتوحش، خلصة وأنه عربي فكيف له أن يطعن في العرب، فكثير من الشعوب قادت حروبا استعملت فيها القوة والسلاح للتغلب على العدو، وبالتالي لا يحق وصفها بالتوحش إلا أنه وجب الإشارة هنا إلى أن فكرة الحرب تختلف عن الغزو أو الأعمال الوحشية حتى لا نقول الإرهابية مثل الأعمال التي قامت بها قبائل بنو هلال وبنو سليم والتي شملت تخريب كثير من مظاهر العمران في المغرب الإسلامي ، كما أن هذه الأعمال التخريبية لا تخص بنوهلال أو بنوسليم وحدهم بل هي موجودة في كل بدو العالم وقد قدم الكاتب أمثلة لقبائل بدوية متوحشة كقبائل المغول وقبائل الغجر، إلا أن الدكتور كبير علال في الجانب الآخر لم يتطرق في كتابة إلى موقف ابن خلدون من العصبية التي شرحها الدكتور الإسكندراني، الذي يمكن أن نقول أنه شرح مقدمة ابن خلدون من الزاوية التي يراها هو صائبة، ولا ندري إن كان هذا الكلام هو كلام ابن خلدون أم شارح المقدمة (الإسكندراني) أضافه من عنده ونسبه إلى ابن خلدون، كما لا يدري القارئ إن كان الإسكندراني قد أصاب في شرحه أو أخطأ أيضا، لأننا لم نلحظ في شرحه أيّ رواية من الروايات التي تطرق إليها المؤرخون والنقاد والمتكلمون والحفاظ كالجوزي وابن تيمية والخطيب وابن كثير وغيرهم، كما لا ندري إن كان الدكتور أحمد كبير علال قد اطلع على شارحي مقدمة ابن خلدون كما اطلع على ما تقدم به النقاد أم لا؟ .

أما ما جاء في الأحاديث فابن خلدون تحدث عن علوم الحديث وقال عنها أنها كثيرة ومتنوعة لأن منها ما ينظر إليه في ناسخه ومنسوخه، كما تحدث عن وجوب معرفة الناسخ والمنسوخ الذي يعتبر من أهم علوم الحديث واصعبها، خاصة وأن من علوم الأحاديث النظر في الأسانيد، ومعرفة الراوي للراوي الذي نقل عنه الرواية، فقد كان النبي يميز الناسخ من المنسوخ وعرفه اصحابه فعرفوه، واسباب النزول ومقاصد الآي (الايات)، وبالعودة إلى تصحيح الألبانس للأحاديث نعيد طرح السؤال كيف يصحح الألباني أحاديث الأئمة الأربعة وهي أحاديث صحيحة، إذا قلنا وكما جاء في المقدمة أن إسناد الحديث يقع من طرق متعددة عن رواة مختلفين وقد يقع الحديث في ابواب مختلفة باختلاف المعاني التي اشتمل عليها، خاصة وأن ألأئممة المجتهدين تفاتوا في الإكثار من هذه الصناعة، فليس كل ما ينقل هو حديث الرسول (عن رسول الله) فأبو حنيفة يقال أن روايته بلغت 17 حديثا، ومالك في كتاب الموطأ بلغت 300 حديثا، وابن حنبل في مسنده 50 ألف حديثا (ص 411 من شرح الإسكندراني للمقدمة).

السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا هو: إن كان الدين يؤخذ عن أصوله الصحيحة، من الكتاب والسنة، فكيف يمكن للجمهور أن يثق في كل الأحاديث الصادرة والتي تناقلها الأئمة والرواة، أو يصدقونها ويعملون بها وفيها الصحيح وفيها الضعيف، وقد نقول فيها المُزَيَّفُ أيضا؟، ثم وجب أن نفرق بين القرّاء وبين الروّاة وهو ما لم يتطرق إليه الدكتور خالد كبير علال في كتابه، فابن خلدون كان حياديا في حديثه في علوم الحديث والفقه ولم يقف في صف جماعة أو طائفة دون أخرى عندما قال: فكتب الشيعة في بلادهم وحيث كانت دولتهم قائمة في المغرب والمشرق واليمن ولكل منهم كتب وتآليف وآراء في الفقه غريبة، وكما يقال: "لا يمكن نقل علم من الكتب من غير مفتاح المعلمين"، وقد فعل ذلك ابن حزم فصار إلى مذهب أهل الظاهر.

ابن خلدون والعلويون

نلاحظ أن الدكتور أحمد كبير علال أهمل جانبا مهما من نقده لمقدمة اين خلدون، فقد تحدث ابن خلدون عن مذاهب الشيعة في حكم "الإمامة"، واختلافهم في مساق الخلافة بعد موت عليّ، فمنهم من ساقها في ابنيه السبطين أي ولدي فاطمة، خاصة ما تعلق بالنصوص الجلية كقول النبي: "من كنت مولاه فعلي مولاه" وهو حديث أخرجه الترمذي في كتاب المناقب، أي أنه حديث صحيح ولا غبار عليه، كما لم يتطرق الدكتور أحمد كبير علال في نقده للمقدمة إلى موقف الشيعة من المهدي المنتظر خاصة الإثنا عشرية منهم وهم من غلاة الإمامية ولقبوا بعد ذلك بالواقفية، كما جاء في (الصفحة 192و 193) من شرح الإسكندراني للمقدمة، ما وقفنا عليه هو أن ابن خلدون تحدث عن الفرق الشيعية واختيار كل فرقة من يكون إمامها، بدءًا من الإثنا عشرية (الإمامية) التي ترى أن الإمام الثاني عشر هو محمد بن الحسن العسكري ويلقبونه بالمهدي.

كما تحدث عن الكيسانية التي حوّل أتباعها الإمامة من محمد بن الحنفية إلى ابنه ابي هاشم، ومنه سموا بالهاشمية قبل ان يفترقوا فمنهم من ساقها إلى أخيه علي بن ابي طالب ثم إلى ابنه الحسن، ثم تحدث عن الزيدية التي قالت بإمامة علي ثم ابنه الحسن ثم أخوه الحسين ثم ابنه زبد بن علي، كما ذكر ابن خلدون الإسماعيليين المعروف عنهم بالفاطميين، وقالوا بإمامة اسماعيل الإمام بالنص من ابيه جعفر، لكن الدكتور علال لم يذكر اسماء الفرق الشيعية عدا الإسماعيلية التي اتهمها بالكذب والضلالة، كما لا نجد في المقدمة دفاع ابن خلدون عنهم حتى لو كانوا على ضلالة كما قال هو (اي الد/ علال)، فابن خلدجون ةكما جاء في المقدمة دافع عن الحسين بن عي لما خرج إلى الكوفة لقتال يزيد.  من حهة أخرى يقول خالج كبير علال أن الرواية التي جاء بها ابن خلدون حول جعفر الصادق باطلة ويؤكد أن جعفر الصادق كان سنيا ومن علماء اهل السنة الثقات المشهورين ولم يكن رافضيا اسماعيليا ولا اثنا عشريا .

أما فيما يتعلق بعلم التصوف لم يذكر الإسكندراني في شرحه لمقدمة ابن خلدون بأن المتصوفة قوم بهاليل ومعتوهون وهم أشبه بالمجانين من العقلاء فمن اين جاء الدكتور خالد كبير علال بهذا الوصف في الصفحة 134 من كتابه؟ فالمتأخرين من المتصوفة المتكلمين توغلوا في البحث في الحقائق فذهب بعضهم إلى الحلول والوحدة كما وجدوه عند الهروي وابن العربي وابن سبعين وتلميذهما ابن العفيف وغيرهم وكان سلفهم مخالطين للإسماعيلية المتأخرين حتى ظهر في كلام المتصوفة القول بالقطب الذي لا يمكن لأحد أن يساويه في العلم والمعرفة، ما يمكن قوله هو أن صاحب الكتاب استعمل منهجا خاصا هو "نقد النقد"، حيث نقل نقد طائفة لطائفة من العلماء والمحدثين تختلف مذاهبهم وبالخصوص ابن حزم الذي يتبع المذهب الظاهري الذي تتجنبه غالبية المسلمين، تبقى بعض المسائل ليس لنا الحق الخوض فيها لأنها من اختصاص أهل العلم كالحديث عن علم الجرح والتعديل وما إلى ذلك.

 

قراءة وتعقيب علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم