صحيفة المثقف

سُوف عبيد: هذا شاعر قيروانيّ آخر

سوف عبيدما اِنفكّت القيروان تجود بالشّعراء على توالي العصور وتتالي العهود من بينهم الشاعر عبد الرحمان الكبلوطي الذي ظهرت بواكير قصائده منذ منتصف سنوات ستينيات القرن العشرين لكنه لم يحظ بالمتابعة الكافية ولعل هذا يعود أولا إلى غياب الاِهتمام بمختلف الأقلام وتركيز الأضواء على عدد قليل منها من دون تقييم موضوعي ولدواع ذاتية وسياسية ومصلحية ويعود ثانيا إلى أن الشاعر عبد الرحمان الكبلوطي زاهد في التعريف بنفسه وبشعره ولا يتسوّل المنابر الإعلامية واللقاءات الثقافية وغيرها فالشعر لديه بوح ذاتي ومعاناة حميمية وقد أصدر أخيرا وبعد سنوات من الاِنتظار ديونا جديدا بعنوان ـ الشعر في زمن الأنترنات ـ جمع فيه شتات قصائده المتنوعة المضامين

يجدر بنا أن نعرّف بالشاعر فهو أصيل القيروان حيث ولد بها سنة 1944 ودرس بها الاِبتدائي والثانوي ثم بمدينتي حمام الأنف وسوسة وقد تخرّج من دار المعلمين العليا أستاذا في اللغة العربية وآدابها وباشر إثر ذلك التدريس في المعاهد وقد تحصّل على شهادة التبريز واِلتحق بسلك التفقّد ثمّ تولّى مسؤولية المندوب الثقافي في ولاية بنعروس التي شهدت في عهده إنشاء عديد المكتبات العمومية ودور الثقافة

* للشاعر عبد الرحمان الكبلوطي الدواوين التالية

ـ خرساء يا حبيبتي سنة 1975

ـ طريق المجد سنة1986

ـ تونس الجميلة ـ 1996

**ومن منشوراته في التحقيق

ـ ديوان محمد الفائز القيرواني

ديوان محمد الشاذلي عطاء الله

ـ ديوان الإلاهيات والنبويات لمحمد الشاذلي عطاء الله

ـ ديوان الهادي علي ـ باقة ورد شذية من الأشعار الغنائية

*** في الدراسات الأدبية عن

ـ اِبن المقفع ـ المعرّي ـ اِبن خلدون ـ توفيق الحكيم ـ محمود المسعدي ـ نجيب محفوظ ـ محمود تيمور ـ على الدوعاجي...

ـ من فنون الإضحاك في الأدب العربي

ـ تراجم المبدعين في ولاية بنعروس التونسية

****وله في انتظار الطبع

ـ أغنيات من زمن الشباب وهي أربعون قصيدة معرّبة من الشعر الفرنسي

ـ شعراء القيروان على مرّ الزمان

في فاتحة ديوان ـ الشعر في زمن الأنترنات ـ يرى صاحبه ان الشاعر مهما حلّق في عالم الخيال أو اللامعقول فإنه يظل اِبن بيئته وشاهدا على عصره ونحن عندما نقرأ قصائد عبد الرجمان الكبلوطي يتأكد لدينا هذا الموقف فقد جاءت قصائده معبّرة عن البيئة التونسية في مختلف مظاهرها ووقائعها اليومية والسياسية فأنت عندما تقرأ قصيدته عن الهاتف الجوّال أو ـ البُرتابل ـ كما عنونها وهو الاسم المتداول في تونس فإنك تعيش مع التونسي وهو يستعمل هذه الآلة العجيبة التي غيّرت من حياته في أدق تفاصيلها إذ يقول فيها :

في كل يوم مشهد في مشهدِ

متطوّرِ

تلقاه في جوّ طريف مزهرِ

في السوق في النهج الكبير

في الزقاق الأصغر

في الرتل في حافلة الركوب

وفي الإدارة في مفاه طيبات المظهر

كلّ بأذنه آلة

من صنع هذي الأعصر

رنّات هذا الهاتف الجوّال

موسيقى وألحان عذابُ المصدر...

ومن قصائده التي تعبّر عن الواقع الراهن الذي نعيشه وقد ألمّت بنا جائحة ـ الكورونا ـ هذه القصيدة وقد صوّر فيها معاناتنا اليومية ونحن نصارع هذا الوباء من أجل الحياة ويشهّر فيها بالاِحتكار وفقدان المواد الغذائية ويضمنّها كذلك النصائح الطبية للوقاية من خطر اِنتشار الوباء فكان الشاعر حقا ذا دور اِجتماعي باِمتياز

جرثومة ملعونة * منها وباء الكورونهْ

كالثور هاج علينا * ومدّ فينا قرونهْ

واجتاح كلّ بلاد * يرى الأنامُ فنونهْ

داء سرى في جنون * فما أشدّ جنونهْ....إلخ

وعبد الرحمان الكبلوطي سجّل بعض الأحداث السياسية المؤلمة مثل اِغتيال محمد البراهمي والفلسطيني محمد الدرّة

وشكري بالعيد الذي ورد في قصيده هذه الأبيات

هو شعلىة وقّادة في موطني * لهبا يشبّ لظاه بالتأكيد

قاد النضال محاميا في شعبه * يهفو لرفع الظلم بالتنديد

وسلاحه سيف اللسان فصيحهُ * نسرا يطير بشهمنا الصنديد

قتلوه ظنا أن شعلته خبت * وكذلك ظنوا القتل للتهديد...إلخ

فهذا الديوان جامع لأغراض متنوعة تشمل المواقف الوطنية والعربية والإنسانية من ناحية وتفسح مجالات حميمية للوجدان في قصائد أخرى وتسجل بعض تفاصيل الحياة اليومية أيضا فالشاعر عبد الرحمان الكبلوطي ترجمان عصره ولسان حال مثقّف ملتزم في قصائده جميعا

هذه تحية مودّة لصديق عرفته على مدى سنوات طويلة وكانت له مساهمات عديدة ومعتبرة في تنشيط الحياة الثقافية ومن بينها خاصة إشرافه على مدى عشرين سنة على منتدى أدباء التلاميذ الذي كان ينعقد كل سنة في ولاية من الولايات ودأبت على تنظمه وزارة التربية وقد تخرّج منه عديد الأدباء والأديبات هم اليوم في صدارة المشهد الأدبي وكان لي شرف مرافقته في تنظيمه مع صديقتنا الأديبة عروسية النالوتي وغيرها

كذلك لا يجب أن ننسى مساهمة الأستاذ عبد الرحمان الكبلوطي في المجال التربوي وتدريس اللغة العربية وآدابها وتطوير برامجها وطرق تدريسها ومواكبته اللطيفة والمفيدة للمئات من الأساتذة الذين كان يرعاهم بالنصح والإرشاد ممّا جعله محلّ التقدير والإجلال من الجميع وذلك لقدراته العلمية والبيداغوجية المتميّزة زد على ذلك ما حباه الله به من لطف ولباقة نادرة الوجود وكم هو بارع في ترأس الندوات والملتقيات الأدبية وغيرها بما يضفي عليها من روح المؤانسة والكياسة...

ولا تكون الخاتمة إلا بأن أقول إن الشاعر الصديق عبد الرحمان الكبلوطي قد تحمّل أخطار الخروج ومنع الجولان بين مدينة الزهراء ومدينة رادس في هذه الظروف الوبائية وجاء إلى بيتي ووضع الديوان في صندوق البريد محلّى بكلمات إهداء أخجل من ذكرها فأرجو أن أكون في مستواها يا صديقي العزيز .

 

سُوف عبيد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم