صحيفة المثقف

ثامر الحاج أمين: كشف المستور في: أمالي السيد طالب الرفاعي

ثامر الحاج امينلا بأس ان يأتي الاعتراف بالخطأ متأخرا فذلك خير من أن لا يأتي أبدا، لأن بقاء الحقيقة مغيبة او ملتبسة يدور حولها الجدل والشك هو مضيعة للوقت ويدفع للمزيد من الخسارات وإلحاق الظلم بالغير، وقد أشار الروائي البرازيلي "باولو كويلو" الى صواب هذا التوجه في قوله (ان الوسيلة الوحيدة لإتخاذ القرار الصحيح هو الاعتراف بالقرار الخاطىء) لذا ومن أجل الوصول الى الحقيقة والتشجيع على تصحيح الآراء الخاطئة يجب ان لا يكون هناك سقف زمني محدد لأهمية وصلاحية قرار الاعتراف انما على باب التوبة والتطهر من أدران الكذب ان يبقى مشرعا للولوج الى عالم الصفاء مع النفس والتخلص من عذاب الضمير، لقد آن الأوان لمن يمتلك اسرارا تاريخية لنزع الخوف من قلبه والتحلي بالشجاعة لكشف المستور من خفايا التاريخ والتكفير عن آثام طمس الحقائق وذلك انصافا لمن ذهبوا ضحية اخفاءها وتشويهها، فتاريخنا ملغوماً بالأكاذيب والمبالغات والروايات الموضوعة حتى بات من النادر ان نجد مؤرخا او راوياً يتناول أحداث التاريخ وهو بكامل الشجاعة والنزاهة والحيادية، لذا علينا ان نفرح ونشجع عندما يستيقظ ضمير أحد من الذين يحتفظون بأسرار يمكن بكشفها رد الاعتبار لآخرين وينفجر ناطقا بالحق بعد عقود طويلة من الكتمان قضّاها ينوء بثقل هم الحقيقة التي كلفت الشعب أنهارا من الدماء والأرواح.

 ما جاء في كتاب (أمالي السيد طالب الرفاعي) الصادر عن دار مدارك للنشر ــ دبي ــ عام 2012 يتماهى مع هذا التوجه، فهذا الكتاب وان كان يمثل جانبا من المذكرات الشخصية للسيد (طالب الرفاعي 1931 ــ ...) وهو عالم ديني شيعي ويعد واحدا من أبرز رموز الاسلام السياسي في العراق حيث ساهم مع عدد من الشخصيات في تأسيس حزب الدعوة الاسلامية عام 1959 الاّ ان الكتاب في نفس الوقت يمثل مجموعة اعترافات جريئة عن حقبة زمنية لم يكن المذكور شاهدا على احداثها الخطيرة فحسب انما لاعبا أساسيا في العديد من حلقاتها والذي كان الاقتراب منها و الخوض في تفاصيلها الى وقت قريب يعد جريمة عند فرسانها الذين تلطخت ايديهم بدماء الشعب، حيث استعان الرفاعي في العام 2011 بالكاتب والباحث رشيد الخيون وأملى عليه جانبا من مذكراته التي ضمت ستة عشر فصلا تناول فيها مواضيع وحوادث خطيرة شهدها وعايشها عن كثب والتي تحفظت العديد من الشخصيات الخوض فيها لشدة حساسيتها، ولكن الرفاعي بشجاعة الكبار وحكمة الشيوخ تجاوز التابوات وأدلى بعدد من الحقائق التي ظلت ملتبسة لدى جمهور واسع من العراقيين، وتعزيزا لصحة ما جاء في مذكراته وتبرئة مدونها من التلاعب والتحريف فقد تصدرتها شهادة بإمضاء وكتابة السيد الرفاعي تشير الى مصداقية ما ورد فيها على اكمل وجه . ومن بين الموضوعات ــ محط الجدل ــ التي تناولتها المذكرات هو حقيقة ما يتعلق بحزب الدعوة الاسلامية الذي اختلف رأي الجمهور حول تاريخ تأسيسه حيث يذكر الرفاعي في مطلع الفصل الخامس من الكتاب (لقد انفجر الوضع في صبيحة يوم 14 تموز 1958 وانقلبت السياسة رأساً على عقب، وحلت الجمهورية محل الملكية، وجاء المد الشيوعي قوياً كالسيل، وحتى هذه اللحظة ليس لدينا تنظيم ولا شيء اسمه حزب الدعوة، لا الاسم ولا الكيان ولا حتى فكرة تأسيسه على الاطلاق، كانت شعبية عبد الكريم قاسم طاغية، وقوة الحزب الشيوعي العراقي مؤثرة في المجتمع، فحينها طٌرحت أمامنا مهام جديدة وأهمها كيف لنا مواجهة هذا التغيير ومشاكسة هذا السيل العارم ص 123) . وقد ذهب الى تأكيد هذا التاريخ في أكثر من مكان في الكتاب وفي موضع آخر من الكتاب يتناول الرفاعي اشكالا آخر شغل الجمهور وكان هو الاخر محط اختلاف في تقييمه ذلك هو شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم حيث يدلي الرفاعي برأيه في الصفحتين 145، 148 من الكتاب فيقول فيهما (لم يكن عبد الكريم قاسم طائفياً، انما كان ميله الى الشيعة، إلا اننا كرجال دين لم نعرف استثمار هذا الميل، وأنا كنت من أشد المحاربين لعبد الكريم قاسم لكن الآن أشعر بخطأ توجهي آنذاك، كان يمكن لهذا الرجل ان ينقل العراق الى عصر آخر، لقد ساقنا البعثيون والقوميون الى معاداة عبد الكريم، ساقونا ببغض الشيوعيين، والقضايا الشخصية كانت داخلة بقوة في عواطفنا وتوجهاتنا ص145) ويؤكد في صفحة أخرى (كان عبد الكريم قاسم شخصية نظيفة بلا شك، ورجل صاحب نوايا وطنية مائة بالمائة، لكن في السياسة ليس عنده دهاء السياسيين لإدارة بلد مثل العراق، ومع ذلك لو بقينا عليه كان أفضل كثيرا لنا، وحقيقة بدأ العراق في عهده ينتعش اقتصادياً والأمور أخذت تتضح، غير ان البعثيين وعبد الناصر بذلوا ما بذلوا للإطاحة به وايذاء العراق في عهده وبلا شك في ان المرجعية الدينية ساهمت بذلك وأنا كنت اتحرك مع حركة المرجعية، أستطيع القول ولم نكن على حق بما حصل ص148).

كما ان الكتاب سلط الضوء على عدد آخرمن القضايا الخطيرة ومنها الصراع على زعامة الشارع الشيعي والذي كان قائما بين كبار الرموز الاسلامية في كل من العراق وايران، فضلا عن قضايا اخرى عديدة ظلت اسرارها خافية على جمهور المؤرخين والمهتمين بالشأن السياسي وكان الخوض فيها يتطلب جرأة وشجاعة كبيرتين .  

 

ثامر الحاج أمين

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم