صحيفة المثقف

صادق السامرائي: السلوك الطائفي والبشر!!

صادق السامرائيهل أن الطائفية من طبائع السلوك البشري، أم سلوك نتعلمه منذ الصغر، وننشأ عليه ولا نعرف سلوكا سواه، برغم ما يجلبه علينا من الأوجاع والملمات الدامية؟

هل الطائفية سلوك يمكن أن نغييره؟

علينا أن نسأل أنفسنا ونستحضر مبادئ ديننا وأخلاقنا وتقاليدنا ونجتهد بالجواب.

ترى كيف يتحول أبناء الدين الواحد إلى طوائف متناحرة، وأصحاب الألوان المختلفة إلى أعداء؟

إن الموضوع قد يكون معقدا والجواب فيه صعوبة، لكن البشر يبحث عن الجواب لكي يزيل غشاوات الجهل والإنفعال والإضطراب عن سلوكه.

يبدو لمن يتأمل التأريخ ومعايير السلوك البشري عبر مراحله الزمنية، أن النسبة العظمى من السلوك مكتسبة، أي أن البشر يتعلمها من محيطه الذي يترعرع فيه.

فلا توجد جينات طائفية، بل توجد جينات بشرية تنزع في تأثيراتها لتحقيق الإختلافات اللازمة للحياة وتواصل النوع البشري.

وبعض البشر يمارس هذه السلوكيات إعتمادا على إضطرابات في شخصيته، خصوصا أولئك المصابون بإضطراب الشخصية اللا إجتماعية، والذين مات في أعماقهم الضمير وما عاد لديهم رادع لما يفعلون، ولا توجد قوة في داخلهم تحاسبهم على أعمالهم.

فهم بلا ضمير يؤنبهم ويسائلهم، فيعيثوا فسادا، وإذا إمتلكوا قوة خربوا ودمروا وأهانوا العباد لتحقيق حاجاتهم النفسية الخفية.

ففي الكثير من السلوكيات الطائفية نوازع غير سَوية أو باثولوجية، وشرَه للجريمة وسفك الدماء والشعور بالقوة والسيطرة والجبروت.

وبصورة عامة فهذه السلوكيات التي يفرزها المجتمع ويصيب بها أعضاءه، يكتسبها من الآخرين المصابين بإضطرابات سلوكية خطيرة، وتحولوا إلى رموز لفئة أو قوة ما.

فالبشر يتعلم بالتقليد وبالملاحظة، وعندما يقوم هؤلاء بتلك السلوكيات ويحصدون من ورائها ما يعززها من المحفزات، فإن الآخرين يعيدونها ويكررون سلسلة مآسيها ودماراتها، وتتحقق في داخلهم قوة رافضة للآخر.

أي أنهم يميلون إلى الإنغلاق، والتوهم بأن ما يقومون به عين الحقيقة ولا شائبة عليه، ولا يحق لأحد أن يحاجج فيه، لأنه قد تحول إلى وجود مقدس في أعماقهم، مما يتسبب في المزيد من الويلات والجراحات وسفك الدماء.

ويصابون بداء مثالية السلوك الخبيث.

ويتعلمون ترسيخ هذه السلوكيات بتكرار مشاهدها، وتنامي المحفزات المشجعة عليها، وتحولها إلى قيمة إجتماعية ذات مردود معنوي على الفرد والعائلة.

فيحسبون جميع الأواني إناءً واحدا، ولا يفكرون بما يحوي الإناء، أي يميلون إلى التعميم القاسي المشين.

ومن هنا تنشأ الكراهية والحقد والبغضاء ومعطياتها السلبية، التي تعمي البصيرة وتشل الأبصار، وتحول البشر إلى مخلوق عدواني متوحش، ومفترس كاسر لأخيه.

فالطائفية بهذا المعنى إضطراب سلوكي، يجعل البشر يعامل بعضه البعض بكراهية  وجهل، إعتمادا على أفكار وتطلعات عدوانية هائجة، تفور في دنياه وتعززها خرافات وتصورات وإدعاءات معدومة البراهين.

وإنما هي أضاليل إختمرت في جهاز البشر المتحكم بغريزة الخوف والبقاء، الذي يؤدي إلى التوحش وردود الأفعال الغير متناسبة مع الموقف أو الحالة القائمة.

أي أنها تدفع إلى سلوك دموي مروع، للتعبير عن الخوف من الخوف المقيت.

وهي سلوك مضطرب مكتسب نتعلمه من خلال نشاطاتنا المتنوعة، ويتم إستخدامه  لإيقاع المزيد من الويلات بين الناس، وتحقيق أغراض سياسية مغرضة.

فنتعلم كيف نكره الآخر ونخافه، وبعناية فائقة وقصد مبرمج دون شعور منا، سوى أن ما نتعلمه يعزز الشعور بالإنتماء إلى تلك الفئة أو الجماعة.

وكلما أسرفنا في التخندق فيها،  إزداد خوفنا وكراهيتنا للآخر، وصار رد فعلنا تجاهه تدمير وقتل، للشعور بالخوف الشديد منه والكراهية الحمقاء له.

إن البشر الذي لا يمتلك هذه الأحاسيس المعوّقة يعيش في مجتمعات متفاعلة، ويشعر بالقوة والأمن والأمان، ويحقق إبداعا خلاقا ويؤسس لحضارة متطورة يسودها العدل والقانون.

أما المصابون بهذا الداء فيمضون حياتهم في رعب وتدهور، وإنهيارات متلاحقة وضعف متواصل يؤدي بهم إلى الخسران.

وقد تلعب أدورا في هذه السلوكيات ، القوى الساعية لإمتلاكها، والخوف الشديد من ضياعها أو فقدها، ويتم إثارتها بإستثمار مَواطن الإختلاف، وكأن البشر خلقوا كفرد واحد بلسان وعقل ولون واحد لا غير.

إن وعي مفردات هذا السلوك،  وإحباط مبررات تعلمه، وإستهجان ما يشير إليه سواء في البيت أو المدرسة أو المجتمع، والصحف ووسائل الإعلام، وإسقاط مفرداته من معجم التخاطب بين الناس، يساهم بعلاجه والوقاية منه، لأن المجتمع لا يجني منه إلا الضرر.

فعلينا أن نرفض منطقه،  وندينه بشدة، ونتجنب مفرداته، ونحذره أشد الحذر.

وعلى الرموز المتنوعة أن تنأى عن المنطق التفريقي التدميري للمجتمع الذي هي فيه، وتشجع على التواصل والتفاعل والتفاهم، وتبادل الرؤى ووجهات النظر، لتصنع سبيكة إجتماعية قوية تسعد أبناء المجتمع كافة.

إن الذات عليها أن تستيقظ، والعقل أن ينفتح، ولننادي كلنا أبناء وطن واحد، نساهم في بنائه وتحقيق السعادة لنا وللأجيال من بعدنا.

فأبناء الدين الواحد أخوة، كالجسد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر أعضاء الجسد بالسهر والحمى.

ولنعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق ونكون إخوانا.

"أيها الناس إنما المؤمنون أخوة..."

"أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم..."

"أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. أكرمكم عند الله أتقاكم..."

"ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم"

إن إختلاف البشر آية من آيات الخلق وإعجاز الصيرورة والوجود.

فجيناتنا وأمراضنا متشابهة، وألواننا مختلفة وأفكارنا ومداركنا ولغاتنا كذلك، لكننا نعمل بقلب واحد نحو هدف واحد، ولنا قبلة واحدة وإله واحد ونبي واحد.

فلماذا ننسى كل هذا وذاك ونتصاغر في خنادق الطائفية؟

نعم إنها سلوكيات مكتسبة نتعلمها، ولنرفض كل سلوك يُشجعها ويُعلمها، وعلى القيادات السياسية والدينية والإجتماعية، أن تمنع التعامل بمفرداتها وتمقتها بقوة، لأنها تمثل الخسارة والدمار والثبور، والضياع للجميع بلا إستثناء.

وفي العديد من المجتمعات المتقدمة يحاسب القانون على أي تصرف، يتصل بالتمييز ما بين الناس أيا كان نوعه.

فلماذا لا تكون عندنا قوانين تشبهها؟!!

* الطائفة من الشيئ: جزء أو قطعة منه، والطائفية تعني تقطيع الشيئ الواحد إلى أشياء متماحقة!!

 

د. صادق السامرائي

1\2\2006

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم