صحيفة المثقف

أحمد عزت سليم: الحب الحب (2): ما بين الإنجذاب واللهفة والشهوة

احمد عزت سليميتناول جون هاميلتون فى مقالته " كيف تطورت أدمغتنا إلى مساواة الغذاء مع الحب؟ فوفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة NPR ومؤسسة روبرت وود جونسون ومدرسة الصحة العامة بجامعة هارفارد وجد أنه في أكثر من ربع الأسر، يعتبر الطعام وسيلة مهمة لإظهار المودة، وكنموذج أعلنت كارول كاسي في غريت فولز بمونت والتى كانت تدير مطعمًا شهيرا جدا هناك يسمى ماما كاسيز، قائمة الطعام، "الطعام حب"، وانخرط الناس فى المطعم كعائلات وبما فى ذلك من أسر كاملة واعتقد عملاء ماما كاسيز أن المزيد من الطعام يعني المزيد من الحب، ويرى البعض أن جوانب سلوك الإنسان الغذائي في أسلافنا الحيوانية، بما في ذلك قرود المرموسيت والتامارين، هذه القرود تشبه الناس في أن الآباء والأشقاء يساعدون في تربية النسل، وجميع البالغين يبذلون قدراً كبيراً من توفير الغذاء للشباب في الأسرة، كما يقول أدريان جايجي، عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية بجامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا .

وكما يعتبر الحب هو مجموعة متنوعة من المشاعر الإيجابيَّة والحالات العاطفية والعقلية قوية التأثير، تتراوح هذه المشاعر من أسمى الأخلاق الفاضلة إلى أبسط العادات اليوميَّة الجيدة،والمثال على اختلاف وتنوُّع هذه المشاعر أنَّ حب الأم يختلف عن حب الزوج ويختلف عن حب الطعام، ولكن بشكل عام يشير الحب إلى شعور الانجذاب القوي والتعلُّق العاطف (1) وأحياناً يُعبِّر الحب عن الفضائل الإنسانيَّة التي تتمثَّل بالتعامل الحسن ومشاعر الإيثار والغيريَّة والعمل على سعادة الآخرين وتحقيق الخير العام (2) كما يمكن أن يصف التعامل العاطفي مع بقية البشر أو الحيوانات أو حتى النفس (3)، ويعدّ الحب بأشكاله المختلفة أساس العلاقات الشخصية بين البشر، وبسبب أهميته النفسية يعدُّ واحداً من أكثر الموضوعات شيوعاً في الفنون الإبداعية (4) ويُفترض عادةً أنَّ وظيفة الحب أو غايته الرئيسيَّة الحفاظ على النوع البشري من خلال التعاون معاً ضدَّ الصعاب والمخاطر والمحافظة على استمرار النوع (5)، وحدَّد العدبد من الفلاسفة الإغريق خمسة أنواع من الحب :ـ حب العائلة، حب الصديق، الحب الرومانسي، حب الضيف، حب الإله، فيما ميَّز مؤلِّفون معاصرون أنواعاً أخرى من الحب مثل: ـ الحب دون مقابل، الحب إلى درجة الوله والافتتان، حب الذات، حب التملُّق، ونجد أيضاً في الثقافات الأسيوية أسماء وصفات مختلف للحب كحب الكلّ، حب الإله كوسيلة للخلاص، والعشق وغيرها من المعاني والصفات المستخدمة في دول الشرق وحضاراته المختلفة (6)، ويشير الحبُّ عادةً إلى تجربة أو شعور شخصي تجاه شخص آخر وغالباً ما يرتبط الحب بمفهوم رعاية شخص أو شيء والاهتمام به (7)، بالإضافة للاختلافات بين الثقافات في فهم الحب أو تعريفه تغيَّرت الأفكار حول الحب أيضاً وبشكلٍ كبير مع مرور الزمن فبعض المؤرِّخين يرجعون المفاهيم الحديثة للحب الرومانسي إلى أوروبا خلال وبعد العصور الوسطى على الرغم من وجود مفاهيم الرومانسيَّة في الشعر الكلاسيكي القديم (8).

غالباً ما تقلِّل الأمثال والحكم الفكريَّة الشائعة التي تتحدَّث عن الحب أو تصفه من طبيعته المُعقَّدة والمجرَّدة، ومن أشهرها:ـ "الحب ينتصر" لفيرجيل، "كل ما نحتاجه هو الحب" للقديس توما الأكويني، أو كما وصفه أرسطو: الحب هو إرادة الخير للآخر، (9) ويقول برتراند راسل إنَّ الحب هو قيمة مطلقة وليست نسبيَّة(10)،ومن جهته يصف الفيلسوف غوتفريد لابينز الحب بأنَّه السعادة والرضى الذي نحصل عليه بسعادة شخص آخر(11)،في حين يُعرِّف عالم الأحياء جيريمي غريفيث الحب بأنَّه الإيثار غير المشروط (12) .

وبالنسبة للحب الشخصى فيمكن أن يقال أنَّ الناس يحبون الأشياء والمبادئ والأهداف التي يؤمنون أو يلتزمون بها بشدَّة، ومن هنا يبرز حب المنتمين لهذه المبادئ والأهداف والعاملين في سبيل تحقيقها وهذا مثال عن الإيثار والحب غير الشخصي الناتج عن القناعات الدينيَّة والسياسيَّة والفكرية القوية (13)، ويمكن للبشر أيضاً أن يحبِّوا الأشياء الماديَّة والجمادات والحيوانات وقد يصل الأمر للشغف الجنسي بهذه الأشياء وهو ما يعرف بالبارافيليا في علم النفس (14)، من الأمثلة الشائعة أيضاً أنَّ البشر يحبون الحياة بحد ذاتها .

وكما يكشف الأساس البيولوجى للحب البيولوجي إلى اعتبار الحب أو الجنس حاجة ضرورية للحيوانات مثل الحاجات الأساسية الأخرى كالجوع والعطش (15) ، وتقسم عالمة السلوك البشري هيلين فيشر شعور الحب إلى ثلاث مراحل متداخلة : الشهوة والانجذاب والتعلُّق، الشهوة هي الشعور بالرغبة الجنسية أمَّا الانجذاب فهو تحديد واختيار الشركاء الذين يبدون مناسبين والتعلَّق هو قضاء الوقت والاقتراب من الشريك المختار وما ينتج عن ذلك من مشاعر السلامة والأمان (16)، ويُعتقد أنَّ النواقل العصبية في الجسم تلعب الدور الأساسي في الأنماط السلوكية الثلاثة سابقة الذكر (17) .

إنَّ الشهوة الجنسيَّة هي المُحرِّض العاطفي الاساسي الذي يشجع على التزاوج، وأثناء حدوثها يتمُّ إطلاق العديد من المواد الكيميائيَّة الهامة "هرمونات" مثل التستسترون والأستروجين وعادةً ما تدوم تأثيرات هذه الهرمونات لفترات زمنية قصيرة لا تتجاوز بضعة أسابيع، أشارات العديد من الدراسات الحديثة إلى أنَّ الدماغ البشري ينتج العديد من النواقل العصبية الكيميائية أثناء فترة الحب مثل الدوبامين والنورإبينفرين والسيروتونين، هذه النواقل العصبية تُحفِّز مراكز المتعة في الدماغ بصورة مشابهة لما تفعله بعض العقاقير المُنشِّطة مثل الأمفيتامين، من التاثيرات الجانبية لهذه النواقل العصبية زيادة معدل ضربات القلب وفقدان الشهية للطعام وقلة النوم وقد تستمر هذه المرحلة لعدة سنوات في بعض الحالات (18) .

عموماً تعتبر مرحلتا الشهوة والانجذاب قصيرتان نسبيَّاً ومؤقتتين وهنا تبرز الحاجة إلى مرحلة ثالثة طويلة الأمد تعزِّز العلاقات الدائمة لسنوات أو عقود وهذه المرحلة هي التعلُّق، يعتمد التعلُّق بشكل عام على التزامات مثل الزواج والأطفال أو على الصداقة المبنيَّة على أساس الاهتمامات المشتركة، وقد تمَّ ربط التعلُّق بوجود مستويات أعلى من بعض المواد الكيميائية كالأوكسيتوسين والفازوبريسين بشكل أكبر من العلاقات قصيرة الأمد (19)، في إحدى الدراسات ذكر إنزو إيمانويل وزملاؤه أنَّ عامل النمو العصبي NGF يوجد بمستويات عالية عندما يقع الناس في الحب لأول مرة، ولكنَّه يعود إلى مستوياته الطبيعية السابقة بعد عام واحد تقريباً (20) .

وتؤكد دراسات علم الأعصاب الحديثة وكهرباء الدماغ أن الافتتان يؤثر بقوة في مناطق الدماغ البشري المسئولة عن الغرائز، مما يشير إلى أن "الشعور"، الذي يشار إليه عمومًا باسم الحب (بمعنى الولع أو لهفة الحب الأولى) في ارتباطه الكيميايئ الحيويي، لديه اتصال قوي مع الغرائز البيولوجية .

في بعض الأحيان تدوم الآثار التي تترافق في الغالب مع الحب (الولع، اللهفة، الافتتان) أيضًا على عمليات الغدد الصم العصبية التي تكمن وراء هذه الظاهرة وتشكل أصلها، والتي يجب البحث عنها في النشاط الجنسي، والذي بدوره يخضع بشكل كبير للسيطرة على الغدد الصم العصبية في الدماغ البيني،أخيرًا وليس آخرًا، تلعب المواد الأفيونية الداخلية للفص النخامي دورًا في هذا المجال، فإذا وقع شخص ما في الحب، تسبب العديد من أشباه الكيميائيات (semiochemical ) في الشعور بالابتهاج  ) الدوبامين (والإنفعال والإستثارة (الأدرينالين) ومشاعر السعادة والغبطة العميقة (الإندورفين والكورتيزول) بالإضافة إلى زيادة الرغبة الجنسية (نقص هرمون التستوستيرون في الرجال، زيادة فى النساء) بالمقابل، الأوقات التي لا يكون المرء مع الشخص المحبوب يمكن أن تشعر بأنها مؤلمة للغاية لدرجة اليأس، كذلك تُفرز العطور الجنسية) الفيرومونات) بشكل متزايد، من ناحية أخرى، ينخفض مستوى السيروتونينبشكل حاد، مما يجعل حالة الوقوع في الحب عند هذه النقطة مشابهة للعديد من الاضطرابات النفسية، هذا يساهم في كون العشاق في حالة تشبه حالة كون الإنسان"ليس في كامل قواه العقلية" مؤقتًا ويمكنه القيام بأفعال غير عقلانية ومتهورة، بعد مرور بعض الوقت (بضعة أشهر)، يعتاد الجسم على هذه الجرعات وبالتدريج (وفقًا لمنظمة الصحة العالمية بحد أقصى بعد 24 إلى 36 شهرًا) ينهي الدماغ  حالة الـ "تسمم الحس" هذه.

 

أحمد عزت سليم

عضو إتحاد كتاب مصر

...................

المراجع:

1-      The Handbook of Evolutionary Psychology, edited by David M. Buss, John Wiley & Sons, Inc., 2005. Chapter 14, Commitment, Love, and Mate Retention by Lorne Campbell and Bruce J. Ellis.

2-      "Definition of Love in English"Cambridge Dictionary

3-      "Love - Definition of love by Merriam-Webster".merriam-webster.com.

4-      Fromm, Erich; The Art of Loving, Harper Perennial (1956), Original English Version, (ردمك978-0-06-095828-2)

5-      "Article On Love"

6-      Helen Fisher. Why We Love: the nature and chemistry of romantic love. 2004.

7-      Liddell and Scott  https://archive.org/web/.

8-      Mascaró، Juan (2003). The Bhagavad Gita. Penguin Classics. Penguin. ISBN 978-0-14-044918-1. (J. Mascaró, translator)

9-      Anders Nygren, Agape and Eros.

10-    Kay، Paul؛ Kempton، Willett (March 1984). "What is the Sapir–Whorf Hypothesis?". American Anthropologist. New Series. 86 (1): 65–79.

11-    "Ancient Love Poetry". September 30, 2007.

12-    "St. Thomas Aquinas, STh I-II, 26, 4, corp. art". Newadvent.org. October 2018.

13-    Love . PediaPress.

14-    Leibniz،Gottfried. "Confessio philosophi". Wikisource edition. March 2009.

15-    What is love?. In The Book of Real Answers  Griffith, J. 2011. ( https://archive.org/web/.

16-    Fromm, Erich; The Art of Loving, Harper Perennial (September 2000), Original English Version, (

17-    DiscoveryHealth. "Paraphilia".  December 2007

18-    Lewis، Thomas؛ Amini, F.؛ Lannon, R. (2000). A General Theory of Love. Random House

19-    . Defining the Brain Systems of Lust, Romantic Attraction, and Attachment by Fisher et. al

20-    Winston، Robert (2004). Human.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم