صحيفة المثقف

ضياء محسن: الحياة الثقافية للعرب قبل الإسلام

ضياء محسن الاسديلقد نقل إلينا كثير من المؤرخين والباحثين الأجانب وكثير من المستشرقين معلومات مظللة ومغلوطة وبعيدة عن الواقع لحياة العرب قبل الإسلام وبعده وصوروهم بأنهم أناس همج رعاع يميلون لحياة البداوة في عيشهم وإلى الصراعات القبلية نتيجة التخلف الديني والعقائدي والفكري والعيش في مجتمعات قبلية بدوية صحراوية بنظامها وعقليتها لإغراض في نفوسهم للحط من قيمة العربي وحضارته التي تمتد إلى عمق التأريخ البشري وقد سار كثيرا من المؤرخين العرب والمسلمين مع الأسف على طريقهم ونسجوا على منوالهم أن ما وصل إلينا بهذا الصدد عن حياة العرب قبل الإسلام مشوه ومغالط للحقيقة وعليه كثيرا من غبار الكذب والتظليل والافتراء على هذه الأمة المجيدة التي أثرت وتأثرت بالعالم الخارجي وحضاراته عندما كانت كثيرا من الأمم المجاورة لها في ظلام التخلف والجهل .وكان للمؤرخين العرب الحصة الكبيرة من التقاعس وعدم الرغبة في البحث والتنقيب عن تأريخ أمتهم الحقيقي من تحت أنقاض التراب ومن بطون الكتب والرقم الطينية المدفونة تحت الأرض والتي تؤرخ وتدون مسيرة حياة العرب قبل الإسلام وحضاراتهم إلا في الآونة الأخيرة من القرن الماضي حيث كان لبعض المؤرخين العرب بصمتهم الواضحة في البحث والتقصي لإزالة اللثام عن حياة العرب قبل الإسلام ببعض الكتب والدراسات والآراء المنطقية الموثقة بالدليل والتحليل لإعادة الهيبة للحضارة العربية وتوضيح مسارها ومضمونها ومساهماتها في العالم .

فقد أظهروا لنا أن العرب قبل الإسلام وفي مراحلهم (العرب البائدة – والعرب العاربة – والعرب المستعربة ) أن لهم حضارتهم الراقية على الأرض والواقع والكثير من الشواهد الباقية لحد الآن منها آثار وفن العمارة ل (بابل – سومر- الحضر – البتراء – تدمر – أدوم – اوابدا – دورا- طيسفون- بصرى- غزة – حيرة العراق – الطائف – ومكة المكرمة – وكثيرا من القصور الفارهة والمعابد في بلاد اليمن ومماليكها وحضاراتها منها (مأرب – وقصر غمدان – وقصر القشيب- قصر المهجر- قرية الفاو- قصر البنت- قصر الفريد- منطقة نجران) كما جاء على لسان أبو محمد الهمداني في كتابه (الإكليل) ووصف النقوش والصور والنفائس على جدرانها والتي تمثل المعارك بين العرب والفرس والرومان وإيوان كسرى خير شاهد وباق لحد الآن وكثيرا من الشواخص التي راحت ضحية الإهمال والرطوبة وملوحة المياه .حيث سلط الكثير من الباحثين والدارسين المنصفين للتأريخ العربي على الفنون التي كانت سائدة في ذلك العصر أي ما قبل الإسلام من غير فنون الشعر والخطابة والنثر فقد كانت بجانب هذه الفنون إبداعات فنية بارزة امتازوا بها ولها شواهد عليها ذلك من كتابة الخط العربي الجميل المسمى ( الخط المسند ) والذي وثقوا به سيرتهم وأعمالهم الموجودة في كثير من متاحف العالم والرسوم الجميلة التي تزين جدران المعابد والكنائس والأديرة المنتشرة في البلاد العربية كما كانت تزين جدران الكعبة المشرفة من الداخل برسوم النبي إبراهيم وأبنه إسماعيل عليهما السلام وجدران الفسيفساء الرائعة الجمال من الذهب والنقوش المائية المسماة (الفريسكو) أو صور آدمية في مدينة كييش في بلاد ما بين النهرين لكنيسة المنذر بن النعمان في الحيرة من العراق وكذلك أبدع العرب القدماء بفن النحت والنقش على الحجر والخشب ووضعهما في محاريبهم وصوامعهم ومعابدهم حيث يجلب الحجر والخشب من اليمن لرسم تماثيل وأصنام وأوثان العرب في مدينة مدين وعاد وثمود وسبأ ومعين وقتبان وهو ما يسمى بالعصر الجاهلي المتأخر أي حوالي ما بين (150- 200) سنة قبل الإسلام أما القصة والرواية فكانت لها الحصة الكبيرة في حياة العربي منها الأسطورية الخيالية أو الواقعية التي كانت تحاكي واقع الإنسان العربي التي تعبر من خلالها أيام العرب ومواقعهم الحربية وغزواتهم ومعاركهم مع أعدائهم من الفرس والرومان وجيرانهم وسرد بطولاتهم بأسلوب روائي مؤثر عن بطولات أفراد أو قبائل مبني على النص والأداء فكان للراوي أسلوبه المميز الملفت للنظر والمشوق في الحوار وإظهار الخبر بشكل درامي مسرحي إيمائي يصل إلى مسامع المتلقي البسيط في النوادي والليالي للقبيلة أو في أسواق العرب الثقافية منها سوق عكاظ وأسواق الطائف كما دونتها كتب المؤرخين العرب في العصر العباسي منها (كتاب الأمالي – العقد الفريد- الأغاني – صبح الأعشى- الشعر والشعراء) فأن الأمة العربية قبل الإسلام لم تكن بمعزل عن العالم الخارجي وحضارات الأمم الأخرى وإبداعاتها الفنية لكن الأضواء لم تسلط عليها فقد نُقل الكثير من الكتاب صورا غير حقيقية عن مراحل حياة العرب الفكرية والاجتماعية والسياسية والفنية من منظار واحد هو الوثنية والقبلية والبداوة واختزلوها بالشعر والنثر والخطابة وبعض مزايا الكرم ومكارم الأخلاق والشجاعة والفروسية والنخوة حيث درسوها وأخذوا أكثرها من المدينة المنورة ومكة المكرمة ومحاورهما وأهملوا ثقافة وحضارة مماليك بلاد اليمن والشام والعراق التي تركت بصمتها وتأثيرها على العالم بأسره.

 

ضياء محسن الاسدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم