صحيفة المثقف

لطيفة حمانو: الخطاب السياسي في رواية "رجال العتمة" للكاتبة حليمة الإسماعيلي

لطيفة حمانوإن الخطاب السياسي شكل من أشكال الخطاب المتعددة، ويستخدم من قبل فرد أو جماعة من أجل الحصول على سلطة معينة عند حدوث أي صراع أو خلاف سياسي وهو ممارسة اجتماعية تسمح للأفكار والآراء أن تنتشر بين فئات المجتمع.

إن الخطاب السياسي ظل حاضرا في الأجناس الأدبية يعبر عن وجهة نظر الكاتب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ويظهر بجلاء في الرواية التي تعكس صراع الذات مع الموضوع، والصراع الطبقي والسياسي، والتفاوت الاجتماعي، وتناحر العادات والإيديولوجيات. في هذا الصدد يرى عبد الرحمن منيف أن الرواية هي المسلك الوحيد للتعبير عن تجربة المنفى وغياب المناخ الديموقراطي والتنديد بالاستبداد والتسلط العربي والسخرية من هزائم العرب المتوالية.

لقد عبرت كاتبات مغربيات عن قضايا سياسية واجتماعية في رواياتهن مثل الكاتبة خناثة بنونة، الزهرة الرميج، سعاد الناصر في روايتها كأنها ظلة والكاتبة حليمة الإسماعيلي في روايتها الأولى أغنية لذاكرة متعبة، وكذلك في روايتها الثانية رجال العتمة التي سنقف على القضايا السياسية التي تضمنتها.

تحكي رواية رجال العتمة قصة إيمان أستاذة الرسم المنحدرة من مدينة جرادة والتي تعيش مع والدتها وشقيقتها بمدينة مراكش بعد وفاة والدها الذي كان عاملا بمناجم الفحم الحجري، تلتقي في حفل موسيقي بالفنان التشكيلي الفلسطيني زياد الحاصل على دكتوراه في علم النفس فترتبط معه في علاقة حب جارف.

تقدم حليمة الإسماعيلي في هذه الرواية أربع رجال كانت حياتهم على موعد مع العتمة، ومع ذلك فإنهم يحاولون التغلب عليها كل بطريقته الخاصة باستثناء والد البطلة إيمان الذي قضى حياته في عتمة المنجم إلى حين وفاته.

أما نجيب ابن الجارة فاطمة صاحبة البيت فهو مكفوف يكمل دراسته في مصر ويتحدى عتمته بالتحصيل العلمي وكتابة الشعر، بدوره أحمد الصديق القديم للبطلة إيمان الذي كان معتقلا سياسيا عانى ظلام الزنزانة.

الرجل الذي عاش أيضا في العتمة هو الفلسطيني زياد الذي اعتقل ومر بعتمة السجون.

تنتهي الرواية بفشل العلاقة العاطفية التي تربط إيمان بزياد بعد أن قرر هذا الأخير البقاء في غزة ومواصلة زواجه الفاشل والاعتناء بأبناء شقيقه بعد أن استشهد الأخ في قصف إسرائيلي استهدف مدنيي غزة. إن فشل العلاقة العاطفية مع زياد سيسبب الألم والأسى للبطلة إيمان ووسط حزنها تفاجأ بأحمد صديقها القديم يخبرها أنه في مطار باريس قادما إلى مراكش.

من خلال قراءتنا لرواية رجال العتمة للكاتبة حليمة الإسماعيلي نجد مجموعة من القضايا السياسية حاضرة بقوة من بداية الرواية إلى نهايتها، هذا الحضور نابع من انشغال الروائية بالهموم السياسية والقومية والإنسانية.

قبل البدء في إبراز تجليات الخطاب السياسي في هذه الرواية لا بد من الإشارة إلى أن هذه القضايا يتقاطع فيها ما هو نقابي واجتماعي بما هو ديني وما هو سياسي وذلك راجع لتعقد الظاهرة الإنسانية. من القضايا التي تطرقت إليها الرواية:

قضية فلسطين: أهدت الكاتبة روايتها إلى فلسطين وتعتبرها وطنا نصب لقلبها كمائن الحب والوجع، فلا غرو أن نجدها قد أفردت للقضية الفلسطينية حيزا كبيرا لتفضح فيه الممارسات اللاإنسانية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين. كما يتجلى اهتمام الكاتبة بالقضية الفلسطينية من خلال اختيار بطل روايتها زياد فنانا تشكيليا فلسطينيا مقيما بالمغرب وهي دلالة أيضا لدعم المغرب الدائم للقضية الفلسطينية.

تحدثت الرواية عن الحرب في غزة [1] :"الطائرات الإسرائيلية تستهدف مبنى جمعية فلسطينية للمعاقين شمال القطاع، مما أدى إلى مقتل فتاتين ".إن البطل كشخصية فلسطينية من غزة جعل الساردة تفصل في الحديث عما يتعرض له المدنيون ،فبعد أن سافر زياد إلى غزة لزيارة والدته التي كانت في غيبوبة بعد إجراء عملية فاشلة ،وتزامن سفره مع الحرب على غزة جعلتنا الرواية نتابع ما يحدث في غزة كما كانت  تتابع البطلة إيمان ما يحدث في فلسطين على القنوات الفضائية[2]:"صباح الوجع يا بلادا لا ينام فيها حتى الشهداء ،صباح الوجع يا بحرا لم يكتف بالمياه فتخضب بدماء أطفال خمسة ذنبهم أنهم كانوا يلعبون على الشاطئ ".

إضافة لما يرتكبه الإسرائيليون في حق الفلسطينيين تطرقت الروائية حليمة الإسماعيلي للصراع الداخلي بين فتح وحماس [3]:"هذا الاقتتال البغيض بين فتح وحماس يوقظ في روحي دم الوطن وعاره ".

بالحديث عن القضية الفلسطينية، ستشير الرواية لقضية اللاجئين الفلسطينيين فالبطل زياد عاش في مخيم للاجئين الفلسطينيين تذكر الروائية هذه القضية على لسان زياد [4]:"لأكتشف بعدها أنني لاجئ وأن كل هذا الفضاء الأزرق الذي يلفني من دفاتر واقلام وحتى وجبات الأكل خلال الفسحة كان هبة أوعلى الأصح صدقة من الأنروا ".

قضية الربيع العربي: في رسالة موجهة من إيمان لصديقها أحمد تقول [5]:"أولا أعترف لك أني فقدت شهية الجلوس للأنترنيت، كما فقدت أنت شهية متابعة الفضائيات منذ اندلاع هذا الموسم الأسود الذي أطلقوا عليه الربيع العربي ..." فالربيع العربي كان حدثا استثنائيا في البلدان العربية أطاح بعدد من الرؤساء العرب وأدخل المنطقة العربية في تناحر داخلي، نتج عنه تعميق تخلف هذه البلدان كما هو الحال في ليبيا وسوريا والعراق [6]" ومجازر تتناسل بسوريا والعراق.

قضية الاعتقال السياسي: لقد تطرقت الروائية حليمة الإسماعيلي لقضية الاعتقال السياسي بكل ما يكتنفها من ظلم وتعذيب وتلفيق للتهم بغية إخراس الأصوات التي تندد بالفساد والتهميش وتتطلع لحياة تستجيب لمتطلبات العيش الكريم ،فأحمد الصديق القديم للبطلة إيمان  ابن مدينة جرادة قد  مر بتجربة السجن وفي كل مرة  يتحدث عن تجربته الأليمة ،وما قاساه من ظلم وتعنيف [7] :"صرخت أنني خرجت في مظاهرة لإنصاف عمال المناجم قاموا بشتمي والتنكيل بجسدي ".سيقضي أحمد خمس سنوات في عتمة السجن بتهمة ثقيلة [8] :"بقيت لعدة  أشهر دون تحقيق وحين حققوا معي أفزعني كل ما لفق بملفي :التحريض على المساس بالأمن العام ".يتذكر أحمد أيضا يوم اعتقاله من بيت أسرته وما سببه ذلك من خوف وهلع داخل أسرته [9]:"غفوت قليلا لأستفيق على طرقات متتالية أفزعت من في البيت ،داهموا غرفتي كعادتهم لكنهم هذه المرة أخرجوني عنوة تحت نظرات أهلي ورعب أمي المسكينة التي حاولت الاستجداء بدموعها ".

اضطر أحمد بعد خروجه من السجن للهجرة إلى فرنسا، والزواج بقريبته للحصول على أوراق الإقامة، لينفصل عنها بعد أن أنجب طفله الوحيد حيث بقي هناك يعاني من الغربة ويحمل ذاكرة متعبة بالحزن والخيبة من تحقق الأمنيات.

قضية عمال منجم جرادة: تعتبر مدينة جرادة مسقط رأس الروائية حليمة الإسماعيلي، ومدينة جرادة مدينة صغيرة توجد شرق المغرب، بعيدا عن العاصمة، تعاني من التهميش خاصة بعد نضوب احتياطها من الفحم الحجري مما عمق معاناة ساكنتها من الفقر والإقصاء.

في رواية رجال العتمة تختلق الروائية شخصية والد إيمان عاملا في مناجم الفحم الحجري، حيث يقضي كل وقته في عتمة المنجم من أجل كسب لقمة العيش بكل ما يكتنف هذا العمل من تعب وقسوة وشروط لا إنسانية، وسيقضي نحبه داخل هذا المنجم مما سيسبب صدمة لعائلته خاصة البطلة إيمان التي ستدخل في حالة اكتئاب، اضطرت فيها للعلاج عند طبيب نفساني. كما أن والد صديقها القديم المقيم في فرنسا كان أيضا من ضحايا المنجم اللعين فقد طرد من العمل بعد أن أصيب بمرض ناتج عن استنشاقه للغازات داخل المنجم.

في رسائل أحمد مع إيمان دائما نجده يتحدث دائما عن والده[10]:"على ضفاف نهر السين، انتحبت طويلا بكيت والدي الذي تمزقت رئته بمرض السيليكوز من أجل أن يشبع بطوننا، لعين ذاك المنجم الذي قتل نصف رواده ". كما يتحسر أحمد دائما في رسائله على مدينة جرادة وما الت إليه أوضاع أبنائها[11]:"يقول لي أخي محمد أن الكثير من الشباب نزلوا للعمل بالحواسي وأغلبهم مجازون في مختلف التخصصات، اضطروا بعد حصولهم على الشهادات الجامعية واصطدامهم بواقع البطالة المتفشي إلى اللجوء إلى باطن الأرض لاستخراج الفحم الحجري.[12]

تظل مدينة جرادة ومعاناة سكانها حاضرة في الرواية، سواء في الرسائل المتبادلة بين إيمان وأحمد، أو من خلا ل السرد الاسترجاعي الذي تقوم به الساردة، أو من خلال الحوار الذي دار بين إيمان وعمتها التي جاءت لزيارتهم من مدينة جرادة حيث تقول العمة واصفة المدينة [13]:"السكون هو العنوان الأبرز في المكان، الزمن يبدو كأنه متوقف منذ عشرات السنين ".

كما تتحدث العمة عن المقاهي المكتظة بالعاطلين وعن المحطة الحرارية التي تلوث هواء المدينة[14] :"في الأفق البعيد تنفث المحطة الحرارية سمومها في الهواء دونما اكتراث بمصير العباد، ناهيك عن انتشار ابار الفحم في كل مكان والتي انطفأت فيها أرواح كثيرة ".

قضية الإرهاب: في معرض حديث البطلة إيمان مع صديقتها سعاد تذكر هذه الأخيرة أنها كانت ستتزوج شابا فرنسيا أحبته لكن الزواج لم يتم وعندما سألتها إيمان عن السبب أجابتها بأنه قتل في حادث إرهابي [15]:"قضى في حادث مأساوي في انفجار إرهابي ". لقد أثارت الروائية   قضية الإرهاب التي تؤرق المجتمع الدولي عامة والمغربي خاصة بعد تفجيرات 16ماي سنة ألفان وثلاثة ويرتبط الإرهاب بالتطرف الديني، وبالفقر فمنفذي تفجيرات الدار البيضاء ينتمون لكريان سيدي مومن الحي الصفيحي الأكثر فقرا بالمدينة، فكثير من التنظيمات الإرهابية تستقطب الفئات التي تنتمي لأوساط فقيرة لتجنيدها قصد تنفيذ عمليات إرهابية تودي بحياة الأبرياء. لعل حديث الساردة عن الإرهاب داخل الرواية بعد حديثها عن الفقر والتهميش الذي تعاني منه مدينة جرادة تريد أن تحذر من العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن استمرار هذا الوضع.

بعد الوقوف على القضايا السياسية التي تطرقت لها الروائية في روايتها المتميزة رجال العتمة يمكن القول إن الكاتبة حليمة الإسماعيلي قد استمدت أحداث الرواية من الواقع الاجتماعي والسياسي الذي تنتمي إليه، وقد عبرت عن هذا الواقع أحسن تعبير ،فتحدثت عما يعانيه أبناء مدينتها جرادة من فقر وتهميش ،وما يعانيه  المعتقلون السياسيون من قهر وظلم ،كما أشارت  إلى قضية الإرهاب .بينما تسرد على طول صفحات الرواية حكاية الفلسطيني زياد كاهتمام من الكاتبة بالقضية الفلسطينية التي تعتبر قضية كل العرب وهي بهذا  تدفع القارئ دفعا للاطلاع على ما يحدث من أحداث  على الساحة السياسية والاجتماعية .

بقلم: لطيفة حمانو

........................

[1] حليمة الإسماعيلي رجال العتمة مطبعة مراكش 2017 ص 194

[2] حليمة الإسماعيلي رجال العتمة مطبعة مراكش 2017  ص 154

[3] نفس المرجع ص 154

[4] نفس المرجع ص160

[5] المرجع نفسه ص 79

[6] المرجع نفسه ص 202

[7] نفس المرجع ص 32

[8] حليمة الإسماعيلي رجال العتمة مطبعة مراكش 2017 ص 130

[9] نفس المرجع ص 79

[10] نفس المرجع ص 181

[11] حليمة الإسماعيلي رجال العتمة مطبعة مراكش 2017ص 182

[12]  نفس المرجع ص 31

[13] نفس المرجع ص 31

[14] نفس المرجع ص 31

[15] نفس المرجع ص 130

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم