صحيفة المثقف

محمد يونس: قراءة بموجه فلسفي للشعر.. قصيدة فلاح الشابندر انموذجا

محمد يونس محمدالعتبة الموجه للنص - اثار خطاب الجاحظ لدي اهمية كبيرة، حيث هو اول من اشار الى وضع العنونة الحساس لذا اطلق تحذيره المهم في لحظتنا الحاضرة، بعدما تطورت الافكار ونضجت كثيرا ازاء موقع العنونة العلوي وجدليته، فموقعيا المتن النصي ادنى عضويا من العنونة او العتبة، وذلك في التفكير الفلسفة يتيح للعنونة أن تكون ذلك النص الموازي المتعالي على بنية المتن النصي، واعتقد أن منطقة من تفكير الجاحظ تراسل وجان جانيت تدعو الى أن تكون العنونة اقرب الى نص العلية، وميزة النص الموازي في تعاليه العضوي تجعله محلقا، وهذا يعني تقل نسب تعالقه الا اذا كان هناك ترابط ويثق وعلائق تلازم بين العنونة والمتن، لكن لابد أن نقر بان ذلك التعالي يزيد من هيبة العنونة اكثر، وعلى وجه الخصوص في جانبها الاشهاري والصفة الاعلامية الكبرى، وتشكل العنونة التي ليست على وجه غلاف بل على صدر نص كما في نص فلاح الشابندر، نعم موقعا للعلية واستشرافا شاقوليا على كيان متن شاقولي، ورغم طروحات جان جانيت عن التوازي بين العتبة والمتن او التعالق التام او الجزئي وربما التجاور، لكن التشابك بين الفلسفة والشعر يعطي للفكرة معنى اخر، ويقربنا من الجدل بدلا من التفكير في الاطر العامة للعتبة الفوقية، والتي عادة ما تعطينا صفة فيثاغورسية، فالتسلسل الرياضي على شكل خط مستقيم منحدر من نقطة العتبة الى أن يصل في مساره الى نقطة النهاية، وتشكل العتبة النقطة الاشهارية المتصل بالفضاء الخارجي للنص، وهي الدليل النوعي على عضوية ومضمون المتن النصي .

دهشة تجلي لحظة المنصوصات – الشعر قرين الفلسفة اي هنا هو يضعنا امام سؤال الدهشة الشعرية ولحظة التجلي، فالدهشة ولحظة التجلي يندمجان في منصوصة متوافقة موسيقيا هارمونيا، والدهشة نحيلها الى البعد الفلسفي في الشعر، فالفلسفة الشعرية ليست التعبيرات التي تعنى بتكوين الصورة الشعرية، بل معنى داخل المعنى، وذلك المعنى لا يدرك في السياق العام بل ربما هناك تأويل يبلغه، او في التفسير اللساني للشعر يمكن عبره عزل ذلك المعنى عن المعنى الشعري والذي يمكن أن يكون مقابلا له، والتقابل بين معنى يسعى للتمثيل بسيماء تعين شكلا ولا تعين مضمونا، وهذا لمسناه في بنية النص الشعري لفلاح الشابندر، ورغم اختلاف ايقاعات الجمل بل ايقاع مفردة تحول من بعد الى اخر، من مثل مفردة .

تدنو

تدنو

تدنو

تلتقط

فنجد اختلاف طبيعي بين المفردة الاخيرة – تلتقط – لكن ما سبقها هي مفردة – تدنو – وقد تكررت ثلاث مرات، وهنا يتدخل التفسير اللساني، ويفرق بين مفردة واخرى ليس فقط ايقاعيا، بل لكل مفردة موقعها في النص الشعري، وجدارة انعكاس موسيقى كل مفردة تجعل تعبير يختلف عن اخر، وكما أن بعد الزمن الشعري ايضا يكون متعددا، حيث كل مفردة بوحدة زمن مختلف عن الاخرى، ما دام موقع كل مفردة يختلف عن موقع اخرى، واذا افردنا كل موقع على جهة فتخرج كل مفردة عن تشابهها اللفظي مع اخرى، والشعر من طبيعته الفنية لا يهتم للاستعادات المتكررة من خلال التشابه .

يشكل الفن الشعري اثارة لسيماء المفردات الشعرية، وهذا ما يتيح للمعنى الشعري توسع مداره، وتوسع المدار يحول البعد الافقي الى بعد عامودي او شاقولي، وهذا يتيح حرية اوسع للجمل الشعرية، وتلك الاتاحة مرتبطة بذات الوعي وليس بذات شخصية الشاعر، والا تمرير الافكار الشعرية المجردة خصوصا ستفقد قيمتها، والذات الشخصية افق اجتماعي يصعب عبيه جدا تقبل هذا المعنى الشعري الذي ليس في افق الذات الشخصية وبالكاد تتناسب معه الذات الواعية، وتفسير الشعر موضوعيا يختلف كثيرا عن تفسيره العام، فقد تطور المفهوم الشعري كثيرا ولا مس معاني ما بعد الحداثة، يعني صار لا يلتزم بالقوانين الشعرية القديمة رغم اهميتها، وصار يتوافق مع المنطق الميتافيزيقي التي تتقارب مع روح التطورات .

في اطار المعنى - اختلاف الشعر عن الكلام يوضحه بعد تعدي اللغة شكلها الاجتماعي، فالتعدي الذي تحدثه اللغة الشعرية يحولها من كائن اجتماعي الى كائن ايقوني اي تدخل اللغة في دائرة الفن، وهذا يعني أن لغة الشعر ستمر بتحول من افق واقعي الى افق مضموني اقناعه ليس عاما، والمعنى لا يكون في تطار حقيقته العامة بل في حقيقته الفنية، وبدلا من الادراك يكون هناك تصور شعري، والتصور كما في هذا المقطع الشعري رغم البعد الاشاري لا يمكن حصره كصورة بلا سيماء، وتلامس الواقغ بدلا من ملامسة المعنى النوعي الذي تسعى اليه .

الغارق في كرسيه الهزاز

حين يطقطق

بعكازه على البلاط

يستفز القط الغافي

توجد افعال في هذا المقطع لكن لا يعني هذا أننا خسرنا اللغة الشعرية وخسرنا المعنى ايضا، فذلك يحال الى نسق بناء اللغة، فاللغة مبنية وفق افق عامودي تراتبي، وهذا ما يجعلها مختلف النسق تماما بين المعني والمعنى، واللغة ليست الا صورا وصفية وليست بيانية تماما، والشعر يستحق أن يوصف كما يشاء بحريته ونشاط معناه الدلالي، والمعنى بنشاطه الدلالي في الشعر ليس يحدد ابدا فالشعري دلالته ليست مباشرة وهذا ميا يجعل المعنى يتغير من جملة الى اخرى، فالذي هو غارق بكرسيه الهزاز ليس من يتقصد ايقاظ القط، فهو مفترض والقط النائم ايضا، لكنهما كل منهما يتملك حقيقته التوصيفية، وقد شكلت بنية النص الشعري الاجمالية تحولات للمعنى من افق الى اخر، وذلك من المسلمات الشعرية الفاعلة في بنى النصوص الشعرية، ونص فلاح الشابندر هو بحد ذاته بمرونة كافية للإتاحة للمعنى التحول من مستوى الى اخر، وهذا ما يجعل سيماء النص بحضور مستمر، وكما جوهر النص السيمائي يكون كما لوحة تجريدية في وصفه .

فى صباح الحديقة

فرطة عصافير

تدنو

تدنو

تدنو

تلتقط

مساقط حلواه .....

يصفعها صفعة بسيف الريح

تتقافزُ .....

تتطايرُ ....

يتطايح ضحكات... طفل الحديقة

تتلوها ضحكات... تعدم سابقتها

النسيان البارد الغارق فى كرسيه الهزاز

وحين يطقطق

بعكازه على البلاط

يستفز القط الغافى

القط غافٍ منذ اْن هتف اليبس فى البرية الخضراء

على ضفة الظل

جميل اْن ننسى

والاجمل اْن لا تعرف

ما القادم الاتى

***

محمد يونس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم