صحيفة المثقف

فادية سمير السيد: خدعوك فقالوا رجال الدين!!

فى مقالة لاستاذنا الدكتور بهاء درويش بعنوان "قل لمن لا زالوا يسألوا لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا" التى حاول من خلالها عرض العديد من الأسباب التى أدت إلى تأخر بلادنا، ومما استوقفنى فى هذه المقالة ما قاله أستاذنا الفاضل "سأسلم معك أن علماء الدين مخطئون، بل سأذهب إلى أبعد من هذا وأسلم أنهم ليسوا مهيئين لقيادة مهمة التنوير. ويتساءل ماذا فعلت لتصوب اخطاءهم؟ وأين المنهج المقنع البديل لاكون معك على خطاه أول السائرين وأن منهج التغير أعتمد فى بلادنا على السخرية من علماء الدين . وهنا سوف أطرح على أستاذنا د. بهاء سؤال بنفس منهجه وماهو الدور التنويرى الذى يقوم به رجال الدين الذى لا بديل له؟هل تقصد التفسير المحدود للنص الدينى النابع من عقلية متحجرة؟ أما تقصد معاولهم التى لا تنتهى لقذف الآخرين بالكفر ولكل مخالف لهم فى الرأى؟ أما تقصد رجال الدين القائمين بدور الكهنوت بين الله وخالقه من البشر؟ أى دور من المشار إليهم فى السابق يمثل دور التنوير؟ رجال الدين هم من وضعوا أنفسهم فى هذا الوضع إلا من رحم ربى منهم وهم قلة قليلة جداً، وحينما يلجأ الناس إلى السخرية منهم وأنا هنا لن أدفع عن الطريقة لأنى أرفضها طبعا ولكن الإنسان يدرك بفطرته السليمة من يحاول أن يقدم له الدعم الصادق من ويحاول الالتفاف عليه .

ففى التاريخ المصرى القديم كان كهنة آمون هم رجال الدين فى ذلك العصر ماذا فعلوا يستبدون بالمصريين ويلتهون فى بطونهم كل ما تقع عليه أيدهم، ثم تأتى الديانة اليهودية لتوضح كيف حاخامات اليهود أهم من تعاليم التوراة وأن المخاوف من الحاخامات فى نفس مقام الخوف من الله.

وكذلك كان هو نفس الوضع فى العصور الوسطى على حسب ما يذكر "راسل" فى كتابه " تاريخ الفلسفة الغريبة" من أن سلطة رجال الدين وصلت إلى أعلى درجات النفوذ حيث أدعت أنها تمتلك السلطة الروحية على العالم المسيحى ولذلك راح البابوات يناطحون مع الملوك والأباطرة ويمارسون الكثير من الاختصاصات التى لم تكن لهم من قبل، ومن ذلك القرار الذى أصدره البابا" جويورى السابع" فى القرن الحادى عشر والذى يجعل تعيين رجال الكنسية من أختصاص البابا وليس من أختصاص الإمبراطور، ومنها كذلك الكثير من قرارات البابا "انوسنت الثالث" الذى تبوأ البابوية الفترة (1198- 1216) والذى يمثل قمة ازدهار البايوى فى مواجهة الملوك والاباطرة حيث أرغم الكثير من ملوك أوربا وأباطرته على الإذعان لارادته والامتثال لقراراته. وإلا لكان جزاؤهم الحرمان من رحمة الكنسية وما يستتعبه هذا من المتاعب التى لا قبل لهم بها. ذلك البابا الذى يوم تنصيبه أختار آية معينة من الإنجيل "أنظر أنى نصبتك اليوم على الأمم والملوك، لتسحق وتحطم، وتبيد وتخلع، ثم لتبنى وتزرع". وذلك الذى يعكس مدى قوة ونفوذ رجال الدين فى تلك الحقبة من التاريخ الإنسانى ويفسرلنا فى نفس الوقت لماذا جاءت الفلسفة فى تلك المرحلة ذات نكهة لاهوتية واضحة.

وتستمر نفس المنهجية فى الدين الإسلامى حيث نجد أن رجال الدين قد نصبوا أنفسهم حراساً على العقيدة النابعة من النص الثابت، والذى لا يجوز تفسيره إلا من خلال عقولهم وحدهم. وعلى الرغم من أن هذا المهنج أدى عملياً إلى وجود العديد من التفسيرات لنص الواحد، وكل واحد منهم يتهم الآخر بأنه ليس على شئ ومع ذلك يتمسكون بالوصياء والا قصاء. فهذه النخبة المقدسة رافقتها عملية صنع حاجز من التقديس والتعظيم لرفعهم فوق العامة، فى هذا السياق يمكن فهم الحاجة لجعل " لحمهم مسموم" عند السنة أما عن الشعية فمن شرب بول الإمام يحرم عليه النار ويتوجب على الله إدخاله الجنة. / انوار الولاية . ص 440.

 ويتضمن الإسلام على العديد من رجال الدين الذين مارسوا سلطتهم العقلية من منطلق كونهم رجال الدين بمقام الأول فالأمام الغزالى والذهبى وأبن القيم وأبن الجوزى وأبن تيمية وغيرهم من كبار رجال الدين أفتوا بتكفير وهدر دم كل من يمتهن أنواع العلوم العقلية التى تتسبب فى كفر المسلمين وابتعادهم عن دينهم . فماذا فعلوا رجال الدين عندما قتل الحلاج وغيره وتم التمثيل بجسده حيا حتى مات وضع رأسه على جسر بغداد؟. لاشئ، ولعل هذا ما فطن إليه " أبو بكربن زكريا الرازى" مبكراً فى كتابه "مخاريق الأنبياء" حيث يحذر من دور كهنة الاسلام فى إعاقة تطور العلم ووصف حالهم بالفساد. وفى العصر الحديث لا يزال رجل الدين على ذات الطريق وإن إختلف الأسلوب فنجد " حسن البنا" وجماعته الذى قدم نفسه لمجتمع المصرى كرجل الدين ومصلح الاجتماعى وكانت هذه الاكذوبة الأولى فى سلسلة طويلة من الأكاذيت لتجد مصر فى بؤرة العلميات الارهابية على يد جماعة رجال الدين من قتل العديد من الشخصيات المصرية البازة، ينقسم المجتمع إلى مع أو ضد ويأتى من بعده "سيد قطب" فى كتابه "معالم على الطريق" ليحكم على المجتمع بالكفر والضلال، هو متصور أنه يقدم الدور التنويرى لشعب المصر.

إن الدور الذى يمارسه رجال الدين من ولاية على عقول الناس يتعارض مع عدالة الإسلام ومع حقوق الإنسان ومع قيم الليبرالية أترك لعقول حق فى التعارف على مجتعهم ودينهم دون فرض قيود من أى جهة رقابية، فهذه الرقابة حولت الدين إلى دين دولة، بينما هو دين البشرلا دولة لهم . فنجد روح الله الخمينى رجل الدين وصاحب المرجعية الدينية ومؤسس الجمهورية الأيرانية والذى عرف فيما بعد بأسم (طاغية الحاضر) فقد كان يرى أنه يجمع فى نفسه بين القائد الروحى والسياسى ولهذا لم يركز الخمنيى على إصلاح المؤسسات وإنما عمل على أن يتولى رجال الدين السلطة السياسية فى البلد بوصفهم هم الاقدار على قيادة الدولة بما بتفق مع الشريعة الالهية . هذا من شانه أن يؤدى إلى أن العلاقة بين المقدس والدنيوى أصبحت متوترة وإنزلقت إلى سلوكات عنفية أدخلت الاسلام فى جدلية العنف والعنف المضاد.

واليوم تسعى الدولة إلى تجديد الخطاب الدينى لأننا نحتاج إلى روح القيم الاسلامية بدون الأحكام المطلقة التى تتجاوز الزمان والمكان، هذا لم يروق لرجال الدين لأن تجديد الخطاب الدينى سوف يهدوم عروشهم القديمة من خلال الوعى الدينى الجديد وبفتح أمهات الكتب وخاصة كتب التفسير والفقة والتوحيد، ولهذا أننا سوف نظل فى مرحلة الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى ولن نتحرك خطوة واحدة نحو التجديد لأن هذا يتطلب أن يتحول الأئمة لمركز حاضنة للمواطنين اجتماعياً وسياسياً وثقافياً، لتحقيق ثورة على أصحاب الافكار الجامدة والمتاجرين بالدين وأهل التفسيرات الخاطئة والمنحرفة من الجماعات التطرف ورجال الدين أصحاب الافق الضيق.

ولا يفوتنا هنا أن نوضح علاقة وثيقة بين رجال الدين والأنظمة المستبدة، فرجل الدين لدى العوام لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه، فكل ما يقوله هو الحق وكل ما يفعله هو الصواب، وعندئذ يستطيع النظام المستبد أن يستعمل رجال الدين من أجل تبرير سياسته وأحكام قضيته على السلطة. ولعل هذا ما يقصده "ماركس" بقوله "الدين أفيون الشعوب " فعندما يعانى المواطنين من المشاكل التى تكون نتيجة إهمال الحاكم وسياسته غير الحكيمة تجد رجل الدين يحلل الوضع من زواية أخرى وهى الرضا بما قسم الله وأننا نعيش بلاء من الله وعليا الصبر حتى نكون من الفازين بالجنة ونعيمها فهو حول الأمر من أحتمالية مواجهة الحاكم المستبد إلى الرضا والخضوع للامر لله مما يؤدى إلى فقدان الاحساس بالهوية الوطنية وضيع الإيمان بالقضايا الكبرى الخاصة بالوطن إى خدمة عظمية تكون للحاكم مستبد مثل تلك الخدمة.

وإذا كنا نحاول البحث عن البديل، فبديل فى أبعد رجال الدين عن السلطة والخروج من عباءة السياسة، وعلى السلطة أن لا تحاول أستغلالهم من أجل مصلحتها، لا تأخد من علمك بالدين وسيلة لجلد المختلف عنك افتح روحك وعقلك للآخر بكل مافيه من اختلاف فنحن نحيا بهذا الاختلاف.

فى النهاية نقول هناك فرق كبير وواضح بين رجال الدين وبين الدين، الأديان جميعها جوهرها العدل والتسامح والوحدة، وجاءت لحل مشكلات الإنسان ولتقديم الأجابة على أسئلته، ولتساعده ليحيا حياة طيبة دون قهر أو خوف، فنحن لا نرفض الدين وإنما مانرفضه هو سطوة رجال الدين بأسم الدين، هؤلاء الذين يقسموا البشرمابين سنى ومابين شعيى، نحن نريد أساس لسلام الإنسانى والتعايش معاً دون أى محاولة لتفريق بينا، فكلنا من أصل واحد، وكلنا واحد رغم الاختلاف .

 

بقلم\ فادية سمير السيد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم