صحيفة المثقف

عدنان حسين أحمد: "أوراق من سيرة وطنيّة" للدكتور أيمن جعفر الحسني

عدنان حسين احمد* ترصد تاريخ العراق الحديث بعيون المعلِّم والمحامي والكاتب الصحفي محمد عبد الحسين

 * ننتظر من أهله وذويه أن ينشروا روايته المخطوطة "مذكرات جندي باسل"

صدر عن دار "لندن للطباعة والنشر" كتاب "أوراق من سيرة وطنيّة" للدكتور أيمن جعفر الحسني مع ملحق بكتابَي المحامي محمد عبد الحسين المعنوَنيَن "ذكرى فيصل الأول أو العراق في اثني عشر عامًا" و "محنة العرب". يحيطنا الدكتور أيمن في المقدمة التي دبّجها لهذه "السيرة الوطنية" أنه اعتمد على المذكّرات الشخصية لوالدته السيدة سعاد الحسني، وهي كريمة المرحوم محمد عبد الحسين الحسني، ولولا هذه المذكرات القيّمة، كما يعترف المؤلف، لما وُلِد هذا الكتاب.

يتألف الكتاب من تسعة فصول تغطي مساحة زمنية كبيرة تبدأ من أواخر القرن التاسع عشر وتنتهي بوفاة صاحب السيرة الوطنية سنة 1952م. يعرّج المؤلف في الفصل الأول على الولاة الذين تناوبوا على حكم العراق بولاياته الثلاث، بغداد والموصل والبصرة، ويصفهم بالولاة الغرباء وغالبيتهم من العسكر الذين يفتقرون إلى الخبرة في إدارة الشؤون المدنية، كما كان جُلّهم ماجنين يلهثون خلف شهواتهم الجسدية، ولم يتركوا أثرًا طيبًا في الحقب التي عاشوها، ولكن هناك استثناءات  مثل الوالي المصلح مدحت باشا المعروف بذكائه، وثقافته الواسعة، ومعرفة العميقة باللغتين العربية والفارسية إضافة إلى لغته الأم التركية حيث "أدخل إلى العراق الكثير من معالم الحياة الحديثة كالمدرسة والمستشفى والمطبعة والجريدة والمصنع وسكة الترام والحديقة العامة والشارع المبلّط" كما يذهب علي الوردي. يتوقف الكاتب عند حركة المشروطية الثانية في الدولة العثمانية التي أجبرت السلطان عبد الحميد الثاني على إعادة دستور 1876م والبرلمان العثماني اللذَين علّقهما بعد عامين من العمل فقط وطالبت أن يتقيّد بهما السلطان في حكم "رعيته". ينوّه الكاتب قبل الانتقال إلى حقبة القرن العشرين بالأحداث السلبية الكثيرة التي وقعت في العراق من بينها كارثة المجاعة التي حدثت سنة 1879م، وثورات العشائر، وفيضان دجلة، وخسارة الدولة العثمانية لطرابلس الغرب في حرب البلقان وتأثيرها على نفسية المسلمين.

الهروب إلى إيران

2665 ايمن جعفر الحسنييركِّز المؤلف في الفصل الثاني على نشأة محمد عبد الحسين الذي وُلد في مدينة الكاظمية سنة 1895م أو 1896م. وكان والده السيد عبد الحسين الحسني يعمل في خدمة الروضة الكاظمية المشرّفة، وقد تُوفي قبل أن يجتز عقده الرابع إثر إصابته بمرض "ذات الرئة". وكان على محمد أن يتحمل أعباء الأسرة، فعمل في مجال والده، وأكمل دراسته الابتدائية في مدرستَي الكاظمية والجعفرية في وقت كانت تُعد فيه المدرسة "عيبًا أو من المحرّمات" كما يذكر المؤلف، إذ كان عليه أن يرتدي اللباس العصري الأوروبي بدلاً من الدشداشة والجُبة والعمامة "وكان يذهب للمدرسة مبكرًا جدًا ويسلك دروبًا غير مطروقة لكي لا يراه أحد وهو في الزي العصري". وعندما أعلنت الدولة العثمانية النفير العام في 3 آب آغسطس 1914م قرّر الهروب إلى إيران متخفيًا بزي درويش ولم يعد إلاّ بعد دخول القوات البريطانية إلى بغداد في 10 آذار سنة 1917م علمًا بأنه ترك الكاظمية في 6 شباط سنة 1915م. وسلك طريق بغداد، خانقين، قصر شيرين، كرمنشاه، همدان، شورين، طهران. وأنجز كتاب "رحلتي إلى إيران" الذي دوّن فيه الصعوبات التي واجهته في أثناء هذه الرحلة الشاقة، خصوصًا وأنه لا يجيد الكلام باللغة الفارسية لكن معارف والده الذين كانوا يترددون إلى الصحن الكاظمي قد ساعدوه في هذه الرحلة التي أنضجتهُ كثيرًا وحفّزته على كتابة هذا النوع من أدب الرحلات.

دخل محمد عبد الحسين دار المعلمين في الكاظمية سنة 1918م وتخرج فيها سنة 1919م، أي أنّ هذه الشهادة لم تكن تعادل شهادة الإعدادية آنذاك، وسوف يأمر الملك فيصل الأول بمعادلتها بالشهادة الإعدادية كي يتسنى له ولأقرانه القبول في كلية الحقوق. وقد عمل معلّمًا في عدد من المدارس الابتدائية في بغداد والديوانية، وسوف يتدرج في التعليم حتى يصبح مفتشًا. يذكر المؤلف بأن السيد محمد قد عمل أيضًا في صحيفتي "التايمز البغدادية" و "العرب" التي استحدثتها السلطات البريطانية آنذاك.

أسباب ثورة العشرين

يتناول المؤلف في الفصل الثالث الأسباب التي فجّرت ثورة العشرين من بينها فظاظة الضباط البريطانيين الذين اعتادوا على معاملة الناس كالعبيد، خصوصًا أولئك الذين جيء بهم من الهند ولم يعرفوا عادات العراقيين وطبائعهم. كما حفّز ازدياد القدرة الاقتصادية والعسكرية للعشائر العراقية على الثورة لأنهم لم يعودوا فقراء معوزين خصوصًا "وأنّ الإنكَليز ومستخدميهم السياسيين كانوا ينثرون الأصفر الرنّان على قبائل العرب لأغراض معلومة" كما ينقل علي الوردي عن الشيخ رضا الشبيبي لمجلة "البلاغ" الكاظمية في عددها التاسع، السنة الخامسة. ومما زاد النقمة أنّ الموظفين الإداريين من جنسيات آسيوية كانوا يوبخون المراجعين العراقيين ويزجرونهم، كما أنهم لا يجيدون الكلام باللغة العربية. لعب الاستفتاء العام الذي أجري عام 1918م عن نيتهم في تأسيس حكم محلي لكن نلسون، وكيل الحاكم البريطاني العام في العراق كان يضمر شيئًا آخر مفاده "أنّ الشعب العراقي هو الذي يرغب في الحكم البريطاني المباشر له" خلافًا للأسئلة الثلاثة التي يقول أولها:هل تفضل دولة عربية واحدة تكون تحت إرشاد بريطاني؟، وثانيها: هل تفضل أن يكون رأس الدولة عربيًا من أولي الشرف؟، وثالثها: مَن هو هذا الرئيس الذي يريدون؟ يضيف المؤلف دور ثورة أكتوبر التي انطلقت سنة 1917م وحفّزت العديد من الدول للتخلص من الأنظمة الإقطاعية والدكتاتورية، ولا ينسى دور المثقفين العرب الذين آمنوا بعروبتهم وخاصة المتنورين منهم الذين لا يفرِّقون بين الأديان والمذاهب والطوائف، ولم يغفل تعاون المثقفين الأفندية مع رجال الدين المتفتِّحين. كما  ساعدت أحداث الرميثة التي اندلعت في 30 حزيران 1920م وبعض المدن العراقية مثل ديالى والسليمانية ومقتل القائد البريطاني لجمن الذي أشرف قبل سنتين على إعدام ثوار النجف على تفجير ثورة العشرين المعروفة بنزعتها الوطنية الخالصة التي أفرزت بدورها صحافة محلية تمثل نواة للصحافة الوطنية الثورية  مثل صحيفتي "الفرات" و"الاستقلال". ثم اتجه السيد محمد عبد الحسين إلى البصرة حيث عمل في جريدة "الأوقات البصرية" ثم اختفى لعدة أشهر بعد ثورة العشرين لكنه سرعان ما ظهر وقدّم إحدى خطبه في حفل استقبال فيصل الأول.

مظاهر الحداثة الصناعية

يتمحور الفصل الرابع من الكتاب على قيام الحكم الملكي في العراق ويقتبس الدكتور أيمن الحسني من كتاب "ذكرى فيصل الأول" لمحمد عبد الحسين الكثير من المعلومات عن ولادة فيصل الأول في الطائف، ودراسته في الإستانة، وثقافته المتنوعة التي مكّنته من قيادة بلد كالعراق. ثم يعرّج على استقباله في الكاظمية بعد التتويج، والمشاكل الكثيرة التي واجهته في أثناء فترة حكمه للعراق من بينها الغارات النجدية التي كان تُشن على غرب العراق وتمارس القتل والنهب والترويع، إضافة إلى الانتفاضات الداخلية التي قام بها الآثوريون وغيرهم من المكونات العراقية. ويعترف المؤلف بأن عهد الملك فيصل الأول تميّز بتأسيس مظاهر الحداثة الصناعية والعمرانية، وتشجيع القطّاع الخاص الذي استورد المكائن والمعدات، وأدخل الصناعات الخفيفة. كما يشيد المؤلف بدور المس غيرترود بيل التي أسست المتحف العراقي وحافظت على إرث بلاد ما بين النهرين. كما أثنى على الزيارات التي قام الملك فيصل الأول إلى عدد من البلدان المجاورة التي ساهمت في تحقيق الاستقرار في دول المنطقة.

يسلّط المؤلف في الفصل الخامس الضوء على  عمل السيد محمد عبد الحسين في أكثر من وظيفة، فقد اشتغل معلّمًا في مدارس عدة منها مدرسة الكاظمية، والسيف، وباب الشيخ، ثم مديرًا في مدرسة الديوانية حتى أصبح مفتشًا لمدارس الفرات الأوسط. وأنجز في تلك الفترة كتابًا يحمل عنوان "المعارف في العراق على عهد الاحتلال". كما نشر كتاب "سرّ تأخر المعارف في العراق" الذي سبّب له عداءً مستحكمًا مع ساطع الحصري فترك التعليم وعمل سكرتيرًا للسيد محسن شلاش وزير الاشغال، وبعدها انتخب نائبًا لمجلس النواب عن مدينة الديوانية سنة 1933م.

أوّل من أدخل المقال إلى الصحافة العراقية

يتناول الفصل السادس تطور العمل السياسي والصحفي في العراق في عقدَي العشرينات والثلاثينات. وفي خضم ردود الأفعال على المعاهدة على إقرار المعاهدة العراقية - البريطانية سنة 1922م كان على الصحافة العراقية أن تدخل المعركة كجزء من الكفاح الوطني السياسي، وكان السيد محمد عبد الحسين أول من خاض غمارها وأصدر صحيفة "الشعب" التي تميزت بخطابها الوطني الثائر الأمر الذي أدّى إلى تعطيلها بحجة كتابة مقال مهيّج للرأي العام. وبشهادة بعض الصحفيين المهمين أن السيد محمد عبد الحسين قد ترك بصماته في الصحافة العراقية، وقد أشار رفائيل بطي في مقال يحمل عنوان "المؤسسون لصحافة الرأي" يقول:"نستطيع أن نعتبر المقال ومقوماته، منه السياسي والأدبي والفكري وما يختص بالنقد، هو الطابع الرئيسي لشكل ومضمون الصحافة العراقية منذ نشأتها حتى أواخر الأربعينات، وأول من أدخل المقال هو السيد محمد عبد الحسين إبّان الثورة العراقية لعام 1920م، ومن ثم تعاقب الكُتّاب والأدباء، وخاصة كُتّاب المقالات الموضوعية من رجال الأحزاب والسياسة الذين جعلوا الصحافة العراقية تتسم بطابعها فترة طويلة جدًا". لم تكن علاقة الملك فيصل الأول مع ممثلي الحكومة البريطانية في العراق على خير ما يرام، "ففي 27 تشرين الثاني / نوفمبر 1928م أعرب الملك عن قنوطه بكلمات مُوجعة أمام الزعيم الهندي المسلم محمد علي عندما اشتكى هذا الأخير أمام الصعوبات التي واجهها لكي يُسمح له بالدخول إلى العراق فردّ الملك قائلاً: إنه لا يعرف شيئًا، وأنه لا سلطة حقيقية له، وأنّ السلطة الحقيقية موجودة في مكان آخر" ثم واصل شكواه بأنّ الحكومة البريطانية لم تفِ بالوعود التي قدّمتها له، وأنه لم يكن حُرًا في مملكته نفسها.

حُب العائلة المالكة

يتضمن الفصل السابع معلومات كثيرة تتعلق بتطور الحياة الاجتماعية في العراق. وعلى ما يبدو فإن القسم الأكبر من الشعب العراقي قد أحبّوا العائلة المالكة برمتها فمثلما أغلقت محلات بغداد أبوابها لمدة سبعة أيام حدادًا على وفاة المغفور له جلالة الملك فيصل الأول فإن العراقيين حزنوا أيضًا على وفاة ملكهم المحبوب غازي الذي تميز هو الآخر بروحه الوطنية الوثابة إذ خرج العراقيون وهم يلطمون على الرؤوس والصدور ويرددون:

"الله وأكبر يا عرب       غازي انفقد مــــن داره

وارتجت أركان السما    من اصطدمت السيارة"

ومع ذلك فقد استمرت الحكومات الملكية بعد عام 1935م بتوقيف الصحف ومصادرة أملاكها وهي إجراءات فظة تتنافى مع حرية الرأي والتعبير. جدير ذكره أنّ السيد محمد عبد الحسين قد زار ألمانيا مرتين ومنحه هتلر مع غيره من الصحفيين الذين حضروا الألعاب الأولمبية وسام الدولة من الدرجة الثانية عام 1937م لدوره في الصحافة العراقية.

ظهور صحف المعارضة

يرصد الفصل الثامن من الكتاب فترة الأربعينات حين جاهرت وزارة رشيد عالي الكيلاني بعدائها لبريطانيا، ومن قبلها أثرت توجهات الملك غازي الوطنية. أما محنة العرب الكبرى فتتمثل بالتغلغل الصهيوني في فلسطين الأمر الذي شجّع على ظهور صحف المعارضة ومن بينها صحيفة "البلاد" التي تحلم بالاستقلال والحرية. وبالمقابل أكّد نوري السعيد دعم حكومته الكامل لبريطانيا، وفرضَ حظر التجوّل، وأصدر قانون الحصة التموينية. وعندما قامت حركة رشيد عالي الكيلاني أنزلت المملكة المتحدة قواتها في البصرة، وأغارت طائراتها على المعسكرات العراقية، وأحتلت أجزاء من العراق لنصرة حلفائها. كما قام نوري السعيد بتطهير الجيش من العناصر المؤيدة لمناصري الوزارة الكيلانية وإحالتهم للقضاء الذي أصدر أحكام الإعدام فدخل العراق في مرحلة من العنف السياسي غير المسبوق لتصبح تصفية الخصومات سياسة ظلت متبعة حتى سنة 2003م. كما عمل نوري السعيد على تقليص قوات الجيش العراقي وزيادة عدد أفراد الشرطة والأمن ورفع ميزانيتهما إلى ثلاثة أضعاف.

يقتصر الفصل التاسع والأخير على كتب السيد محمد عبد الحسين المحامي وعددها ثمانية كتب وهي كالآتي:

1- المعارف في العراق على عهد الاحتلال 1922م.

2- سرّ تأخر المعارف في العراق.

3- مذكرات جندي باسل، أو ساحة الشهداء، رواية مخطوطة.

4- ذكرى فيصل الأول أو العراق في اثني عشر عامًا، 1933م.

5- محنة العرب، 1936م.

6- إلى الشيخ المحنّك، إلى الشباب الناهض، 1947م.

7- امتياز كهرباء الكاظمية أمام القضاء، كتاب مشترك،، 1947م.

8- كيف تتجنب الحرب؟ بتكليف من اليونسكو وصدر باللغتين العربية والإنكَليزية قبل وفاته.

ذكرى فيصل الأول أو العراق في اثني عشر عامًا

يحتاج هذا الكتاب إلى دراسة منفردة نظرًا لأهميته في الفكر السياسي الذي يتقصّى شخصية فيصل الأول منذ ولادته في 20 مايو 1883م وحتى وفاته في 8 سبتمبر 1933م. يتتبع المؤلف محمد عبد الحسين ولادة فيصل الأول في الطائف ونشأته في كنف أسرة متعلمة كريمة. وقد أفاد كثيرًا حين اصطحبه والده الحسين بن علي الهاشمي، شريف مكة، إلى الإستانة التي مكث فيها 17 سنة وتزوّد بالعلوم والمعارف التي ستنعكس على شخصيته الوطنية، وحبة للعراق بكل قومياته وأديانه وأطيافه المتعددة. يغطّي المؤلف استقبال الأمير فيصل الأول في البصرة في 23 حزيران سنة 1921م حيث قام نفرٌ من دعاة الاستعمار بإثارة قضية تجزئة البصرة لكنها لم تلقَ آذانًا مُصغية، الأمر الذي دفعه إلى الانتباه مبكرًا لكل القوميات والأديان والمذاهب في هذا البلد الفسيفسائي وصار يلتقي بهم بين آونة وأخرى حيث التقى الطائفة اليهودية وخاطبهم كمواطنين عراقيين تعتمد عليهم الحياة الاقتصادية للبلد فمنحهم المناصب المهمة التي أخلصوا لها وصاروا مضربًا للأمانة، والوطنية، والحرص الشديد. كما التقى المواطنين الأرمن وبيّن لهم حب العراقيين لهم، وما يضمرونه تجاه الملل التي قصدت العراق واستقرت بين ظهرانيه. وكان يطمئن الجميع "بأن العراق لا يعيش إلاّ مستقلاً، له حكومة دستورية ملكية".

يشير المؤلف إلى معاهدة سيفر التي عقدت في 10 آب / آغسطس 1920م التي صادقت فيها الدولة العثمانية على التخلي عن الأراضي التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية، وقد تركت للأكراد حق تقرير المصير لكن المعاهدات اللاحقة سوف تصادر هذا الحق المشروع للشعب الكوردي. أما الحكومة العراقية فيجب أن تكون "حكومة دستورية نيابية ديمقراطية مقيّدة بالقانون". وقد أجمعوا على تتويج سمو الأمير فيصل الأول ملكًا على العراق يوم 18 ذي الحجة 1339ه، وقد تمّ الانتخاب بموافقة 96% من مجموع المنتخِبين. وقال في خطابة يوم التتويج:" وإذا كان الناس على دين ملوكهم فديني إنما هو تحقيق أماني هذا الشعب، وتشييد أركان دولته على المبادئ الدينية القويمة". أما خطابه في لواء المنتفك الذي ينطوي على مسحة دينية تُذكرنا بخطب آل البيت الكرام. وعلى إثر إهانة المندوب السامي البريطاني في العراق تعرّض جلالة الملك إلى التهاب الزائدة الدودية فأُجريت له عملية جراحية حجبته عن المواطنين لمدة من الزمن. وعلى الرغم من الأجواء الديمقراطية  إلاّ أن دار الاعتماد قد أغلقت حزبي النهضة والوطني كما أقفلت جريدتي "المفيد" و "الرافدين" وأنذرت سماحة السيد الصدر والسيد الخالصي بمغادرة العراق إلى إيران. وثمة إجراءات بتوقيف بعض الشخصيات السياسية والفكرية وإبعادهم عن بغداد. ما يميز حقبة الملك فيصل الأول هو مساعدة الحكومة البريطانية على انضمام العراق إلى عصبة الأمم المتحدة. كما ساد الاعتقاد لدى العراقيين بأن المعاهدة العراقية - البريطانية قاسية وفيها بنود ثقيلة وطالبوا بوضع أسس المعاهدة الجديدة على أساس التحالف التام والمصالح المتبادلة فصُدقت المعاهدة في 30 حزيران 1930م. واجه الملك فيصل الأول صعوبات جمّة في فترة حكمه أبرزها مشكلة الموصل حيث أثار عصمة باشا في مؤتمر لوزان 1923م ضجة عنيفة حول ولاية الموضل وطالب باتخاذ سلسة جبال حمرين كحدود طبيعية بين العراق وتركيا بحجة أن ولاية الموصل وتوابعها يشكّل فيها التركمان أكثرية، وهذه مغالطة كبيرة على الرغم من وجود هذا المكون العزيز الذي تعايش مع العراقيين وأصبح جزءًا أصيلاً من الشعب العراقي. ولحل هذا الإشكال أرسلت عصبة الأمم المتحدة لجنة الحدود وأعترفت في خاتمة المطاف بأنّ ولاية الموصل هي جزء من العراق لكنها اشترطت تمديد احتلال بريطانيا للعراق لمدة 25 سنة ووقعت المعاهدة العراقية البريطانية التركية في 5 حزيران 1926م. يتناول المؤلف العلاقات النجدية العراقية وما شابها من مشكلات أشرنا إليها سلفًا. كما يعرّج الكاتب على ثورة الآثوريين التي أجبرت جلالة الملك على العودة من الاستشفاء في سويسرا ليعود في وقت لاحق لمواصلة العلاج، غير أنّ المنية كانت له بالمرصاد. وقبل أن تصعد روحه إلى بارئها قال الكلمات الآتية:"أنا مرتاح، قمتُ بواجبي، خدمتُ الأمة بكل قواي، ليَسِر الشعب بعدي بقوة واتحاد". وقد ذكر الطبيب السويسري بأن موت جلالة الملك كان طبيعيًا وقد حصل بسبب ضغط القلب. وحين وصل الجثمان إلى العراق أقفلت بغداد سبعة أيام بلياليها، كما أقفلت سائر المدن العراقية الأخرى حزنًا على هذا المصاب الجلل.

محنة العرب

أمّا الكتاب الثاني فهو "محنة العرب" الذي أصدره المحامي محمد عبد الحسين سنة 1936م ويتمحور حول احتلال فلسطين، وتغلغل الكيان الصهيوني في جسد الأمة العربية. وقد لعب وعد بلفور دورًا أساسيًا في ترسيخ هذا الكيان المغتصِب في قلب عالمنا العربي حيث أرسل آرثر بلفور، وزير الخارجية البريطاني رسالة إلى اللورد رتشيلد، رئيس العصابة الصهيونية في أوروبا بتاريخ 2 تشرين الثاني 1917م جاء فيها:"إن حكومة صاحبة الجلالة تستحسن فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وأنها سوف تبذل ما في وسعها لتحقيق هذه الفكرة". يتضمن هذا الكتاب معلومات دقيقة عن المكونات المتعايشة في فلسطين وأعدادها حيث يتألف الشعب الفلسطيني من 650.000 عربي، و 140.000 يهودي، و 75.000 مسيحي. ومثلما قلنا عن الكتاب الأول فإن كتاب "محنة العرب" يحتاج إلى دراسة منفصلة لأهمية محاوره والمعلومات الواردة فيه. جدير ذكره أن المؤلف د. أيمن جعفر الحسني قد اعتمد على 25 مصدرًا عربيًا وأجنبيًا عززت آرائه القيّمة في هذا الكتاب الذي يسد فراغًا في المكتبة العراقية على وجه التحديد.

 

عدنان حسين أحمد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم