صحيفة المثقف

محمود محمد علي: تونس بين المطرقة والسندان

محمود محمد عليلا شك في أن المُتابع لأحوال تونس في العام الماضي تحديداً كان يدرك أن البلاد تعيش وضعاً استثنائياً، بلد على سطح ساخن يزداد سخونة، فى كل لحظة يقترب من الانفجار الكبير. لم تكن أزمة سياسية وحسب، بل أزمة مجتمع ومؤسسات ونخبة ومجتمع مدنى وأحزاب. الانفجار كان متوقعاً بقوة، تدعمه الأوضاع الاقتصادية البائسة، تدهور الاقتصاد التونسي صاحبه تدهور الأوضاع الصحية بشكل عام ومريع من جرَّاء تفشى وباء كورونا وعدم قدرة المؤسسات الصحية على مواجهة تبعاته،

وهنا خرج البسطاء والمقهورون اقتصادياً وسياسياً للتعبير عن غضبهم ضد حركة الإخوان وحرق مقراتها في أكثر من مدينة مطلع الأسبوع الماضي، ورفع الشعارات التى تطالب بإسقاط الحركة ومحاسبة قادتها وأعضائها على دورهم في تخريب البلاد وشل حركتها، وشعارات أخرى دعت إلى إسقاط النظام ذاته وتغيير قواعده الدستورية.

وفي إشارة واضحة إلى محاولة تفكيك منظومة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، قرر الرئيس التونسي قيس سعيد تجميد أعمال واختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن كل أعضائه، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتولى السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العمومية.

وقد أصدر الرئيس قراره مستندًا إلى الفصل 80 من الدستور التونسي الذى ينص على أن لرئيس الجمهورية في حالة وجود خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير فى بيان إلى الشعب.

وكان سعيد قد عين المشيشى رئيسا للوزراء في الصيف الماضي عندما انهارت الحكومة بعد خمسة أشهر فقط من توليها المسؤولية، لكن سرعان ما دب الخلاف بينهما. وسعى المشيشى بعد ذلك إلى نيل دعم أكبر حزبين في البرلمان، وهما النهضة وقلب تونس الذي يرأسه قطب الإعلام المسجون نبيل القروي.وغيّر المشيشى الشهر الماضي 11 وزيرا في تعديل وزاري يُنظر إليه على أنه إبدال لحلفاء رئيس البلاد بحلفاء للنهضة وقلب تونس. لكن الرئيس رفض أن يؤدي أربعة منهم اليمين، قائلا إن الرفض يتعلق بشبهات تضارب في المصالح.والرئيس سعيد، سواء اختلف معه البعض أو اتفق، فإنه كما يقول البعض قد أدار الأزمة بذكاء، عندما حاول أن يتنفر الرأي العام التونسي الليبرالي، وانتظر نضوج حالة الغضب والاستياء الشعبي ووصولها إلى ذروتها، وساير خصومه في اعتقادهم بأنه لا يستند إلى حزب سياسي قوي ، أو قاعدة حزبية ولا يستطيع بالتالي أن يقدم على خطوات حاسمة مثل تلك التي اتخذها ليلة 25 يوليو 2021 تلك الليلية التي قلبت الطاولة علي راشد الغنوشي وتابعيه من دعاة الجماعات الإخوانية الإرهابية خاصة إبعاد رئيس الحكومة “المناكف” وأساس الأزمة في نظر الكثيرين، وتجميد أعمال البرلمان وليس حله.

الأمر المؤكد أن تونس دخلت مرحلة جديدة مختلفة ستقوم أسسها على أنقاض المرحلة السابقة المؤلمة، ولن تعود إلى الوراء مطلقا، لأن البديل هو الفوضى والدولة الفاشلة.

ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة صدامات عنيفة بين " التنظيم المسلح لحزب النهضة" والشعب التونسي، نأمل أن يتمكن “قيس سعيد” من احتوائها، وأن يتحلى الشعب التونسي بالوعى الذى يمكنه من اجتياز مفترق الطرق.. حتى نتمكن من الحديث عن تجفيف منابع أفكار الإخوان .. وفي الساعات التي أعقبت إعلان سعيد تجمعت حشود ضخمة لدعمه في تونس ومدن أخرى وتعالت الهتافات والزغاريد في الوقت الذي طوق فيه الجيش مبنى البرلمان والتلفزيون الحكومي.

ويبدو السؤال الأكثر تداولاً، هو: هل ما قام به قيس سعيد يمثل تصحيحا لمسار الثورة التونسية، أم أنه انقلاب على الدستور؟.

وتمثل الاجابة على السؤال، فجوة متسعة، بين أنصار الرئيس التونسي من جانب، وأنصار حركة النهضة، وزعيمها رئيس البرلمان راشد الغنوشي من جانب آخر، سواء على المستوى السياسي أو المستوى الشعبي. قال الرئيس التونسي نفسه، في الكلمة التي أعلن فيها اتخاذه لتلك الإجراءات، بعد اجتماع طارئ عقده في قصر قرطاج، مع مسؤولين أمنيين وعسكريين، إنه استند في قراراته إلى الفصل 80 من الدستور، الذي يسمح بهذا النوع من التدابير، في حالة "الخطر الداهم". وأشار سعيد إلى أنه قرر “عملا بأحكام الدستور، اتخاذ تدابير يقتضيها الوضع، لإنقاذ تونس، ولإنقاذ الدولة التونسية ولإنقاذ المجتمع التونسي”. مشددا على أن ما قام به "ليس تعليقا للدستور، وليس خروجا عن الشرعية الدستورية".

وثمة سؤالاً آخر مهماً نود أن نطرحه هنا في هذا المقال وهو : هل ينجح قيس سعيد في تضيق الخناق على الاخوان المسلمين المتمثل في راشد الغنوشي وحزب النهضة؟ .. وهل ما فعله الرئيس قيس سعيد ،هو إعادة لنفس سيناريو ثورة الثلاثين من يونيه المصرية والتي أطاخت بكل رموز التيار الديني والإسلام السياسي من المشهد؟..

والإجابة من وجهة نظري تتمثل في أن قرار الرئيس التونسي نحو تجميد أعمال واختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن كل أعضائه، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشى، وتولى السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العمومية.. استناداً إلى الدستور والمادة 80 منه، كان قراراً ذكيا بامتياز وذلك لكونه نجح في أن يستنفر الرأي العام التونسي ؛ وبالأخص رجل الشارع البسيط ، وانتظر نضوج حالة الغضب والاستياء الشعبي ووصولها إلى ذروتها، وساير خصومه في اعتقادهم بأنه لا يستند إلى حزب سياسي قوي مثلهم، أو قاعدة حزبية قوية، ولا يستطيع بالتالي أن يقدم على خطوات حاسمة مثل تلك التي اتخذها ليلة الخامس والعشرين من يوليو الماضي 2012، إذ نجح في أن يقلب الطاولة علي كل جماعات الإسلامي السياسي ؛ وبالذات جماعة "راشد الغنوشي" وحزب النهضة كما نجح أيضا في أن يقلب الطاولة من خلال إبعاد رئيس الحكومة "المناكف" وأساس الأزمة في نظر الكثيرين، وتجميد أعمال البرلمان وليس حله. ثلاثة مواقف عززت “ثورة ” الرئيس سعيد السلمية ضد حزب النهضة وساهمت في نجاح حراكه “الدستوري”، والخطوات السياسية التنفيذية التي أقدم عليها، حتى الآن على الأقل كما يقول الأستاذ عبد  الله عطوان:

الأولى: دعم المؤسستين الأمنية والعسكرية له، وهو الدعم الذي جاء بعد لقائه مع قياداتها، والتنسيق المسبق والاتفاق على تحديد نقطة الصفر للتحرك المحسوب بعناية فائقة.

الثانية: وقوف الاتحاد التونسي للشغل أحد أهم الأذرع السياسية نفوذا واستقلالية وفاعلية في البلاد على “الحياد الإيجابي”، وعدم اتخاذه موقفا مؤيدا أو معارضا في البداية لخطوة الرئيس سعيد “الهجومية”، وعقد مكتبه التنفيذي (القيادي) اجتماعا “مفتوحا” حتى كتابة هذه السطور، وأعطى أمينها العام المساعد مؤشرا مبطنا على تأييد الرئيس عندما قال إنه لا يعتقد أن خطواته تعارض الدستور، واتخذ الحزب الدستوري الحر المتصدر لاستطلاعات الرأي موقفا مماثلا أيضا.

الثالثة: عدم نزول عشرات الآلاف إلى الشوارع دعما لائتلاف حزب النهضة مثلما كان متوقعا، ولوحظ قلة عدد النواب الذين انضموا إلى رئيسه المعتصم أمام المجلس بعد إغلاقه من قبل قوات الأمن.

يقينا ستقهر الإرادة التونسية فيروس الإخوان، نعم تواجه الدولة ببسالة (كورونا) الذى أوصل البلاد إلى حالة متردية فى الرعاية الصحية، كان ينبغي كما يقول الأستاذ طارق الشناوي بأن تبدأ المعركة أولا بمواجهة الفيروس الأشد فتكا بالبلاد والعباد الذى يحمل اسم (كوفيد الإخوان). تونس تستطيع؟ نعم أسرع مما يعتقد الكثيرون، لم تتوقف أبدا هذه الدولة التي عصرنها الحبيب بورقيبة عن إعادة النظر فى كل ما يتصور بعض المتزمتين، أنه يشكل أركانا أساسية فى الإسلام، قرر العلماء أن يتفهموا روح الإسلام، وأخذوا منه ما هو عميق، وأعادوا للمرأة الكثير من حقوقها، لايزال المتزمتون في مصر يعلنون أن ضرب المرأة حلال شرعا، طالما لم يكسر لها ضلعا، وإذا أرادها الزوج في أي وقت عليها أن تستجيب وإلا لعنتها الملائكة، كيف ذلك؟ وهل تفرق العدالة السماوية بين حق المرأة وحق الرجل؟ يقدمون رؤية ذكورية لقراءة الدين الإسلامي، بينما في تونس تبنوا رؤية إنسانية، لا تفرق بين الرجل والمرأة.

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

...........

1- علية الجعار:  تونس تستعيد وعيها.. مقال بالوطن المصرية .

2-طارق الشناوي: إلى تونس (نحبكم برشا)!.. مقال بالمصري اليوم.

3-عمرو الشبكي: أزمة تونس !.. مقال بالمصري اليوم.

4-حسن أبوطالب: تونس تبحث عن نفسها !.. مقال بالوطن المصرية .

5-حسين القاضي: إلى التونسيين.. لا تُكرروا أخطاء إخوان مصر!.. مقال بالوطن المصرية.

6- عبد  الله عطوان: أزمة تونس !.. مقال القدس العربي.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم