صحيفة المثقف

محمود محمد علي: "حكمت أبو زيد" وذكرى أول وزيرة مصرية بعد ثورة 23 يوليو 1952

محمود محمد عليليس من المعقول أن تمر علينا ذكرى وفاة الدكتورة حكمت أبو زيد (1922-2011م) أول وزيرة مصرية بعد ثورة الثالث والعشرين من يوليو لعام 1952م ، في مثل هذا اليوم؛ (وبالأخص في الثلاثين من يوليو 2011 )، وأن نمر عليها مرور الكرام، دون ذكر، أو وقفة، أو تسليط الضوء على شيء من منجزات هذه المرأة الوطنية العظيمة، مع العلم أنها  كانت أول وزيرة مصرية انحسرت عنها أضواء الشهرة بعد ثورة 23 يوليو 1952م بسرعة لافتة للنظر، مع العلم بأنها أسهمت قدر استطاعتها في الارتقاء بالعمل السياسي في مجالها، وعملت قدر طاقتها علي أن تنقل ما عرفته إلي بني وطنها، استجابة إلي تحديات الركود السياسي في مجتمعها، ورغبة في الوقت نفسه في الارتقاء بهذا المجتمع من خلال نشر الاستقرار وقيام الدولة المصرية القوية.

وتعد الدكتورة حكمت أبو زيد كما قلنا هي أول سيدة تتقلد منصب وزيرة في مصر، عندما اختارها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر أول وزيرة للشئون الاجتماعية في 25 سبتمبر 1962، حيث أطلق عليها الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر " قلب الثورة الرحيم".

وفي عام 1940م التحقت الدكتورة "حكمت أبو زيد"  بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة" حاليًا. كان عميد الكلية وقتها الدكتور طه حسين، الذي تنبأ لها بمكانة رفيعة في المستقبل لملاحظته قدرتها العالية في المناقشة الواعية.

ولم تكتف الدكتورة "حكمت أبو زيد"  بالحصول على المؤهل الجامعي، بل حصلت على درجة الماجستير من جامعة سانت آندروز بإسكتلندا عام 1950، ثم درجة الدكتوراه في علم النفس من جامعة لندن بإنجلترا عام 1955. وفي العام نفسه، عملت أبو زيد أستاذًا بكلية البنات جامعة عين شمس، إلى أن اختارها عبد الناصر وزيرة للشؤون الاجتماعية في العام 1962.

كما تعد الدكتورة "حكمت أبو زيد"  من السيدات التي نشأن  في صعيد مصر، وقد  أطلق عليها الزعيم جمال عبد الناصر " قلب الثورة الرحيم" أول سيدة تتقلد منصب وزيرة فى مصر عندما اختارها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أول وزيرة للشئون الاجتماعية فى25 سبتمبر1962 .

كذلك تعد الدكتورة "حكمت أبو زيد"  نموذج حقيقي لنضال المرأة المصرية فى سعيها للتميز والنجاح؛ حيث أبحرت بين أصعب القضايا الفلسفية الحديثة والمعاصرة في لغاتها الأصلية، وظلت تثق بنفسها وصريحة إلي حد التطرف في المصارحة والبعد عن المداهنة ولا تقول لنا إلا الحق، وهي من جيل جاء في زمنٍ كان يقتصر فيه دور المرأة على المنزل فقط، ولا شك أن إسهاماتها ستظل علامة مضيئة للمرأة المعاصرة، وهي ظاهرة لا تتكرر كثيرا بين النساء  الصعيديات بمصر المحروسة.

كانت الدكتورة "حكمت أبو زيد"  قمة في التواضع، فهي إنسانة بكل ما تحمله كلمة الإنسان من معاني ودلالات، فلقد وهبت حياتها للعمل السياسي : تعليماً وبحثاً، وظل اهتماماته الرئيسية هي اهتمامات وزيرة للشؤون الاجتماعية تسعي إلي أن ترتفع بعملها إلي أعلي مستوي ممكن، ومن هنا فإنها تمثل القدوة والريادة وستظل ذكراها الطيبة تمثل المنارة التي يهتدي بها الإنسان في الظلام تمثل الشعلة الخالدة، شعلة  الريادة النسوية في العمل السياسي، وما أعظمها من شعلة .

وفي عهد الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات اشتهرت الدكتورة "حكمت أبو زيد " باختلافها معه في بعض وجهات النظر،  وكان الحديث مذاعًا في التليفزيون؛ من أهم مشروعاتها مشروع الأسر المنتجة، ومن أبحاثها: التكيف الاجتماعي في الريف، التربية الإسلامية، وكفاح المرأة، ووضعت أول خطة لتنمية الأسرة، وأعدت مشروع الرائدات الريفيات تمهيدًا للأسر المنتجة، وعملت لصالح مشروع تهجير النوبة، ووضعت قانون تنظيم الجمعيات الأهلية، ونظمت جمع الزكاة.

وعندما وقع الرئيس السابق محمد أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد اعترض جميع المثقفين على هذا ، ومنهم الدكتورة "حكمت أبو زيد"  . فبعد عودتها للجامعة للتدريس بعد رحيل جمال عبد الناصر في العام 1970، اختلفت بشدة مع قرار الرئيس السادات لمبادرة السلام مع الكيان الصهيوني، وشكَّكت في النوايا الصهيونيَّة تجاه الأمة العربيَّة، مما جعلها تتلقى أبشع الاتهامات.

وفي هذا الوقت حدث النفي وسافرت الدكتورة "حكمت أبو زيد" وزوجها إلى ليبيا بعد مبادرة عام 1975 للعمل وكانت تعود لمناقشة رسائل الدكتوراه للطلبة. وفي حوار لجريدة نصف الدنيا عام 2011، قالت فيه أنه "لم يحدث حرمان من الجنسية". وأن ما حدث هو "أنهم لم يعطوني جواز السفر المصري وكانوا يريدون أن يعطوني وثيقة فرفضت وكنت أسافر بالجواز الليبيي". ظلت حكمت خارج مصر لمدة عشرة سنوات. وتقول: "سعدت عندما عدت في التسعينيات واستقبلني وزير الداخلية في قاعة كبار الزوار بعد صدور قرار من مبارك بعودتي لأرض مصر في 2 مارس عام 1992". أصدرت المحكمة العليا قرارها بإلغاء الحراسة على ممتلكاتها، وحقها في حمل جواز السفر المصري والتمتع بالجنسيَّة المصريَّة، وفور علمها بذلك قرَّرت العودة لمصر إلي أن توفيت في 30 يوليو 2011، عن عمر يُناهِز الـ 89 عامًا.

وقد منح القائد الليبي الراحل "معمر القذافي" الدكتورة "حكمت أبو زيد"  نوط الفاتح العظيم من الدرجة الأولى، فيما منحها الملك الحسن الراحل - ملك المغرب سيفه الذهبي النادر رغم أنه لم يكن يمتلك سواه. ثم أصدرت المحكمة العليا قرارها بإلغاء الحراسة على ممتلكاتها، وحقها في حمل جواز السفر المصري والتمتع بالجنسيَّة المصريَّة، وفور علمها بذلك قرَّرت العودة لمصر إلي أن توفيت في 30 يوليو 2011، عن عمر يُناهِز الـ 89 عامًا

وُلِدَت الدكتورة "حكمت أبو زيد"  في قرية "نزالي جانوب" بالقوصية محافظة أسيوط عام 1916، كان ترتيب حكمت هو الثالث بين أشقائها الثلاثة. وكان والدها يمتلك في مسكنه مكتبة تضم خطب مصطفى كامل، وأعمال المناضلة الفرنسية جولييت آدم، ومؤلفات مصطفى صادق الرافعي؛ وكانت أمها تشارك جاراتها وصاحباتها المسيحيات في صوم العذراء، وتكتفي طيلة هذا الصوم بما يعدونه لها من طعام خال من الدهون. كانت مدرسة حكمت الأولي في ديروط الشريف، والابتدائية في سوهاج ثم أسوان، وتقدمت بعدها للالتحاق بمدرسة حلوان الثانوية للبنات. وكما التقاليد وقتذاك، كانت المدارس الابتدائية تخلو من الطلاب؛ فذهبت لمدرسة في المحافظة تبعد عنها مئات الأمتار وفي المراحل التعليمية التالية أصر والدها علي إلحاقها بمدرسة وتدرجت في المراحل التعليمية حتي حصلت علي الدكتوراه من إنجلترا في الأربعينيات في الوقت الذي كانت الفتاة تكافح لتخرج من بيتها للتعليم.

كانت حياة الدكتورة "حكمت أبو زيد"   قائمة على أساس خلق عملية التحدي في نفسها والتغلب علي العقبات التي تعوق بينها وبين متابعة العملية التعليمية؛ فحتي المدارس الابتدائية لم تكن موجودة والتحدي كان يتمثل في محاربة إخوة والدها، لأنهم كانوا يريدون منعها من التعليم بسبب "تخلفهم الذهني والعقلي" كما ترى حكمت. وتقول أن "والدها الذي كان يعمل ناظرا بالسكك الحديد وفر لها ولشقيقتها الأكبر مني وسيلة للسفر يوميًا من قريتهما لبندر ديروط" حيث تلقت حكمت تعليمها الابتدائي والإعدادي هناك.

أما في المرحلة الثانوية فقد تركت الدكتورة "حكمت أبو زيد"   أسرتها والتحقت بمدرسة حلوان الثانوية (مدرسة داخلية) في الثلاثينيات من القرن الماضي، ولم يكن بحلوان حينذاك مدن جامعية فأقامت بجمعية بنات الأشراف التي أسستها رائدة التعليم نبوية موسى. وعن مصروفها تقول حكمت: "كان لي مصروف 54 جنيهًا وكان وقتها مبلغًا كبيرًا وبخلاف فلوس الأنشطة والفنون والرياضة بعكس ما نراه في هذه الأيام من عدم إشباع لمواهب الأطفال المختلفة التي تظهر".

وفي 1940، التحقت الدكتورة "حكمت أبو زيد"  بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة)، وكان عميد الكلية وقتها الدكتور طه حسين، الذي تنبأ لها بمكانة رفيعة في المستقبل. ثم حصلت على دبلوم التربية العالي من وزارة التربية العالي من وزارة التعليم بالقاهرة في 1944 ثم على الماجستير من جامعة سانت آندروز باسكتلندا في 1950، ثم على الدكتوراه في علم النفس من جامعة لندن بإنجلترا في 1955.

تقول الدكتورة "حكمت أبو زيد"  : "درست علي يد مرجيت ميد، وآيزيك، وكان زملائي في جامعة لندن: حامد عامر، عبد العظيم أنيس، فائق مزيد، أحمد أبوزيد، ومعهم الطالب العراقي خير الدين حسيب، الذي تولي بعد ذلك وزارة الاقتصاد في بلده، وأسس مركز دراسات الوحدة العربية. وكنا نجتمع في النادي المصري بلندن، وكونا لجنة وطنية حددوا مهامها في إقامة محاضرات للرد علي الادعاءات المثارة هناك ضد ثورة 1952م.

كان والد الدكتورة "حكمت أبو زيد"  يؤمن بأهمية التعليم سواء للبنت أو للولد، وكان يحارب لتعليمها بدلًا من شراء الأطيان. وبرغم أن شقيقاتها الأكبر منها لم يكملا تعليمهما، فإن أختي الصغرى تخرجت في كلية الحقوق. لم تكن والدتها. وبعد تخرجها من كلية الآداب جامعة القاهرة، عملت مدرسة في مدرسة حلوان، المدرسة نفسها التي تخرجت منها ثم ذهبت لإنجلترا في بعثة لنيل الماجستير في التربية وعلم النفس جامعة سانت أندروز بإسكتلندا عام 1950، ثم الدكتوراه في علم النفس التربوي من جامعة لندن عام 1957.

عادت الدكتورة "حكمت أبو زيد"  بعد ذلك للعمل في كلية البنات جامعة عين شمس، وكانت أسماء فهمي هي العميدة للكلية عام 1955. ومن عام 1962 إلى عام 1965، تم وقع الاختيار على حكمت لتتولى منصب وزيرة الشئون الاجتماعية في عهد الرئيس السابق لجمهورية مصر العربية جمال عبد الناصر. ولاحقًا، عملت حكمت كأستاذة في قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة. كما أنها عضوة في المجلس الأعلى للثقافة.

وفي النهاية لا أملك ألا أقول: أستاذتي الدكتورة "حكمت أبو زيد"  لكِ منا كل الثناء والتقدير في ذكري وفاتك، بعدد قطرات المطر، وألوان الزهر، وشذى العطر، على جهودك الثمينة والقيمة .. فمنك تعلمنا أنّ للنجاح قيمة ومعنى .. ومنك تعلمنا كيف يكون التفاني والإخلاص في العمل، ومعك آمنا أنّ لا مستحيل في سبيل الإبداع والرقي.. ومنك تعلمنا أنّ للنجاح أسرار .. ومنك تعلمنا أنّ المستحيل يتحقق بثانويتنا.. ومنك تعلمنا أنّ الأفكار الملهمة تحتاج إلى من يغرسها بعقول طالباتنا .... فلك الشكر على جهودك القيمة لكونك كنت ملاكاً يمشى على الأرض في زمن يتكالب فيه الناس على الحطام.

وتحيةً أخري للدكتورة "حكمت أبو زيد" التي لم تستهوها السلطة، ولم يجذبها النفوذ ولكنها آثرت أن تكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف تبقى نموذجاً لكل امرأة تريد أن تدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً.

رحم الله الدكتورة "حكمت أبو زيد" ، والذي صدق فيها قول الشاعر: وليس موت إمريء شاعت فضائله كموت من لا له فضل وعرفان.. والموت حق ولكن ليس كل فتى يبكي عليه.. إذا يعزوه فقدان في كل يوم .. ترى أهل الفضائل في نقصان عد وللجهال رجحان.

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم