صحيفة المثقف

سعيد بوسامر: ماذا حدث في الأهواز...

سعيد بوسامرالعطش مفردة مثيرة للرعب! مجرد ذكرها يحيل العقل إلى اختلاجات نفسية جسدية تاريخية مؤلمة. إنّ عطَش هذه الأرض قضية قديمة متجددة، وحلّها مجرد معالجة سطحية للمشكلة الكبرى. فماذا تعرفون أنتم عن المشكلة الكبرى؟!

إنهم خلقوا المشكلة الصغرى وجهزوا الحلّ الأصغر ليبقى هذا الإنسان الحائم يطالب بمستلزماته الحيوية وينسى إرادته وحريّته وكرامته. إنَّ المشكلة الكبرى تكمن في عدم الاعتراف بهذه الحقوق أو يجدر أن نقول بإنسانية الإنسان قبل أي شيء آخر. هنا، على أغنى بقاع الأرض، ومنذ عقود، سُحق هذا الإنسان إلى درجة الحرمان من أشياء صغيرة وعادية، ويتعرض للإذلال والشتيمة على نحوٍ مستقيم. إنه يعيش على صفيح ساخن دائماً، أو لنقل إنه يعيش معركة موت، إنها طاحونة الموت التي يدور رحاها فتسحق كل معاني الإنسان، إنه يفقد خصوصيته، وتضمحل شخصيته...فكلما استيقظ أسكتوه تسكيت المستكين، وحقنوه بحُقن من الجهل والتطرف والقبلية، إنها حقنات ثخينة جعلته فأراً مختبرياً يقضم من ذيله حال جوعه..إنه خضع لمزاج وأهواء آخرين يكرهونه، إنهم بالفعل يكرهونه، بل يحقدون عليه حقداً مُريباً. وأما حقوقه فأصبحت رغباتهم، إنهم يسوغونها حسب رغباتهم..إنّهم شرسون ولؤماء جداً في معاملته، يعاملونه بناءً على ذلك الحقد التاريخي القديم، بناءً على أسس إثنية وثقافية غارقة في القدم.

إنهم يعملون على تخريب كل مقومات الرغبة في الحياة في هذا الإنسان الأعزل الذي أمسى يشبه حمامة في قبضة وشَق، لا بل ذبابة في شراك عنكبوت غير مرئية، إنهم أفسدوا الرغبة في العزيمة والفعل والطموح فيه.. وجعلوه ييقن أنه لا يستحق الحياة... وأما من يستحقها فهو الآخر فحسب. فجعلوه وقوداً لمنازلهم، فبدأ يتحسد عليهم، والمغلوب مولّع بالغالب غالباً، فحاول أن يتشبه بهم ويقلد مشيتهم لكنهم لطموه.

قد يقول قائل: ماذا فَقَدَ هذا الأهوازي؟...

سؤال مؤلم بقدر ما هو مُستحق، إنه فَقَدَ أشياء كثيرة يا صديقي، إنه فَقَدَ كل ما يملكه أو ما كان باستطاعته أن يملكه، إنه فَقَدَ كل قدراته ومكتسباته، كل أحلامه وطموحاته،إنه يعيش الفقر والتمييز والخراب، ويولد ويعيش ويموت بالبؤس والضيم والاضطهاد فلا أحد يحزن عليه غير أمّه...! ولا أريد أن أكلمك عن الأم هنا؛ فحكايتها حزينة تبکي السماء دماً حين سماعها.

لقد جرّدوه من كل شيء حتى اسمه لم يعد له، لغته لم تعد له، هويته لم تعد له،تاريخه لم يعد له، حروفه لم تعد له، حتى ضحكته وبكاؤه لم يعودا له، إنهم وضعوه في أمكنة لا تنتمي إليها روح إنسان ولا يصلح للعيش فيها قلب إنسان. ثم جيّشوا الكون ضده فلطموه مرة أخرى...

إنّ هذا الأهوازي يا رفاق أمسى مجرد رقم يعدونه وقت الحاجة، يكسرونه ويضربونه ويضيفونه عند الحاجة ويشطبونه إذا سئموا منه.

إذن إنّها ليست قضية ماء وعطش فهذا الإنسان المكرّم والعزيز معروف بصبره، إنها كومة أثقال حملها هذا الإنسان فأتعبت كاهله فرماها كلّها، إنها تراكمات تراكمت حتى وصلت حد الانفجار فانفجرت. وبعدها أصبح هذا الرقم الصغير غير المرئي، راديكاليا، ليلغي جميع العقبات والصعاب، فبرز من عشّه وصار أيقونة الصبر والحكمة والنضال للعالم برمته. إنه عشق الأرض يا أصدقائي، عشق الإبن بأمه، والإبن هو أصدق العشاق.

 

سعيد بوسامر

تموز ٢٠٢١

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم