صحيفة المثقف

منذر فالح الغزالي: حقوق الإنسان عبر التاريخ، الفكرة والتطور

منذر الغزاليإنَّ الأصول الأولى لفكرة حقوق الإنسان بدأت في مُنذ بداية تكوين حياة مشتركة لمجموعات البَشر، ومنذ ذلك الحين، تطوَّرت هذه الفكرة باختلاف العصور، والمجتمعات لتظهر لنا كما هي اليوم، وفيما يلي ذِكرٌ لمحطاتٍ مختلفة لتاريخ حقوق الإنسان، والتطوُّر الذي حدث لها.

أولا: حقوق الإنسان في العصور القديمة

حقوق الانسان في الحضارة الفرعونية

الدولة الفرعونية القديمة

كان نظام الحكم قائما على ألوهية الملك، لقد تميزت حكومة الملك الفرعون بأنها ضمنت حق العبودية من قبل جميع طبقات المجتمع المصري للملك الذي نصب نفسه إلها وفي ذات الوقت لم تعط أولئك العبيد النصيب الاكبر من الحقوق فعلى صعيد الملكية الفردية ، كانت الأرض ملكاً للفرعون ولا يحق لاحد ان تكون له ملكية خاصة الا بموافقة الفرعون على ان الملكية لن تتضمن حق التصرف فما زال الفرعون هو المالك الشرعي للأرض ومن عليها  ولم يخرج الكهان ومعابدهم عن ملكية الفرعون ، بل كان العديد من الفراعنة من كبار الكهان الذين مهدوا لقيام فكرة الوهية البشر. ولا يمكن تخيّل أي حقوق على المستوى الإنساني.

وفي حقبة الدولة الفرعونية الوسطى (2200 ق.م)

 برز الى الواقع فكر جديد اتجه نحو الاصلاح وتنصل عن فكرة الوهية الملوك " الفراعنة " فقد كان "إخناتون" أول ملك فى تاريخ الإنسانية نادى بالتوحيد ، وظهرت بوادر عهد جديد يتجه نحو محاولة تقنين سلطة المعبد والكهان ، وظهر الملك الذي يقيم العدل بين الناس ويخفف من وطأة التقسيم الطبقي بين المصريين .

 وقام هذا الإتجاه ايضا بتحقيق المساواة بين ابناء المجتمع كما تنازل عن فكرة ملك ارض مصر بمن عليها من قبل الفرعون ، وهنا شهدت الحقوق المدنية تطورا في التطبيق, فحرية العقيدة قد كفلت ، على ان يكون الحكم للاسرة الفرعونية حصرا فالملك وحده وليس بمعية الكاهن من يتخذ القرارات الهامة ويمارس الحكم بين الناس .

اما المرأة فقد تمتعت بشخصية قانونية كاملة ابتدأت بالاسرة الفرعونية فقد حكمت النساء الدولة لفتره من الزمن ، ومن أشـهـر ملـكات هذه الأسرة عـلى سبـيـل المـثـال المـلـكـة " تى" بنت الشعب وزوجة امنحوتب الثالث وأم إخناتون ، والملكة " نفرتيتى" زوجة " إخناتون" والملكة العظيمة "حتشبسوت" التي حكمت مصر قرابة عشرين عاما وبلغت مصر فى عهدها أعلى قمة فى الحضارة والعمارة والتجارة الدولية .

الدولة الحديثة

تبدأ من طرد الهكسوس على يد أحمس العام 1571 ق. م وهي فترة امتازت بالاستخدام المبالغ فيه لقوة الجيش الفرعوني المسلح بأحدث السلحة في حينه. وتراجع بالحقوق الإنسانية، وعودة الملك – الإله وعادت معها سلطة الكهنة.

قوانين ماعت

أطلق المصريون القدماء كلمة ماعت على جوهر النظام والعدالة للكون والملك والمجتمع والفرد، ولخصت هذه الكلمة الفلسفة الروحية العميقة للأخلاق والقيم والعدل والمثالية.

في أحد كتابات الباحث التاريخي جلال شلتوت، أوضح أن حضارة مصر الفرعونية القديمة كانت الأقدم بين الشعوب في تحديد وإقرار مبادئ حقوق الإنسان التي أقرها العالم حديثاً، وكذلك وضع قانون ونظام يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكومين بالإضافة للعلاقة بين المحكومين وبعضهم البعض، وهو ما يطلق عليه نظام “ماعت”، وأسست مصر عليه نظامها السياسي والإداري والديني والاجتماعي فيما بعد.

حقوق الانسان في حضارات ما بين النهرين

بتطور الحياة، تطوَّر ضمان حقوق الإنسان من القواعد العُرفيّة إلى ضمانها وِفق نصوص قانونيّة تُقدِّمها الدَّولة

في الألفية الرابعة  قبل الميلاد ظهرت المُدن الكبيرة في العراق القديم، وبدأت معها نشأة القوانين التي تُعَدُّ أساساً لضمان الحقوق، ومنها حقوق الإنسان، ويُعتبَر العراق أوَّل من وضع القانون؛ حيث كان في البداية على شكل قواعد عُرفيّة، ثمّ تطوَّرت لتُصبح قواعد قانونيّة، ومن القوانين التي أقرَّت حقوق الإنسان في تلك الفترة:

قانون أورنامو:

 وهو قانون أصدره الملك السومريّ (أور نمو) في الفترة (2003-2111ق.م)، وقد اعتُبِر بذلك أقدم القوانين المكتوبة ، وتضمَّن القانون إقراراً لحقوق الإنسان؛ فذُكِرت في مُقدِّمته مواضيع عن توطيد العدالة، والحرّية في البلاد، وإزالة العداوة، والبغضاء، والظلم، بالإضافة إلى تحريم المَساس بجسم الإنسان، وقد اقتُبِست من هذا القانون العديد من النصوص لمبادئ حقوق الإنسان، والتي أُقِرَّت في الإقرار العالَميّ لحقوق الإنسان.

قانون لبيث عشتار:

 وهو قانون يعود إلى بداية العَهد البابليّ القديم، حيث أصدره الملك (لبيث عشتار)، وقد تمّ العثور عليه في بداية القرن العشرين بواسطة تنقيبات أجرتها جامعة بنسلفانيا، ويتضمَّن هذا القانون نصوص مُشابهة لمُقدِّمة قانون أورنامو، وبعض الموادّ القانونيّة الأُخرى؛ حيث دعا إلى نَشر العدل في البلاد، والقضاء على العداوة، والبغضاء، وجَلْب الرفاهيّة للأكديّين، والسومريّين، بالإضافة إلى حماية طبقة العبيد، وإنصافهم، ومَنْع الإساءة إليهم، وأيضاً مَنع التعذيب، والمَساس بجسم الحيوان.

شريعة حمورابي:

 أو قوانين حمورابي هي مجموعة قوانين بابلية يبلغ عددها 282 مادة قانونية سجلها الملك حمورابي سادس ملوك بابل (حكم من سنة 1792 قبل الميلاد إلى سنة 1750 قبل الميلاد)

ويُعتبَر هذا القانون من أكثر القوانين اهتماماً بحقوق الإنسان؛ حيث تضمَّن يعض حقوق الإنسان التي وَردت في القوانين السابقة له، التي تتَّفق مع روح العصرالذي يعيش فيه، وأضاف حمورابي بعض الموادّ القانونيّة الأُخرى، كمبدأ القَصاص، وتحديد عقوبة الموت، كما حدَّد مسؤوليّة حاكم المدينة، والمُتمثِّلة بتحقيق الاستقرار، والأمن، وحماية أموال الشعب، وتمثَّل ذلك بتحقيق نظام قضائيّ مُتطوِّر.

غير أن عيوب ونواقص كثيرة قد ظهرت ولا تـزال تظهر في هـذا القانون، حيث أنه لم يصل كاملا، وإنما وصلت منه قطع غير مترابطة

حقوق الإنسان في الحضارة اليونانية القديمة

في إطار المراجعة التاريخية، نجد أن الحضارة اليونانية قد شرعت على الصعيد الاجتماعي نظام الرق العام، والرق الخاص أو تسنيد العبيد في خدمة البيوت والأمراء... فكان للهياكل في اسيا الصغرى أرقاؤها الموقوفون لها وكانت عليهم واجبات الخدمة والحراسة ولم يكن من حقهم ولاية اعمال الكهانة  والعبادة العامة. وميز معظم فلاسفة اليونان، امثال ارسطو بين القانون الطبيعي والقوانين الوضعية.

أرسطو

أعتبر ارسطو أن مبدأ المساواة من المبادئ الأساسية التي تنضوي تحت لوائه جميع الحقوق والحريات المعترف بها للأثينين، وبهذا فأن مبدأ المساواة هذا يحتم معاملة جميع الناس بشكل متساو سواء أمام القانون، أو حتى فيما يتعلق بحقوقهم السياسية والوظيفية وممارسة الحق في الرأي وحرية التعبير. ووفقا لمفهوم أرسطو، فإن الله خلق فئتين من الناس، اليونانيون الذين يمتازون بالفعل والارادة، والبربر ذوي الطاقات البدنية التي تهيئهم لأن يكونوا عبيدا.

أفلاطون

ويقضي أفلاطون في جمهوريته الفاضلة

بحرمان العبيد من حق المواطنة، وإجبارهم على الطاعة والخضوع للأحرار من سادتهم أو من السادة الغرباء، ومن تطاول منهم مع سيد غريب، اسلمته الدولة ليقض منه كما يشاء.

مدرسة الكلبيين والرواقيين

المدرسة الكلبية جاءت لتخفف من حدة التطرف الفكري والفلسفي اليوناني تجاه مسألة حقوق الإنسان، والتي تبعت خطاها المدرسة الرواقية (430 – 490 ق. م) والتي كان من أهم مبادئها على الإطلاق، مبدأ الأخوة والذي يقضي بأن جميع البشر أخوان، وألغت ظاهرة العبودية والسيد والعبد، إذ تنظر هذه المدرسة أن جميع البشر أخوة مهما تباينت أصولهم وأجناسهم ولغاتهم، وذلك بإخضاعهم إلى قانون واحد هو القانون الطبيعي الذي لا يجوز أن يخالف من قبل نصوص القانون الوضعي.

حقوق الإنسان والحضارة الرومانية:

لم يكن الحال عند الرومان بأفضل منه عند اليونان، فقد انتشر الاسترقاق بينهم من غير تفريق بين ما كـان رومانيا أو أجنبيا فكانـوا يملكونهم إما بحرب أو شراء أو بإختطاف. وتعتبر الألواح الاثني عشر من أقدم أثار القانون الروماني، وقد وَضعت في أواسط القرن الخامس قبل الميلاد، وقد عكست هذه القوانين التمايز الطبقي والاجتماعي في نسيج المجتمع الروماني القديم، على أساس الملكية وتطور نظام الرق ونشوء دولة مالكي العبيد، وكتبت القوانين على أثني عشر لوحا.

ولقد تجاوزت فظائع انتهاكات حقوق الإنسان في العصر الروماني كل أشكال الظلم والقهر التي شهدها الانسان في الحضارات الاخري. فقد كان الرقيق في العهد الروماني شيئا لا بشرا، فلا حقوق لهم، وكان القانون الروماني يقسم الناس إلى وطنين وأجانب، والأخيرون في الأصل أعداء، وكان مبدأ استباحة الأخرين هو أهم المبادئ التي قامت عليه عناصر القوة الرومانية في التعامل مع الأخرين من شعوب هذه الأرض، ومن ثم كان القانون الروماني يقسم العالم إلى ثلاث ديار هي دار الوطنين، ودار الأعداء ودار المعاهدين والمحالفين.

ثانياً: حقوق الإنسان في العصور الوسطى

حقوق الإنسان عند العرب قبل الإسلام:

على الرغم مما شاع في أوساط المجتمع العربي من استغلال وعادات سيئة كالثأر ووأد البنات والرق والاستغلال والربا، إلا أنه كانت في مجتمعاتهم ما يؤكد على تمسكهم بحماية الضعيف، ومنع الاستغلال، وإنصاف المظلوم.

لقد كانت الأحلاف هي القناة والأداة لحفظ الحقوق واستقرار الأوضاع، ومن أشهر هذه الأحلاف ( حلف الفضول )، حيث تعاقدوا وتعاهدوا فيه على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد إليه مظلمته.

وهذا الحلف يعد فريدا من نوعه في تاريخ البشرية، ويعد حلف الفضول بالمعنى المتقدم حلفا إنسانيا يتضمن قيما أخلاقية أصيلة أساسه العدل والانتصار للمظلوم ضد الظالم.

حقوق الإنسان والحضارة الإسلامية:

كانت رسالة السماء مجسدة في القرآن الكريم واضحة كل الوضوح على صعيد أحترام حقوق الإنسان، حيث نادت بضرورة تحرير الإنسان من العبودية والرق والاستعباد واقرت بمبادئ العدالة والمساواة وتحريم التميز.

الحضارة الإسلامية لعبت دورا مهما في تطور وإنضاج وعي الإنسان بحقوقه وحرياته الأساسية، وذلك من خلال إقراره بمبادئ هامة تعد ركيزة لأي نظام اجتماعي قانوني بشري.

 ويجمع ذلك قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، ويؤسس هذا الحق العدل الواجب ومبدأ تكريم الإنسان

يتفق المؤرخون بصفة عامة على أنّ ما دعا إليه نبي الإسلام محمد ضد ما رآه من شرور اجتماعية آنذاك و الإصلاحات الإسلامية الاجتماعية في مجالات عدة كالأمن الاجتماعي وكيان الأسرة والعبودية وحقوق المرأة والأقليات العرقية تحسّنت مما كانت عليه في المجتمع العربي المتواجد في ذلك الوقت.

ويؤمن برنارد لويس بأن طبيعة المساواة في الإسلام "تمثّل تقدماً ملحوظاً على الممارسات اليونانية الرومانية وعالم الفرس القدماء".[ و أيضاً، دمج محمد قوانين العرب والموسوية وعادات ذلك الوقت إلى الوحي الإلهي.

ميثاق المدينة

 وضعه رسول الإسلام في العام 622م، تم إقراره بموجب اتفاقية رسمية بين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين كل القبائل والعوائل المؤثرة في يثرب (سميت لاحقاً المدينة المنورة) شملت هذه الاتفاقية المسلمين واليهود والوثنيين.

أقرت هذه الوثيقة لهدف محدد وذلك لوضع حد للعداء والقتال القبلي الشديد بين قبيلتي الأوس والخزرج في المدينة المنورة .ونتيجة لذلك تم إقرار بعض الحقوق والواجبات لجميع فصائل المدينة من المسلمين واليهود والوثنيين لدمجهم ضمن جماعة واحدة في مجتمع واحد  يسمى الأمة

 يذكر برنارد  لويس أن الإسلام أدخل تغييرين رئيسيين في نظام الرق القديم كان لهما تأثيرات كبيرة، أحدهما افتراض الحرية في الفرد والآخر منع استعباد الناس الأحرار إلا في ظروف محددة ومقيدة جداً. يقول لويس ان الموقف العربي من الرق "تحسن كثيراً" فالرقيق العربي لم يعد "متاعاً بل هو إنسان ذا حقوق الوضع القانوني في الحضارات الأخرى، بما فيها الغرب، حتى قرون متأخرة. يوضح قاموس اكسفورد الإسلامي بأن التطورات العامة في وضع المرأة العربية تضمّنت تحريم وأد الإناث والاعتراف بالمرأة كشخص كامل "أُعطيت النساء حق الميراث في مجتمع ذكوري كان يذهب فيه الميراث للأقارب من الذكور فقط."

 ثالثاً: حقوق الإنسان في عصر النهضة الأوروبية

الماجنا كارتا والشريعة العامة:

مع بداية عصر النهضة في القرن الثالث عشر الميلادي، صدرت في إنكلترا الوثيقة الكبرى (الماجنا كارتا) في عام 1215، على أثر ثورة عارمة معادية لطغيان الملك، ونصت (الماجنا كارتا) محاكمة الناس على أيدي محلفين، وعدم سجن أي شخص أو القبض عليه بغير سند قانوني

ودعا (توما الأكويني) (1225- 1274) إلى التأكيد على فكرة الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة، بمعنى التزام المالك بأن يدفع بملكيته مجتمعة الذي ينتمي إليه، وارتأى الأكويني، أن أهداف الحكومة (أي حكومة) هو تأمين الخير العام.

وتعتبر مساهمات (جون لوك) و (فولتير) و (مونتسكيو) بارزة في مجال تمهيد الطريق أمام الاعتراف بحقوق الإنسان،

رابعاً: بداية العصر الحديث وعهد التنوير

أسفر غزو الأمريكيتين في القرنين الخامس عشر و السادس عشر من قبل أسبانيا في عصر الاكتشاف عن مناقشات شديدة لحقوق الإنسان في المستعمرة الأسبانية الأمريكية. أدى ذلك إلى اعتماد قانون بورجوس والذي كتبه" فرناندو الكاثلوكي" بالنيابة عن ابنته" خوانا الأولى ملكة قشتالة".

قام العديد من فلاسفة القرن السابع و الثامن عشر ميلاديه بتطوير مفهوم الحقوق الطبيعة ومن أبرزهم جون لوك ، ذلك المفهوم يقوم على فكرة أنّ الناس بطبيعتهم أحرار ومتساوون. وقريب من ذلك الوقت وبالتحديد  في عام 1689 صدرت وثيقة الحقوق الإنجليزية.

ثورتان اساسيتان حدثتا في اثناء القرن الثامن عشر، في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776م وفي فرنسا عام 1789م.

كان إعلان فرجينيا للحقوق في عام 1776 م، تم فيه وضع عدد من الحريات والحقوق الأساسية. ولحقه إعلان الاستقلال الأمريكي، الذي تضمن مفاهيم الحقوق الطبيعية

وعلى نفس الطريقة، الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن وضعت مجموعة من حقوق الأفراد والجماعات. وتلك الحقوق كما نصت عليها الوثيقة عُقدت لتكون عامة ليس للمواطنين الفرنسيين فقط بل لعامة الناس بدون استثناء .

الثورة الفرنسية والأمريكية:

 لقد مرت المسيرة البشرية نحو تأكيد حقوق الإنسان بمراحل كثيرة حتى وصل إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عن الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1949، ومن الإنصاف القول أن هذه المواثيق بما فيها قانون حمورابي أو الماجنا كارتا والثورة الأمريكية والثورة الفرنسية وغيرها قد شكلت علامات في تلك المسيرة، وعكست تطلعات الإنسان لاستكمال حريته، والحد من غائلة الظلم والاستعباد.

كما أسهمت حركات التحرر بدور فعال في تطوير حقوق الإنسان من خلال المطالبة بتثبيت حقوق الإنسان وحرياته في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ولعل أهم ما حققته الثورات والانتفاضات الخيرة في مجرى تاريخ الإنسانية، إنما هو إعلان حقوق الإنسان، اعترافا منها وتقديسا لواجب صيانتها وبذل الأرواح والجهود في سبيل الدفاع عنها وإذاعتها. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية لعبتا دورا بالغ الأهمية في تطوير نظرية حقوق الإنسان وبالتالي حركات حماية حقوق الإنسان في كافة مناطق العالم،

 وفي السادس والعشرين من عام 1789 نشرت الجمعية التأسيسية المنبثقة أبان الثورة الفرنسية (إعلان حقوق الإنسان والمواطن) الذي جاء نتاجا لتلك الثورة التي اقترنت كلمتا الحرية المساواة بها، كما عززت عام 1793 كلمات الدستور، القانون، حقوق الإنسان، المواطن، وغيرها من الكلمات التي أسهمت في التمسك بالثورة والدفاع عنه.

من القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى

تمكنت العديد من المجموعات والحركات من إنجاز تغييرات عميقة على مدى القرن التاسع عشر تحت مسمى حقوق الإنسان . وجّهت نقابة العمال في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية - أو حزب العمال - إلى قوانين تنصّ على منح العمال حقهم في الإضراب، ووضعت شروطاً للحد الأدنى من العمل ومنعت أو نظمت عمل الأطفال. نجحت حركة حقوق المرأة في منح العديد من النساء حقهن في الاقتراع - أو التصويت، والانتخاب.

 

حركات التحرير الوطني في دول عديدة نجحت في طرد السلطات الاستعمارية. كانت حركة المهاتما غاندي لتحرير وطنه الهند من الحكم البريطاني من أكثرالحركات تأثيراً.

مؤسسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر،

قانون ليبرال1846 م

وأول اتفاقيات جنيف عام 1846 م. وضعوا الأسس للقانون الإنساني الدولي لكي يواكب الأحداث بعد الحربين العالميتين.

اتفاقية جنيف:

الاتفاقية الأولى: أجري أول تطبيق في عام 1864م وآخر تعديل في عام 1949م .

اتفاقية جنيف الثانية: أول  تطبيق في عام 1949م كأحد نتائج اتفاقية لاهاي الأولى.

اتفاقية جنيف الثالثة: أول تطبيق في عام 1929 م وآخر تعديل في 1949م..

اتفاقية جنيف الرابعة:

 أول تطبيق عام 1949م ومبنية على بعض أجزاء اتفاقية لاهاي

بالإضافة إلى أن هناك ثلاث بروتوكلات لتعديل اتفاقية جنيف:

والجدير بالذكر أن منظمة الصليب الأحمر هي المنظمة المسؤولة عن إدارة اتفاقيات جنيف.

خامساً: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

هو إعلان غير ملزم تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة  في عام 1948م، كرد جزئي على وحشية الحرب العالمية الثانية، يدعو الإعلان أعضاء الأمم المتحدة لتعزيز مجموعة من الحقوق الإنسانية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكداً على أن هذه الحقوق تُعد جزء من "تأسيس الحرية والعدالة والسلام في العالم".

" ... الإقرار بأن الكرامة الفطرية والحقوق الثابتة والمتساوية لكل بني آدم هي أساس الحرية والعدالة والسلام في العالم "

الخاتمة

من خلال مراجعة تاريخ حقوق الإنسان، نرى أن السلطة المهيمنة هي التي تخرق حقوق الإنسان, وأن السياسة بالذات، هي التي أساءت للقانون، رغم أن السياسة هي التي استوجبت وجود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بعد المصائب الفظيعة التي عانتها شعوب ومجموعات إثنية أو دينية، في أوروبا بعد الحرب العالمية، ومن خلال معايشتنا المعاصرة للخرق الشنيع لحقوق الإنسان، في أوطاننا، الذي لم يشهد التاريخ مثيلا له، نلاحظ أن من يعيق تحقيق العدالة الإنسانية هي القوى السياسية وتناقضاتها في مجلس الأمن الدولي الذي يهيمن على القرار العالمي من خلال حق النقض، الفيتو.

لذا علينا، في كل الجمعيات والهيئات التي تعمل لأجل حقوق الإنسان والسلام العالمي، المطالبة بإيجاد وسيلة قانونية تملك القوة  لملاحقة مجرمي الحروب والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإرهاب، بعيدا عن مجلس الأمن الدولي الذي يتحكم في قراراته مصالح الدول السياسية، ما يؤدي إلى ضياع الحقوق لشعوب كثيرة، واستغلال قضايا حقوق الإنسان في المساومات السياسية؛ والمطالبة أيضا باستقلال محكمة العدل الدولية عن صراعات السياسة في مجلس الأمن، وان يصبح مجلس الأمن سلطة لتنفيذ احكام المحاكم الدولية، لا أن تظلّ قضايا حقوق الإنسان ذراعا أخرى من أذرع الدول المهيمنة مثلها مثل الحروب، أو الضغط الاقتصادي.

وليكن نضالنا القادم، نضال جمعيات حقوق الإنسان في كل مكان من أصغرها إلى أعظمها، هو الضغط على حكومات الدول لتصحيح القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة بحيث تصبح محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية،  والمحاكم المختصة بحقوق الإنسان في كل الدول، مستقلةً تماماً عن قرارات مجلس الأمن، وأن تصبح آلية تحريك القضايا والدعاوى فيها مباشرةً، دون المرور بمجلس الأمن الذي هو نفسه يفتقر إلى العدل، بإعطائه دولاً خمساً الحق في رسم مصير العالم بأكمله، وترتيب السياسة الدولية ومصائر شعوب بكاملها وفق مصالح تلك الدول.

 

منذر فالح الغزالي

بون في 30/ يوليو/ 2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم