صحيفة المثقف

بكر السباتين: حركة النهضة ويوم الحساب..

بكر السباتينقيس سعيد وحَمْلَة تقليم الأظافر المتسخة..


هل تعيد تونس قصة نجاح رواندا في التنمية!

تونس تستيقظ من جديد في ظل صراع بين الرؤية الإصلاحية التي يحاول الرئيس التونسي قيس سعيد تطبيقها لإنقاذ تونس، وأخرى تضع العصي في دواليب خطة التنمية التي بدأت أولى مراحلها بجملة من الإصلاحات الإدارية التي طالت السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تحت شعار اجتثاث الفساد وبناء قاعدة صالحة لرفع تونس إلى مستوى النهوض وبناء المستقبل وتجارب الدول التي نجحت بذلك مثل رواندا الدولة الإفريقية التي تحولت من المجاعة إلى سابع دولة على مستوى العالم في النمو الإقتصادي ما  يوحي بأن خطوات الرئيس التونسي سديدة فهل يتوافق الشعب التونسي على رؤية قيس سعيد الإصلاحية فيؤازرها وإن اختلفت بعض الأحزاب والتكتلات ومنظمات المجتمع المدني معها.. وخاصة أنها إجراءات قانونية وليست دموية، وهذا يبشر بالخير.. رغم ما تتعرض له هذه الإصلاحات من حملات إعلامية مشككة بدستوريتها.. ومحاولة إدخال الأزمة التونسية في أتون الصراعات الإقليمية! بربطها بأجندات خارجية في إطار الاحتمالات غير المؤكدة.

الرئيس قيس سعيد من جهته بعث برسالة جديدة يقول فيها إن المناورات والأراجيف السخيفة لا تزيدنا إلا إصراراً وصموداً وثباتاً ولن نتراجع أبداً إلى الوراء.

وفي سياق الإجراءات الإصلاحية على الأرض، وتعزيزاً لموقف قيس سعيد القانوني في كل الإجراءات المنتظر تطبيقها، فقد عين القاضي العميد بالجيش منير عبد النبي مديراً للقضاء العسكري، ما يعني بأن الإصلاحات الإدارية في الوزارات والسلطة القضائية تواكب الإجراءات الإصلاحية لاجتثاث الفساد وإعادة تشحيم دواليب التنمية للانطلاق إلى مستقبل أكثر نزاهة.

وللتذكير فالزعيم الإصلاحي ورجل المراحل إذا لم يتمكن من اجتثاث الفساد فلن تبشر رؤيته بنهضة تحلم بها الشعوب، ولنا في مهاتير محمد وأردوغان قدوة حسنة في سياق إنقاذ دولهم اقتصادياً وإن اختلفنا معهم سياسياً في بعض الملفات الإقليمية.

إن المحاذير التي قد تنشأ من جراء قرارات الرئيس الأخيرة موجودة، ويرفضها كل حر وعاقل ولا يقبل أحد بأن تكون السلطة مختزلة في يد شخص بعينه فالسلطة هي مؤسساتية في الدول الديمقراطية التي تتباهى تونس بأنها من بينها؛ ولكن ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار  أيضاً؛ بأن القاعدة العامة تقول أن كل من أجرم واستباح المال العام يجب أن يحاكم محاكمة عادلة على نحو يتوافق مع هذا المسار التصحيحي، فرئيس الجمهورية قيس سعيد كما يرى مؤيدوه، يحتكم في قراراته الطارئة إلى مرجعيّتين:

 تتمثل الأولى بالدستور التونسي وفق الفصل 80 منه، والذي يتحدث عن قرارات أدت إلى إجراءات استثنائية أعلن عنها الرئيس بسبب خطر داهم تواجهه الدولة التونسية، في الوقت الذي سيعتبر الرئيس فيه، المفوض رسمياً في ظل غياب السلطة التنفيذية بالإمساك بزمام الأمور.

والمرجعية الثانية تقوم على الأمر 50 من قانون الطوارئ لعام  1978 والذي يعزز صلاحيات وزير الداخلية ويمنحه الأحقية في أن يوقف كل من يشتبه فيه باعتباره ارتكب جرماً  مالياً أو جزائياً بالحق العام.

 من هنا فإن الرئيس قيس سعيد أطلق اليد لأصحاب الاختصاص للتحقيق في كل ملفات الفساد المالي المعلقة منذ عشر سنوات.

 ويبدو أن حزب حركة النهضة الذي كان يتحكم بدواليب المشهد السياسي التونسي وتفاصيله صار عليه الآن أن يواجه أمرين بعد الزلزال الذي أحدثته قرارات الرئيس الاستثنائية:

 - الأول يتعلق بالتصدعات التي أصابت الحزب من الداخل وضرورة إجراء إصلاحات في بنية الحزب الداخلية، قبل أن ينفرط عُقْدْ الحركة فتُشرذمه الأزمات.. وخصوصاً أنه شهد مؤخراً استقالات جماعية تقدم بها عدد من أعضاء الحزب.

ناهيك عن مطالبة البعض منهم بضرورة اعتراف الحزب بأنه المتسبب في هذه الأزمة المتفاقمة التي تشهدها البلاد.

إضافة إلى تصاعد الأصوات الشبابية في الحزب والمطالبة باستقالة رئيسه راشد الغنوشي، ومن ثم تسليم القيادة للوجوه الجديدة التي تؤمن بالتغيير.

- والأمر الثاني، على حزب حركة النهضة أسوة بالآخرين أن يتقبل الإجراءات القضائية ذات العلاقة بملفات الفساد والتهيؤ لفتحها خدمة للعدالة التي ينشدها الجميع. وكانت النيابة العامة في تونس قد أعلنت اليوم منع مسؤولين بالحكومة السابقة من السفر، كما وضعت وزارة الداخلية القيادي البارز في حزب حركة النهضة والوزير السابق أنور معروف قيد الإقامة الجبرية.. من دون تعليل الأسباب"، حسب بيان للحركة.

واعتقلت السلطات نائبين في البرلمان، وفتحت تحقيقات ضد آخرين، بما في ذلك ما يتصل بمذكرات قديمة تم تطبيقها بعد أن رفع الرئيس الحصانة البرلمانية.. وقد استهدفت هذه الإجراءات القضائية من هم أيضاً خارج صفوف حزب حركة النهضة كحزب الشعب ومستقلين (على سبيل المثال).

وهذا متطلب لا يجب الاعتراض عليه من قبل قيادة الحزب الذي يتهمه الخصوم بتلقيه دعم خارجي في الانتخابات الأخيرة، وأنه وقع عقداً مع شركة علاقات عامة خارجية لتلميع صورته وأن هناك مطالبات بمتابعة الحركة قضائياً. وقد نفى حزب حركة النهضة هذه الاتهامات وأكد رئيسه راشد الغنوشي على أن الحركة تخضع لإجراءات القانون التونسي، وأن حساباتها وعقودها تتم مراقبتها من قبل محكمة المحاسبات.

 إن التعامل بإيجابية مع توجهات الرئيس في هذه الجزئية بالتحديد، سيجسر العلاقة بين حزب حركة النهضة ورئيس الجمهورية من باب الثقة والقدرة على التفاعل مع المتغيرات المفصلية بكفاءة واقتدار حال الأحزاب في الدول الكبرى التي يناط بها تحمل أعباء السلطات التنفيذية، وتكون شريك فاعل في التنمية وإن كانت في صفوف المعارضة.

الثقة مطلوبة في هذه المرحلة، ولا شك أن قادة حركة النهضة يدركون مغزى رسالة الرئيس، التي وجهها للشعب التونسي بكل مكوناته، وتحدث فيها عن التضليل الإعلامي الذي يسود مواقع التواصل الاجتماعي ويسعى أصحابها للتشكيك بإجراءات الرئيس على الأرض والتي وصفها قيس سعيد بالمناورات والأراجيف السخيفة.. مع أن هذا لا يمنع أصحاب الأقلام الشريفة والمنظمات المدنية والحقوقية والأحزاب من نقد تلك الإجراءات بموضوعية كما يحدث الآن على أن يظهروا تعاونهم مع الرئيس لإنقاذ تونس في هذا الوقت العصيب، في ظل "الانقلاب التصحيحي" الذي يصفه ائتلاف المعارضة وعلى لسان الغنوشي نفسه بالانقلاب على الدستور؛ ما دام الرئيس وعد بالعودة إلى الديمقراطية حالما تستتب الأمور للانطلاق إلى مرحلة تفعيل عجلة التنمية الشاملة ووضعها في المسار الصحيح.

لا بد من كل الأطياف أن تدرك بما فيهم الرئيس قيس سعيد بأن الديمقراطية متطلب مستقبلي لا يجب التنازل عنه وهو أهم شروط التنمية بعد أن تقام على سياقها الصحيح، بعيداً عن الفساد الذي يشبه سمك القرش في الدولة العميقة، بالتزامن مع فتح الأبواب الموصدة أمام الحلول الاقتصادية المقترحة بالتعاون مع الدول المعنية بالشأن التونسي والتي أبرمت اتفاقيات مع تونس مثل فرنسا -خلافاً لرغبة الأغلبية البرلمانية المتمثلة بحركة النهضة وقلب تونس - في إطار الفرنكفونية كونها استعدت لتقديم المساعدات الاقتصادية اللازمة وإدخال الرساميل الفرنسية للاستثمار في تونس مع ما تبذله من جهود لدى صندوق النقد الدولي لجدولة ديون تونس وإقراضها من جديد بعد أن تنجح الأخيرة في إجراءاتها الإصلاحية التي بدأ الرئيس قيس سعيد بتطبيقها بحزم. ولا بأس بعد ذلك من إخضاع تلك المكاتب للرقابة غير المباشرة خلافاً لما اتفق عليه لطمأنة المعارضة في سياق ديمقراطي.

ولعل من الأراجيف التي أزعجت الرئيس قيس سعيد وتشدق بها الغنوشي، وانتشرت في الفضاء الرقمي كالنار في الهشيم هو اتهام الإمارات بتخريب المشهد التونسي وتصويره على أنه صراع بين حزب حركة النهضة "الأخوانية" من جهة والليبراليين ومعهم الرئيس من جهة أخرى. وأنها تضغط على تونس لقبولها التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي! وخاصة أن أبو ظبي تتهم حركة النهضة "الأخوانية" بالإرهاب.

وبغض النظر عن صحة ذلك وخاصة أن أبو ظبي أنكرته رغم أنه ليس مستغرباً منها لو صح الأمر؛ إلا أن تونس لم ترضخ لذلك في عهد الرئيس الأمريكي ترامب فما بالكم وجو بايدن غير مكترث من أصله بمثل هذا الشرط المحسوب على الإرث الترامبي الذي يحاول حرق كل أوراقه! فقيس سعيد أكد في خطاب تنصيبه عام 2019 بأن القضية الفلسطينية خط أحمر ووعد بأن كل تونسي يتصل مع إسرائيلي سيحاسب بشدة.. إذن لا خوف من نوايا الرئيس التونسي سعيد.. والمطلوب من كل التونسيين الالتفاف حول رئيسهم على أن يضمن لهم عودة الديمقراطية لإنجاح رؤيته الشاملة حتى تستعيد تونس ألقها الأخضر الذي تغنى به فطاحل الشعراء.

 

بقلم بكر السباتين

7 يوليو 2021

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم