صحيفة المثقف

علي محمد اليوسف: سارتر وفلسفة اللغة

علي محمد اليوسفحتما يكون سارتر في فلسفته الوجودية التي يفخر ويعتز بها كرائد متفرد لها بلا منافس في تبيان رأيه حول علاقة اللغة بالفلسفة الذي يحسب له اسبقية التنبؤ الرافض في أن يكون للغة كهوية تواصلية انثروبولوجية فلسفة متفردة تقوم على مراجعة تاريخ الفلسفة وقضاياه بضوء معالجة أخطائها في ما سمي التحول اللغوي ونظرية ملاحقة فائض المعنى الذي تدّخره اللغة في النص ولم تفصح عنه في خيانتها المراوغة للفكر..

فلسفة اللغة حسب ما نستنبطه عن رأي سارتر هو الوليد المحمول الاحشائي الذي ينمو في بطن الفلسفة الام وبولادته يميتها بحمى الولادة. سارتر يعتبر فلسفة اللغة لا يمكننا فرضها على تحليل مشاكل وقضايا الفلسفة المتوارثة عبر العصورمن داخلها. ومن غير الخروج على رأي سارتر فلسفة اللغة هي الديناميت الذي اراد تفجير الفلسفة داخليا فانفجر بيدي حامله قبل إتمام زراعتها في جسد واحشاء الفلسفة. ربما الرأي المخالف لهذا يرى في قديم سارتر لا يحكم معاصرة فلاسفة اللغة والتحول اللغوي وعلوم اللسانيات التي جعلوها الفلسفة الاولى في النصف الثاني من القرن العشرين..

وهذا الرأي لسارترحول طفيلية فلسفة اللغة على الفلسفات الام كان إدانة ضمنية لفلسفة البنيوية التي عاصرها سارتر حين بدأت مشوارها الفلسفي اول نشاتها على حمولة فلسفة نظرية المعنى في اللغة التي قادها شتراوس ودي سوسير، ثم بعد هجرفلاسفة البنيوية فلسفة اللغة بالتقادم الزمني عليها في وقت لاحق رفضهم ان تكون فلسفة اللغة هي الفلسفة الام التي ينبغي دوران كل الفلسفات المعاصرة حول مركزيتها. كما فعلت ذلك بتطرف فلسفي شديد كلا من الفلسفات التاويلية والتفكيكية والتحليلية المنطقية حلقتي فينا واكسفورد. حتى مفاهيم فلسفية فضفاضة لم يكن بالمقدور احتوائها لغويا مثل الوعي والادراك والمخيال والذاكرة والزمان باتت مفاهيم تدرك بدلالة دراسة تطبيق فلسفة اللغة عليها وليس العكس.

رفض سارتر تفسيرتاريخ الفلسفة المليء بالاخطاء والمطبّات حسب فلاسفة البنيوية أن تكون بدايته التصحيحية تبدأ من وسيلة مراجعة وتصحيح معنى الدلالة اللغوية الخاطئة في قصور معنى حمولة الافصاح غير المسكوت عنه، ودعا الى أن كل فلسفة تطغى عليها فلسفة اللغة بالتعالق العضوي معها الناشيء من إحشائها هي وليد تابع من رحم تاريخ الفلسفة الام التي لا تقود فلسفة اللغة الفلسفات الاخرى أو تكون بديلا عنها.

قائلا ما معناه يمكن استنباط فلسفة لغوية خاصة من فلسفة الوجودية مثلا وهكذا مع باقي الفلسفات الاخرى. بمعنى أنه يمكن إستيلاد فلسفة لغة من كل فلسفة أم لها لا تحل محلها. ورأي سارتر يحتمل القول فلسفة اللغة هي وسيلة التفكير الفلسفي في التعبير عن رؤاها خارج معنى اللغة الطبيعي المحكوم بقواعد ونحو ومجازواستعارة وبلاغة وغيره التي حاولت تدخل كل فلسفة في محاولة نسفها وتفجيرها تشظيّا من الداخل وهو ما لاينكره دريدا مثلا ولا ينكره البرتو ايكو ولا عديدين من فلاسفة اميركان استسهلوا لعبة اللغة في التفكير الفلسفي استبطانيا مغلقا على نفسه جاعلين من الفلسفة هامشا يدور في فلك اللغة حصرا...

كان ما ذكرناه ملخصا رأي سارتر في سني حياته الاخيرة واصابته بالعمى نشرته له مجلة الادب الفرنسية العدد 182 اذار 1982في مقابلة اجراها معه كلا من ميشال ريبالكا واوريست بوشاني. وترجمها الى العربية الباحث المغربي الحسن علاج ونشرها على موقع كوة تموز 2021. وترك سارترفي هذا اللقاء الحواري الخوض في تفاصيل لا تزيد عن عبارة واحدة وردت في نص المقابلة.

في إجابة سارتر عن سؤال من ضمن اسئلة المقابلة المشار لها "هل خطر ببالكم وضع فلسفة للغة؟ فكانت إجابته " لا ينبغي على اللغة أن تدرس بداخل فلسفة ما – يقصد أن لكل فلسفة لغتها هي اداتها وصنيعتها اللغوية اذ الفلسفة تصنع لغتها ولا يمكن للغة خلق فلسفتها المتفردة مع أو بمعزل عن الفلسفة الام كما حاول بعض الفلاسفة وأخفقوا في مسعاهم الموضة – لا يمكن أن تشكل اساسا لفلسفة ما. أعتقد – والكلام لسارتر – أنه يمكننا استخلاص فلسفة لغة من فلسفتي الوجودية مثلا، ولا يمكن وجود فلسفة لغة يمكن فرضها عليها."

في البدء الذي لا يمكن الالتفاف عليه ومغادرته هو عدم قابلية اللغة فرض نفسها على قيادة فلسفة ما حسب تعبير سارتر، وكي نضع هذا الرأي الفلسفي لسارتر بموقعه الطبيعي الصحيح " انه لطالما كانت اللغة – وليس فلسفة اللغة – محط اهتمام الفلاسفة – منذ افلاطون - غير انها لم تصبح موضوعا مركزيا في الفلسفة الا في القرن العشرين، حيث كان الاتفاق كبيرا على أن الوسيلة الفضلى لحل مشاكل مختلف فروع الفلسفة إنما يكون ويتم عبر فحص اللغة التي صيغت بها هذه المشاكل. هذا الاهتمام الذي أبداه الفلاسفة المعاصرين باللغة وازدياد الاعتماد على تحليلها اصطلح على تسميته بالتحول اللغوي ." ويكيبيديا الموسوعة الحرة.

- اولا أرى وجوب التفريق بين اللغة وسيلة التعبير عن الافكار وبين فلسفة اللغة من جهة، وبين فلسفة اللغة في التحول اللغوي ومصطلح القراءة الجديدة الذي إعتمدته البنيوية لدى أقطاب فلاسفتها مثل فوكو والتوسير ودي سوسير في مراجعة قضايا الفلسفة التي إغتالت اللغة المعنى فيها حسب دعاتها، وبين أن اصبحت فلسفة اللغة هي الفلسفة الاولى في تاريخ الفلسفة المعاصرة منذ النصف الثاني من القرن العشرين بعد إنصراف إهتمام فلاسفة البنيوية بمباحث ما بعد الحداثة تاركين فلسفة اللغة بعد أن أخذت مديات من التخوم التي جعلت منها هامشا في شكل مرتكز خال من محتواه...

- ثمة التباس حصل في خلط اللغة كهوية انسانية بيولوجية تحكمها قواعد النشأة والتطور الانثروبولوجي وصولا الاستقرار الذي يحكمها في قواعد وضوابط نحوية خاصة تمّيز بنية وهيكلية كل لغة عن غيرها، وبين فلسفة اللغة كمعنى مفهومي تفلسفي يتداخل مع النسق البنيوي الخاص باللغة يتطفل على الفلسفة ويستخدمها أداة لنسفها داخليا عندما يكون الاهتمام باللغة تجريدا هو إغتيال مبرمج يجري تحت عنوان إنقاذ اللغة من إزدواجية المعنى في تضليلها الفلسفة.

اللغة وفلسفة اللغة

من الملاحظ أن عديدا لا يستهان به من الفلاسفة لم يعطوا أو ينتبهوا إعطائهم أهمية إستثنائية للغة كجنس هوياتي انثروبولوجي قبل تحوله الى تجنيس ادبي – ثقافي هووي في مباحث تاريخ الفلسفة حاول ذلك سارتر وبرجسون الحائزين على جائزة نوبل بالادب حين رفضها سارتر وقبلها برجسون وكلاهما وضع بعض قضاياه الفلسفية ضمن قوالب التجنيس الادبي وبخاصة سارتر في نصوصه المسرحية والروائية...

كما لم يعتبروا مفتاح حل المعضلات الفلسفية يقوم على تصحيح معنى اللغة القاصر في التعبير عن الافكار الفلسفية عبر تاريخها. والسبب نراه في إعتمادهم تفكير العقل المجرد كفيل بايجاد لغته التعبيرية الخاصة به في إيصال المعنى الفلسفي. بمعنى فلاسفة ما قبل النصف الثاني من القرن العشرين لم يكونوا يبحثون تصحيح أخطاء الفلسفة من خلال تقصّيهم أخطاء وسيلة التعبير اللغوية بل كانوا يتعاملون بالفكر المجرد السابق الاهمية على اللغة. فوجدوا القصور في تفكير الفلاسفة وليس في لغتهم التعبيرية عن أفكارهم.

ولم يتم إبطال هذا الرأي الفلسفي الا بعد أن تحولت اللغة الى فلسفة قائمة بذاتها تمتلك مقومات ذاتية خاصة بها ونظام تعبير نسقي يلغي المقولة الكلاسيكية أن اللغة اداة التعبير عن الفكر. فهذه المقولة اصبحت غير مقبولة بعد أن أصبحت اللغة لها فلسفتها الخاصة بها بمعزل عن إنقيادها للفكروهو بداية الثورة على الفلسفة من قبل البنيوية تحديدا.

فلسفة اللغة في ملامحها الخاصة

اتفق بعض فلاسفة اللغة تدعيم وجهة نظرهم في مناصرتهم فلسفة اللغة بالتالي:

- اللغة سلوك يستخدم اللغة وهذا السلوك هو من اكثر السلوكيات التي يظهرها العقل تعقيدا.

- علم اللغة الذي هو علم اللسانيات يقدم من (الكم) الهائل من المواد التي يقوم عليها الفكر الفلسفي وبخاصة فلسفة العقل.

- مفهوم اللغة هو مفهوم المعنى في تراكمه ملاحقة فائض المعنى بما تدّخره اللغة.( ويكيبيديا الموسوعة الحرة).

تعقيب عما مر ذكره نرى:

- صحيح اللغة هي غير الفكر في ناحيتي توليد المعنى وناحية التعبير عنه. ومقولة دي سوسير اللغة وعاء الفكر لا يلغي التمايز الانفصالي الواضح بينهما حتى مع الاخذ بتعبير اللغة والفكر وجهين لعملة واحدة لا يمكن الفصل بينهما، لكن هذا لا يلغي حقيقة الفكر ليس وجه اللغة الآخر له فقط. وانما هما يتمايزان في فرق بنية هيكلية اللغة التصويرية عن بنية هيكلية الفكر كتجريد سردي لا يخضع لاحكام نظام وقواعد اللغة المستقلة.علما أن حقيقة الفكر هي تعبير اللغة عنها يبقى ثابتا.

- رغم أن تفكير العقل هو تفكير صوري يتخذ شكل تعبيرات اللغة في كل تحولاتها من لغة صوت الى لغة منطوقة الى لغة كلام وحوار واخيرا الى لغة تعبير معرفي بالكتابة الابجدية والرموز والاشارات والمعادلات الرياضية وحتى على صعيد لغة الموسيقى في وضع النوتة الخاصة باللحن الموسيقي التي هي لغة تعبير صوتي رمزي إشاري صرف. وهنا بهذه الخاصيّة لا تكون اللغة هي الاصوات التي تشير عليها ابجديتها المرسومة كتابة. اللغة تفكير عقلي يتخذ قولبة محتوى التفكير.

- طالما أن تفكير العقل هو تصور تمّثلي في تعبير اللغة سواء الصامت منها أو المفصح عنه بالصوت اللغوي الشكلي المكتوب أو الصوت التعبيري الخارج عن مصدره الحنجرة واللسان، لذا يكون تمايز الفكر عن اللغة ليس في إختلاف مصدرهما الواحد الصادران عنه العقل في سذاجة قولنا الفكر تفكير عقلي مجرد، واللغة إفصاح صوتي تعبيري هو من وظيفة اللسان والحنجرة. اللغة ليست هي الصوت الذي يتقدم الفكربل هي المحتوى والشكل المعبّر عنهما في جميع الحالات..

- هذا يفرض علينا تمييز ماهية وأسبقية أحدهما على الاخر نوضحها كالتالي: طالما أن الفكر واللغة هما توليد إفصاحي للعقل في ادراك العالم والتعبير عنه ومعرفته لذا تكون أسبقية الفكر على اللغة يتمثل في تفكير العقل الصامت الذي هو ليس تجريد للفكر عن اللغة بل في تداخلهما التعبيري الموحد فالفكر هو تصور لغوي صامت وهو ما يتم إستبطانيا داخليا، وتكون أسبقية اللغة على الفكر في تلازمهما التعبير عن موجودات العالم الخارجي وهنا تكون اللغة صوتية غير صامتة. وتكون نتيجة تفكير العقل أن اللغة أصوات لغوية إشارية تعبيرية لمدلولات في حين تكون حقيقة الفكر أنه وعي إدراكي لغوي صامت.

- عندما نقول فلسفة اللغة هي مفهوم البحث عن المعنى هنا يتراجع الفكر أمام أسبقية اللغة عليه حيث يصبح مهمة اللغة (قولبة ) الفكر قبل التعبير الافصاحي اللغوي عنه. كما أن إبطال مقولة لم تعد اللغة وسيلة التعبير عن الفكر تعطي ضمنيا توكيد ما تريد نفيه في حقيقة لا وجود لفكر بلا معنى لغوي.

- وإذا ما إعتبرنا صحة مقولة لم تعد اللغة وسيلة تعبير الفكر عن نفسه وهو نتاج عقلي فدحض هذا الافتراض الوهمي هو أن العقل لا يفكر بتجريد فكري لا يداخله تصورا لغويا في التعبير عن معنى. الفكر لغة العقل الصورة تستبق لغة الاصوات. فتفكير العقل هو ليس فكرا لوحده ولا لغة تصورية عن الاشياء لوحدها بل هو في تداخل الاثنين معا. التفكير هو صورة لغوية تتمثّل التعبير عن الافكار . الفكر من غير إفصاح تعبير اللغة عنه هو صمت إنعدمت فيه لغة النطق الصوتية وليست لغة الفكر الصامتة. الصمت الصوتي للغة لا يميت التفكير العقلي لغويا.

- كما أن إعتبار اللغة هي سلوك من نوع خاص مميز هو الاكثر تعقيدا حسب التعبير الفلسفي الذي مررنا عليه مقولة خاطئة لا يقل خطأها الاشتباكي المتداخل عن خطأ إسقاط التداخل الاشكالي الذي يجمع الفكر باللغة على أن هذه الاخيرة ليست أداة ووسيلة التعبير عن الفكر فقط . من المهم توضيح السلوك لا تحدده اللغة، وإنما يحدده الوعي القصدي الذي يعبر تفكير اللغة النابع ايضا من فعالية العقل الادراكية.

- كان يتردد في بداية القرن العشرين سؤالا فلسفيا جداليا هل بألإمكان فصل اللغة عن الفكر؟ جدال نقاشي تم حسمه في أدبيات الفلسفة البنيوية بخاصة عند دي سوسير بتعبيره اللغة هي وعاء الفكر. بمعنى أن فصل تداخل شكل اللغة مع محتواها المضموني محال إدراكه عقليا. وفصل إلإدراك عن اللغة محال معرفيا.

- ألادراك من دون لغة تلازمه عبث لا يمكن تحققه في معنى دلالي في ألإفصاح التعبيري عن شيء أو موضوع، وتجريد اللغة عن تعبيرها التجريدي للأشياء هو محال أيضا فاللغة وجود يلازم كل موجود يدركه العقل في التعبير عنه. والعقل لا يدرك ألاشياء والعالم وموجودات الطبيعة بغير وسيلة تعبير تلازم الفكر واللغة معا في دلالة لمعنى شيئي واحد.

اللغة فلسفة العقل معرفيا لا فلسفة اللغة تجريديا

الانسان العاقل يفكر ذهنيا وهوصامت، ويفكرصامتا وهو نائم، ويفكرصامتا وهو حالم، والصمت لغة حوار العقل مع ذاته داخليا في الموضوع، فالعقل لا يفكر في فراغ – سنوضح هذا لاحقا – ويكون تفكير الصمت بلا لغة تعبير تواصلي إفصاحي إيحائي لا يشترط توسله اللغة ممكنا وجودا، عندما يكون الصمت هو تفكير في موجودات مادية واقعية تكون مادة تفكير صامت في إنعدام صوت اللغة، أو أن مواضيع التفكير الصامت خيالية لا وجود لها ماديا متعيّنا في الواقع ، يتناولها العقل بالتفكيرالذهني المجرد، والصمت الذي يفكر بموضوعه لا يلغي دور العقل أو لايستطيع الاستغناء عن الوظيفة العقلية في الوعي والتفكير بالاشياء.

إن وظيفة العقل التفكير بالمجردات الذهنية أرقى درجة منها التفكير في الموضوعات المادية التي يعقلها العقل كواقعات مادية شيئية ويدركها ظاهراتيا أو ماهويا.فالعقل في ملازمته الخيال ورقابته على اللاشعور وتداعيات التصورات الذهنية تكون مهمته أصعب من مهمة العقل في تناوله الماديات والموجودات والاشياء في الطبيعة، لكي لا ينتج عن التفكير الخيالي الذهني المجرد أصوات وهذاءات تعبيرية لا تعطي الموضوع المفكّر به من موضوعات مادية أو مجردة إستحقاقها الوعوي الادراكي كما لاتعطي الهذاءات غير العقلية وعي الذات مصداقيتها.

يقول سارتر: (ان مسألة اللغة تسير جنبا الى جنب مع مسألة الجسم) وهي عبارة سليمة في توكيد بديهة بايولوجية فيزيائية، أن اللغة لاتفارق جسم الانسان العاقل الناطق بإعتبارها خاصية انسانية يتمايز بها الانسان ويحتازها لوحده من دون الكائنات الحية في الطبيعة. وفي نفس المقاربة التعبيرية يقول ميرلوبونتي (الكلمة ايماءة حقيقية لانها تتضمن معناها، وليست عشوائية او طبيعية). بمعنى حسب اجتهادنا الكلمة وعي قصدي قبل أن تكون دلالة لغوية. والانسان في جنبة محورية جوهرية من كينونته الطبيعية هو أنه وجود عقلي لغوي ناطق. فالانسان يفكر وهو يتكلم ويفّكر وهوصامت ويفّكر لا شعوريا وهو نائم، ويفكر وهو في حلم اليقظة، ويفكر وهو ماشيا لوحده أو مع مجموع أو منفردا منعزلا. وفي كل حالات الصمت التفكيرية يحتاج الانسان التعبير اللغوي التفكيري الصامت او الكلامي الصوتي الناطق عن بعض الاشياء والموضوعات، ويكتم أو يستعصي عليه التعبير عن بعضها، أو يتعذّر عليه الافصاح التواصلي في بعضها الاخر.

إذن الانسان وجود مفكرلغويا في صمته وفي الافصاح عن بعض تفكيره الصامت في الكلام أو اللغة أو الكتابة.والانسان هو كينونة عقلية ادراكية تفكيرية، ولغوية ناطقة،وخيالية تجريدية، تحتويها كل خصائص الانسان المادية وجودا.

يقول ميرلوبونتي (اذا كانت اللغة كيان باطن، فان هذا الباطن ليس فكرا مغلقا على ذاته وواعيا بها). إنه لمن المهم إدراكنا أن اللغة في التفكير الباطن العقلي أي الصامت، هي وسيلة العقل أن يعقل نفسه كذات ووسيلة العقل في وعي الاشياء المادية وغير المادية ذهنيا.

كما أن العقل هو الوسيلة الوحيدة في ادراك وفهم الوجود الخارجي ولا بديل عنه.أما إذا بقي هذا الادراك العقلي منغلقا على العالم الخارجي، في عدم إدراك تواصله الجدلي التخارجي مع الاشياء والموضوعات،فهنا يصبح الانسان كيانا لغويا حواريا داخليا صامتا فقط مفارقا لجوهر انسانيته في حقيقته التواصلية مع الاخرين، وهو محال أن يكون وضعه هذا دائميا بالنسبة لانسان سوي عاقل وناطق ايضا سواء يعيش منعزلا أو يحتويه مجتمع.

ومحال ايضا أن يكون الانسان خارج طبيعته بخصائصها الانسانية،أن لا يوجد ويكون جزءا من الطبيعة متفاعل مع مظاهرها فردا في مجتمع انساني يحتويه، لا أن يكون كيانا مفكرا بذاته لذاته فقط ، منعزلا عن واقعه ومحيطه الاجتماعي. ولا في تعطيله لغة الحوار التواصلي مع الاخر.الصمت الانساني هو حوار لغوي داخلي يعتمل في الذهن البشري المفكر، بينما يكون صمت الحيوان (عدما) غير متعين لا عقليا ولا ذهنيا ولا تفكيرا منطقيا ولا تعبيرا لغويا. فاللغة غير الناطقة عنده لا تكون وسيلة عيشه في تجمّع من نوعه ولا هي وعي يحدد سلوكه.

 

علي محمد اليوسف /الموصل

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم