صحيفة المثقف

عقيل العبود: يوم انتهكت حرمة الوطن!

عقيل العبودأجد نفسي هكذا اسوة بهم، تستغرقني ظاهرة المشهد، تحلق بي صوب محطات مضت، لتعود مثل سفينة أصيب طاقمها بموجة برد ألمت بأوصاله لترديه عاجزا عن الحركة.

تستعيد الحكاية صمتها القديم، لترتسم هكذا على شاكلة محاولات بائسة لصياد لا يجيد فن الصيد، بعد ان أمسى عاجزا لا يقوى على الحركة؛

فقدت احلامي، لم افلح في النجاح بالهروب خارج الأسوار، ايام الحكم الجائر لسلطة البعث، خاصة بعد توريط الغالبية العظمى من الشعب في حروب تم اختلاقها ابتداء من حرب ايران، وانتهاء بحرب الكويت.

تفاقم هذا النمط من التفكير يوم أتيح لي المجال لرؤية نهاية الطاغية؛ وذلك بالتزامن مع شعوري بالامتنان للخالق الذي بإرادته، تم ادراك الحقيقة الكونية المناصرة لدعاء المنكوبين والمستضعفين؛

ذلك بعد فقد الابناء، والمحبين سواءً عن طريق الحرب، أو التعذيب، أو المقابر الجماعية.

هرب الكثير على اثرها طلبًا للهجرة، واللجوء، ومع تحقق الهجرة حيث ذات يوم بين رفض، وقبول، أُحرِقَ العراق ارضا، وجوًا؛

باتت ارواح الكثير معلقة، حيث المقام بأهله وكيانه وكل ما فيه صار يلاقي مصرعه، يختنق، ومنجنيق الردى يحصد الأرواح تباعا.

انذاك وجدت نفسي دون ارادة استمع بالدمع الى اغنية (بغداد لا تتألمي) التي غناها كاظم الساهر.

صرت أراقب الأحداث عن كثب، حتى انتابني شعور بالخيبة والخذلان.

راح صوت العراق يئن في داخلي، مثل امرأة تصرخ الوجع لتلد الموت، مساحات شاسعة صارت تحترق وبنايات تتساقط، إذ هشيم الفناء يذروها تباعًا؛ ذلك بفعل فتيل القنابل وقذائف الطائرات، بينما باحتقار كنت اشاهد تزاحم المتنافسين على طاولة الوشاية.

وبين هذا وذاك، تساقطت أشلاء، وتقطعت انفاس؛ تسللت الى مسامعي استغاثة طفل وهو يفقد ساقه وذراعه، وصيحات امرأة تقتلها شظية عابرة، وكذلك امكنة تزهق جذورها مثل البشر.

افترش الارض فريق من السكان وهو يحتفي بسرقات البنوك، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات.

تحولت اسلحة العسكر القديم بجيشها وثكناتها الى قطع غيار معروضة للبيع ، فقدت المتاحف والاثار احشاءها بعد ان تلقفتها أيدي السراق، ليتم دفنها تحت الأرض سرا على أمل استلامها بعد حين من قبل السماسرة.

تحولت بغداد الى مسرح كبير، داهمت روحها سكرة الأجل، وبين هذا العرض وذاك، أصطف الساسة ينتظرون ذات السيناريو؛ ذلك بعد ان تم تصنيفهم بحسب درجات الانقياد الى رتب ودرجات،

صار فلان وزيرا وترشح ذاك مستشارا، ومع الأيام تكاثرت المسميات، وتكالبت الأحزاب والصراعات وارتفع شأن من لا شأن له، وساد الخراب حتى تراجعت حرمة الوطن، والأوطان .

 

عقيل العبود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم