صحيفة المثقف

ناجي ظاهر: الطلياني.. راوية تسبر اعماق الحياة التونسية

ناجي ظاهريدخل الكاتب التونسي شكري المبخوت، قارئ روايته "الطلياني"، إلى اعماق الحياة التونسية، عبر اكثر من باب، وتسير روايته وفق خطين متوازيين، كما في العديد من الروايات المعروفة عربيًا وعالميًا، وهما الخط الشخصي/الروائي بكل ما فيه من تخييل، والخط العام الذي يتحدث عن التاريخ التونسي الحديث، اواسط الثمانينيات واوائل التسعينيات، وما رافقها من انتظار وترقب خلال وبعد انقلاب علي زين العابدين على بورقيبة. هذان الخطان يتقاطعان حينًا ويلتقيان حينًا آخر.

شكري المبخوت من مواليد تونس عام 1962 وهو مؤلف العديد من الكتب البحثية. هذه هي روايته الاولى. صدرت عن دار التنوير في لبنان وتونس، قبل سبعة اعوام وحصلت بعد صدورها بعام واحد على جائزة الرواية العربية. اتيح لي قراءة هذه الرواية في الفترة الاخيرة، واقدم فيما يلي قراءة خاصة لها.

تفتتح الرواية بصفع الطلياني، واسمه عبد الناصر، للشيخ خلال تلقينه والده اثناء تسجيته قبره، الامر الذي يثير العديد من التساؤلات لدى المشاركين في التشييع ولدى القارئ ذاته ايضًا، ولا نحصل على الاجابة إلا في الصفحات الاخيرة من الرواية، فنعرف أن ذلك الشيخ الملقن حاول اكثر من مرة اغتصاب صافعه الطلياني اكثر من مرة خلال طفولته، علمًا انه عِنين، ويريد ان يواجه عنته بمحاولته مجامعة ابن الجيران.. الطلياني بهيَ الطلعةِ جميلَ المحيّا.. لهذا ايضًا اطلق عليه لقب الطلياني.

بعد هذه البداية المدهشة، يبدأ الراوي العليم بسرد احداثها، خلال هذا السرد يدخلنا الراوي الى الحياة التونسية الشعبية مسلطًا الضوء على علاقة الطلياني في بلوغه الاول بزوجة ذلك الشيخ الملقن وتدعى للا جنينة، وما حفلت به من مشاهد جنسية، كان لا بد لها من ان تنتهي خشية ان تنكشف اكثر. بعدها يُدخلنا الراوي إلى الحرم الجامعي لنتابع الصراعات الطلابية الجامعية السياسية بين الاطراف المختلفة المتناحرة، في مقدمتها اليساريون والاسلاميون. ولنتمحور بالتالي في العلاقة التي تنشأ رويدًا رويدًا بين الطلياني وزينة وهي طالبة جامعية متمردة. يتمثل تمردها في انها ترتبط به لكن بالسر. وتنتهي علاقتها بأن تعود لترتبط بأستاذ فرنسي تعرفت عليه قبل تعرفها على الطلياني بقليل، غير عابئة بأنه يكبرها بكثير، في جيل ابيها. خلال علاقته الزوجية هذه. يخوض الطلياني مغامرتين جنسيتين ملتهبتين، احداهما مع شقيقة زوجة أخيه الاكبر الاوروبية، والاخرى مع صديقة زوجته نجلا. العلاقتان تنتهيان بالفراق كما هو متوقع. بعد أن تطلق زينة الطلياني، وبعد ان تنتهي علاقته بصديقتها نجلا، يدخل الطلياني بعلاقات نسائية عديدة غير عابئ بالشكل او الجيل، إلى ان يلتقي بريم، وينسج كعادته سلسلة من الألاعيب، تنتهي بسرعة فائقة.. بان تُسلمه نفسها، إلا انه يتلقى تلفونًا يخبره أن أباه قد توفى، فيشعر الطلياني بالعجز عن مجامعة ريمه الجديدة.. ويتوقف عن مواصلة مضاجعته لها، لتصل الرواية، بصورة دائرية مُحكمة، إلى سبب صفع الطلياني في اول الرواية لذلك الشيخ الملقّن..

خلال سرد الراوي لهذه الاحداث نتعرف على جوانب من الحياة اليومية التونسية وما رافقها من احداث سياسية مؤثرة، ومما نتعرف عليه، الوضع الشخصي التحرري الفائق للمرأة التونسية. اوضاع العمل الصحفي والسياسي المكبل في تونس، وما اتصف به ابان احداث الرواية من تردد لدى ممارسيه.. ويتردد اكثر من مرة في الرواية ان الشعب التونسي غير مبالٍ.. وانه يتقبل التغيير السياسي بسهولة ويسر.

اسجّل فيما يلي ملاحظتين اثارتا اهتمامي خلال قراءتي هذه الرواية. احداهما تتعلق بأحداثها والاخرى براويها. الطريف بأحداث هذه الرواية التي تُذكر بالسرد القصصي في كتاب "الايام" لطه حسين، رغم حداثيتها، انها تخضع لتوقعات القارئ المتيقظ، وهذا يعني انها تمتلك عالمها التخييلي امتلاكًا تامًا، حتى ليخيل لقارئها انه يعيش زمنها الخاص بها، وكأنها واقع يومي معيش، اما فيما يتعلق بالراوي، فانه يختفي بين الحين والآخر ليظهر بسلاسة لافتة، وكأنما هو الصديق المقرّب من بطلها الطلياني، في حين يشعر قارئها، أنا مثلا، بان الراوي في هذه الرواية ما هو الا الجانب الآخر للطلياني.. وربما كاتبها ذاته.

 

بقلم: ناجي ظاهر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم