صحيفة المثقف

نبيل عودة: هل تأليه ماركس يتطابق مع فكره؟

نبيل عودةاحزابنا الشيوعية اليوم تثير الشك بحقيقة فهمها للفكر الماركسي، والتحولات العميقة التي جرت في الفلسفة والاقتصاد وغيرت وجه عالمنا

اقرأ لشيوعيين قدامي مقالات تثير حيرتي ان كانوا حقا يفقهون معنى ما يكتبون. واقرأ حتى لمثقفين شيوعيين شباب نسبيا تحليلات تثير حيرتي ايضا إذا كان ذلك المثقف يكتب بتفكير ام ينهج على منوال التقليد الذي ساد الفكر الشيوعي خلال الحقبة السوفييتية؟

في حوار قبل سنوات مع قائد شيوعي عربي في قرية بالجليل، اثناء ندوة فكرية كما سميت، وكان الفكر منها براء. سمعنا عن الأوهام التي ما تزال عالقة براس رفيقنا عن ماركس ولينين، وتحدث عن الصراع الطبقي الذي سيقود لانتفاضة طبقية بروليتارية، تسقط الرأسمالية المتوحشة وتبني النظام الاشتراكي، وكانه لم يسمع بعد عن سقوط المعسكر الاشتراكي وتفكك كل دولة.

لولا الحياء لما ترددت ان اقترح على رفيقنا المحاضر ان يذهب للفحص البسيخولوجي لدى طبيب مختص.

سالته: هل تأليه ماركس يتطابق مع فكره؟ الم يتأثر ماركس كغيره بما أنجزته الإنسانية خلال كل تاريخها من فلسفة وعلوم ورقي حضاري؟

أجاب: الماركسية هي قمة الفلسفات، وكل ما نشأ بعدها اقتبس منها.

سالته: هل قرأت كتاب "المجتمع المفتوح والدفاع عنه للفيلسوف كارل بوبر؟

أجاب: كل الفلاسفة البرجوازيين يحاولون تشويه الماركسية مثل صاحبك هذا .. ماذا تسميه؟

قلت: كارل بوبر، بدا حياته ماركسيا وهو يهودي مثل صاحبك كارل ماركس، صار مسيحيا أيضا، ثم ابتعد عن الماركسية ونقدها ونقضها. وهو يعتبر فيلسوف سياسي من أبرز الفلاسفة العالميين. نقد الماركسية وأفرغ الكثير من طروحاتها من منطقها المفكك.

قاطعني: تقصد انه فيلسوف برجوازي؟

اجبت: عزيزي الفلسفة لا تقسم بين البرجوازية والفلاحين والعمال، هي فلسفة اجتماعية فكرية لكل انسان يريد ان يطور مفاهيمه وعالمه الفكري. ما زلنا نقرأ الفلسفة الاغريقية وتسحرنا بأجوائها ومنطقها، هل حسب مفاهيمك يجب حرق مؤلفاتها لأنها تشوه عقول البشر؟

أجاب: تبقى الماركسية في الطليعة!

قلت: هذا لأنك تجهل الفلسفة التي تطورت بعد ماركس. وأيضا قبل ماركس، ولا اريد ان أقول ان فهمك للماركسية قد يكون خاطئا.  لكنه فهم محدد بمقولات تردد بشكل ببغاوي دون فهم لمضمونها كما أرى.

احتد، لكنه ضبط اعصابه: انت تصر على التضليل، نحن حزب ماركسي لينيني نؤمن بالصراع الطبقي وانتصار البروليتاريا، وانت تدافع عن البرجوازية المتوحشة!

اجبته: شكرا، آسف على حوارك، لكن لي طلب صغير ان تدلني على دولة فيها صراع طبقي حسب نظريات ماركس، بين البروليتاريا والطبقة البرجوازية، وان تفسر لي كيف اختفت البروليتاريا من عالمنا؟ وكيف انتصرت البرجوازية اقتصاديا على الاشتراكية؟

القى خطابا تحريضيا ضدي كمنحرف. لم ابق لسماع خطابه في القاعة فانسحبت، وانسحب معي عدد قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. تفاجأت انهم ملوا من الصياغات الجاهزة، وانهم على قناعة أكثر ان الماركسية جمدت وشوهت.

اجبتهم ان الفلسفات تتطور مع تطور المجتمعات، لا توجد نظرية جامدة لا تتبدل ولا تتغير ولا تتطور. الجمود هو الموت.

احزبنا الشيوعية اليوم تثير الشك بحقيقة فهمها للفكر الماركسي، والتحولات العميقة التي جرت في الفلسفة والاقتصاد وغيرت وجه عالمنا، وشكلت تحديا أيديولوجيا لكل الفكر الماركسي الذي تجمد بلا تطوير لعشرات السنين. ربما نفي الى الغولاغ المنفى السيبيري الرهيب، كعادة ستالين مع كل معارض ومنتقد او وصلت شكوى عليه حتى بدون التحقيق من صحتها.  احزابنا اليوم بدون فكر وتثقيف أيديولوجي لكوادرها، بجهل للفلسفة التي يدعون تمثيلها وبجهل كامل للفكر الفلسفي الذي لم يتوقف تطوره عبر التاريخ، الا لدى عتاقى الفكر الشيوعي.

الفلاسفة المثاليين ادعوا بما ان الكون منظم للغاية ويعمل مثل الساعة، اذن يوجد “ساعاتي” انشأ الكون حسب الفلسفة التجريبية ؟؟

من السهل اتهام إنسان ومن الصعب التراجع والاعتذار. فقط من يعتمد على عقله الواعي غير المنفعل وليس مشاعره لا يتورط بثرثرة تثير الضحك لو أخرجت للمسرح!!

 

نبيل عودة

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم