صحيفة المثقف

سامي عبد العال: الدين.. والكاريكاتير

سامي عبد العال"يبدو أننا نخاف من الصور كرد فعلٍّ نتيجة الرعب غيرر المبرر أمام أنفسنا ..."

"نجحت الصور المسئية في تحريك الجُموع من حيث أخفقت كلُّ توجهات وبرامج الإصلاح ..."

شرُ البليةِ ما يُضحك. أمَّا الأكثر اضحاكاً: أنْ تتمنى "عملاً" تَجَاوزَ حدود البليةَ نفسها خلال لحظاتٍ حرجةٍ بامتياز. ذلك حينما انتشرت ظاهرة (التحرُش الفني في الغرب) بمقدسات ورموز المسلمين. وباتت (دلالةُ الصراع) بين الشرق والغرب أكثر حضوراً وتجلياً، وأثارت الآراء المختلفة والمتضاربة على مساحة واسعة من العالم. ويبدو أنَّه رغم تجاوُز العصور الغابرة من تراث الصراع المادي، إلاَّ أنّ (الصور المسيئة) أعادتْ حالات الشحن الأيديولوجي والنفسي بين أتباع الأديان.

المهم دعونا نترك العنان للتمني الآن: ليتني كنتُ (رسّاماً كاريكاتيرياً)!! ليس لأخُط (رُسوماً مسيئةً) لأحدٍ كحال فناني الرسوم الساخرة تجاه المقدسات الدينية أيا كانت، ولا لأُثير إغارةً على الصحفِ، ولا لأملأَ التلفاز برصاص (معركة جهاديةٍ) كالتي حدثت بباريس يوماً من الأيام رداً على الرسوم في (صحيفة شارلي إبيدو). لكن أريد ذلك فقط، حتى استطيع اكتشافَ السرِ وراء صور (محض صورٍ أيا كانت) دفعت إلى (استنفار المسلمين) كالطوفان إزاء هذه العمل. وبخاصة أنَّ الكاريكاتير Caricature فن ساخر من فنون الرسم، (وفي الايطالية تعني كلمة Caricare يُبالغ، أو يُحمَّل مالا يطيق). وهو يرسم صوراً تبالغ في إظهار (تحريف) الملامح الطبيعية أو خصائص ومميزات شخص أو جسم ما، بهدف السخرية أو النقد الاجتماعي أو السياسي أو الفني أو غيره، وبتلك الطريقة يعد فن الكاريكاتير له القدرة على النقد بما يفوق الفنون الأخرى.

هكذا كانت (الصُور الكاريكاتيرية) تُطلَّق ليلاُ وتحت جنح الظلام الحالك، فإذا بالمسلمين نهاراً يجوبون شوارع العالم (الإسلامي والغربي) بحثاً عن الفاعل، ولو كانَ بمنأى عنهم آلاف الكيلو مترات. يفتشون هنا أو هناك، فتحدُوْهُم كلُّ المعاني الأثيرةِ لدينا: مثل فزعة الجهاد ونفرة الخوف على الايمان والشجاعة أمام الآخر والحماسة للاعتقاد وتقوية نوازع التدين والتعبير الجاد عن الرفض ورغبة الزود عن حياض الإسلام والثأر لرموزه الكريمةِ التي جُرِحت دلالتُها. هم يفعلون ذلك (بمنتهى البراءة) التي تكفل (انتهاكاً غيرَ بريءٍ) لجميع الحدود المحتملةِ!!

الرأي هنا ليس هُجوماً على أحدٍ ولا دفاعاً عن غيره. لكنه يثير أسئلةً مرتهنةً (ومتجددة) بكوننا دوماً نعبرُ عن أنفسنا الدينية (بردود أفعالٍ) أكثر إنفلاتاً من الأفعال. وبخاصة إذا علمنا أننا لم نطرح (فعلاً إيجابياً واحداً) حتى يأخذ الآخرون (الغرب وغيره) خطوةً واحدةً إلى الوراء تقديراً لأصحابِ الفعل. إنَّما في الأغلب نتعامل مع (التبريرات) كما لو كانَت حقائق. وهي في جوهرها ليست إلاَّ إساءةً لنا ولمن نُدافع عنه من رموز (هي أصلاً) بمنأى عن كل إهانةٍ.

جرى كلُّ ذلك إلى أنْ أصبحت (التبريرات) سبيلاً لتأجيل كيف نتصرف بمسؤوليةٍ إزاء ما يعترضنا من مشكلاتٍ صغيرة وكبيرة معاً. أي كانت التبريرات معبرة عن جوهر تعاملنا مع القضايا الفعلية في حياتنا ومجتمعاتنا بخلاف الآخر. وأقرب الأمثلة المثارة في وقتها على ذلك (تداعيات الرسوم المسيئة) للرسول الكريم كما أشرت. إذ كنا قد تركنا الموضوع يتصاعد في غير حالةٍ، وكانت بدايتُه صُوراً مرسُومةً بأغراض فنيةٍ لا تخلو من جوانب ساخرةٍ أخرى. عن مؤامرةٍ أم لا... لسنا ندرى، لكن هذا ما حدث بالفعل. فظهر الرد المتهجِمُ من الجماهير على الصحيفة الفرنسية وغيرها من الصحف الهولندية بالتشددِ ذاته. وانطلقت التبريرات الطائشة من جميع الاتجاهات فوق سماء باريس وداخل أوروبا كلها.

أليست هذه ظاهرةً جديرةً بـ (التأمل الخجُول)؟! كانت محض صور قد نجحت (وستنجح لو تكررت ثانية) في تحريك كلِّ هذه الجموع عن بكرة أبيها، بينما لم ينجح في ذلك طوال التاريخ الإسلامي مُصلِّحون وفقهاءٌ ومجاهدون وتنظيماتٌ ونظريات قانونية وأيديولوجية. أي أنَّها حرّكت أجساداً وهمماً مترهلةً من تردي الأوضاع الفكرية والسياسية في العالم الاسلامي. صور أبرزت اخفاق تراث المعتزلة ومؤلفات ابن رشد وفتوحات ابن عربي وجهود وثورة جمال الدين الأفغاني وأفكار محمد عبده وتجديد محمد اقبال. ناهيك عن احباطها لكل عمليات الترقيع المعاصرة لحالنا السياسي والإجتماعي الراهن.

أيضاً أتخيل أنَّ الصورَ قد نجحت حيث تقهقرت آفاق التجديد الفكري التي تملأ صفحات العالم الافتراضي. فقط صور ساخرة أشعلت العواطف المقدسة وجيّشَت الأحاسيس واستنفرت الغرائز فتكاً بمرتكبي (إثم التصوير). رسوم هزلية أعادت المسلمين (على صفحات التواصل الاجتماعي) إلى عصرهم الذهبي وإلى زخم المعارك الجهادية الكبرى كالقادسية وعين جالوت وحطين!!... أهذا هو الإسلام السمْح الذي نعرفه؟! أهذه عقول تحمل أخر (الرسالات السماوية)؟! أهؤلاء أتباع من قال فيه القرآن: "ولو كنت فظاً غليظَ القلب لانفضوا من حولك"؟! بينما هم قد تحولوا إلى عنوان للموت وباسم من جاءت الآية في حقه!! أَفْهمُ أنَّ حبَّ النبي الكريم جزءٌ من الايمان غير أنّ (قتلاً باسمه) لا أعلم أين يُصنف؟!

والأهم.. في أي مكانٍ تمَّ ذلك الفعل؟، كان هذا الفعل في قلب أوروبا المسيحية. إذن تلك هي (نكاية الفخر) الذي لا يدانيه فخرٌ ولا بالأحلام؟! ليس الأمر بالأحلام كما أتوهم. بل يا لها من مفارقة صارخةٍ، جاءت حادثة شارلي إيبدو في معقل التنوير الأوروبي ذاته. أليس هذا "فخراً عبوساً " لكل مسلم يفهم الإسلام حقيقةً؟! ما معنى أنْ يطّأ بعض المسلمين أوروبا وقد حملوا أسلحةً إلى عمق باريس مثلاً؟! فتسحق أصابعهُم عظاماً لرسامين لا يمتلكون سوى ريشة وخيال عنصري أو حتى مؤدلّج، فليست هذه هي القضية. أصابع اسلامية لم تحمل حضارةً ولا كتاباً إلهياً ولا رحمةً للعالمين كما جاءَ بالقرآن!!

أقول ما معنى ذلك كله، وقد كتب رفاعة الطهطاوي" تخليص الإبريز في تلخيص باريز"؟ إذن لم يكن ذهباً ما استخلَّصه صاحب هذا الكتاب الشهير. إمَّا أنَّه ذهبٌ غير حقيقي (قشرة)، ولكن شرحه بمزيد من الألمعية، فلم يؤثر فينا بما يكفي، وإمَّا أنَّه حين انتقل إلينا استحال تراباً فكانت هذه نتيجته.

هل الجهاد أنْ نسْخر بالقتلِ كما سخِروا من الإسلام بالرسوم المسيئة؟ قد يقول أحدُهم ليست الصور بحدِ ذاتها هي فتيل المعركة. لكن ربما هي رغبة هؤلاء المسلمين في إحياء التضامن الإسلامي أو ايجاد هدف بعيد يسعون وراءه!! ولكن إذا كانَ الوضعُ كذلك، لماذا الصورُ بالذات تثير رائحةَ الدماء والحرق والتنكيل بالفنانين. هل الصورُ لها تلك الطاقةُ المؤثرة على المسلمين عن بُعدٍ إلى هذا الحد. بحيث تدفعهم إلى تجاوز الحد نفسه لمداهمة " أوكار الكاريكاتير". بالأمس القريب منذ سنوات كان قد جرى التصرف نفسه مع فنان هولندي. حين اشعلّت أعماله نيران الغضب والاحتجاج والاحراق بأصنافه على امتداد العالم الإسلامي من المغرب العربي إلى باكستان. وها هي المشاهد ذاتها تتكرر مع صحيفة شارلي إيبدو، فخلّفت أكثر من عشرين ضحية بين قتيل وجريح!!

إذا كان الأمرُ كذلك مع إرادة المسلمين التي تتحرك بهذه الوسيلة، فلنتحول جميعاً إلى (رسامي كاريكاتير). على الأقل كي ندفع جموعَ الناس نحو العملِ بالوسيلةِ ذاتها. أوليس العملُ أو الانتاج (جهاداً) هو الآخر؟! لماذا نناقش تطوير التعليم وتحديث المجتمعات الإسلامية وإعادة قراءة التراث وصياغة برامج تنموية وبناء الدولة الحديثة وغرس ثقافة الديمقراطية. بينما أثبتت الصورُ خلال أيام أنَّ كلَّ هذا خيطُ دخانٍ. وأنَّها صور– كما أراها تلّوح الآن- تقف مزهوة بما فعلت (رغم إساءتها المزرية). بالفعل أقبلَ الناسُ في أنحاء العالم على مشاهدتها واقتنائها وإعادة إرسالها لبعضهم البعض، وطالبت صحف دولية أخرى بنشرها على نطاقٍ واسعٍ.

كأن الصور المسيئة وردود أفعالنا هي برامج التنمية الاجتماعية والسياسية الجوكر في حياتنا الاسلامية الراهنة!! تلك الصور رغم سخريتها المزرية (وأقول هذا أكثر من مرة) قد شككت المتابع. من هم أصحاب العقل الكاريكاتوري ابتداءً؟! الرسامون أم المسلمون المستنفرُّون؟! فالرسومُ ساخرة ولم يستنكف أصحابها الإعلان عن ذلك، وتمَّ نشرها بالفعل. ولكن بأي مبرر نكون نحن كاريكاتيريين إلى درجة الاضرار بأنفسنا؟! ليس رسماً فنياً، بل بالحالة العقلية والسياسية التي نعيشها طوال تاريخنا القريب والبعيد.

لقد حولنا الإسلامَ إلى (حالة كاريكاتيرية) فعلاً لا مجازاً. جعلناه وضعا ثقافياً وفكرياً (محل سخرية) البشر من أقصى الأرض إلى أدناها. ولو فهم المُتهجِمون على صحيفة شارلي إيبدو إسلاماً في قلوبهم (لو كانوا صادقين) ما فعلوا فعلتهم وإن أُسيء إلى رسولهم الكريم. لقد نالوا هم من الإسلام كما لو لم ينل منه عدو على مر العصور الحالكة. لم يفهموا ماذا يعنى مستقبل دون ارهابٍ للإسلام، دون قتلٍ ولا تخويفٍ. كما فعل نبيه الكريم بحكمةٍ حين قال لأهل قريش: اذهبوا فأنتم الطلقاء؟ لماذا لم ينل منهم رغم أنَّهم كانوا أشد سخريةً من رسامي شارلي إيبدو؟!

لقد أظهر هذا الوضع السلبي جملة تناقضات واضحة.

أولاً: بدلاً من الدفاعِ عن الإسلام بتطوير تراثنا الفكري والثقافي أصبح المسلمون (رسامين ساخرين منه) قبل غيرهم. المسلمون المتطرفون هم (الصور الساخرة) من دينهم وهم أصحاب الرسوم ذاتها. من أجل خوفهم غير المبرر رسمت الصور وانتجت الأفلام وبفضلهم انتشرت كالبرق. لم يفعلوا شيئاً جدياً لتنمية مجتمعاتهم ولا للمساهمة في التخلص من الجهل. فأيها كانت صوراً مسيئةً للرسول الكريم: أنْ يغُط (أتباعُه نائمين حضارياً) حتى بلغ شخيرُهم عنان السماء أم أنْ يخُط رسامون أشكالاً كاريكاتيرية له؟! أيها أخف وقعاً رغم خطأ المقارنة والنتيجة جنباً إلى جنبٍ؟!

ثانياً: كانت المفارقة أنَّ بعض المسلمين يجاهدون في باريس رغم بؤسهم اليومي وفقرهم المدقع. وكأنَّهم يقولون لأوروبا ليكن علينا الدور في الاضطهاد. نحن كنا قد اقتحمنا صحيفة " شارلي إيبدو" وأنتم عليكم ملاحقتنا غداً. وقد حدثت في الأيام الأخيرة بعد الحادث تهديدات لبعض الجاليات المسلمة وتم التحرش بالمسلمين في البيئات التي يعيشون فيها كأقليات.

ثالثاً: لم يفهم المسلمون حتى الآن وضع الحريات وبخاصة حرية التعبير في مجتمعات أوروبا وسواها. ولم يحاولوا الفهم حتى لو كانت صورُ التعبير مسيئة وهي كذلك بالفعل كما نقول. ولكن تعامل المسلمون مع تلك الحرية كأنَّهم في بلدانهم التي لا تقدر أصلاً حقوق الإنسان. ألم يتعلموا شيئاً من المناخ الأوروبي غير التكفير والقتل اللذين حملاهما في جعبتهم من خطابات الاقصاء والإرهاب الديني؟

رابعاً: كان بالإمكان أنْ تمر الرسوم مرور الكرام، رغم ما أثارته من ردود أفعال وتداعيات. فلم تكُن هي الأولى ولن تكون الأخيرة بطبيعة الحال. لكن المتطرفين كانوا قد حولُّوها إلى (حادثة عالمية) قابلة للتكرار والمعاودة. أحيت أرضاً تعادي الاسلام وأعادت إلى أوروبا حالة الإسلاموفوبيا في تفاصيل الحياة اليومية. أحيانا السكوت عن الإساءة أبلغ من الرد عليها، ولا سيما إذا جاء الرد عنيفاً أو عندما يُتوقع أن يتجاوز الحدود.

خامساً: لم يتعلم المسلمون من بعض تاريخهم الديني السمْح شيئاً. فبعد أن حُورب الرسول الكريم سخريةً وايذاءً جسدياً ومعنوياً وتحرش به الصبية ناهيك عن الصدود أمام دعوته الأولى، لم يأمره الله برد الاساءة بإساءةٍ ولا باطلاق السخرية بسخرية ولا بشن الحرب على هؤلاء الذين عنفوه إنما أعطاه الله طريقاً روحياً وأخلاقياً للصفاء. فكانت رحلة الاسراء والمعراج في العام نفسه الذي أُذي فيه. كأنها تقول إذا وقعت اساءة في حق النبي، فهناك الله الاسمى والأعظم من كل إساءة. كما أنَّ العالم ليس فقط أرضاً تحت أقدامنا، بل سماء تكشف الناس وتعرف المخبوء.

سادساً: صحيح قال الاسلام بوضوح: " من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " إلَّا أنَّ المتطرفين انتهكوا تعاليم الإسلام قبل انتهاكهم لحقوق الغير. فالفن بالفن والفكر بالفكر والكتابة بالكتابة لا غير، مهما بلغت الاساءةُ من النكاية والسخرية إلى رموز الإسلام. لأنَّ ذلك الدين يمثل رهاناً على المستقبل لا مجرد نكاية في الحاضر العابر. وبالتالي، تجاوُز الحاضر بالحوار معه يقدم نموذجاً لشكل المستقبل إنْ أمكن.

سابعاً: ظل المسلمون يرسُفون في صور العبودية للأنظمة السياسية المستبدة دونما أي تحريك لساكن بينما في البلاد الأكثر انفتاحاً (بلاد الغرب) أقدموا على إرهاب مخالفيهم في الرأي. ما مصير هذا التناقض الكاريكاتوري الصارخ؟ ما مدلوله سوى أنَّهم ينكرون على الإسلامِ حقائقه البسيطة؟ المفترض أن يُخرج المسلمون أفضل ما لديهم من اسلامٍ في جميع البيئات التي يقيمون فيها لا أنْ يحولوه إلى قنابل متفجرةٍ. ألم يقُل نبيُ الإسلام المُساء إليه: كونوا كالنخل يُرمى بحجرٍ فيُلْقِي بأطيب الثمر؟!

دلالة الكلام هنا قريبة مما قاله المسيح "من ضربك على خدك الأيمن أَدِّر له الخدَ الأيسر". الفارق أن الاسلام يقدم رغم الإساءة الثمر الطيب حتى لمن يتجاوز في حقه، لقد فعل المسلمون العكس: أُلقيّت عليهم رسوم ساخرةٌ فألقوا على أصحابها موتاً ساخراً!! وليست تلك ممارسة سلبية، إنما نظرة واسعة رحبة بما لا يدرك الناس، وسيكون الوضوع فيها هو قانون الحياة المفتوحة التي تثبت نظرة الحرية والإنفتاح لا العداء والملاحقة.

ثامناً: كمْ ظهرت صور القتل والاعتقال وهدم المنازل واجتياح القرى في فلسطين بينما لم يُستنفر أحدٌ من الجهاديين. ولم يطلقوا صرخة واحدة إزاء ما حدث، بل اكتفوا بلطْم الخدود وشق الجيوب وضرب الرؤوس في الجدران. حدَثَ هذا الشيء خلال سنوات عقب سنوات وظهرت صوره يومياً حتى اللحظة. إلى أن جاءت إبادة الفلسطينيين والعرب في دير ياسين وفي دير البلح وفي قانا وفي جنين وفي غزة كما رأينا مؤخراً. صُور وراء صُور ولم يستيقظ أحدٌ!! أين (الذاكرة الجهادية) كما يقولون؟

مرة أخيرة: ما السر في الصور الكاريكاتيرية؟ يبدو أنَّ محمد عبده أدرك السؤال منذ ما يزيد عن قرن: " ذهبتُ إلى أوروبا، فوجدت إسلاماً بلا مسلمين بينما في الشرق وجدت مسلمين بلا إسلام"، هذا هو (الكاريكاتير المُسيء) فعلاً لكل ما ينتمي إلينا نحن المسلمين. تلك هي الصور المسيئة لرسول الإسلام حقاً. والمغزى لن يكون إلاَّ في قول الرسول البليغ: " أتى الاسلامُ غريباً.. وسيعود غريباً " حتى بين أهله. فإذا كان أصحابُه قد تركوه طريداً على خرائط الدول الاسلامية، تركوه نهباً للإرهابيين والمستبدين على السواء، فما بالنا بتعاملهم معه في أوروبا؟ هم كمسلمين رسمُوه مشوَّهاً محل سخرية (قبل وبعد سواهم). وليست حادثة شارلي إيبدو التي أثارت هذا التراث إلاَّ دليلاً إضافياً في سلة التاريخ المعاصر على هكذا معنى. ولسان حال الإسلام يقول ويؤكد: " اللهم اكفني شرَّ بعض أتباعي أمَّا أعدائي فأنا كفيلٌّ بهم ".

 

سامي عبد العال

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم