صحيفة المثقف

كاظم الموسوي: الصراع من أجل الديمقراطية في العراق

كاظم الموسويالصراع من أجل الديمقراطية في العراق، هو العنوان الثاني بعد كلمة العنوان الرئيس، مذكراتي، للشخصية السياسية البارزة في زمنه، محمد حديد، (3- 1907 آب/ أغسطس (1999 والتي نشرت في كتاب، صدر عن دار الساقي ببيروت عام 2006 في 576 صفحة من القطع الكبير وبحروف طباعية صغيرة. وتاتي أهمية الكتاب والمذكرات من مؤلفها، ورؤية الأحداث التي عاشها وسجلها صفحات في تاريخ العراق المعاصر. وشخصية المؤلف ودوره في صناعة تاريخه الوطني ونضاله من أجل عراق وطني ديمقراطي وصراعه مع من تعاون أو تشابك معه في الصراع من أجل الديمقراطية في العراق. وصفحات المذكرات تشهد له كما تؤكدها صفحات التاريخ وكفاحه على اكثر من صعيد ومرحلة وزمان.

مهّد للكتاب ابنه، فولاذ محمد حديد، موضحا الجهود التي بذلت لإقناع والده بكتابة مذكراته. "فبرغم أن المؤلف كان عند وفاته سنة 1999 في سن الثانية والتسعين يحتفظ بذهن صاف وذاكرة سليمة، فقد ألحت عليه الأسرة والأصدقاء منذ وصوله للإقامة معي في لندن سنة 1991 على أن يدون احداث حياته وذاكرته لا تزال قوية ثاقبة". رغم أن كتابة المذكرات اخذت وقتا وجهدا واصرارا، إلا أن " العملية البطيئة،  في الواقع، اتاحت لي ولكل من اخي واختي فرصة تعليمية نادرة. فقد كنا نحضر الجلسات ونستمع بشغف بالغ ووالدي يملي ذكرياته،"  وحصل من وراء تبادل الاراء مع المؤلف بعد تلك الجلسات، في شأن التجربة الديمقراطية في العراق، أن يكوّن نواة اولى عند فولاذ لفكرة تأليف كتاب عن هذا الموضوع.

 اختير لتحقيق المذكرات بعد تدوينها، الكاتب والمترجم والسياسي نجدة فتحي صفوة، الذي كتب  مقدمة مطولة تعريفية بالمؤلف والكتاب، معترفا بالمكانة التي كان عليها المؤلف. مؤكدا أن محمد حديد شخصية سياسية وطنية عراقية حازت احترام العراقيين على اختلاف اتجاهاتهم وانتماءاتهم، وعرف بثقافته العصرية الواسعة، ونزاهته المطلقة، وتفكيره الهاديء العميق. وكان موضع تقدير في جميع العهود السياسية التي توالت على العراق، في ظل النظامين، الملكي والجمهوري، سواء أكان في الحكم ام في المعارضة. و"باعتزاز كبير وانا اقدم هذه المذكرات الى القاريء العراقي والعربي وكلي ثقة باهميتها وبانها ستكون مصدرا ثرا جديدا لتاريخ العراق السياسي الحديث، وإضافة مفيدة الى ما صدر حتى الآن من مذكرات الساسة العراقيين، تلقي اضواء جديدة ومفيدة على جوانب كثيرة من ذلك التاريخ، فضلا عن أنها تعرض سيرة غنية ومشرفة لشخصية خدمت بلادها بكل كفاية واخلاص، وفيها كثير من الدروس والعبر، وهي جديرة بأن تكون قدوة للأجيال القادمة في صلابة الرأي والثبات على المبدأ والإخلاص في الوطنية".

كما لخص في المقدمة الكثير من محتوى المذكرات، في السيرة الشخصية والعمل الوظيفي والنشاط السياسي والفكري، وعرض وجهات نظره في أمور لو كان المؤلف مطلعا عليها لما وافقه عليها، كالموقف من ثورة تموز/ يوليو 1958 مثلا، وتفسيره لاسم الشعبية، وعمل جماعة الأهالي، التي كان المؤلف من مؤسسيها. وقدم للقارئ المؤلف وسيرته التي فصلها في الكتاب. ذاكرا أنه محمد بن الحاج حسين حديد، ولد وترعرع في مدينة الموصل واكمل دراسته في بيروت وبريطانيا وعاد ليعمل في وزارة المال، واستوزر في العهدين، الملكي والجمهوري، لكفاءته وتمثيله لحزبه الوطني الديمقراطي قبل تأسيسه لحزب اخر منشق من اسم الحزب ايضا، وخلافه مع زعيم الحزب، كامل الجادرجي حول الموقف من تأييد الحكم الجديد ورأسه الزعيم الركن عبد الكريم قاسم.

ولعل النظر في عناوين الفصول التي ضمها الكتاب، والملاحق والصور الشخصية، يعطي صورة توضح سير المذكرات ودور صاحبها، وتقرب المتابع لها من الدروس والعبر التي تستخلص منها. بمعنى معرفة الرسالة من عنوانها كما يقال، حيث بديهيا حمل الفصل الاول عنوان سنوات التكوين، والفصل الثاني الخدمة في العراق، والفصل الثالث، انقلاب بكر صدقي- حكمت سليمان، والفصل الرابع، في المجال الصناعي، والخامس، سنوات الحرب وولادة الحزب الوطني الديمقراطي، والسادس، احداث سياسية داخلية، والسابع، تطورات الوضع السياسي في العراق، والثامن، ثورة 14  تموز/ يوليو، والفصل التاسع، في وزارة المال، والعاشر، الخلاف بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، والحادي عشر، القضية الكردية، والثاني عشر، تشريع قانون لتنظيم الأحزاب، والثالث عشر، حركة الشواف وذيولها، والرابع عشر، محاولة أخرى لتأليف جبهة وطنية جديدة، والخامس عشر، قضايا النفط، والسادس عشر، الكويت، والسابع عشر، الحزب الوطني التقدمي- تأسيس الحزب الوطني التقدمي، والثامن عشر، تقييم عهد عبد الكريم قاسم ونظامه، والتاسع عشر، إنقلاب8  شباط / فبراير 1963والفصل العشرون، إنقلاب 17 تموز 1968 أما الملاحق فقد ضمت منهج الحزب الوطني الديمقراطي، ومنهج الحزب الوطني التقدمي، والكتب المتبادلة بين وزير التموين محمد حديد ورئيس الوزراء نوري السعيد، ورسائل كامل الجادرجي إلى محمد حديد (خلال وجوده في لندن)، وتقرير عن مقابلة سام فول، المستشار الشرقي في السفارة البريطانية في بغداد مع محمد حديد، ومذكرة لمحمد حديد في ميزانية العراق لسنة 1960 ، ولللذكرى بقلم فخري شنشل، وفي الملحق الثامن نعي جريدة نيويورك تايمز، والتاسع نعي صحيفة الاندبندنت للراحل،  صاحب المذكرات.

قراءة ما املاه وسجله المؤلف، محمد حديد،  في مذكراته، التي طلب نشرها بعد وفاته، وبعد إلحاح واصرار عائلته وأصدقائه واكاديميين بريطانيين وغيرهم وما وفرته من أفكار ورؤى ووقائع تكشف عن دلالات ووجهات نظر تنطق عن مصداقية سرده رغم اعتماده على الذاكرة ووثائق محدودة من مؤسسات بريطانية، وكذلك ليست عن أهميتها وحسب، بل وعن مسيرة التجربة والحياة التي عاشها، والأسلوب والممهمات التي قام بها، والسبل التي عالجها بها، ابتداء من محبته لمسقط رأسه، مرابعه الأولى ووطنه الذي اخلص له، إلى علاقاته الحضارية والودية حتى مع المختلف معهم فكريا أو سياسيا، وتحمله لتموجات الحركة السياسية واضطراباتها في بلاده، كما رواها، رغم ما يمكن التحدث عنها وفيها ايضا. وكغيرها من المذكرات التي نشرت، تبقى مذكراته في ميزان التاريخ السياسي الوطني في العراق، معبرة عن شخصية وطنية بصدق واخلاص وثبات، عملت لبناء وطن، وإسعاد شعب، واجتهدت في الصراع من أجل الديمقراطية، التي كانت ومازالت مطلبا شعبيا، ووسيلة للتغيير، تدق ابواب الوطن وترنو لمستقبله.

 

كاظم الموسوي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم