صحيفة المثقف

حيدر عبد الرضا: قراءة في رواية (الحبُّ الأوَل) للكاتب الروسي إيفان تورغينيف

حيدر عبدالرضاالبنية السردية بين مثالية الفكرة وآليات الدلالة المؤجلة

توطئة: يشغل المنظور التبئيري في رواية (الحب الأول) للروائي الروسي الكبير إيفان تورغينيف / ترجمة نديم مرعشلي، ذلك الشكل الخاص من الرؤية المتصلة ما بين ذهنية الوعي الذاتي المبأر ـ استدراكا مستقلا غالبا عن مجرى إطار تفاصيل الفضاء الخارجي من النص.. ونحن هنا لا نقول بأن السارد المشارك خارجا عن مؤطرات السياق النصي الخارجي، لا أبدا بل كلما نود قوله أن محكومية المبأئر الفاعل في مسار الأحداث المحورية كان مأخوذا برؤى داخلية أقرب ما تكون إلى تيار الوعي، أي كحدوثية نسبية في المشاهد الخارجية المتصلة عبر فضاء غدا يناسب المبئر الذي غدا تنتقل من خلاله شخوص ومواقف السرد، دون شعورنا المباشر بأن السارد كشخصية مشاركة في مساحة الفعل السردي، وذلك تعليلا للمهارات الحاذقة التي يتقنها الكاتب في اتخاذ الشخصية المشاركة كمحفزا للنص بشكل ذاتي وموضوعي، إذ نرى من جهة غاية في الأهمية عملية التبئيير تحدث من الداخل وبذات الوقت تحدث كجهة برانية من محكومية السارد الخارجي، وهذا الأمر ما وجدناه راسخا بين ثنائية (السارد الخارجي / السارد الداخلي = الناظم الأوحد) وذلك من منظور شاهدية وعاملية مساحة المبأر وحيثيات الدليل التبئيري المركز. 

ـ تجليات زمن الحكاية وشواهد السارد الفاعل

من خلال بنية المستهل النصي في الرواية نتعرف على مجموعة أشخاص يبرز من بينهم المحور (فلاديمير بيترو فيتش) وقد أتفق فيما بينهم على أن كل واحد منهما يروي قصة حبهما الأول، فوقع الأختيار على الأخير فلاديمير، بعد أن كان الأول لا تحمل قصته في الحب سوى مواقف عابرة وشاطحة، ظل فلاديمير يسرد قصته الطويلة مع تلك الفتاة البرنسيس التي تدعى زينايدا: (كنت في ذلك الحين في السادسة عشرة من عمري.. أن هذه الأحداث جرت في صيف 1823.. كنت مع أهلي في موسكو، وكانوا قد استأجروا فيلا قرب باب كالوغسكي أمام حديقة نيسكوني، كنت أستعد لدخول الجامعة / لم يكن ثمة ما يحد حريتي.. كان قد سمح لي أن أفعل كل ما أشتهي خاصة بعد أن أنفصلت عن المربي الأخير، الذي كان فرنسيا، والذي لم يستطع أبدا أن يتكيف مع الفكرة أنه قد وقع في روسيا، كما لو وقع في قبر، والذي كان يقضي جل أيامه مستلقيا على سريره، حانقا ساخطا. / ص7 الرواية) فالعلاقة كما نعاينها في هذه الوحدات الركيكة الترجمة، تجرى بمقتضى مساحة مسرودة وممسرحة تفضي إلى عرض الخطاب المنقول من خلال منظومة الفاعل المبأر الذاتي، فهو يرى معها وبها، ويصور من خلالها مشاهد الشخوص وأحوال مواقفهم التي هي حصيلة الرؤية المشهدية ذات الخطية الزمنية في مسار رؤية السرد. ومن خلال تقديم الناظم الداخلي لحكيه في هذه الوحدات، سنلاحظ أن مسيرة هذا الحكي تتخللها بين الفينة والأخرى مساحات تأملية ووقفاتية يتفرد بها الفاعل الذاتي بطرح رؤيته حول حكاية عائلة البرنسيس زاسكين: (ـ آه برنسيس؟ ثم أضافت: ـ باليقين، فقيرة.. ولاحظ الخادم وهو يقدم الطعام باحترام: ـ أنهن سيدات جئن في ثلاث عربات بلا اأتباع ولا حشم، أما أثاثهن، فلا يساوي شيئا مطلقا ردت أمي: حقا إلا أني أفضل أن يكون الأمر على هذا الشكل، نظر أبي إليها ببرودة، فسكتت. / ص9. ص10 الرواية).

1ـ الاسترجاع الداخلي والعلاقة المقاربة:

أن الحالة الزمنية في مجرى بنية الأحداث السردية، مثالا واضحا على شكلانية الصراع الداخلي المنصوص بين عائلة فلاديمير وعائلة البرنسيس زاسكين، خاصة وما يتعلق بالجانب المادي في مجمل الفوارق الطبقية بين العائلتين، فعائلة فلاديمير من الطبقة البرجوازية المتنفذة، فيما يتبين من البرنسيس زاسكين تعاني عائلتها من قضايا لافتة تتعلق بشكوى أصحاب البنوك ضدها قضائيا، وذلك لعدم تسديد فوائد تلك البنوك كما يظهر من واقع النص، وتزداد الأمور عسرا في مستوى انحدار هذه العائلة الاقتصادي والمعيشي وإلى حد يصل الأمر بهم مرحلة التوسل والشحذ في وجه من الدقة: (وألقيت نظرة تقزز على قامتها الوسخة وفي تلك اللحظة بالضبط.. فتح باب آخر، وظهرت فتاة البارحة على العتبة، قالت البرنسيس وهي تشير بمرفقها: ـ أنها أبنتي رينوتيشكا، هذا نجل جارة السيد ف.. ما أسمك أيها الشاب؟ تمتمت، وقد تملكني الخجل، وأن أهب واقفا: ـ فلاديمير.. ولقبك هو؟ ـ بيترو فيتش؟ عجب لقد عرفت مفوضا في الشرطة أسمه كذلك فلاديمير بيترو فيتش ألا تبحث عن المفاتيح: لقد وجدتها في جيبي.. كانت الفتاة تتأملني بنظرتها الهازئة. / ص18 الرواية) هناك زمن يسبق حدود هذه الوحدات من السرد لعلها توضح لنا في حينها مستوى نرجسية وتعالي هذه الفتاة البرنسيس وبصورة غريبة، لا تتلاءم ومستوى عوز وانحدار عائلتها النبيلة الأصل والمفلسة حاضرا: (كنت أمشي مطرق الرأس، حين خيل ألي أني أسمع صوتا، فألقيت نظرة من خلال السياج، ووقف مذهولا.. إذ شاهدت مشهدا غريبا.. كان على بعد خطوات مني فوق الأرض الخضراء المزروعة بالغرانبواز، كانت فتاة طويلة ممشوقة القد، ترتدي ثوبا ورديا يحيط بها أربعة شباب، وكانت هي تضرب كل واحد منهم بزهرة من تلك الأزهار الرمادية، وكان الضحايا يقدمون جبينهم بقدر كبير من المبادرة والسرود. / ص11 الرواية) يبدأ المتكلم الفاعل الذاتي بتأطير الفضاء الأساسي في محاور الرواية الشخوصية، وذلك بوصف جزئيات ومكونات عائلة البرنسيس زاسكين: (لم يكن لبرنسيس زاسكين أن تكون ميسورة الحال: فالجناح الذي اسأجرته كان عتيقا، صغيرا واطئا، إلى درجة أن الناس الضعيفي الحال يرفضون السكن فيه، ومن ناحيتي، فأني لم أكن أعير بتلك الأقوال أقل انتباه وبصورة خاصة أني كنت قد فرغت لتوي من قراءة مسرحية قطاع الطرق لشيلر. / ص10 الرواية).

2ـ الصورة الروائية بين جمالية الموضوعة وخذلان المحور:

يرصد التصوير الروائي في علاقة مدار أحداث السرد، اقتران السحر والأفتتان والانقياد النفسي الكامن لثلة من الشباب إلى جانب السارد المشارك فلاديمير تحت سطوة وجبروت تلك البرنسيس الجميلة والسادية، فهي من جهة ما تظهر عطفها الممزوج بالسخرية إزاء حال هؤلاء الثلة الأربعة، على حين غرة تقوم بأجتذابهم إليها إذلالا متعمدا لهم، لتخلد هي في مخيلة كل واحد منهم، انطباعا شديد الإيحاء بأنها الفتاة الأولى والأخيرة في العالم من تملك وحدتها مقومات الحسن والأنوثة والسحر المرير. وتبع لهذا نعاين أن العلاقة الروائية تبدو متشابكة ومتشعبة في النهوض والانتكاس، والسمو والرداءة للمحاور الشخوصية، فالشخصية المحور فلاديمير هو البرنسيس المدلل من قبل والديه، ولكنه في الوقت نفسه ذلك المسكين والذليل من ناحية كونه الطفل الذي لم يتمرس على محسوبيات وخيرات التأزم العاطفي الذي لقاه من جهة تلك الفتاة البرنسيس: (أن مقدمة رجليها يطلعان بشيطنة من تحت تنورتها.. ليتني أستطيع أن أعبدها جاثيا على ركبتي.. كنت سعيدة كسمكة في الماء، ولو تركت وشأني، لما غادرت تلك الحجرة أبدا. / ص22 الرواية) ليس من شك إذن أن رواية (الحب الأول) عملا روائيا يكشف لنا عن حجم المماثلة التخييلية المتنامية في موضوعة النص، وقد ينسج هذا النص عبر العلاقة الوجدانية صورا تخييلية بليغة عن الطبائع والأهواء والنوازع الضرورة لخاصية التمثيل والمماثلة في ممارسة الشخصية الفتاة ككيانية متعالية على مصير الآخر الشخوصي المتمثل بهيئة الشخوص الأربعة مع الأخير الطفل فلاديمير.

ـ عنف مثالية العاطفة وحقيقة جلد الأنموذج.

إن التمظهرات الراسخة في وقائع الوجود الروائي، تقتصر على مجذوبية الرجال الغريبة نحو وجاهة البرنسيس زينايدا وويندرج هذا الشد العاطفي من قبل هؤلاء الرجال إلى كونها تتمتع بأسمى مفاتن الجمال شكلا وموضوعا وذاتا، وقد طال الأمر بهذه العلاقة ما بين البرنسيس ولعبة الرجال إلى حد فقدانهم إلى الرشد والصواب والحكمة في سلوكهم حيالها مؤخرا في زمن الرواية، الأمر الذي جعل مؤخرا فلاديمير يبدو متضايقا من حديث والدته حول زيارة البرنسيس والدة زينايدا إلى منزلهم: (جاءت البرنسيس لزيارة أمي كما وعدت.. أنها لم تعجبها، لم أحضر المقابلة، إلا أن أمي أخبرت أبي على مائدة الطعام أنها أحدثت لديها الانطباعي الذي تعطيه ـ امرأة عادية جدا؟! ـ وأنها أسأمتها بشناعة ألحاحها في الرجاء على أن تتوسط لها عنده البرنس ـ سيريج ـ وأنها عالقة في دعوى كثيرة ـ قضايا مالية هائلة ـ وعليها أن تكون مماحكة كبيرة.. إلا أن أمي دعت البرنسيس في مساء الغد إلى تناول العشاء برفقة أبنتها. / ص26) وتطلعنا الرواية على أن الأب كان يعرف زوج البرنسيس في مراحل الشباب.. (البرنس زاسيكين كان رجلا مهذبا جدا.. إلا أنه كان طائشا، بلا عقل، وكان أصدقاؤه ينادونه ـ الباريسي ـ كان في البدء واسع الثراء ثم أفلس في القمار. / ص26).

1ـ إشكالية الحب الأول وعقدة من هو المحبوب؟:

تواجهنا في فضاء حبكة الحكاية الروائية ثمة مسلمات غريبة من التلاحم والأزدواجية الدلالية، تلخصها لنا محفزات محفوفة بالمفاجأات والدهشة بشكل يحتم علينا تفكيك مناظرات ومناظر الدوافع السببية في مؤشرات حكاية النص الروائي: أن طبيعة رواية (الحب الأول) كغيرها من روايات الأدب الرومانطيقي خلوصا، ولكنها تتراجع على أن تكون أحداثها وعلاقاتها متعلقة بخيوط خطية عابرة وفاترة من حكاية الحب فحسب. هناك يبرز لنا الأنموذج اللامتوقع في جدل مقولة الرجال الأربعة يضاف إليهم الشخصية فلاديمير أبن السادسة عشر من العمر، فنعلم جيدا أن كل هؤلاء هم من أتباع الملكة زينايدا، إذ اختارت لنفسها من بينهم وصيفا لها وهو فلاديمير الطفل الولهان بها حد الجنون والهذيان والهلوسة: (سمعت وقع أقدام أليفة وراء ظهري.. كان ذلك أبي الذي لحق بي،سألني: ـ أتلك هي البرنسيس الشابة؟ / وحين حاذي الفتاة حياها بأنس فردت عليه التحية ببساطة ممزوجة بالمفاجأة، وتركت كتابها.. ولمحت أنا أنها تتبع أبي بنظراتها.. كان يرتدي دائما ثيابا أنيقة منتقاة، إلا أنها كانت بسيطة تماما لكنه قط لم يبدو لي رشيق القوام، قط لم تكن قبعته الرمادية مغطية رأسه الذي وخطه المشيب بتلك الأناقة.. وعدت أدراجي وأقتربت من زينايدا، إلا أنها لم تجد علي حتى بنظرة أنما عادت إلى كتابها وابتعدت. / ص28 الرواية) وفي اليوم التالي عند زيارة البرنسيس بصحبة أبنتها زينايدا إلى منزل فاسيليفيتش، كانت على العجوز محيا الأحباط والانخلاع التام عن لقبها كبرنسيس، فيما كانت على العكس منها زينايدا تتصرف كأميرة قادمة من أبها عصور الأمبراطوريات الرومانية الكبرى: (كان أبي جالسا إلى جوارها، ويحدثها بذلك الأنس الناعم والطليق وكان يثب نظره في عينيها من حين إلى حين، وكانت هي تتفرس بوجهه بنظرة غريبة تكاد تكون معادية.. كانا يتحدثان بالفرنسية، وأني أذكر أن لهجة الفتاة الصافية وتلفظها الصحيح أثار منتهى أعجابي.. أما البرنسيس العجوز فكانت تتصرف بلا كلفة، تأكل بنهم، أكلا يكفي لأربعة أشخاص. / ص30 الرواية) ولعل آهلية المضاعفة في الدلالات الروائية الشخوصية، أخذت تمنحنا الصورة الثيماتية الأكيدة في رسم وقائع النص عبر أشكاله المنسجمة أو اللامنسجمة والمتوحدة أو اللامتوحدة في جوهر علاقة التبئير السردي.

ـ الفاصلة التبئيرية في هواجس اللمحات الواصلة.

في الحقيقة تثير الفكرة الروائية عند الكاتب الروسي الرائد (إيفات تورغينيف) وخاصة في تجربة روايته موضع مباحث قراءتنا النقدية، إشكالية فنية كبيرة، سعى تورغينيف من خلالها إلى بلورة حكاية موضوعته الروائية كحالة تقليدية في الكتابة الرومانسية بادئ ذي بدء، ولكنها عند منتصف رحلتها المتنية، أضحت لنا بأن هناك فاصلة تبئيرية توليدية أكثر تعقيدا، قد أخفتها هواجس مكينة من اللمحات الحبكوية في المتن السردي، امتدادا لها نحو واصلة مدلولية كبرى لم نفكر لحظة واحدة بفرضية حدوثها في الموضوعة الروائية أبدا. أن جميع من يطلبون رضا الفاتنة زينايدا وبلا مبررات سببية في أوجه أسباب رضاها عنهم، فهل كان أحدا منهم مثلا يود الاقتران بها كزوجة؟ أم أنها مجرد نزوات عابرة ألهمت هؤلاء الرجال بعشقها أو لا عشقها في الآن نفسه؟ أقول أن جميع هؤلاء الشباب كانوا يبحثون بإلحاح ما عن من هو محبوب فاتنتهم العصية في الرواية،؟ فيا ترى من هذا الذي غلب لب قلبها بعد أن كانت هي من يغلب لب قلوب الرجال؟ في الواقع أن البعد الإشكالي في مشروع رواية (الحب الأول) هو تمثيلها لحالة عشق زينايدا لوالد الطفل فلاديمير أخيرا، فيما لا يبرهن هذا الأمر في وجه ما من الدقة التوظيفية في النص حتى وأن كان مموها من قبل المؤلف؟ بل أن ما حدث مجرد حدوث حجب مانعة على وضوح مشهدية كشف العلاقة الدائرة ما بين زينايدا بوالد فلاديمير، فهو العشيق لها في الأول والأخير من حبكة النص الروائي: (ترى لماذا يتجول أبي في الحديقة؟ / كنت أشاهدها بوضوح ـ وكان ينزل معها ستار حتى أسفل النافذة ولم يعد يتحرك.. أي معنى هذا؟ / كان أبي يلح، وما كانت زينايدا موافقة.. أني لن أنسى وجهها، كما بدى لي حينئذ: حزينا، مهينا ـ نعم، اليأس.. أنها الكلمة الوحيدة الملاءمة لوصف ذلك الوجه.. انتصبت زينايدا مدت ذراعها..فوق حادث يكاد لا يصدق فقد رفع أبي فجأة سوطه الذي يزيل به غبار سترته، وهوى به على ذراع الفتاة العارية حتى المرفق، تماسكت أنا كي لا أطلق صرخة.. اختلجت زينايدا ونظرت إلى أبي بصمت، وحملت ببطء يدها إلى شفتها وقبلت الندبة الحمراء.. رمى أبي بالسوط، وصعد راكضا الدرجات وهجم إلى داخل البيت.. أرتدت زينايدا وفتحت ذراعيها ورمت رأسها إلى الوراء وغابت. / ص110 الرواية).

ـ تعليق القراءة:

قد يحق لنا كقراء ودارسين إلى دلالات ومداليل رواية (الحب الأول) منا هذا القول الآتي: هل بإمكان (تورغينيف) أن يخبرنا احتمالا، بكيفية حدوث مثل هذا الحب وتحت هذا السقف الإيهامي بين والد فلاديمير وزينايدا؟ خصوصا وأن الأحداث في النص لم تظهر لنا مشهدا عابرا حول مجسدات تكون هذا الحب بين الطرفين؟ قد يبدو لي الأمر من جهتي ككاتب لهذه السطور أن لتورغينيف أراد من وراء روايته، تجسيدا لواقع مثالية الانموذج الرومانسي المطلق بلا شك، أما إذا تعاملنا مع النص من ناحية الوظيفة والسياق الحبكوي والأداة الفنية، فإننا قد لا نعول من جهتنا على أية قيمة معيارية إلى فن هذه الرواية قط، خصوصا وأنها جاءت في علاقات مموهة ناتجة من شرعية دلالات غير مصدقة في التجسيد والمماثلة الروائية ذاتها. ولكن ما لفت أعجابنا وموضع تقديرنا للرواية، ذلك الحبك المنسوج في توالدات الأوصاف الحكائية في ذاتها وبذاتها. تفصح لنا الأحداث في الرواية ختاما عن موت فلاديمير إلى جانب موت البرنسيس العجوز مرورا بموت زينايدا متزوجة برجلا آخر عقب نهاية عشقها لوالد فلاديمير: (أعطاني مايدانوف) عنوان زينايدا.. كانت نزيلة فندق دومون.. وتحركت في أعماق قلبي ذكريات ماضية، وقررت أن أزور في الغد تلك التي كانت هواي القديم.. اعترضني في الغد مانع.. ومضت ثمانية أيام، ثم ثمانية أخرى.. وفي الأخير ذهبت إلى فندق دومون وطلبت مقابلة السيدة دولسكايا فأجابت أنها ماتت منذ أربعة أيام، وهي تضع طفلا. / ص115) هكذا منحنا الأديب الروسي العظيم (إيفان تورغينيف) إلى سارده الشخصية الجملة العنوانية المتصدرة عتبتة المركز الروائي (الحب الأول) حيزا ذا وجود مضمر ومختفيا وراء ضمير النهاية والغياب كوحدة زمنية وقدرية غدت تجسد لنا هوية الحب الأول ضمن خيارات أولية ومصيرية مؤولة من أفضية أفعال القول والشعور الجواني من حيز حكي أحاسيس تجربة الحب الذي جاء وذهب في أدراج دلالات مجزئة ومتشظية ومؤجلة.

 

حيدر عبد الرضا

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم