صحيفة المثقف

أحمد عزت سليم: الفكر الإجرامى الصهيونى.. التجسيد الإنثوى للحضرة الإلهية

احمد عزت سليموالوجود التاريخى الذى هو الوجود اللاهوتى اليهودى

من خلال حركة التاريخ واللاهوت التى يصير فيها التاريخ لاهوتا واللاهوت تاريخاً، يصبح الصهاينة ورثة العبرانيين القدامى، و"حكومة إسرائيل" فى فلسطين المغتصبة ما هى إلا الكومنولث الثالث وملك مملكة داود وسليمان العبرية العائدة  وأن أصول الصهيونية تمتد بعيدة منذ أن صار آدم واحدا من الآلهة وأحفاده هم الأنبياء الأوائل، أنبياء بنى "إسرائيل"، وتصير العودة شيئا متصلا منذ بداية التاريخ الكونى اليهودى إلى الآن، من الأنبياء إلى هرتزل ومنه إلى ما بعد بيجن وشارون وأولمرت ونيتانياهو وعمليات دخول الصهاينة إلى فلسطين وقيامهم بذبح الفلسطينيين ليس إلا استمراراً وتكراراً لدخول العبرانيين القدامى إلى أرض كنعان وإبادتهم لأهلها، وما فرسان داود وسليمان إلا دبابات الجيش " الإسرائيلى"، وبالتالى فالاستيطان الصهيونى تعبير عن نمط  متكرر ومستمر، إلهى ومقدس وعندها تصير التصرفات الصهيونية الإجرامية تحقيقا إلهياً، وتصبح حقوق اليهود المزعومة سارية المفعول وتقف وراء التصرفات الصهيونية الوحشية والتى تصير معبرة بقوة عن ارتباط قوى بين الاتجاهات والسلوك كجماعات متعصبة يكون سلوكها كما يشعرون، ويتصرفون كما يفكرون، وكإدراك جماعى ونظام قيمى كلى، ومن أجل طرد الدناسة وطرد غير المقدسين لتصير الأرض المقدسة دولة لشعب مقدس ويتم إخلاؤها لأن امتلاكها فقط هو من حق هؤلاء المقدسين وليس من حق أى أغيار أن يتساءلوا فى معنى هذا الحق أو القرار الإلهي بالملكية، والذى يقول عنه وايزمان أنه حق نملكه منذ آلاف السنين ومصدره وعد الرب لإبراهيم وقد حملناه معنا فى أنحاء العالم  كله طوال حياة حافلة بالتقلبات .

وطبقا لهذا الحق فإن العالم بدون هذا " الشعب" شعب التوراة لا قيمة له ولا يمكن فهم تاريخ الكون بدون تاريخ اليهود تأسيسا على أن الإله اصطفاهم أولاً وأعطاهم الوعد وجعل لهم الأرض ملكاً خالصاً وتراثاً راسخا أبدياً ثانياً، وثالثاً لا يكون الإله إلهاً إلا بهم ففى إحدى تعليقات المدراش الحاخامية: حينما تكونون شهودى أكون أنا الإله، وحينما لا تكونون شهودى فكأننى لست الإله، وجاء فى التلمود: لماذا  اختار الواحد القدوس تبارك اسمه جماعة يسرائيل، لأن أعضاء جماعة يسرائيل اختاروا الواحد القدوس تبارك اسمه وتوراته . والاختيار لا يسقط عن الشعب اليهودى حتى لو أتى هذا الشعب المعصية ولم ينفذ شريعة الرب فى قتل الأخيار، وحب الإله للشعب المختار يغلب على عدالته مهما تكن شرور هذا "الشعب" وكما يفسر راشى وكما يرى أنه ليس لأى إنسان أن يتدخل فى هذا الاختيار، وحولت القبالاة "الشعب اليهودى" من مجرد شعب مختار إلى شعب يعد جزءاً عضوياً من الذات الإلهية فهو الشخيناه " التجسيد الإنثوى للحضرة الإلهية " التى تجلس إلى جواره على العرش وتشاركه السلطة، بل قال أحد الحاخامات أنه حينما ينفذ اليهود إرادة الإله فإنهم يضيفون إلي الإله فى الأعالي .

هكذا يتمركز اليهود حول التوراة والتلمود كأيديولوجيا تشكلها القيم اللاهوتية والتى أصبح بها اليهود خارج قوانين التاريخ التى تسرى على الجميع ولا تسرى هذه القوانين عليهم، وأصبحت "إسرائيل" على حد رأى بن جوريون دولة تضم الشعب الكنز منارة كل الأمم، والأمة السوبر كما يرى أحاد هعام، عاملها أزلى كما يرى المفكر الصهيونى الاشتراكي نحمان سيركين، وديمقراطيها أزلي كما يرى لويس يرانديز أو كما يسمون أنفسهم " عم عولام " الشعب الأزلي " وعم نيتسح " الشعب الأبدى، و" عم قادوش " "الشعب المقدس"، وكما يرى بوبر فإن الحوار الحق يمكن فقط  بين الإله واليهود بسبب التشابه بينهما وهو أمر ليس متاحا لكل الأمم .

ولذا فهذا النظام القيمى المستمد من إله الحرب رب الجنود والجيوش الذى يأمر شعبه بقتل الذكور والأطفال والنساء، لا يستبقى منهم نسمة ولا يرحم أحداً ويأمر بالسرقة والإبادة والمحو واغتصاب حقوق الآخرين، وحينما يصير لا فرق بين الجوهر الإلهى والجوهر اليهودى ويتوحدا معاً ويحل كلاهما فى الآخر ويجلسان معا يحكمان العالم فلا عجب أن يسرق اليهودى ويغش ويقتل ويمارس المحو والإبادة كعملية تعصب عنصرى مقدس " ثلاثية الأبعاد ".. العمليات المعرفية والمشاعر والتعليم الاجتماعى والإطار الثقافى بمختلف مكوناته " كقيم مطلقة وكركيزة إدراكية جماعية تفسر وتفضح السلوك الصهيونى بمستوياته المتعددة عالمية و" إسرائيلية " جماعية وفردية كانت أو قولية وفعلية وجمعية، وتتبدى فى أنصع صورها فى العدوان العدائى الذى يعتبر " أنقى صورة للعدوان الذى يمثل فيه ارتفاع الأذى بالهدف الغرض الأساسى له وينتج من ذلك عادة شعور المعتدى بكراهية الهدف ومقته، وكهدف نهائى حيث يصبح الوجود اليهودى والبقاء اليهودى كغاية مرتبطين بنفى الآخر ومحوه، ومتجليان فى نظام من القيم ومن الأيديولوجيا العنصرية التى تحتمهما وتجعلهما غاية لاهوتية فى حد ذاتهما كما أن هذه القيم وهذه الأيديولوجيا العنصرية هى غاية لهما لتحقيق الاستمرار اليهودى، وهذا ما نقصده بلاهوت العنصرية الإسرائيلية كطاقة مقدسة تؤثر بقوتها العلوية وتفردها العنصرى على ما هو غير مقدس وتصير مبرراً للامساواة والاستغلال والحروب بتراكب المنظومة اللاهوتية فى بنيتها على قوالب جامدة تقف خلف السلوك فى مستوياته المختلفة وتحدد طبيعته ومحتواه وتشكل استعداداته الأولية حتى يأخذ الصهيوني هيكله النفسى منها كوحدة دينامية يتفاعل فيها الوعى واللاوعى، تنطلق من الجيتو العقلى الصهيونى إلى العالم أى من الأنا إلى العالم ومن الوجود إلى غير الوجود أى من اليهودى إلى الآخر الزائل، ومن المطلق المتعالى الكامل اللامتناهى الذى لا يرتهن بآخر ولا يتبدل ولا يقارن ولا يعارض، مستقلا عما حوله بذاته ومعرفته بل هو الحقيقة المتبدية الأكيدة فى العالم العلوى والسفلى، التى يبدأ منها الوعى التاريخي أو يتجدد فى اللحظة المسيانية لحظة نهاية التاريخ لما هو أدنى، وتتبقى ماهية الإنسان ( بالطبع الإنسان هو اليهودى) فيبقى  الوجود التاريخى الذى هو الوجود اللاهوتى اليهودى.

 

أحمد عزت سليم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم