صحيفة المثقف

علجية عيش: الخلفية التاريخية للعلاقة بين المشرق والمغرب العربيين

علجية عيش- لماذا فشل العرب في المشرق والمغرب في بناء نموذج الدولة القطرية؟

- (هل لمسألة الصحراء الغربية شأن إقليمي أم إفريقي أم عربي؟ ومتى ينتهي الصراع الجزائري مغربي)

لقد فشل العرب في المشرق والمغرب في بناء نموذج الدولة القطرية وهم الذين تحدثوا عن الوحدة وكرسوا الإقليمية والحدود بين الأقطار العربية، ولذلك سقط مشروع النهضة العربية، بدليل ما نشهده الآن في الساحة العربية وعملية التطبيع مع إسرائيل، بافافة إلى الصراع المغارب حول الصحراء الغربية التي لا تزال قائمة في التاريخ المعاصر وقد خص لها المؤلف فصلا خاصا في آخر الكتاب حيث ترك سؤالا مكروحا إن كان النزاع في الصحراء على الأرض أم الشعب أم الموارد؟ يرى صاحب الدراسة أن هناك مصالح استراتيجية حيوية في منطقة المغرب العربي والقارة الإفريقية يحددها موقف الدول الغربية والشرقية هذا الوضع سببه ضعف الجامعة العربية وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات في ظل الخلافات العربية وتردي ألأوضاع في الوطن العربي

 قليلون هم الذين تطرقوا إلى إشكالية العلاقة بين المشرق والمغرب العربيين  وتطوّرها والوقوف على ومضاتها وإيجالياتها، وما الأسباب الأخرى للإشكالية؟ سياسية واجتماعية وهل المسألة ثقافية بحتة أم دخلت بها ومعها عناصر، فكانت هذه الدراسة التي أجراها الباحث عبد المالك خلف التميمي الذي عرض رؤيته من خلال كتابه "أضواء على المغرب العربي"، والدكتور عبد المالك خلف التميمي من مواليد الكويت خريج جامعة إنجلترا قسم التاريخ وتمكن من صياغة تصور تاريخي متكامل للتاريخ العربي المعاصر، ولكونه عايش الغزو العراقي للكويت فقد كرس قلمه وفكره الأكاديمي في معالجة الواقع العربي مشرقا ومغربا، كان من بين الذين ـأثروا بالثورة الجزائرية فكان له أن يفتح نافذة على المغرب العربي، إلا أن النظرة كانت عربية مشرقية ولم تكن مغاربية.

 بدأ الكاتب هذا الجزء من دراسته بالوقوف على الخلفية التاريخية لهذه العلاقات التي كانت في أعقاب الفتوحات الإسلامية عندما تمت اسلمت الشمال الأفريقي وتعريبه في القرن الأول الهجري وكانت الهجرات القبلية من المشرق العربي أن تصل وتستقر في المغرب العربي كما ساهمت التجارة في تطوير هذه العلاقات إلى أن كان هناك تبادل عائلي في إطار الإنصهار والحج، أصبح المغرب الغعربي عغربيا مسلما هوية وانتماءً، من لشهر الهجرت الشرقية يذكر الكاتب الهجرة الهلالية في مناصف القرن الخامس الهجري، بحثا عن الذهب والفضة التي كانت تزخر بهما افريقيا، متخذين الطريق الصحراوةي عبر مصر والسودان إلأى مناطق الصنهاجيين في الشمال الأفريقي، وثقافية، وقد قدم الصنهاجيون تسهيلات للتجار المشارقة وفتحوا لهم طريق التجارة، كان للرحالة من العلماء دورا في تطوير العلاقات، تركات آثارا عندما تبنى المشترقة فمكرة القومية العربية على أساس علماني في مرحلة الإستعمار وبعيد الإستقلال لأسباب موضوعية.

وقد كان الكاتب منصفا عندما أضاف أن في المغر ب العربي كان هناك اندماج كبير للعروبة بالإسلام في النشاط الثقافي قام به أفراد ومؤسسات تعليمية وثقافية، وكان طابع التعليم والثقافة دينيا حتى نهاية القرن التاسع عشر، والفضل يعود للرحالة على غرار ابن حوقل في القرن العاشر والبكري في القرن الحادي عشر والإدريسي وابن بطوطة في القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر والعمري وابن خلدون في القرن الرابع عشر والحسن الوزان في القرن السادس عشر وغيرهم، وحول رحلات المشارقة إلى الجزائر ورحلات الجزائريين إلى المشرق، كان محمد عبده أول شخصية مشرقية دينية تقوم برحلة إلى الجزائر أواخر القرن التاسع عشر وألقى خلالها عدة دروس في قسنطينة ومدينة الجزائر وكان لها أثر كبير في اوساط المثقفين الجزائريين لما كان يتمتع به محمد عبده من أفكار متحررة وآراء مستنيرة، ثم رحلة ابن باديس إلى الشام والحجاز للإطلاع على حركة النهضة في المشرق واتصاله بالمفكرين المشارقة مثل رشيد رضا والبيطار وغيرهم، فكان هناك وعي للنخبة المثقفة بالواقع وأحوال الأمة.

كان لمحمد عبده والأفغاني دور في ان تستقي حركة الإصلاح الجزائرية أصولها الأولى، ما يؤكد أن المسألة الثقافية والفكرية تمتد جذورها في التاريخ لعدة قرون، هل كان الدكتور خلف التميمي منصفا عندما قال أن الفكر العربي تاريخا هو فكر مشرقي، وهل كان يريد القول أن المغرب العربي كان تابعا للمشرق العربي فكرا وثقافة؟ أو أنه اقتبس ثقافته منه؟، إن مثل هذا الكلام يجعل القارئ المغاربي يتساءل إن كانت فعلا هناك تبعية فكرية أو ثقافية للمشرق العربي، وهل لا يوجد مفكرون وعلماء مغاربة؟ وهل لم يكن هناك إنتاج إبداعي فكري ثقافي مغاربي؟ فما نقرأه عن فكر المغاربة من علماء ومؤرخين وإبداعهم لا صلة له بالتبعية الفكرية، أما قول الكاتب بأن المركزية المشرقية سيطرت على الثقافة العربية، فهذا راجع كما أردف هو إلى احتكاك المشارقة بالغرب، بالإضافة إلى أن نضج الحركة القومية العربية مشرقيا سببها اتفاقية سايس بيكو اثناء الحرب العالمية الأولى وظهور الحركة الصهيونية ونشاطها لإقامة الوطن القومي حيث عجلت في تقسيم المشرق العربي، ثم أن الظروف التي عاشها المغرب العربي طيلة فترة الإستعمار تسببت في ضعف وتدمير المراكز العلمية والثقافية، فكان من الصعب أن يستعيد ثقافته ة تراثه في وقت قصير.

هل لمسألة الصحراء الغربية شأن إقليمي أم إفريقي أم عربي؟

لم تقف نخبة المغرب العربي مكتوفة الأيدي بل عملت على استعادة موروثها الثقافي، ولذا عمل المغاربة على إنشاء "جبهة وطنية مغاربية" (تونسية- جزائرية - مغاربية) خلال عقدهم مؤتمر لهم في القاهرة في فيفري 1947 لمواجهة الإستعمار والعمل من أجل الإستقلال ووحدة أقطار المغرب العربي، ولم يتوقف المغاربة عند الإهتمام بقضيتهم الوطنية، بل تفاعلوا مع القضايا العربية الأخرى وبالأخص القضية الفلسطينية التي كانت تواجه الإستعمار الصهيوني الذي كان يسعى لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، إلا أنهم انقسموا وتحولوا من اشقاء إلى أعداء بسبب ملف الصحراء الغربية التي تبعته مسألة التطبيع، ورفع الأشقاء المغاربة (الجزائر والمغرب) شعار الكراهية والعدائية ولم يعد لمشروع اتحاد المغرب العربي حديث ولا حتى مشروع الدولة القطرية، حيث فشل العرب في المشرق والمغرب في بناء نموذج الدولة القطرية ولذلك سقط مشروع النهضة العربية، بدليل ما نشهده الآن في الساحة العربية وعملية التطبيع مع إسرائيل، ويختم صاحب الكتاب دراسته بالقول أن العرب عادوا إلى عصر القبلية والطائفية والعشيرة والعائلة فلم ينجحوا في بناء الدولة القطرية الحديثة، إن الأزمة التي وقع فيها المشارقة والمغاربة كما يضيف تتمثل في انقسامهم إلى تيارات فكرية بعضها أصولي تقليدي وبعضها تحديثي تقدمي، فضلا عن الأطروحات التي دفعتهم إلى إلغاء الآخر، والأزمة كذلك تتمثل في غياب الوعي في معالجة القضايا كملف الصحراء الغربية، وقد خص لها المؤلف فصلا خاصا في آخر الكتاب.

و دون التطرق إلى موقع الصحراء الغربية وعدد سكانها فقد تطرق إليها الكاتب في الصفحتين 244-245 من كتابه والإحصائيات التي قدمتها لجنة الوصاية للأمم المتحدة وهي طبعا أرقاما قديمة، فالأرقام التي ذكرها الكاتب أعطيت في منتصف السبعينات ثم أن الكتاب طبع في 2011، لكن من الضروري التطرق باختصار إلى تاريخ شعب الصحراء الغربية، حيث يرجع وجودهم إلى القرن الثاني بعد الميلاد عندما رحل عدد من البربر الصنهاجيين باتجاه الصحراء بحثا عن مستقر آمن، حيث اسس فيها ابناؤهم الدولة المرابطية، وفي القرن التاسع الميلادي بدأت القبائل العربية الحسانية تصل إلى الصحراء، والشعب الصحراوي يتكون من عنصرين هما العرب والبربر، لم تكن هناك حدود معترف بها بين الشعبين الصحراوي والمغربي، يقول الدكتور خلف التميمي الذي يعتبر شاهدا أن التطورات التي حدثت في عصر المرابطين قد تثير قضية الحق التاريخي بعكس ما يطالب به المغرب اليوم وهو أن المراطبين قد خرجوا من الصحراء الغربية وحكموا المنطقة كلها بما فيها المغرب، ولذلك كانت المغرب في ذلك الوقت وبذلك المعنى تابعة للصحراء وليس العكس، مما يفسر عدم تبعية الصحراء الغربية للمغرب لأنه لم يكن هناك دمج ترابي بين المغرب والصحراء الغربية ويتضح ذلك من خلال الإتفاقية المغربية الإسبانية التي وقعت بين الطرفين في عام 1767م، ثم تلتها اتفاقية بين فرنسا واسبانيا لتحديد الحدود عام 1902 .

 ربما يقف القارئ مع موقف الكاتب حينما قال أن هذا الحق التاريخي الذي يثيره المغرب في مطالبته بالصحراء يحتاج إلى مناقشة وإعادة نظر، خاصة وأن هذه المطالب واجهتها معارضة إقليمية وأفريقية ودولية، منها تاييد الجزائر للصحراء الغربية وتقرير مصير الشعب الصحراوي واعتراف موريتانيا بالشعب الصحراوي بعد انسحابها من الصحراء، ثم قبول منظمة الوحدة الإفريقية الصحراء الغربية كعضو والإعتراف بها كجمهورية ديمقراطية وغير ذلك، أما الجانب الجزائري يرى الدكتور خلف التميمي فإن الجزائر تخشى إن نجحت المغرب في افستيلاء على الصحراء أن تعود المغرب للمطالبة بإقليم تندوف في جنوب الجزائر الغني بمعدن الحديد، كما أن الخلافات السياسية والحدودية وافيديولوجية بين المغرب والجزائر لها تاثيرها على العلاقات بين البلدين وعلى موقف الجزائر من قضية الصحراء، وهذا الخلاف السياسي والإيديولوجي مع المغرب يجعل الجزائر في موقف معارض لسياسة المغرب ومؤيد للثورة في الصحراء.

ماذا عن الموقف الخارجي ( الغربي والشرقي)؟

يرى صاحب الدراسة أن هناك مصالح استراتيجية حيوية في منطقة المغرب العربي والقارة الإفريقية يحددها موقف الدول الغربية والشرقية، فالأسطول السادس يرابط قرابة السواحل الإفريقية الشمالية، وإن الغرب يستورد الغاز الجزائري والنفط من أكثر من بلد كما ان بعض الدول الغربية تحصل على الفوسفات من لمغرب والصحراء الغربية، ما جعل ىالولايات المتحدة ألأمريكية تدخل طرفا في قضية الصحراء الغربية منذ عام 1975 كوسيط يسهم في حل المشكلة، أما عن العرب فقد انقسموا بين مؤيد ومدعم لقضية الصحراء الغربية وبين معارض حيث وقفت بعض الدول العربية إلى جانب المغرب في مطالبها بضم الصحراء بعضها بدافع قومي وبعضها الآخر من أجل خلق كيانات جديدة، يضاف إلى هذا الوضع ضعف الجامعة العربية وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات في ظل الخلافات العربية وتردي الأوضاع في الوطن العربي.

 

قراءة علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم