صحيفة المثقف

ثامر الحاج امين: العطابّة.. بلسم جراح الفقراء

ثامر الحاج امينمن مظاهر البساطة والبراءة التي كانت عليهما حياتنا قديما هي استخدام (العطاّبة) كواحدة من الاسعافات الأولية التي تلجأ اليها اهالينا عند تعرض احدنا الى جرح ما او لمعالجة صداع الرأس، والعطّابة هي عبارة عن لفافة من القماش على شكل جگارة تشعل من احد طرفيها وتوضع على مكان الجرح من أجل ايقاف نزيف الدم وهناك عوائل تلجأ الى احراق قطعة من صوف الاغنام لهذا الغرض والصوف كان متوفرا في اغلب البيوتات حيث كانت الامهات تقوم بصناعة سجاد البيت بنفسها عن طريق غزل الصوف على شكل خيوط ومن ثم ارسالها الى " الحائك " لغرض نسج السجاد بأحجام والوان زاهية، وبالرغم من انتشار مفردة " العطاّبة " في موروثنا الشعبي وتداولها الشائع بين جمهور واسع من محلاتنا الشعبية، الا انها مفردة فصيحة، فقد ورد تعريفها في معجم المعاني الجامع  (العطبة خرقة تؤخذ بها النار) .

لقد أشار الحديث الشريف لأهمية " العطابة " في قوله (الشفاء في الثلاث، كية نار او شرطة محجم، او شربة عسل) وكية النار تعني بواسطة العطاّبة ، كذلك وردت في المثل الشعبي (حضّر العطّاّبة قبل الفشخة) في إشارة لمن يستعجل التحضير للحدث قبل وقوعه، كما ان الشيء الذي يتأثر كليا بالحرق يقال عنه (عطّبّ)، حتى وصلت هذه المفردة الى ميدان الشعر فقد أطلق الشاعر الكبير مظفر النواب في قصيدته الشهيرة " صويحب " صرخته بوجه الاقطاع (جرح صويحب بعطابّه ما يلتم) مشيرا الى ان مقتل هذا الثائر الوطني ــ صويحب ــ  اكبر من ان تعالجه عطابة، ونجدها ايضا ًفي مكان اخر من ارث هذا الشاعر عندما وصف حاله بعد غياب الحبيب في قوله :

واگلكم روحي عتها الليل

اختنگت عگبكم

بيها عطابة مغبره

وتناولها الشاعر الخالد عريان السيد خلف في تجسيد وفائه وصبره على ايذاء الحبيب (وشكثر ليلك ݘواني .. وروحي عطابة اعله جرحك) وايضا جاءت الاشارة اليها في دعوة الشاعر صاحب الضويري  اللجوء الى العطابة لإيقاف النزيف (عطبه لون شريان جرحك نزف)، وساحة الغناء هي الأخرى لم تخفي هيمنة هذه المفردة حيث غنّت المطربة (سلطانه يوسف 1910 ـ 1995) من ألحان صالح الكويتي (ان ݘان گلبك لوعوه، گلبي بعطابة ݘووه)

اليوم وقد بات جرحنا بحاجة الى أمهر الجراحين لإيقاف نزيفه، نستذكر العطابة التي كانت بلسم جراح الفقراء ودوائهم الشافي .

 

ثامر الحاج امين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم