صحيفة المثقف

نبيل عبد الأمير الربيعي: في التاسع من نيسان

نبيل عبدالامير الربيعيفي التاسع من نيسان عام 2003 كُنتُ أحد المغتربين في مملكة الدنمارك، ومن بين ملايين المشاهدين حول العالم، الذين راحوا يتابعون وقائع إسقاط التمثال الهائل لصدام حسين في ساحة الفردوس وسط العاصمة بغداد، ورقص العراقيون وهم يلوحون بالأعلام احتفالاً بنهاية حكومة البعث المَقيت.

كان عديلي قاسم أحمد السعدي قد أعدَّ التلفاز الموصول بجهاز استقبال البث الفضائي في داره الواقعة في Grava، بينما أنا استذكر تلك الخطوب وعناصر أمن النظام تلاحقني من مكان إلى مكان، والذكريات لبلدٍ تركته وأنا في العقد الرابع من عمري، جميعها تجسّدت أمامي من جديد، وجعلت عينيّ تغرورق، لاستعادة الماضي البعيد.

في الوقت الذي كانت فيه عدسات المصورين ترصد مرور الدبابات الأمريكية ونعال أبو تحسين البغدادي تنهال على لوحة لصدام وهو يبكي ويقول (هذا الذي قتل اولادنا وشبابنا ودمّر العراق)، كذلك انهالت نعال البغداديين على لوحة جدارية له، وهي الإهانة الأشنع في العرف العربي، كان تفكيري قد ارتحل إلى عصرٍ آخر، إذ أبصرتُ النور في منتصف القرن الماضي، بعد ثورة 14 تموز 1958 بأربعة أشهر، وبعد أن رحل الاستعمار البريطاني وزبانيته، ذلك البلد المستعمر الذي غزى العراق تحت ذريعة نشر الديمقراطية، فكنت شاهد على تجاوز بلدي مخلفات الماضي، وسيرهُ قدماً نحو ما بدا لنا كمستقبلٍ واعدٍ مُشرق.

حدث كل ذلك في العراق البلد الذي كُنتُ سَعيداً فيه، ومتنعماً وسط مجتمعي الطيب المتآلف مع جرانه من جميع الطوائف، كان العراق بلداً فاتناً، يفوح منهُ عبير الذكريات الأثيرة، لكن بعد استلام البعث للسلطة عام 1963 وعام 1968 أراه تغير هذا البلد كلياً، وبعد الاحتلال الأمريكي عام 2003م طمست معالمهُ، كما لو أتت ممحاة قد أزالت خطوط الطباشير من على السبورة لكتابة قصة جديدة.

اشعر كما لو أني سردت عليكم أضغاث حُلمٌ بَعيد، وآمل ألا يكون عسيراً عليكم تجميع أجزائه مع بعضها البعض.

 

نبيل عبد الأمير الربيعي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم